أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-5-2017
4661
التاريخ: 11-2-2016
5343
التاريخ: 7-2-2016
2378
التاريخ: 2023-05-30
1112
|
ان المال في نظر الشريعة الاسلامية ليس غاية في حد ذاته، وانما هو وسيلة من الوسائل العامة في الحياة . وان بينه وبين الانسان علاقة نظمتها الشريعة واسمتها ( الملك )(1). وبموجب ذلك تمكن الانسان في هذه الحياة من التصرف في هذا المال بكافة انواع التصرفات الشرعية . التملك غريزة طبيعية في الانسان ، ولقد تجلت هذه الغريزة فيه واستدعت قواه العقلية والجسدية لتجيب على ندائها ، فوجه كل ما لديه من قوة للحصول على المال وتملكه بفطرة حب الخير لذاته ،وحب الحيازة والضن بما يملك ،كما اخبرنا بذلك القرآن الكريم في قوله : ( وإنهُ لِحُبِ الخيرِ لشديدٌ )(2) . وفي قوله سبحانه وتعالى : ( قل لو انتم تملكونَ خزائنَ رحمةِ ربي اذاً لامسكتُم خشيةَ الإنفاق وكانَ الانسانُ قتوراً )(3) ، وفي قوله عز من قائل : ( وأحضُرتِ الانفس الشُح )(4). وقد دفع هذا الحرص ، وهذا الحب للتملك الانسان الى الشره واستبداد الطمع به ، وربما الى الاعتداء على غيره في سبيل الحصول على ما يريد والى الغش والتدليس والرباء وما الى ذلك. لذا جاءت الشريعة السمحة لتوصد امام ذلك، مع وضعها في الحسبان والاعتبار غريزة حب الذات وحب المال ، فعالجت ذلك كله علاجاً نفسياً بما قدمت من الترغيب والتحذير ، وبينت انه لا يجوز الحصول على هذا المال الا بطريق الحلال ، مصداقاً لقوله تعالى : ( يا ايها الذين امنوا لا تأكلوا أموالَكُم بينكم بالباطلِ إلا ان تكونَ تجارةً عن تراضٍ منكم )(5).
كما بينت الشريعة الغراء ان هذا المال هو مال الله في الحقيقة ، وان الانسان هو خليفة الله في هذا المال ، وهنالك آيات كثيرة في القرآن الكريم تؤكد ذلك وتقرره كقوله تعالى : ( وانفقوا مما جَعلكُم مُستخلَفين فيه )(6) . وقوله سبحانه : ( وآتوهُم مِن مالِ الله الذي آتاكُم )(7). وغير ذلك كثير، مما يستدل منه على ان الانسان هو خليفة ومخول من الله سبحانه وتعالى وليس مالكاً حقيقياً(8). لذلك وضع الله سبحانه وتعالى التشريعات الحكيمة لتنظيم المال ، فبين طرق اكتسابه الشرعية وطرق الانفاق ، كما بين الحقوق التي اوجبها الاسلام في هذا المال وطرق انتقاله في الحياة وبعد الموت ، ولم يفوض ذلك الى الانسان لانه عليمٌ بما انطوت عليه النفوس الانسانية من حب المال وما جبلت عليه من الحرص الشديد على الإستزادة منه مما سيكون معه مظنة الوقوع في الفساد في الاغلب ،ولانه عز وجل يعلم بما كان وبما سيكون ،لذا كانت تشريعاته سبحانه تصب في مصلحة الانسان اساساً ،اذا ما قام الانسان بمراعاتها وتطبيقها . ومن هذه التشريعات ، الميراث ، فبعد ان اوجب الاسلام ان يكون كسب المال عن طريق الحلال لا ظلم فيه ولا غش وان يكون انفاقه على النفس والاهل بالمعروف ،وان تؤدى منه حقوق الامة والمجتمع اوجب ان يكون الباقي منه حظاً لمن يخلفون صاحب هذا المال ممن ينتمون اليه بصلة القرابة . ان هذا النظام الذي شرعه الاسلام هو مظهر من مظاهر التكافل بين افراد الاسرة الواحدة وبين الاجيال المتتابعة ، فضلاً عن انه وسيلة من وسائل تفتيت الثروة لئلا تتضخم تضخماً قد يؤذي المجتمع ،فأن الملكية الواحدة تنتقل الى العديد من الذرية والاقارب بمجرد وفاة المالك . وهذا النظام ينسجم ( كما سيتضح بعد قليل ) مع الفطرة الانسانية ،كما ينسجم مع العدالة في مستواها الاعلى ومع مصلحة الجماعة في حدود النظرة الشاملة التي لا