أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-10-2016
1542
التاريخ: 2024-04-16
692
التاريخ: 2024-02-04
1079
التاريخ: 2024-06-01
863
|
على أن الكهنة لو تركوا الأمر على تلك الحال لكان حسنًا مقبولًا، ولكن — لسوء الحظ — كان انتشار الاعتقاد في نفع قوة السحر وتأثيرها في الحياة الأخروية لا يزال مستمرًّا؛ إذ كان المعتقد أن كل النعم المادية يمكن الحصول عليها — من غير نزاع — باستعمال الرقية الملائمة للحصول على ذلك الأمر المرغوب فيه. كما كان في الإمكان كذلك أن يُعاد إلى الإنسان بتأثير تلك العوامل السحرية كل شيء حتى العتاد العقلي ألا وهو «القلب» الذي معناه — في اللغة المصرية القديمة — «الفهم» أو «العقل» (راجع الأدب المصري القديم، جزء 2، ص10 … إلخ). فقد رأينا — فيما سبق ذكره — كيف أن نفس تلك الرقية التي تمكنت بها تلك الأم الهلوعة من منع طفلها أن يأخذه ذلك الشيطان الرجيم؛ (1) كان في الإمكان كذلك استعمالها لمنع أخذ قلب الإنسان منه (يعني سلب عقله منه). وقد وضعت الكهنة (2) في «متون التوابيت» في عصر العهد الإقطاعي؛ رقية لذلك الغرض عنوانها: «فصل في عدم السماح بأخذ قلب الرجل منه في العالم السفلي»، وقد أضيفت — الآن — هذه الرقية إلى «كتاب الموتى «. وفي هذا الكتاب نجد أن السحر قد أُدخل إلى عالم جديد آخر وهو عالم «الضمير» والصفات الشخصية والأخلاقية. وقد سوَّغت للكهنة أبواب الكسب والارتزاق — التي كانت لا تقف حيلتهم فيها عند حد — أن يتخذوا لهم من ذلك الزمن خطة خطيرة للاحتيال على الكسب، ألا وهي السماح لمثل تلك العوامل المنحطة أن تتدخل بتلك الكيفية في القيم الخُلقية؛ إذ كان في مقدور السحر أن يصير عاملًا للوصول إلى الغايات الخلقية، وسنذكر فيما يأتي أن «كتاب الموتى» هو — بوجه خاص — كتاب للرقى والتمائم السحرية، وأنه حتى الجزء الخاص منه بحساب الآخرة لم يستمر طويلًا خاليًا من ذلك؛ حيث نجد أن تلك الكلمات المؤثرة التي وجهها «آني» إلى قلبه عندما كان يُوزن بالموازين الأخروية وهي قوله له: «يا قلبي لا تقم شاهدًا عليَّ»؛ كانت تُدون — إذ ذاك — على صورة «جعل مقدس» مصنوع من الحجر (وهو الجِعْران)، ثم تُوضع فوق قلب الميت حتى تكون بمثابة أمر له نفوذ سحري فعال يمنع القلب إفشاء أخلاق المتوفى (الذميمة). وقد صارت ألفاظ تلك الرقية الجعلية (الجِعْرانية) فصلًا مستقلًّا من فصول «كتاب الموتى» عنوانه: «فصل لمنع قلب الرجل من معارضته (3) له في العالم السفلي «. وكانت مناظر المحاكمة في الآخرة ومتن إعلان البراءة تُكتب مرارًا على صفحات البردي؛ إذ يقوم بتدوينها الكهنة، ثم تُباع لكل الناس، ولا يُكتب اسم الميت في هذه النسخ، وإنما كان يُترك لكتابته مكان يملؤه المشتري بعد حصوله على تلك الوثيقة. وكانت كلمات الحكم التي تعلن أن المتوفى قد فاز في المحاكمة وبرئ من كل شر نُسب إليه؛ تُدون في كل صحيفة من تلك الصحف. وعلى ذلك كان في إمكان كل إنسان — مهما كانت أخلاقه ذميمة في الحياة الدنيا — أن يستولي من «كتاب الموتى» على شهادة يعلن فيها أن صاحب هذا الاسم — الذي ترك مكانه أبيض — كان رجلًا عادلًا (يعني أن هذا كان يُفعل من قبل أن يُعرف من سيكون صاحب هذا «البياض»). وقد كان في مقدور ذلك الميت أن يحصل على صيغة سحرية شديدة القوة والتأثير