أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-04-2015
3991
التاريخ: 17-10-2014
1621
التاريخ: 18-11-2014
1722
التاريخ: 27-11-2014
2323
|
أن القائل بالتحريف إما أن يدعي وقوعه من الشيخين ، بعد وفاة النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) وإما من عثمان بعد انتهاء الامر إليه ، وإما من شخص آخر بعد انتهاء الدور الاول من الخلافة ، وجميع هذه الدعاوى باطلة. أما دعوى وقوع التحريف من أبي بكر وعمر ، فيبطلها انهما في هذا التحريف إما أن يكونا غير عامدين ، وإنما صدر عنهما من جهة عدم وصول القرآن اليهما بتمامه ، لأنه لم يكن مجموعا قبل ذلك ، وإما أن يكونا متعمدين في هذا التحريف ، وإذا كانا عامدين فإما أن يكون التحريف الذي وقع منهما في آيات تمس بزعامتهما وإما أن يكون في آيات ليس لها تعلق بذلك ، فالاحتمالات المتصورة ثلاثة :
أما احتمال عدم وصول القرآن اليهما بتمامه فهو ساقط قطعا ، فإن اهتمام النبي (صلى الله عليه واله وسلم )بأمر القرآن بحفظه ، وقراءته ، وترتيل آياته ، واهتمام الصحابة بذلك في عهد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) وبعد وفاته يورث القطع بكون القرآن محفوظا عندهم ، جمعا أو متفرقا ، حفظا في الصدور ، أو تدوينا في القراطيس ، وقد اهتموا بحفظ أشعار الجاهلية وخطبها ، فكيف لا يهتمون بأمر الكتاب العزيز ، الذي عرضوا أنفسهم للقتل في دعوته ، وإعلان أحكامه ، وهجروا في سبيله أوطانهم ، وبذلوا أموالهم ، وأعرضوا عن نسائهم وأطفالهم ، ووقفوا المواقف التي بيضوا بها وجه التاريخ ، وهل يحتمل عاقل مع ذلك كله عدم اعتنائهم بالقرآن ؟ حتى يضيع بين الناس ، وحتى يحتاج في إثباته إلى شهادة شاهدين ؟ وهل هذا إلا كاحتمال الزيادة في القرآن بل كاحتمال عدم بقاء شيء من القرآن المنزل ؟. على أن روايات الثقلين المتظافرة المتقدمة دالة على بطلان هذا الاحتمال ، فإن قوله (صلى الله عليه واله وسلم ): إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي لا يصح إذا كان بعض القرآن ضائعا في عصره ، فإن المتروك حينئذ يكون بعض الكتاب لا جميعه ، بل وفي هذه الروايات دلالة صريحة على تدوين القرآن ، وجمعه في زمان النبي (صلى الله عليه واله وسلم )لان الكتاب لا يصدق على مجموع المتفرقات ، ولا على المحفوظ في الصدور. ـ وسنتعرض للكلام فيمن جمع القرآن على عهد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم )، وإذا سلم عدم اهتمام المسلمين بجمع القرآن على عهده (صلى الله عليه واله وسلم ) فلماذا لم يهتم بذلك النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) بنفسه مع اهتمامه الشديد بأمر القرآن ؟ فهل كان غافلا عن نتائج هذا الاغفال ، أو كان غير متمكن من الجمع ، لعدم تهيؤ الوسائل عنده ؟! ومن الواضح بطلان جميع ذلك.
وأما احتمال تحريف الشيخين للقرآن ـ عمدا ـ في الايات التي لا تمس بزعامتهما ، وزعامة أصحابهما فهو بعيد في نفسه ، إذ لا غرض لهما في ذلك ، على أن ذلك مقطوع بعدمه ، وكيف يمكن وقوع التحريف منهما مع أن الخلافة كانت مبتنية على السياسة ، وإظهار الاهتمام بأمر الدين ؟ وهلا احتج بذلك أحد الممتنعين عن بيعتهما ، والمعترضين على أبي بكر في أمر الخلافة كسعد بن عبادة وأصحابه ؟ وهلا ذكر ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام ) في خطبته الشقشقية المعروفة ، أو في غيرها من كلماته التي اعترض بها على من تقدمه ؟ ولا يمكن دعوى اعتراض المسلمين عليهما بذلك ، واختفاء ذلك عنا ، فإن هذه الدعوى واضحة البطلان.
وأما احتمال وقوع التحريف من الشيخين عمدا ، في آيات تمس بزعمامتهما فهو أيضا مقطوع بعدمه ، فإن أمير المؤمنين (عليه السلام) وزوجته الصديقة الطاهرة (عليها السلام) وجماعة من أصحابه قد عارضوا الشيخين في أمر الخلافة ، واحتجوا عليهما بما سمعوا من النبي (صلى الله عليه واله وسلم )واستشهدوا على ذلك من شهد من المهاجرين والانصار ، واحتجوا عليه بحديث الغدير وغيره ، وقد ذكر في كتاب الاحتجاج : احتجاج اثني عشر رجلا على أبي بكر في الخلافة ، وذكروا له النص فيها ، وقد عقد العلامة المجلسي بابا لاحتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) في أمر الخلافة (1) ، ولو كان في القرآن شيء يمس زعامتهم لكان أحق بالذكر في مقام الاحتجاج ، وأحرى بالاستشهاد عليه من جميع المسلمين ، ولا سيما أن أمر الخلافة كان قبل جمع القرآن على زعمهم بكثير ، ففي ترك الصحابة ذكر ذلك في أول أمر الخلافة وبعد انتهائها إلى علي (عليه السلام) دلالة قطعية على عدم التحريف المذكور.
