أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-5-2016
3119
التاريخ: 7-2-2019
2332
التاريخ: 7-2-2019
2515
التاريخ: 24-12-2015
3637
|
يُنتزع الواجبُ من الانسان كما يُنتزع الدَين من المديون، فللواجب صفة قانونية «شرعية» واخلاقية واجتماعية ملزِمة، وقد كان واجب الجماعة تجاه النبي (صلى الله عليه واله) وقت الاحتضار، والوفاة، وما بعد الوفاة هو تنفيذ وصيته بالالتحاق بجيش اُسامة، والاقرار لعلي (عليه السلام) بالولاية، وعدم ترك جسد النبي (صلى الله عليه واله) دون عناية بعد وفاته، وهي مهام شرعية واجتماعية خطيرة كانت تساعد المسلمين على صيانة دينهم ومبدأهم لو كُتب لها النجاح، ولذلك قسّمنا واجب الجماعة تجاه وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله) الى قسمين : الواجب الشرعي والواجب الاخلاقي.
أـ الواجب الشرعي:
فعندما يصدر الشارع امراً من واجب او منع، فعلى المكلفين التطبيق، فالقانون الشرعي يلحظ المصلحة والملاك، ويعاقب على المعصية ويثيب على حسن الطاعة، وقد لمسنا ان التكليف الشرعي يأمر المسلمين جميعاً بطاعة رسول الله (صلى الله عليه واله)، فقال تعالى في محكم كتابه : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36]، {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] ، وبالضرورة وعندما امرهم رسول الله (صلى الله عليه واله) بامرة الولاية لعلي (عليه السلام) في قوله (صلى الله عليه واله) : «من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه» كان واجب الجماعة الطاعة التامة لذلك الواجب الشرعي، والا، فما معنى تجاهل ذلك الامر اذا كان من قضاء الله وتبليغ رسوله غير المعصية ؟ ألم يكن انتهاكاً لحرمة الدين والرسالة السماوية ؟ ولكن لم تكن تلك المعصية يتيمة في بابها.
سجل المعاصي الشرعية :
بل كان عدم الالتحاق بجيش اُسامة معصية اخرى تضاف الى سجل المعاصي التي ارتُكبت في تلك الفترة الحساسة من عمر الدين، وكان اجتماع السقيفة وما دار فيها من مشاحنات وصراع اجتماعي، معصية ثالثة.
وبكلمة، فان معصية القوم لواجبهم الديني الذي كان يقتضي عدم مخالفة رسول الله (صلى الله عليه واله)، والتشبث بمختلف الوسائل من اجل سلب الخلافة من اهلها الشرعيين كان من اعظم المخالفات في تأريخ الاسلام، بل ان تأثيرها كان بحجم الفرار من المعارك الكبرى في الاسلام في اُحد وخيبر وذات السلاسل وحُنين ونحوها.
اذن، فان مباني «التكليف الشرعي» تعتبر المخالفَ مذنباً، اي ان الذي يعصي التكليف الشرعي انما يرتكبُ ذنباً يستحق عليه اللوم والعقاب، والذين خالفوا وصية رسول الله (صلى الله عليه واله) يدخلون في تلك الدائرة، وهي دائرة المخالفة الشرعية والمعصية.
ولاشك ان التكليف الشرعي يتطابق تماماً مع معنى الالزام الشرعي، فالواجب هو اللازم، والالزام يعني الوجوب، نعم، ربما يعني الواجب تكليف على الانسان من الخارج، بينما يعني الالزام الزام المرء نفسه باداء التكليف فهو تكليف من الداخل.
وفي ضوء ذلك، فان الواجب يقيّد المكلف، ولا يحرره الا بادائه، وقد كان المسلمون جميعاً مكلّفون باداء ما امرهم به رسول الله (صلى الله عليه واله) في وصاياه، خصوصاً تلك المتعلقة بالولاية الشرعية، بل ان كل الدلائل كانت تشير الى ان هؤلاء القوم كانوا قد فهموا الواجب «ولاية علي (عليه السلام)» وعرفوه وفقهوه، ولكنهم لم يُلزموا انفسهم به.