لدرجة تجعل «إله الشمس» الذي يُعتبر القوة الحقيقية الكامنة وراء تلك المحاكمة يسقط من سماواته في «النيل» إذا لم يخرج ذلك الميت بريء الساحة تمامًا من محاكمته. وبتلك الكيفية نجد أن أقدم انتشار للأخلاق الفاضلة كان يمكننا تتبعه في حياة الإنسان القديم قد توقف فجأة، أو على الأقل قد صُدم صدمة عنيفة بتلك الحيل الممقوتة التي كان يستعملها أولئك الكهنة الفاسقون جريًا وراء الكسب. ولسنا في حاجة إلى بيان ما أدى إليه تدخل السحر في ذلك الشأن الخطير من الاعتقادات الدينية، وما آلت إليه الحال من الارتباك في الفوارق التي انطوت على ذلك التطبيق الأخير للسحر. وذلك الارتباك كان ناتجًا من خيبة الإنسان قديمًا في فهم الفرق بين «ما يدخل في نفس الإنسان» وبين «ما يخرج منها «. فتلك البراءة التي تُطبق على الإنسان تطبيقًا آليًّا بالعوامل الخارجية لتنجيه من العقوبات التي مصدرها من الخارج لا يمكن — بطبيعة الحال — أن تزيل الأضرار التي حدثت في باطن الإنسان؛ فالإيحاء الباطني الذي كان يحسه المصريون الأقدمون أكثر من أية أمة أخرى في الشرق القديم، وهو الإيحاء الذي كانت ترتكز عليه أيضًا كل فكرة عن الحساب الخلقي العسير في عالم الآخرة؛ لا يمكن أبدًا أن يكتفي بمثل تلك الطرق الخارجية التي ابتدعها لهم السحر، ولا بد أن الاعتقاد العام الذي جرت به العادة في الاعتماد على مثل تلك الحيل الدنيئة للفرار من المسئولية الخلقية عن حياة مرذولة — كان قد سمم حياة الشعب الفطرية. ففي الوقت الذي يكشف فيه لنا «كتاب الموتى» صيغة المحاكمة الخلقية في عالم الآخرة وكيفيتها — وعن الحقيقة التي ألبسها لتصوير المسئولية الخلقية بصورة تامة أكثر من أي زمن آخر سابق في تاريخ المصريين القدماء — فإنه كذلك يُعتبر كشفًا عن مدى الانحطاط الخلقي في ذلك الوقت؛ إذ بقدر ما صار «كتاب الموتى» سلاحًا لضمان البراءة الخلقية في عالم الآخرة بدون مراعاة لقيمة أخلاق ذلك الشخص صار قوة إيجابية لجلب الشر أيضًا. ونتاج الكهانة هذا (أي كتاب الموتى) كان — فضلًا عما سبق ذكره عنه — يُعد عاملًا ضارًّا؛ لأنه كان ينتظم طائفة من الرقى والتعاويذ السحرية التي يعتقد فيها القوم القدرة على جلب ما يرضي الميت من الحاجات المادية والجثمانية في عالم الآخرة. وقد زاد عدد تلك الرقى في عهد الدولة الحديثة، وكان لكل واحدة منها عنوانها الدال على ما تؤديه للميت من الأعمال؛ ولذلك فإن الرقى السالفة الذكر مضافًا إليها بعض الأناشيد الدينية في مديح «رع» و«أوزير» وهي التي كان بعضها يُنشد أمام الجنائز، ويحتوي عادة على بعض البيانات عن الحساب في الآخرة كانت — إذ ذاك — تُدون بصفتها متونًا جنازية على صحف من البردي تُوضع مع الميت في قبره. وهذه الأوراق البردية هي التي صارت تُعرف — عندنا عادة — باسم «كتاب الموتى«.
................................................
1- راجع مصر القديمة، جزء 3.
2- راجع: Papyrus of Nu, Sheet 5. Budge, “Book of the Dead” Text Vol. I, p. 128–129.
3- راجع الفصل الثلاثين من كتاب الموتى.
|
|
دور في الحماية من السرطان.. يجب تناول لبن الزبادي يوميا
|
|
|
|
|
العلماء الروس يطورون مسيرة لمراقبة حرائق الغابات
|
|
|
|
|
انطلاق الجلسة البحثية الرابعة لمؤتمر العميد العلمي العالمي السابع
|
|
|