المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
النقل البحري
2024-11-06
النظام الإقليمي العربي
2024-11-06
تربية الماشية في جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية
2024-11-06
تقييم الموارد المائية في الوطن العربي
2024-11-06
تقسيم الامطار في الوطن العربي
2024-11-06
تربية الماشية في الهند
2024-11-06

المحاصيل السكرية Sugar Crops
2023-10-02
Actinide Ions
28-1-2021
الاحتياجات السمادية للبيكان
24-8-2020
استخدام الاموال والشعراء للتطبيل لبيعة يزيد
7-4-2016
Creative Set
17-1-2022
عثة الخرنوب Ectomyelois ceratoniae
5-2-2016


طبيعـة خلافـة الوارث  
  
6006   11:35 صباحاً   التاريخ: 7-2-2016
المؤلف : حسن نعمة ياسر الياسري
الكتاب أو المصدر : الحقوق المتعلقة بالتركة بين الفقة الاسلامي والقانون المقارن
الجزء والصفحة : ص191-205
القسم : القانون / القانون الخاص / قانون الاحوال الشخصية /

لقد اعترفت الشرائع بحق الارث واقرته ( كما تقدم القول في ذلك ) ،وإن انتقال اموال المتوفى الى ورثته مسألة لا نزاع فيها . على ان هذه الشرائع وان سلمت بحق الارث ، لكنها لم تتفق على طبيعة هذا الحق ولا على حدوده ، فهي تختلف في تحديد حقوق الوارث والتزاماته ، والسبب في ذلك هو ان الذمة المالية للانسان لا تتركب من الحقوق فقط ، ولا من الاموال فحسب ، بل يوجد الى جانب الحقوق التزامات ،والى جوار الاصول خصوم ، وفي مقابلة الموجب سالب . اذ ان في كل تركة – كما في كل ذمة – حقان يتنازعان ، حق الوارث وحق الدائن ، ولا يمكن في نظام يرمي الى تحقيق العدالة القصوى ، ان يضحى بحق في سبيل الاخر  فلا يجوز ان يجور حق على حق، ولا ان يضيّع في سبيل الاخر ، ولا ان يجابي على سبيله . لذا فأن الشرائع والقوانين قد حرصت على اداء الحقوق لاربابها : حقوق الدائن اولاً ان كانت ذمة المتوفى مشغولة بديون لم يوفها وهو حي . وحقوق الورثة فيما فضل من التركة بعد وفاء هذه الديون . ولكن الشرائع مع اقرارها لهذا وذاك فانها اختلفت في بيان كيفية ايصال حقوق الورثة والدائنين الى كل منهم ، وفي رسم الطرق التي يسلكها كل من الدائن والوارث للحصول على حقه من التركة فجاءت احكام الميراث مختلفةً ومتباينة ، فسلك كل تشريع طريقاً خاصاً واخذ بواحدٍ من النظم التي امكن تصورها لتحقيق القصد المنشود ، ومرد هذا الاختلاف يكمن في الاختلاف في تصور طبيعة خلافة الوارث لمورثه ، هل هي خلافة شخصية ، او خلافة موضوعية . وبصورةٍ عامة يمكن القول ان بالإمكان ارجاع اسس هذه النظم الى احدى نظريتين:-

نظرية تقول بوراثة الشخص وخلافته ، ونظرية تقول بوارثة المال والخلافة فيه .

فوفقاً للنظرية الاولى يعد الوارث امتداداً لشخص مورثه ، ويصبح الوارث والمورث شخصية واحدة وذمة واحدة ، فتنتقل للخلف كل حقوق السلف والتزاماته – اما بقيد او بلا قيد . ووفقاً للنظرية الثانية يكون لكل من الوارث والمورث شخصية مستقلة ، وتكون خلافة الوارث للمورث في امواله فقط . ولقد سلك القانون الروماني ، والقوانين التي تفرعت عنه كالقانون الفرنسي المسلك الاول ، بينما سلكت القوانين الجرمانية المسلك الثاني ، اما الشريعة الاسلامية الغراء فانها قد اخذت بالنظرية الثانية القائلة بالخلافة في المال دون الشخص ، بل انها صاحبة هذه النظرية . وبناءاً على ما تقدم فاننا سنوزع هذا الفرع على فقرتين تخصص الاولى منهما لبحث نظرية خلافة الشخص ، وتكرس الثانية لبحث نظرية خلافة المال .

الفقـرة الاولى

نظريـة خلافـة الشخص

مفاد هذه النظرية ان شخصية الوارث تعد استمراراً لشخصية المورث وامتداداً لها ، فتثبت للوارث الحقوق التي تمثل العنصر الايجابي في التركة ، ويلتزم بالديون التي تمثل العنصر السلبي فيها ، لان شخصيته تحل محل شخصية المورث في كل العلاقات القانونية التي كان هذا الاخير طرفاً فيها ، أي ان ذمة المورث تختلط بذمة الوارث ،فتظل هذه العلاقات بدون تغيير لان الوارث قد حل محل المورث ، وعلى هذا فأن دائني المورث ( المتوفى ) يكونون دائنين للوارث. ولما كانت هذه النظرية قد ظهرت في القانون الروماني اولاً ثم انتقلت الى القانون الفرنسي لذا فأننا سندرسها في هذين القانونين تباعاً :-

اولاً : نظرية خلافة الشخص في القانون الروماني

لقد كان القانون الروماني هو مهد هذه النظرية ، وبغية الاحاطة بالموضوع فأننا سنتحدث عن ثلاثة امور ، نبين في الاول منها تعليل وتفسير هذه النظرية في ضوء القانون الروماني ، ونشير في الثاني منها الى مركز الوارث ومن هم الذين يمثلون امتداداً لشخصية المورث  ، ونتطرق في الثالث منها الى تقدير النظام الروماني القائم على هذه النظرية.