ولو حاول البعض الغاء ذلك التكليف الشرعي، لنوقش بان كل دين او رسالة سماوية تفرض واجبات والزامات على المكلفين، ولا محيص من ادائها كاملاً ودون تردد او تأخير، وقد كان واجب الالتزام بوصايا رسول الله (صلى الله عليه واله) فيما يخص ولاية الامام (عليه السلام) واضحاً ابعد الوضوح، ومكرراً بحيث يفهمه القريب والبعيد، فكانت مخالفته معصية واضحة ضد تكاليف الشرع، وقد قال تعالى : {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].
وهكذا سارت الامور الاجتماعية والسياسية على عكس ما اراده رسول الله (صلى الله عليه واله)، وانتكست المسيرة الاسلامية انتكاسة عظيمة انعكست آثارها الخطيرة في القرون التي تلت الوفاة.
دواعي ارتكاب المعصية :
وقد يتسائل متساءل : كيف تم لتلك المعصية الكبرى ان تحصل ؟ والجواب على ذلك يتم عبر ملاحظة النقاط التالية :
اولاً : ان فشل القوم في تنفيذ وصية رسول الله (صلى الله عليه واله) كان يُلحظ فيه عدم الخوف من النتائج المترتبة على المعصية، فالامام (عليه السلام) والخواص من بني هاشم كان يهمهم حفظ بيضة الاسلام وعدم سفك الدماء، وهذا ليس غريباً فقد كانوا يضعون الاسلام ومصلحته العليا فوق كل شيء، فهم الصفوة المتصلة بالسماء، فالمعصية لم يكن يخشى منها اذى من بني هاشم، ولم يكن يخشى منها عقوبة دينية دنيوية.
ثانياً : ان تلك المخالفة لوصايا رسول الله (صلى الله عليه واله) كان يُنظر لها على اساس انها قضية تحتمل التبرير، فالماكنة الاعلامية للسلطة الجديدة تستطيع ان تدعي بان المصلحة العليا للاسلام اقتضت اقصاء علي (عليه السلام) من الخلافة الشرعية، وتستطيع ان تدعي بان علياً (عليه السلام) كان شاباً لا يستطيع ادارة دفة الحكم، وفي الامة العديد من الشيوخ، وتستطيع ان تدعي بان الخليفة الاول، على اساس قياس المفاضلة، افضل الناس وازكاهم واقربهم الى رسول الله (صلى الله عليه واله)، وعلى ضوئه يُحذف اسم علي (عليه السلام) من الساحة الاجتماعية.
ولذلك، فان تجريمها قضية مستحيلة، خصوصاً في غياب الوحي الذي كان يكشف سرائر الناس، كما حصل في سورة التوبة بعد غزوة تبوك فكشف اسرار المنافقين والذين تخلفوا عن رسول الله (صلى الله عليه واله) في غزوته الشاقة تلك.
وكان التخلف عن الالتحاق بجيش اُسامة قد حمل تبريرين يمثلان لسان القوم، احدهما يقول : «اني كنتُ خرجت ثم عدتُ لاحدث بك عهداً»، والآخر يقول : «اني لم اخرج لاني لم أحبّ ان أسأل عنك الركب»، وتلك التبريرات تكشف عن حجم المعصية وابعادها السياسية والاجتماعية.
ثالثاً : ان الشرط الضروري لمعرفة الحقيقة كان يمكن، في تقدير القوم، تغييره او تعديله او حذفه من الساحة الاجتماعية، واقصد بالشرط الضروري لمعرفة الحقيقة هو علي (عليه السلام) وفاطمة (عليه السلام)، وقد اُستخدمت معهما اساليب في غاية القسوة من اجل اجبارهما على الرضوخ للامر الواقع، ومنها اكراه الامام (عليه السلام) بقوة السيف على القبول بالبيعة للخليفة الاول، وانكار حق فاطمة (عليه السلام) في فدك وهتك حرمة بيت النبوة (عليه السلام).