وأما احتمال وقوع التحريف من عثمان فهو أبعد من الدعوى الاولى :
1 ـ لان الاسلام قد انتشر في زمان عثمان على نحو ليس في إمكان عثمان أن ينقص من القرآن شيئا ، ولا في إمكان من وأكبر شأنا من عثمان.
2 ـ ولان تحريفه إن كان للآيات التي لا ترجع إلى الولاية ، ولا تمس زعامة سلفه بشيء ، فهو بغير سبب موجب ، وإن كان للآيات التي ترجع إلى شيء من ذلك فهو مقطوع بعدمه ، لان القرآن لو اشتمل على شيء من ذلك وانتشر بين الناس لما وصلت الخلافة إلى عثمان.
3 ـ ولأنه لو كان محرفا للقرآن ، لكان في ذلك أوضح حجة ، وأكبر عذر لقتلة عثمان في قتله علنا ، ولما احتاجوا في الاحتجاج على ذلك إلى مخالفته لسيرة الشيخين في بيت مال المسلمين ، وإلى ما سوى ذلك من الحجج.
4 ـ ولكان من الواجب على علي (عليه السلام) بعد عثمان أن يرد القرآن إلى أصله ، الذي كان يقرأ به في زمان النبي (صلى الله عليه واله وسلم )وزمان الشيخين ولم يكن عليه في ذلك شيء ينتقد به ، بل ولكان ذلك أبلغ أثرا في مقصوده وأظهر لحجته على الثائرين بدم عثمان ، ولا سيما أنه (عليه السلام) قد أمر بإرجاع القطائع التي أقطعها عثمان. وقال في خطبة له : « والله لو وجدته قد تزوج به النساء وملك به الاماء لرددته فإن في العدل سعة ، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق » (2).
هذا أمر علي في الاموال ، فكيف يكون أمره في القرآن لو كان محرفا ، فيكون إمضاؤه (عليه السلام) للقرآن الموجود في عصره ، دليلا على عدم وقوع التحريف فيه.
وأما دعوى وقوع التحريف بعد زمان الخلفاء فلم يدعها أحد فيما نعلم ، غير أنها نسبت إلى بعض القائلين بالتحريف ، فادعى أن الحجاج لما قام بنصرة بني أمية أسقط من القرآن آيات كثيرة كانت قد نزلت فيهم ، وزاد فيه ما لم يكن منه ، وكتب مصاحف وبعثها إلى مصر ، والشام ، والحرمين ، والبصرة والكوفة ، وإن القرآن الموجود اليوم مطابق لتلك المصاحف. وأما المصاحف الاخرى فقد جمعها ولم يبق منها شيئا ولا نسخة واحدة (3).
وهذه الدعوى تشبه هذيان المحمومين ، وخرافات المجانين والاطفال ، فإن الحجاج واحد من ولاة بني أمية ، وهو أقصر باعا ، وأصغر قدرا من أن ينال القرآن بشيء ، بل وهو أعجز من أن يغير شيئا من الفروع الاسلامية ، فكيف يغير ما هو أساس الدين ، وقوام الشريعة ؟ ومن أين له القدرة والنفوذ في جميع ممالك الاسلام وغيرها مع انتشار القرآن فيها ؟ وكيف لم يذكر هذا الخطب العظيم مؤرخ في تاريخه ، ولا ناقد في نقده مع ما فيه من الاهمية ، وكثرة الدواعي إلى نقله ، وكيف لم يتعرض لنقله واحد من المسلمين في وقته ، وكيف أغضى المسلمون عن هذا العمل بعد انقضاء عهد الحجاج ، وانتهاء سلطته ؟.
وهب أنه تمكن من جمع نسخ المصاحف جميعها ، ولم تشذ عن قدرته نسخة واحدة من أقطار المسلمين المتباعدة ، فهل تمكن من إزالته عن صدور المسلمين وقلوب حفظة القران ؟ وعددهم في ذلك الوقت لا يحصيه إلا الله ، على أن القرآن لو كان في بعض آياته شيء يمس بني أمية ، لاهتم معاوية بإسقاطه قبل زمان الحجاج وهو أشد منه قدرة ، وأعظم نفوذا ، ولاستدل به أصحاب علي (عليه السلام) على معاوية ، كما احتجوا عليه بما حفظه التاريخ ، وكتب الحديث والكلام ، وبما قدمناه للقارئ ، يتضح له أن من يدعي التحريف يخالف بداهة العقل ، وقد قيل في المثل : حدث الرجل بما لا يليق ، فإن صدق فهو ليس بعاقل.
__________________
1 ـ بحار الانوار ج 8 ص 79.
2 ـ نهج البلاغة : فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان.
3 ـ مناهل العرفان ص 257.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|