1- تعليل وتفسير النظرية :

هنالك تعليلان وتفسيران لهذه النظرية في القانون الروماني :

الاول : هو ما يتصل بنظام الملكية العائلية ، ففي ذلك الوقت كانت الاسرة وحدها هي التي تملك الذمة المالية بأصولها وخصومها ، ولم يكن رب الاسرة الا وكيلاً عنها ، وعند وفاته لم يكن رئيسها الجديد شخصاً غريباً عنها بل مجرد وكيل جديد ،والشخصية القانونية وهي الاسرة لم يكن يدخل عليها التغيير .وبذلك يمكن تفسير انتقال الذمة على الرغم من ان الرومان كانوا ينظرون الى الرابطة القانونية كعلاقة ثابتة بين شخصين، او سلطة لشخص على شيء ،وهي في كلتا الحالتين غير قابلة للانتقال ، اذ ان من الطبيعي انه اذا كانت الالتزامات والحقوق شخصية محضة – وكان من الجائز تنفيذها بالاكراه البدني بحبس المدين او إسترقاقه ،نقول ان من الطبيعي اذا كانت هذه هي حالة الالتزامات فانها لا تنتقل الى غير المدين إذ ما محل حبس شخص بدين لم يلتزم به ولم تكن له يد فيه – وعلى هذا لم تكن التزامات المورث تنتقل الى الورثة لانه بمجرد تغير احد عناصر الرابطة القانونية تختفي ويموت الحق تبعاً لذلك ،وهذه هي النتيجة التي وصل اليها الرومان ، فالالتزام وفقاً للقانون الروماني ينقضي بالموت ولا ينتقل الى الورثة ،ولم يعرف انتقال الالتزام الا عندما حل التنفيذ على الاموال محل الاكراه البدني بحبس المدين – ولقد جاء هذا الاحلال متأخراً . ففي نطاق هذا التشريع قامت فكرة امتداد الوارث إلى شخصية المورث بدورها خير قيام فيسرت انتقال الديون والحقوق من ذمة المورث الى ذمة الوارث لانه لم يكن هناك انتقال في الواقع اذ الشخص القانوني وهو الاسرة ظل كما هو ،وأضفوا على البقاء الحقيقي للأسرة هذه -الحيلة القانونية – بعد الوارث امتداداً لشخصية المورث او مكملاً لها . هذا هو التعليل الاول .والملاحظ انه لم يعد صالحاً لتفسير هذه النظرية عندما اصبحت الملكية فردية فيما بعد، وفضلاً عن ذلك فأن هذا الحل يصطدم لسوء الحظ مع حقيقة تاريخية ثابتة لا يمكن تجاهلها وهي عدم انتقال الالتزام بالوفاة في القانون الروماني القديم فاذا كان صحيحاً ما يدعيه الفقهاء من ان الاموال تنتقل بسبب الوفاة لان الاسرة بقيت دون ان يطرأ عليها تعديل ما ، فغير صحيح ان الديون كانت هي الاخرى تنتقل بسبب وفاة رب الاسرة  ولو ان المنطق كان يقضي ذلك قياساً على الحالة السابقة ولكن الثابت الان بصفة قاطعة ان الالتزامات كانت غير قابلة للانتقال(1).

الثاني : لقد كان من اثرما وجه الى التعليل الاول من النقد ان اصبح الجميع على اتفاق الان في ان التعليل الصحيح لنظرية ان الوارث امتداد لشخصية المورث، هو هذا التعليل "الثاني" ، ومقتضاه ان الغرض من هذا الاحتيال هو تحقيق استمرار القيام بالشعائر الدينية الخاصة بالأسرة ، وتمكين الكهنة من الحصول على المزايا المالية التي كانت لهم والتي يحققها استمرار القيام بهذه الشعائر ، وبعد ذلك امتدت هذه الفكرة  الى خصوم التركة بالمعنى الحقيقي ، فقاس القضاء في المعاملة ديون الفرد نحو الفرد ،على ديونه نحو الله سبحانه وتعالى وبهذا الزم الوارث شخصياً بديون المورث والتزاماته، واصبح ملتزماً بها في خارج حدود التركة(2).      2- مركز الوارث :      

لقد عرف القانون الروماني عدة انواع من انواع الورثة ، ولقد كان التزام الوارث بديون المورث ، او بتعبير اخر انتقال الدين الى الورثة يختلف باختلاف نوع الوارث ، حيث كان هنالك ثلاثة انواع من الورثة:-

الاول : الوارث الضروري ( necessarii  )

الثاني : وارث نفسه ( suit et necesserii )

الثالث : الوارث الاجنبي او المختار ( extranei )

