أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-12-2015
4339
التاريخ: 4-9-2017
1085
التاريخ: 2023-10-18
910
التاريخ: 24-12-2015
1841
|
إنّ حرب الجمل بالرغم من شراستها وما تركت من مآسٍ وآلام في نفوس المسلمين، تبقى المحنة الأقل والأهون بالقياس لما حدث بعدها من حروب، لا سيما حرب «صفّين» التي استهدفت أكبر قوةٍ بشريّة وعسكريّة وماديّة على الساحة الإِسلاميّة في ذلك الوقت، وامعنت فيها نزفاً وتمزيقاً.
إنّها في الحقيقة محنة المسلمين الكبرى التي واجهها أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) بصبر وشجاعة عظيمين، شأنه في ذلك شأن الأوصياء الذين يجهدون في إقامة العدل على الأرض وتثبيت شريعة السماء مهما كلّف الأمر، متوخياً من وراء ذلك رضا الله سبحانه وحده، والبعد عن الذات ودوافعها الشخصيّة.
إنّ الإِنسان المتبصّر لا يتردّد في القول إنّ علياً (عليه السلام) كان بإمكانه أن يعيش عيش الأمراء ـ على الأقل ـ منذ وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) حتى استشهاده، فلا أحد من المسلمين يستطيع إنكار فضله وسمو مكانه، وما قدّم في ميادين الجهاد، والذين خلفوا الرسول حتى عهد عثمان لا يتردّدون في هذه المقولة لو شاء أو أراد، ولم يؤثر عنده (عليه السلام) البتة أنّه طالب يوماً من الأيام بشيءٍ من حطام هذه الدنيا الزائلة، اللهم إلا ما كان من أمر «فدك» التي طالب بها على أنّها حق من حقوق «فاطمة الزهراء» نحلةً أو ميراثاً من أبيها (صلى الله عليه وآله) وما ذلك منه إلا احدى دعواته لإقامة الحق ورفع الظلم أيّاً كان المظلوم.
نعم، طالب منذ اليوم الأول بالخلافة معتبراً إيّاها حقاً مشروعاً له، واعتبرها معظم قدماء الصحابة من المهاجرين والأنصار حقاً مشروعاً كذلك (1).
ومهما يكن الأمر فلم تكن مطالبته بها هدفاً دنيويّاً ـ كما يتوهّم البعض ـ بل محض واسطةٍ لتثبيت دعائم شريعة الله، يبدو ذلك واضحاً جلياً من خلال خطبه ومواعظه التي وردت في كتب المؤرخين وفي نهج البلاغة، كما يتضح ذلك أكثر خلال فترة حكمه وما جرى له مع الولاة الذين سبقوا عصر خلافته.
لقد كان علي (عليه السلام) منذ اليوم الأول لوفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) يراقب الأمور عن كثب مراقبة المسؤول الحريص على سلامة المسلمين ووحدتهم وكان الأهم عنده سلامة تطبيق مبادىء الإِسلام وشرائعه، حتى جاء عهد عثمان، فكان الانحراف وكان الالتواء، كانا ماثلين أمام عينيه بشكل صارخ من جراء بعض الممارسات الشاذة التي قام بها بعض الولاة والأمراء ممّن سبقوا عصر سلطته ـ كما قرأت؛ لذلك وجدناه يصرّح في أكثر من مناسبة بأنّه سيجهد في إقامة العدل وتثبيته على الأرض بكل ما أوتي من قوة ومهما كانت النتائج وكان الثمن، ومن ذلك قوله (عليه السلام): «وسأجهد في أن أطهر الأرض من هذا الشخص المعكوس والجسم المركوس، حتى تخرج المدرة من بين حب الحصيد» (2).
كما وجدناه أيضاً عمد إلى استبدال الرموز المتسلطة في الدولة بآخرين ممّن استقامت الروح الإِسلاميّة في عقولهم وسلوكهم، ثم بعد ذلك أوعز بإرجاع القطائع والأموال التي اقطعها عثمان لبعض ولاته وأقربائه وجعلها في بيت مال المسلمين، وكان يقول في ذلك: «والله لو وجدته قد تُزوّجَ به النساءُ، ومُلِك به الإِماءُ لرددته فإنّ في العدل سعةٌ، ومن ضاق عليه العدلُ فالجورُ عليه أضيق» (3).
وكان (عليه السلام) في سياسته أمور الناس أبعد ما يكون عن الدهاء، الذي يعتبره ضرباً من ضروب المكر الذي ينتهي بصاحبه إلى الغدر، فكان صريحاً واضحاً في مواقفه، كاشفاً لحقائق الأمور بدون خوف ولا وجل، متوخياً بذلك رضا الله سبحانه، غير عابئ بما ينتج عن ذلك من مضاعفات على الأرض قد تؤدي إلى خسارته وانكماش سلطانه، وهو (عليه السلام) هو الذي يرى الدنيا عنده أزهد وأحقر من نعلٍ بالٍ إلا أن يقيم حقاً أو يدفع باطلاً.