ب، الواجب الاخلاقي:
والواجب الاخلاقي ينحصر في دائرة اضيق من الواجب الشرعي، ذلك ان الواجب الشرعي يدعو الانسان مثلاً الى اعطاء الفقير بعضاً مما يملكه المعطي لا كل ما يملكه، ولكن الواجب الاخلاقي يدعو الانسان الى اعطاء كل ما يملكه للفقير، هنا انحصر الواجب الاخلاقي بالصفوة من الناس، بينما عمّ الواجب الشرعي كل مكلف، ولو كان القوم قد تحلّوا بالواجب الاخلاقي فضلاً عن الواجب الشرعي لقدموا وصية رسول الله (صلى الله عليه واله) في استخلاف علي (عليه السلام) على كل مصالحهم الاجتماعية، ولكن كان الالزام الاخلاقي ضعيفاً عندهم، فما ان تُوفي رسول الله (صلى الله عليه واله) حتى اصبحت وصيته (صلى الله عليه واله) في خبر كان، وكأن شيئاً لم يحصل.
من مقتضيات الواجب الاخلاقي:
وهنا افرز سلوكهم بعد وفاة النبي (صلى الله عليه واله) ثلاثة امور على صعيد الواجب الاخلاقي:
الاول : ان الواجب الاخلاقي، فضلاً عن الواجب الشرعي، كان يقتضي تنفيذ وصية رسول الله (صلى الله عليه واله) بحذافيرها دون ابطاء او تأخير، ولكننا لم نرَ اثراً لذلك الواجب الاخلاقي عندهم.
الثاني : لم يلتزم القوم بالواجب الاخلاقي في تجهيز النبي (صلى الله عليه واله) ودفنه، مع ان ذلك الواجب كان واجباً شرعياً كفائياً قام به بنو هاشم، الا ان الالزام الاخلاقي يدعو المؤمن الى التريث حتى يتم دفن الرسول (صلى الله عليه واله)، قبل التداول في امر الخلافة.
الثالث : ان الواجب الاخلاقي اعلى درجةً من الواجب التكليفي، بمعنى ان الاول يؤدى خالصاً لوجه الله سبحانه وتعالى من دون تكليف، بينما يؤدى الثاني بدافع التكليف والامر المولوي، ولو افترضنا، نظرياً، ان عظم المصيبة التي حلّت بالمسلمين دفعتهم الى نسيان الوصية، لكان الاجدر بهم ان يقدموا علياً (عليه السلام) للخلافة، على سبيل اداء الواجب الاخلاقي، وهو الذي شهد له التأريخ القتالي والعلمي بحسن الادارة والقتال والتفاني في سبيل الدين.
ولاشك ان اداء الواجب الاخلاقي يُضفي على المجتمع الديني انسجاماً بين مختلف قطاعاته وطبقاته وشرائحه، ومن المسلَّم به ان كسر قواعد القانون الاخلاقي يحطم الشخصية الاخلاقية للمتدينين، ذلك لان الدين يحثّ دائماً على اداء الواجبات والمستحبات بدافع الاخلاص لله سبحانه ويدعو للتعامل الاخلاقي بين الناس، فكان كسر القانون الاخلاقي مرآة لتحطيم الشعور بالذنب ومحاولة قتل النفس اللوامة التي تلوم الانسان على تخريب روح الشريعة.
وهكذا كان، وانكسر الواجبان الاخلاقي والشرعي اللذان كانا يدعوانهم الى رعاية حرمة رسول الله (صلى الله عليه واله) خلال احتضاره وبعد وفاته (صلى الله عليه واله)، وهنا كانت الوفاة والحزن العظيم مدعاةً لاقتطاف الفرصة نحو الخلافة دون اظهار الحد الادنى من النبل والبحث عن الحقيقة.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|