فالوارث الضروري هو العبد الذي يحرره السيد لكي يرثه وبذلك لا تترك التركة بلا وارث ، وهذا الوارث لا يستطيع ان يرفض قبول التركة. ووارث نفسه هو الشخص الذي كان تحت سلطة رب الاسرة في اثناء حياته ، حتى اذا توفي رب الاسرة يصبح سيد نفسه ، وهو قد سمي وارث نفسه لما كان له من حق الملك المشاع في اموال المتوفى ، وكان هذا الوارث مشابهاً للوارث الضروري . بيد انه يختلف عن الورثة الضروريين في ان الورثة الضروريين يحددون بمقتضى وصية ،وبهذا يمكن الايصاء لرجل او امرأة ، بينما وارث نفسه يمكن ان يوجد في الميراث الشرعي والميراث بوصية ، ولكن يجب ان يكون رجلاً ،فالمرأة لا يمكن ان تكون وارثة من هذا النوع . وهؤلاء الورثة يكتسبون التركة بحكم القانون ولو بدون علم منهم ، ولو كانوا ناقصي الاهلية ،ولو لم يعيشوا بعد وفاة المورث الا لحظات وقد يكون السبب في هذا بالنسبة لوارث نفسه انه يرث اموالاً كان يعيش بينها ويتملكها الى حدٍ ما ، وبالنسبة للوارث الضروري قد يكون السبب ان المورث وضعه في نفس الوضع من اموال كان يعيش في نطاقها         اما الوارث الاجنبي او المختار فهو من عدا هؤلاء ،وسمي اجنبياً لاستطاعته البقاء بعيداً عن التركة ، وسمي مختاراً لانه لا يصبح وارثاً الا اذا اظهر رغبيته في ذلك فله ان يرفض وله ان يقبل . ويتضح مما تقدم ان الوارث الضروري ووارث نفسه يكتسبان التركة بحكم القانون بلا حاجة الى قبول منهما ، بل ليس لهما حق الرفض ، في حين ان الوارث الاختياري او الاجنبي لا يكتسب التركة الا اذا ظهرت رغبته في ذلك واعلن عن قبوله لها ، فاذا اعلن اصبح هو والوارث الضروري او وارث نفسه في مركز سواء ، فما هو هذا المركز ؟ وكيف حدده المشرع الروماني ؟

ان مركز الوارث كما حدده نص من نصوص جوليان هو ان الوارث : ( يرث كل حقوق المتوفى فهو يحل محله ويكمل شخصيته القانونية ) (Heredital nihil aluid est, q uam succession in universam jus quod detunctus habuerit  ) او كما قال جوستنيان : ( شخصية الوارث وشخصية المورث واحدة ) فالوارث مالك لا موال المتوفى المادية كأمواله الخاصة ، وهو دائن بحقوق المتوفى ، كما لو كانت حقوقه الخاصة ، وهو مدين بديون المتوفى والتزاماته ، كما لو كانت ديونه والتزاماته الخاصة ، فهو يكتسب كل اموال المتوفى  المادية والمعنوية ، ويلتزم بخصومه فضلاً عن التزامه بأداء الشعائر الدينية ، وتنفيذ الوصايا ، وبحقوق الارتفاق التي كانت على امواله ،وبالدعاوى التي وجهت اليه ، فالوارث كقاعدة عامة ملزم بنفس التزامات مورثه وبنفس دعاواه ما عدا الاستثنائين الاتيين :

1- لا يلزم بدعاوى المتوفى الناشئة عن الجرائم .

2- لا يلزم بديون الم توفى الناشئة عن الكفالة .

 ويمكن تعليل ذلك بأن الديون الشفوية كانت تنقضي بالوفاء ، وهي قاعدة قديمة استبعدت فيما بعد(3).

3- عيب النظام الروماني في الخلافة : 

لقد لاحظنا ان التشريع الروماني كان يقضي بخلافة الشخص ، بمعنى اندماج شخصية الوارث والمورث ، فيلتزم الوارث بكل ديون مورثه ، ولو في غير حدود اموال التركة ، فهو يلزم بها في امواله الخاصة . على ان ملاحظة بسيطة لهذا النظام تفضي الى القول بأنه يلحق اضراراً جسيمة بالوارث ذاته اولاً ، ثم بدائني هذا الوارث ثانياً، ثم بدائني التركة ثالثاً .

اولاً : ان هذا النظام يلحق ضرراً جسيماً بالوارث ، اذ بوسع دائني المتوفى ( المورث ) ان يستوفوا ديونهم من اموال الوارث الخاصة ، وبذا قد يضار الوارث ، وقد يلحق دائنيه ضرراً اذا كانت التركة مستغرقة بالديون ، اذ يستوي دائنو الوارث ودائنو المورث ، مادام المورث ملتزم بهذه الديون كما هو ملتزم بذلك ، وهم يتحملون مشاركة دائني المورث في استيفاء ديونهم من اموال الوارث. وهذه نتيجة منطقية لاتحاد الذمتين في خصومهما .

ثانياً : هو يلحق ضرراً بدائني الوارث ذلك لانه يشارك دائنو التركة دائني الورثة في استيفاء ديونهم من هذه الذمة المتحدة ،بعبارةٍ اخرى يشارك دائنو الوارث دائني التركة في استيفاء ديونهم من اموال التركة ، وبهذا يحتمل ان تضيع ديونهم اذا كان الوارث معسراً في حين ان المورث لم يكن كذلك . ان تدخل دائني الورثة مع دائني الوارث في استيفاء حقوقهم من اموال التركة هو الاخر نتيجة لاتحاد الذمتين في اصولها فلا يفضل دائن على دائن ، مادام المدين شخصاً واحداً ، وليس هنالك سبب قانوني للمفاضلة .

ثالثاً : وهو كذلك يلحق ضرراً بدائني التركة اذ يترتب على اتحاد ذمة المورث بذمة الوارث في اصولها ضرر لدائني التركة اذا كان الوارث معسراً او غير ملئ حيث يتدخل دائنو الوارث مع دائني المورث في استيفاء حقوقهم من اموال التركة ، وبذلك لا يوفى دائنو التركة كل حقوقهم(4). ومن الجدير بالذكر ان قاعدة اتحاد شخصية الوارث او المورث لم تبق مطلقة بل قيدها القضاء بحق فصل الاموال وبحق الجرد وبحق الامتناع(5)(6).