لذلك، كان البعض يظن أنّ معاوية تغلّب في مواقفه بدهائه ومكره، وأنّ علياً (عليه السلام) كان يفتقر إلى ذلك في سياسة الأمور، ومنهم المغيرة بن شعبة الذي أشار على علي (عليه السلام) أن يقر معاوية على الشام حتى تستقيم له الأمور، ثم بعد ذلك يرى رأيه فيه، وكان جواب علي (عليه السلام) "ما كان الله ليراني متّخذ المضلين عضدا".
وفي هذا المضمار يقول علي (عليه السلام): «والله ما معاوية بأدهى منّي، ولكنّه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس؛ ولكن كل غدرة فجرة، وكل فجرةٍ كفرةٌ، ولكلّ غادرٍ لواءٌ يعرف به يوم القيامة، والله ما أُستغفَلُ بالمكيدة، ولا أستغمزُ بالشديدة» (4).
ومن طبيعة أرباب السياسة الفاجرة أن يجوروا في أحكامهم ضد الغير، لا سيما حين يجدون أنفسهم في موقع صعب ينذر بانهيارهم وسقوطهم، ويجدون في ذلك الغير الذي هو خصم لهم القوةَ والكفاءة للحكم، فنراهم في هذا الحال ينسبون له جريمةً هو أبعد الناس عنها طمعاً منهم في إضعافه ولوي رقاب الناس عنه، وتبريراً منهم لشن الحرب ضده أمام أعين الناس كي تخلو الساحة لهم، وبذلك يستطيعون تنفيذ أطماعهم ومآربهم.
إنّ هذا اللون من السياسة الظالمة استعمل من الأمويين حيال علي (عليه السلام) إبان خلافته، فانّه بعد مقتل عثمان انصبت التهمة بقتله منهم على علي، ومرجع ذلك في رأيي إلى أمرين:
الأول: هو الخوف من سيطرة مبادىء علي والعودة بهم إلى ما قبل الخلافة والإِمارة وبذلك يخسرون كل شيء، بالإِضافة للخسارة الفعلية التي واجهوها في أمور دنياهم.
الثاني: ضياع دم عثمان بين المسلمين، وبذلك يضيع ما بناه الأمويّون خلال عشرين سنة، وكفى به إذلالاً لهم.
والحق، أنّ علياً كان أبعد ما يكون عن قدر محجمةٍ من دم عثمان، بل هو على العكس من ذلك، فلقد جهد بكل ما أوتي من قوة في إبعاد المسلمين عن الفتنة، وردء القتل عنه، وهو القائل لابن عباس حين أتاه برسالةٍ من عثمان وهو محصور يسأله فيها الخروج إلى ينبع: يا بن عباس، ما يريد عثمان إلا أن يجعلني جملاً ناضحاً بالغرب، أقبل وأدبر! بعث إليَّ أن أخرج ثم بعث إليَّ أن أقدم، ثم هو الآن يبعث إلى أن أخرج والله لقد دفعتُ عنه حتى خشيت أن أكون آثماً (5).
وهو في الوقت ذاته ليس جنديّاً من أجناد السلطة الأمويّة حتى يكون ملزماً بالدفاع عن مصالحهم الشخصيّة التي تكرّس لهم الحكم والسلطة لا أكثر، بل إنّ المسلمين لا يرضون له ذلك مطلقاً، فموقع علي (عليه السلام) في نفوسهم منذ عهد الرسول له ميزات لا يمكن تخطيها بسهولة.
ومع ذلك، فقد أوعز إلى ولديه الحسن والحسين (عليهما السلام) أن يكونا في جملة المدافعين عنه (6).
هذا كله، بالإِضافة إلى أنّه (عليه السلام) لم يكن يملك القوة الضاربة ليمنع حصول ما وقع بل كان مكفوف اليد تماماً، وحتى بعد مبايعته بالخلافة طولب من قبل بعض الصحابة بمعاقبة من أجلب على عثمان، فقال:
يا اخوتاه، انّي لست أجهل ما تعلمون، ولكن كيف لي بقوةٍ والقوم المجلبون على حدّ شوكتهم، يملكوننا ولا نملكهم! وها هم أولاء قد ثارت معهم عبدانكم، والتفت إليهم أعرابكم، وهم خلالكم يسومونكم ما شاؤوا، وهل ترون موضعاً لقدرةٍ على شيء تريدونه!» (7).
ومن الممكن القول: إنّ علياً (عليه السلام) حينما يتخذ موقفاً من قضيةٍ ما، فانّه إنّما يتعامل معها من موقع الإِمام المعصوم العادل، وبذلك لا يكون بحاجةٍ إلى محامٍ أو مدافع يبرر له مواقفه وقراراته.