تضع الحواجز بين الجيل والجيل من بني الانسان . ففي هذا النظام عدلٌ بين الجهد والجزاء ، وبين المغانم والمغارم في جو الاسرة، فالوالد الذي يعمل وفي شعوره ان ثمرة جهوده لن تقف عند حياته القصيرة المحدودة بل ستمتد لينتفع بها ابناؤه وحفدته وهم امتداده الطبيعي في الحياة(9). هذا الوالد يبذل اقصى جهده وينتج اعظم انتاجه ،وفي هذا مصلحة له وللدولة وللانسانية ، كما ان فيه تعادلاً بين الجهد الذي يبذله والجزء الذي يلقاه ،فأبناؤه جزء منه يشعر فيهم الامتداد والحياة ،وهذا ما يؤدي الى ان الوالد كما يحب المال الذي يكسبه لنفسه ، فانه يحبه كذلك لاولاده من بعده . اما الاولاد فمن العدل ايضاً ان ينتفعوا بجهود ابائهم وامهاتم ، اذ الصلة بين الوالدين والاولاد لا تنقطع لو قطعت صلة الميراث المالي ، فان الاباء والامهات يورثونهم صفات واستعدادات في تكوينهم الجسماني والعقلي وهو ما يعرف بـ ( قانون الوراثة ) وهذه الصفات تلازمهم في حياتهم وتفرض عليهم كثيراً من اوضاع مستقبلهم إن خيراً وإن شراً ،دون ان يكون لهم يد في هذه الوراثة او تعديلها ، فلن تستطيع الدولة ان تهب وجهاً جميلاً لطفل اذا ورثه ابواه وجهاً قبيحاً ، ولن تمنحه طولاً في القامة اذا ورثه ابواه قصراً فيها ، فاذا كان عليه ان يرث هذا كله وهو غير مخير ، فأن من العدل الاجتماعي ان يرث جهود أبويه المادية ايضاً ، ليكون هنالك تعادلٌ بين المغانم والمغارم . وبناءاً على ذلك كان قانون بقاء المال في الذرية أي انتقاله من المورث الى الوارث بالقرابة او السبب هو العدل الذي لا شطط فيه ولا وكس ، وهو الموافق لما عليه الفطرة البشرية عامة. اما لوعرف الانسان ان ما جمعه صائر الى يد غير اقاربه فانه لا يبذل ما يبذله من جهد بل يكتفي بجهد يؤمن حاجته فقط في الحياة ، كما انه لو عرف ان ماله ينتقل الى اول شخص يحوره لادى ذلك الى التشاجر والتقاتل بين الناس وتصبح الملكية تابعة للبطش والفساد ، كما انه لو جعلت الدولة هي الوارث فقط ، لقصر ايضاً المورث في سعيه واكتفى منه بما يسد حاجته في حياته ، او فتح باب الاسراف على مصراعيه حتى لا يذر من بعده شيئاً يورث ،مما يؤدي الى عدم استقرار المجتمع . وكذا الحال لو تُرك تحديد الميراث للمورث لادى ذلك الى الفساد ايضاً . ولهذا كله فقد ابطل الاسلام نظام الميراث الذي كان في الجاهلية وهو القائم على الهوى والاغراض الشخصية ، واستبدله بنظام الميراث الاسلامي .
______________________
1- ان الانسان في المنظور الاسلامي ليس مالكاً على نحو الواقع والحقيقة، بل هو مخولٌ فقط، والمالك الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى مصداقاً لقوله تعالى ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اولَ مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم ) سورة الانعام/ الاية 94 .
2- سورة العاديات / الاية 8 .
3- سورة الاسراء / الاية 100 .
4- سورة النساء / الاية 128 .
5- سورة النساء / الاية 29 .
6- سورة الحديد / الاية 7 .
7- سورة النور / الاية 33 .
8- ومنها قوله تعالى : ( لله ما في السموات وما في الارض ) سورة البقرة / الاية 284 ، وقوله سبحانه : ( له ملك السموات والارض ) سورة البقرة / الاية 107 وغيرها كثير .
9- ينظر : محمد كلانتر ، التعليق في هامش الروضة البهية ، الطبعة السابقة ، ص16-17 ، سيد قطب ، العدالة الاجتماعية في الاسلام ، ص67-68 ، احمد محمد علي ، مصدر سابق ، ص220-224 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|