ثانياً : نظرية خلافة الشخص في القانون الفرنسي

لقد سار القانون الفرنسي على نفس منوال القانون الروماني بصدد اختلاط شخصية الوارث بشخصية المورث ، وان هذه الفكرة كانت قد انتقلت من القانون الروماني الى القانون الكنيسي الذي قال بأن شعلة الحياة تنتقل من جيلٍ الى جيل ، ويبدو ان القانون الكنيسي هو الذي ساعد على تقدم هذه الفكرة وبقائها ، ومنه انتقلت الى القانون الفرنسي القديم . لقد نظم المشرع الفرنسي احكام الميراث في باب طرق اكتساب الملكية وطرق انتقالها في المواد 718-892 ، ونظم تسوية ديون التركة في المواد 870 – 882 . ان المتأمل في هذه المواد يجدها تقوم على مزيج من المبادئ الرومانية والمبادئ المستمدة من القوانين الجرمانية ، فهناك نظامان مختلفان احدهما من أصل لاتيني وهو القائم على مذهب او نظرية عدم استقلال شخصية الوارث وامتدادها لشخصية المورث او ما يعبر عنه بـ ( اختلاط الذمم )،  وثانيهما من اصل جرماني وهو ( الحلول saisine ) . ولقد امتزج هذان النظامان الى حد اصبحا معه معتبرين غير منفصلين ، ففي اخر عهد القانون الفرنسي القديم كان الوارث اذا وضع يده واستلم التركة عد امتداداً لشخصية المتوفى ، ومقابل ذلك كان كل من يكمل شخصية المورث بفترض انه قد وضع يده على التركة وانتقلت اليه ملكية اموالها . فالوارث بمجرد منح التركة يكمل شخصية المورث ويتقمصها . هذا ويترتب على فكرة الحلول ما يأتي :

1-نقل الملكية ووضع اليد الى الوارث بحكم القانون .

2-الاستفادة مما يعطيه وضع اليد من حقوق ومزايا .

3-خضوع الوارث لمقاضاة دائني المورث الذين لهم ان يرجعوا عليه .

 ويترتب على ان الوارث امتداد لشخصية المورث ما يأتي :

1-التزامه بديون التركة واعبائها .

2-اكتسابه للحقوق الاولية التي للمورث او تمثله فيها(7).

القانون الروماني هو اصل فكرة امتداد الشخصية في الخلافة الموجودة في القانون الفرنسي ، ولما كنا قد ذكرنا شيئاً من ذلك عند الحديث عن القانون الروماني ، فسنقتصر على بحث مركز الوارث في القانون الفرنسي في ضوء هذه النظرية .

مركز الوارث في القانون الفرنسي :     

على وفق النظرية الفرنسية في خلافة التركة فانه بمجرد فتح التركة  تنتقل الولاية على تركة المتوفى الى الوارث ، فهو المالك لها وواضع اليد عليها بحكم القانون ، هذا هو المبدأ العام المنتقى من القانون الروماني كما تقدم . وبسبب ان هذا التصور يؤدي احياناً الى الاضرار بالوارث ، فأن المشرع الفرنسي حاول التخفيف من حدة هذا الامر ، وذلك بأعطاء الحق للوارث بأن يقبل التركة او ان يرفضها ، وان قبلها فله ان يقبلها مطلقاً ، وله ان يقبلها بشروط . وبناءاً على ذلك فأن المركز القانوني للوارث قد تغير ، فبعد ان كان يستلم التركة دون ان يكون مخيراً في رفضها ، اصبح بعد ذلك له الحق في الخيارات الاتية :

1-للوارث ان يقبل التركة مطلقاً دون شروط ، كأن تكون التركة مليئةً غير محملة بالديون .

2-للوارث ان يقبل التركة قبولاً مشروطاً بشرط الجرد .

3-للوارث ان يرفض التركة كاملة ، كأن تكون التركة مثقلةً بالديون ، فلا مصلحة للوارث فيها بل عليه غرم كبير . ولكي نحيط علماً بكل هذه التصورات فأنه يغدو ضرورياً البحث فيها بشيء من الايجاز . 

أ- قبول التركة دون شروط :

في هذه الحالة يقوم الوارث بقبول التركة قبولاً غير مشروط ، أي يقبلها بما لها وما عليها ،وهو يقدم على ذلك بطبيعة الامر اذا كان الميراث مثرياً بأن لم تكن ثمة ديون ، او كانت ثمة ديون ولكن الحقوق تزيد عليها ، بل ومن المحتمل ان يقدم الوارث على القبول وان كانت التركة مستغرقة بالديون وذلك فيما اذا كانت له مصلحة في ذلك ، وقد تكون هذه المصلحة ادبيةً بحتة ،كأن يكون الوارث يأبى ان تلوث سمعة مورثة بعدم ابقاء ما عليه من ديون وبراءة ذمته .                وينبني على قبول الوارث ذلك ان تنتقل اليه كل حقوق التركة ، كما انه يلتزم بجميع الديون التي تثقلها ، بمعنى انه يسأل عن كل ديون المورث ولو زادت على قيمة التركة كما كان نفس المورث مسؤولاً عنها ولو زادت على مجموع امواله . وهذا بطبيعة الحال من مخلفات القانون الروماني الذي يقضي بأن يحل الوارث محل المورث في كل ماله وما عليه .  وبهذا الصدد يقول احد فقهاء القانون الفرنسيين(8): (لوارث هو من يخلف شخص المتوفى فيما له وما عليه جميعاً ، او في جميع التزاماته وجميع ديونه ، وهو لا يسأل عن تلك الديون بصفتها عبئاً على الاموال التي يرثها ، بل يلتزم بها بصفته وارثاً ، لا للأموال فحسب بل لنفس شخص المتوفى ، فهو وارث بجميع حقوقه وواجباته، وبالتالي بجميع ديونه ولو زادت على قيمة التركة ) .        ومن الجدير بالذكر ان الدين ينتقل الى ذمة الوارث بالحالة التي كانت عليها في ذمة المورث وبالشروط عينها ، فأذا كان الدين لا جل فأن الوارث لا يلتزم بدفعه الا في نهاية هذا الاجل كما كان نفس المورث يفعل ذلك لو امتدت به الحياة .