بعد هذا العرض المبسّط يمكننا أن نستخلص الأسباب التي دفعت بطلحة والزبير إلى إخراج عائشة أم المؤمنين والتمرّد على خلافة علي (عليه السلام) وتجييش الناس عليه، وانتهاء الأمر بحرب «الجمل» التي قدّمنا ذكرها والتي انتهت بنصره (عليه السلام)، فإنّ الدوافع لهم على ذلك كانت محض شخصية تتحكم فيها الأنانية والرغبة في الحكم، كما تتضح لنا أسباب حرب «صفين» التي انتهت بالتحكيم، هذه الحرب المدمّرة التي شنّها معاوية ومن معه من الأمويّين وأتباعهم ضد علي (عليه السلام) وضد خلافته وضد من كانوا معه من المهاجرين والأنصار.
فالمعلوم الواضح أنّ معاوية كان أحد الرموز التي أصر الإِمام علي (عليه السلام) استبدالها انطلاقا من نهجه الجديد الذي سار عليه بعد استخلافه؛ والسبب في ذلك أنّه ليس من ذوي السابقة في الدين والصحبة، بل هو أحد الطلقاء يوم الفتح ومثله لا يكون حاكماً على المسلمين، هذا بالإِضافة إلى السياسة التي انتهجها معاوية في حكمه بلاد الشام والتي تشبه إلى حدٍ بعيد سياسة الملوك والأباطرة من الاستئثار بالفيء والإغداف على المقرّبين، والإِساءة إلى بعض الصحابة، كأبي ذر الغفاري (رضي الله عنه)، والتلويح بالترهيب والترغيب بشكل دقيق ومركز.
لقد كان هذا الإِجراء من علي (عليه السلام) في حق معاوية بمثابة صدمةٍ قويةٍ له، فكان عليه أن يتأهب ويستعد للمواجهة.
وكان معاوية بسياسته تلك قد استطاع أن يرسّخ قدميه على بلاد الشام منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب، حتى عهد عثمان الذي زاد في سلطانه بأن ضمّ إليه فلسطين وحمص والجزيرة، واستطاع أيضاً أن يستغل سذاجة الناس وبساطتهم وعفويتهم، فنجح في تجميع قبائل أُفرزت من أقاليم عدة كانت بعيدةً عن روح الإِسلام، وعمد إلى ذوي النفوذ من القادة والزعماء، وزاد في تقريبهم والإغداف عليهم بعد أن شحذ أذهانهم وأنفسهم بضرورة الأخذ بثأر الخليفة المظلوم عثمان! وراح هؤلاء بدورهم ينشرون ذلك في الآفاق وفيمن هم تحت سلطانهم، حتى تم له بذلك تجميع جيش كثيف لمواجهة علي، وكأنّ علياً هو المسؤول عن قتل الخليفة! لقد كانت هذه الخطة أفضل وسيلةٍ للانتقام من علي (عليه السلام) ومبادئه في عرفِ الأمويّين وأتباعهم، وان كان طلحة والزبير قد فشلا في خطتهما، فربّما حالف الحظ معاوية، من يدري؟ هكذا أراد معاوية، أراد القضاء على بقيّة الله في أرضه أو الشام! ملكاً طلقاً يتوهج بمفاتن الدنيا وبهارج الحياة عله يستطيع بذلك أن يستر دفائن نفسه وأطماعها عن كثير ممن عميت عيونهم عن الحقيقة، تلك الدفائن التي أفرغتها فيه سيوف المسلمين في بدرٍ وأحد والخندق حتى الفتح، وتلك الأطماع التي ورثها عمّن كان قبله فعاشت وأمرعت حتى أفرخت حرباً ظالمة، قطف ثمارها فيما بعد ملكاً أوسع من ملك كسرى وقيصر! إنّها حرب صفّين! وسوف تقرأ فيما يلي ظروفها وملابساتها، ولا ننسى دور عمّار بن ياسر فيها فلقد كان شاهد الحق مع علي (عليه السلام)، كما كان شهيدها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بالنص من النبي (صلى الله عليه وآله) عليه في حجة الوداع / راجع: الغدير 1 / 8 وما بعدها.
(2) من كتاب له (عليه السلام) إلى ابن حنيف: نهج البلاغة 3 / 73.
(3) النهج 1 / 46.
(4) النهج 3 / 180: لا أستغمز بالشديدة يعني: لا يستضعفني شديد القوة.
(5) النهج 2 / 233.
(6) قال الشيخ محمد عبدة، أمّا نهيه عن قتله بلسانه فهو ثابت، وهو الذي أمر الحسن والحسين أن يذّبّا عنه.
(7) النهج 2 / 80 ـ 81.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|