آثـار القبول :

اذا قبل الوارث كان لقبوله اثر رجعي ، يرجع الى يوم فتح التركة(9) ، فالقبول هو عبارة عن اقرار لحق موجود في ذمة الوارث من قبل بصفة نهائية . ولا يستطيع الوارث ان يرجع في قبوله بعد ذلك لانه بهذا يكون قد انشأ حقاً مكتسباً لدائني المتوفى فأصبح مديناً شخصياً لهم .

هذا ويترتب على القبول بلا قيد ولا شرط ما يأتي :

اولاً : نتائج متعلقة بملكية الاموال الموروثة .

ثانياً : نتائج متعلقة باتحاد الذمة .

ثالثاً : نتائج متعلقة بديون التركة واعبائها .

فالبنسبة لملكية الاموال الموروثة فأنها تستقر نهائياً للوارث فيستطيع ان يتصرف فيها بلا حاجة الى أي اجراء قضائي . وبالنسبة لاختلاط الاموال فأن الوارث بقبوله هذا يصبح امتداداً لشخص المورث ، وبذلك تتحد اموالهما وينتج عن ذلك :

أ-ان يتزاحم دائنو الوارث ودائنو المورث في استيفاء ديونهم من مجموع الاموال المختلطة المشتملة على الاموال الموروثة واموال الوارث الخاصة .

ب-ان الحقوق التي للوارث على المورث او التي للمورث على الوارث تنقضي باتحاد الذمة . وبالنسبة لديون التركة واعبائها ، فأن الوارث يلتزم بها الى ما لا نهاية(10).

ب- قبول التركة بشرط الجرد :

ان قبول التركة بلا قيد او شرط قد لا تحقق مصلحة الوارث بل تضره ، وذلك فيما اذا كانت التركة مستغرقة بالديون ، اذ القبول مطلقاً هنا بوجب قيام الوارث بسداد ديون مورثه وذلك بسبب اتحاد الذمتين معاً ، وفي ذلك حيف واضح على الوارث . وتلافياً لهذه الحالة ، فقد اضطر القانون الفرنسي لان يبيح للوارث قبول التركة بشرط يسمى  ( شرط الجرد ) . ان الغرض من هذا الشرط هو ان الوارث يستطيع من خلاله ان يتفادى الاثار الضارة للقبول بلا قيد او شرط فلا يلتزم بكل الديون حتى في امواله الخاصة ويحدد مسؤوليته عن هذه الديون بمقدار اموال التركة ، وعلى هذا يكون غرض هذا الخيار للوارث ( القبول بشرط الجرد ) هو حماية الوارث من المسؤولية غير المحدودة عن دفع ديون المتوفى ، ومنع تحمل خسارة في امواله الشخصية ، وذلك بالفصل بين امواله الشخصية واموال المتوفى فتنجو امواله الشخصية من دعوى الدائنين الذين يجدون تأمينهم محصوراً فيما تركه المورث ، بحيث تبرأ ذمة الوارث في مواجهتهم متى استعملت اموال التركة في سداد ديونهم . وبناءاً على الفصل بين الاموال يكون الوارث محمياً من كل مطالبة في امواله الشخصية وتكون الاموال الموروثة هي وحدها المسؤولة عن الديون التي عقدها المتوفى والوصايا التي تركها ، ولا يمكن مطالبة الوارث الا من هذه الاموال وحدها وعلى قدر قيمتها . ولا يمكن للدائنين ان يحجزوا الا على الاموال الموروثة ولا سبيل لهم الى اموال الوارث الشخصية وان كانت قيمة ديونهم لم تستوف بعد من التركة . والملاحظ على خيار القبول بشرط الجرد انه يهدم المركز الاصلي للوارث لانه يجعله بعد ان كان ملزماً بالديون حتى لو زادت على قيمة التركة لا يلتزم بهذه الزيادة الا اذ اراد . هذا النظام أوجده القانون الروماني وقد نظمه جوستينيان لتخليص الوارث من الاثار الضارة لمبدأ امتداد شخصية المورث وإتحادها بذمة الوارث ومنه انتقل الى القانون الفرنسي . ولغرض استعمال هذا الخيار فإن على الوارث ان يقوم بجرد اموال التركة ، وله ثلاثة اشهر يقوم فيها بهذا الجرد وهي تبدأ من تاريخ فتح التركة ، وله اربعون يوماً للتروي ، وهي تبدأ من تمام الجرد ، وللمحكمة ان تطيل هذه المدة ، وبعد هذه المدة للوارث ان يقبل او يرفض ، فأذا لم يظهر خياره عد وارثاً بلا قيد ولا شرط(11)(12). ومما تقدم نستطيع القول انه يترتب على القبول بشرط الجرد، الاثران الاساســـيان

الاتيان :

 

 اولاً : فصل ذمة الوارث عن ذمة المورث ،ولا يعد الوارث امتداداً لشخصية المورث .

ثانياً : لا يلتزم الوارث الا في حدود اموال التركة ، وهو اثر مترتب بطبيعة الحال على الاثر الاول .

وغنيٌ عن البيان ان خيار القبول بشرط الجرد انما هو لحماية الوارث ، ولكن قد يبقى دائنو المتوفى في معرض الضرر اذا كان القبول مطلقاً وليس بشرط الجرد ، اذ يترتب على ذلك اختلاط ذمة الوارث بذمة المورث . فأذا كانت التركة مليئة ولم يكن الوارث كذلك فهنا قد يزاحم دائنو الوارث دائني المورث في استيفاء حقوقهم من المال المختلط ، مما يؤدي بدائني المورث الى عدم استيفاء كل حقوقهم ، الامر الذي كان ممكناً لو ظل مدينهم حياً .  ولدرء هذا الضرر عن دائني المورث وجد ما يسمى ( نظام فصل الاموال ) اذ هو يمكن دائني المتوفى من استيفاء حقوقهم من اموال التركة دون ان يشاركهم دائنو الوارث . وبطبيعة الحال لن تكون هنالك حاجة لهذا النظام اذا قبل الوارث التركة بشرط الجرد ، اذ يترتب عليه كما تقدم انفصال ذمة الموارث عن ذمة المورث ولن تكون هنالك مزاحمة من دائني الوارث لدائني المورث . ونظام فصل الاموال الموضوع لحماية دائني المورث هو من وضع القانون الروماني ومنه انتقل الى القانون الفرنسي القديم ومنه الى القانون الفرنسي الحالي(13).     

جـ- رفض التركة :

 قد علمنا مما تقدم ان للوارث ان يقبل التركة بلا قيد او شرط ، وهذا هو الخيار الاول ، بيد ان القبول قد يعود عليه بالضرر ، فأصبح له خيار ثان يحميه من ضرر القبول المطلق ، وهذا الخيار الثاني هو ما يعبر عنه بالقبول بشرط الجرد الذي يحدد مسئوليته عن ديون التركة في حدود اموالها فقط ، ويبقى للوارث خيار ثالث وهو ان يرفض التركة بادئ ذي بدء لما يراه من إعسار المورث ، واستغراق تركته بالديون فلن يعود عليه منها  نفع ما ، بل سيكون مفقراً له ، وكأنه لم يكن وارثاً اصلاً لانه قد نزل عن حقه في المطالبة بحق الميراث .

اما اذا لم لم يقبل التركة احد من الورثة قط ، فأن التركة تصبح شاغرة ( vacante ) وانذاك تعين المحكمة وصياً بناءاً على طلب من له المصلحة ، ويصبح هذا الوصي بمركز الوارث بشرط الجرد ، فهو يدير اموال التركة ويصفيها على وفق القواعد التي رسمها المشرع للوارث بخيار الجرد(14)-(15).

الفقرة الثانية

نظريـة خلافـة المال

ان هذه النظرية تستند على اسس هي على النقيض من الاسس التي تستند عليها النظرية المتقدم ذكرها ، وهذه النظرية قد جاءت بها الشريعة الاسلامية المقدسة. وبموجب نظرية الخلافة في المال تكون شخصية الوارث مستقلة تماماً عن شخصية مورثه ، وليست امتداداً لشخصية المورث ،كما عليه الحال في النظرية الاولى ، وهو ما يعني ان ذمة الوارث هنا منفصلة عن ذمة المورث ، وهذا ما يفضي الى القول ان التركة تنتقل الى الوارث ،لكن الاخير لا يكون مسؤولاً عن ديون المورث ، بل توفى الديون من التركة ان وسعتها ، فأن لم تسعها فأن المسؤولية لا تنتقل الى الوارث ، فالوارث ليس مسؤولاً هنا عن ديون مورثه ، بل هو صاحب حق في التركة فيأخذ حصتة منها بعد سداد ديون الدائنين . وبعبارة اخرى فأن ضمان الدائنين ينحصر في اموال التركة ولا ينتقل الى اموال الوارث . فلا يحق لهم والحال هذه التنفيذ على اموال الوارث الخاصة ولو كانت اموال التركة لا تكفي للوفاء بديونهم . ومما تقدم يتضح بجلاء مدى استقلال شخصية الوارث وانفصالها عن شخصية المورث طبقاً لهذه النظرية ، ولذلك فأن هذه النظرية عادةً ما تسمى ( نظرية استقلال شخصية الوارث ) او نظرية ( انفصال الذمم ) . ان خيارات الوارث الواردة في القانونين الروماني والفرنسي ، ليس لهما حضورٌ هنا ،ذلك ان الشريعة الاسلامية والقوانين العربية المستمدة منها تقرر انتقال اموال التركة الى الوارث بقوة القانون دون حاجةٍ الى أي اجراء اخر ، ولهذا قيل : ان الميراث يدخل في ملك الوارث جبراً عنه ، ولهذا ايضاً عبرنا فيما مضى عن الميراث بالقول انه ( خلافة اجبارية ) في قبال الخلافة الاختيارية ( الوصية ) . لقد سارت القوانين العربية على هدى الشريعة الاسلامية في هذا الصدد فقررت هذه القوانين ما جاء في الشريعة الاسلامية بصدد بيان طبيعة خلافة الوارث وانها خلافة في المال ،على خلاف ما ذهب اليه القانون الفرنسي ، والقوانين الدائرة في فلكه . ومن الجدير بالذكر انه في عام 1900 م صدر القانون الالماني ، ولقد اخذ هذا القانون بعد دراسة استمرت سنوات بغير المذهب الذي كان يسود التشريع الروماني والقانون الفرنسي ، بل اخذ بنظرية الشريعة الاسلامية وهي ان الوارث لا يخلف مورثه في شخصه وسائر التزاماته ، بل يخلفه فقط في امواله وفي ديونه بقدر ما تتسع لها التركة . واذا وجد الوارث ان التركة لا تف بكل ديونها ، كان له ان يترك الامر للدائنين ليقوموا بالتنفيذ عليها دون ان يمسوا امواله الخاصة ، بحيث لا يكون عليه ان يقوم بالوفاء بديونها الا اذا رأى ان اموالها تتسع للوفاء بكل ما عليها من ديون (16).

المقارنـة بين النظريتين

من خلال العرض المتقدم للتشريعين الروماني والفرنسي من جهة، والتشريع الاسلامي من جهةٍ اخرى يمكن ان نخلص الى الاتي :

 

1.ان القانون الروماني ومعه القانون الفرنسي قد ذهبا الى ان الوارث يعد امتداداً لشخصية المورث ، وذمته مختلطة بذمته . يترتب على ذلك ان التزامات المورث تنتقل الى الوارث ، وبذا يكون الوارث مسؤولاً عن كل ديون التركة ، فعليه اداؤها من التركة ان وسعت ،والا فمن ماله الخاص .  وهذا يوحي بأن ما اراده المشرع هنا هو تحقيق ضمان قوي للدائنين ، وان هذا الضمان لهو ضمانٌ قوي بالتأكيد ، اذ ان الدائن سيحصل دينه المترتب في ذمة المتوفى من اموال التركة ان وسعت وإلا فمن اموال الوارث .

2.لقد سعت الشريعة الاسلامية المقدسة لحفظ حقوق الدائنين كذلك ، ولكن بصورةٍ مختلفة ، ذلك انها توجب اداء ديون الدائنين من التركة ، فأذا فضل شيء منها بعد اداء حق المتوفى في التجهيز وبعد اداء الديون ، وبعد تنفيذ الوصايا ، كان الفاضل حقاً خالصاً للورثة ، وامعاناً في الحفاظ على حقوق الدائنين فأن الشريعة لا تجعل تصرف الوارث نافذاً في التركة إلا بعد سداد الدين أو إذن الدائن.

3.وتأسيساً على ما قد سبق فأن كلا التشريعين يحفظ حقوق الدائنين ، بيد ان نقطة الخلاف الجوهرية تكمن في ان التشريعين الروماني والفرنسي يظلمان الوارث في سبيل تحقيق هذه الغاية ، ذلك انهما يلزمانه بأداء دين مورثه ولو من ماله الخاص اذا لم تف التركة بذلك ، مع ان الواقع يشير الى ان الوارث لم يلتزم بهذا الدين ولم يجنِ ذنباً يجعل للدائنين سبيلاً على امواله الخاصة ، وفي ذلك حيفٌ واضح . وفي محاولةٍ لرفع هذا الحيف فأن هذين التشريعين اضطرا الى احداث بعض الاستثناءات التي تخفف من وطأة الحكم المتقدم فأعطوا للوارث امكانية الخيار بين القبول المطلق للتركة ، او الرفض المطلق، او القبول بشرط الجرد ،واعطوا للدائنين كذلك ابداء شرط فصل الاموال منعاً لاختلاط ذمة المورث بذمة الوارث .  ويبدو ان في ذلك اشارة واضحة الى عجز وفشل نظامهم القائم على اختلاط الذمم والا ما لجأوا الى البدائل . اما الشريعة الاسلامية السمحة فأنها قد تجاوزت كل هذه السلبيات ونصت ابتداءاً على ان ذمة الوارث منفصلة عن ذمة المورث . وأن الاول غير مسؤول عن ديون الثاني الا في حدود التركة . وهذا ما يشكل عاملاً من عوامل التوازن بين حقوق الدائنين من جهة ،وحقوق الورثة من جهةٍ اخرى اذ لا يجوز حفظ حقوق الدائنين على حساب غمط حقوق الورثة والزامهم بما لم يلتزموا اذ لا التزام بلا الزام . ولقد اشار القرآن الكريم الى ذلك في آيات متعددة منها ما ورد في قوله سبحانه:-   ( ولا تزر وازرةُ وِزر اخرى )(17).  أي لا تحمل نفس ذنب ووزر والتزام نفس اخرى ، وفي قوله عز شأنه : ( لا تَظلِمونَ ولا تُظلَمون )(18) . وغير ذلك من الآيات الكريمات، والاحاديث المتواترات .

 

4.وبناءاً على ما تقدم يمكننا ان نقول دون ان نجانب الصواب ان هنالك حيفاً على الورثة في التشريع الروماني والتشريع الفرنسي بحسب قواعدها العامة "دون الاستثناءات" ، في حين ان هنالك عدالةً وتوازناً في التشريع الاسلامي . وما ذلك بغريب ، فالتشريعان الاوليان هما من وضع البشر ، والتشريــع الثانـــي ( الاسلامي ) هو من وضع الله تبارك وتعالى ، وان رؤية البشر متغيرة ، بينما رؤية الله سبحانه ثابتة، لانه يعلم الظاهر والباطن ، والحاضر والمستقبل .     ومن خلال هذه المقارنة يتضح بجلاء صحة وعدالة ما ذهب اليه التشريع الاسلامي .

موقف القضــاء

لقد سار القضاء على هدى الشريعة الإسلامية من كون الوارث يخلف مورثه في حقوقه فقط دون التزاماته ،وان هنالك فصلاً بين ذمتيهما ،وهذا ما جاء في أحكام محكمة النقض المصرية ،ومنها ما يأتي :

1. جاء في أحد أحكام هذه المحكمة ما يأتي : "شخصية الوارث –وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة –تعتبر مستقلة عن شخصية المورث ،وتتعلق ديون المورث بتركته لا بذمة ورثته ،ولا يقال بان التزامات المورث تنتقل الى ذمة الوارث لمجرد كونه وارثاً ،الاّ اذا أصبح الوارث مسؤولاً شخصياً عن التزامات المورث كنتيجةٍ لإستفادته من التركة …" (19) .

2. وجاء في حكم ٍآخر : "التركة منفصلة شرعاً عن أشخاص الورثة وأموالهم الخاصة ،وللدائنين عليها حق عيني تبعي ،بمعنى انهم يتقاضون منها ديونهم قبل ان يؤول شئ منها للورثة ، وبصرف النظر عن نصيب كل منهم فيها …" (20) وجاء في أحد الأحكام ما يأتي : "اذا كانت شخصية الوارث مستقلة عن شخصية المورث وكانت التركة منفصلة شرعاً عن أشخاص الورثة وأمولهم الخاصة ،فإن ديون المورث تتعلق بتركته ولا تنشغل بها ذمة ورثته ومن ثم لا تنتقل التزامات المورث الى ذمة الوارث لمجرد كونه وارثاً إلاّ في حدود ما آل اليه من أموال التركة …" (21). وهكذا نلاحظ أن القضاء قد سار على نهج الشريعة بصدد بيان طبيعة خلافة الوارث وكونها خلافة في المـال  .

___________________

1- بلاستار ، المفهوم القانوني للذمة المالية ، نقلاً عن جعفر الفضلي ، مبادئ انتقال التركة في القانون العراقي والفرنسي ، ص44 ، علي الرجال ، مصدر سابق ، ص28 .

2- اسمان ، دروس في تاريخ القانون الخاص ، نقلاً عن جعفر الفضلي ، مصدر سابق ، ص44 .

3- ينظر : جيرار ، القانون الروماني ،  نقلاً عن علي الرجال ، مصدر سابق ، ص19-24 .

4- ينظر : المصادر المشار اليها انفاً .

5- سنفصل القول في ذلك لاحقاً عند الاشارة الى موقف القانون الفرنسي .

6- لقد اصدر جوستينان مرسوماً يقول فيه ما نصه : ( وقد اصدرنا مرسوماً في غاية الانصاف عرفه الجميع قررنا فيه ان للورثة ان يقبلوا الوراثة ولكنهم لا يكونون مسؤولين عن ديون المورث الا بقدر قيمة اموال التركة ، بحيث ان الورثة اصبحوا ولا حاجة بهم الى حق التروي على انهم اذا اهملوا حق الانتفاع بمرسومنا وفضلوا المضي في التروي ، وان يستمروا كالعهد السابق مسؤولين عن كل ديون المورث بقبولهم للميراث فهو شأنهم ) ينظر : مدونة جوستنيان ، ص134 .

7- بيدان وليبال ، شرح القانون المدني الفرنسي ، المواريث ، ج5 ، ط4 ، 1936 ، ص15 ، نقلاً عن علي الرجال ، مصدر سابق ، ص32-34 .

8- وهو بوتيه ، الميراث ، م8 ، الباب الخامس ، ق1 ، ص198 ،نقلاً عن الرجّال ، مصدر سابق ، ص37.

9- تنظر المادة ( 777 ) التي تنص على الآتي : "تجري أحكام القبول من يوم موت المورث " .

10- ينظر : عبد المنعم الصدة ، حق الملكية ، ط1 ، ص731 ، هامش ( 1 ) ، صوفي ابو طالب ، الوجيز في القانون الروماني ، ط 1965 ، ص248  ، بلانيول وريبير ، ج3 ، فقرة 2087 ، ص515 ، 1935 ، ص509 ، فقرة 2068 ، نقلاً عن الرجال ، مصدر سابق ، ص37-39 .

11- تنظر : المادة ( 793 ) والمادة ( 794 ) والمادة (795) من القانون المدني الفرنسي .

12-علي زكي العرابي ، مركز الوارث في الشريعة الاسلامية / ،1913  ص7 ،  ، مصطفى عرجاوي ، مسؤولية الوارث عن ديون مورثه في الشريعة الاسلامية والقانون المصري ، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية الشريعة والقانون في جامعة الازهر ، 1978 ، ص29 ، بلانيول وريبير ، ج3 ، فقرة 2103 ، ص530 ، نقلاً عن الرجال ، مصدر سابق ، ص40-42 .

13- تنظر : المادة ( 2111 ) من القانون المدني الفرنسي ، عبد الحميد بدوي ، مركز الوارث في القوانين المصرية ، بحث منشور في مجلة المحاماة المصرية السنة الثانية ، 1922 ، العدد الرابع ، ص166 .

14-تنظر : المواد ( 811،812 ، 813 ، 814 ) من القانون المدني الفرنسي .

15- عبد المنعم الصدة ، مصدر سابق ، ص731 ، هامش ( 1 ) الرجال ، مصدر سابق ، ص56-57 .

 وغنيٌ عن البيان ان الميراث ينتقل الى الورثة على وفق الشريعة الاسلامية لا يحتاج قبولاً او ابدءاً للرغبة . وهو ما سارت عليه القوانين العربية المستقاة من روح الشريعة ، ومنها القانون العراقي كما سيتضح لاحقاً .

16- في الحقيقة ليس هنالك اشارة الى ان ما ذهب اليه القانون الالماني انما هو مستقى من الشريعة الاسلامية ، بل درج أكثر الكتاب والشراح حينما يتحدثون عن الخلافة في المال ان يقدموا القانون الالماني في الذكر على الشريعة الاسلامية ، وهذا بخلاف المنطق ،ذلك ان الشريعة الاسلامية اسبق في الوجود بثلاثة عشر قرناً، ويبدو بحسب الظاهر أن القانون الألماني قد أخذ هذه النظرية من الشريعة الإسلامية، وليس ذلك عيباً او نقصاً ، فالافكار الانسانية والقانونية تتلاقى فيما بينها . وكل امة تحاول ان تأخذ الجيد من سائر الامم ، و ربما كان ما ذهب اليه القانون الالماني هو من ابتداعه وليس نقلاً عن الشريعة الاسلامية ، فحصل التشابه اتفاقاً ، وهذا ليس غريباً ، اذ عادةً ما تتلاقى الافكار فيما بينها وان لم يحصل توافق بين اصحابها .

17- سورة الاسراء / الاية 15 . وسورة الانعام / الاية 164 . وسورة الزمر / الاية 7 .

18-سورة البقرة / الاية 279 .

19-الطعن رقم 157في 1974، ينظر: موسوعة الأحوال الشخصية ،ص1174 .

20- الطعن رقم 276 في 1965 ،ينظر : الموسوعة الذهبية للقواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض 

  المصرية ،ص394 .

21-الطعن رقم 950 في 1978 ، ينظر: الموسوعة الذهبية ،ص403 .

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .