أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-7-2019
2185
التاريخ: 29-3-2016
4415
التاريخ: 8-7-2022
2002
التاريخ: 20-3-2017
30056
|
يقصد بأفتراض الخطورة الإجرامية هو استبعاد السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في تقدير الخطورة أو نفيها وذلك لرغبة الشارع في التخلص من صعوبات الاثبات(1) ، وبذلك فأن الخطورة يتم افتراضها افتراضاً غير قابل لاثبات العكس ، وبالتالي الامر بالتدبير الاحترازي بمجرد توافر الواقعة محل الافتراض من دون أن يكون للقاضي سلطة التقدير كما لو علق الشارع ذلك على ارتكاب المجرم لجريمة جسيمة ذات عقوبة معينة ، وعلة ذلك هي تقدير الشارع أن الجريمة الخطيرة لا يقدم على ارتكابها إلا مجرم خطر غير مشكوك فيه ومن ثم لا تتوقف على امارة دليل عليها(2) .فاذا وقع الفعل المؤثم ، افترض قيام حالة الخطورة لدى المجرم افتراضاً غير قابل لاثبات العكس تأسيساً منه على أن في جسامة هذا الفعل ما يحمل على تأكيد خطورته وكذلك الحال فيما اذا علق الشارع قيام الخطورة على ضابط آخر ، سواء اتصل بالفعل المرتكب كطبيعة الجريمة ونوعها أم بشخص الفاعل كسوابقه الإجرامية وظروف حياته العائلية والاجتماعية(3) . على أن هذا الكلام لم يكن مسلماً به من قبل جميع الفقه ، اذ قد ينجم ارتكاب الجريمة عن غلبة اتجاه معين لدى الفاعل ، أو عن فشل نظام العقاب في تحقيق غايته في منع الفرد من الاقدام على الجريمة ، بالاضافة الى ما قد يعنيه من استعداد نفسي لتكرار انواع السلوك ذاتها ، غير أن هذه الاعتبارات لاتقود الى حتمية القول بأن كل من ارتكب جريمة يحتمل عودته مرة أخرى الى الأجرام ، فالمجرم بالصدفة أو بالعاطفة قد لاينطبق عليه وصف الخطورة الإجرامية ، اذ أن الجريمة ترجع حينئذ أساساً الى عوامل خارجية غالباً ما تكون عارضة أو مؤقته ، بحيث قد ينتفي احتمال العودة الى الجريمة وبالمثل في حالات ارتكاب بعض الجرائم من الجنح البسيطة والمخالفات على وجه اخص التي هي في الغالب من قبيل التجريم التنظيمي(4) . ومن جانب آخر فان التدبير الاحترازي يواجه خطورة حقيقية ، وما يتضمنه من اساليب العلاج والوقاية ليس له محل إلا اذا كان المجرم خطراً بالفعل ومن ثم يكون من الملائم في السياسة التشريعية أن يلتزم القاضي بالتحقق في كل حالة على حده من توافر الخطورة الإجرامية ، وانه ينبغي في كل حالات الخطورة أن تقام الادلة على اثباتها وفق عناصر ينص عليها القانون ، فاذا لجأ قانون ما الى فرض الخطورة فأنه يتعين أن يكون ذلك في أضيق نطاق ، وان يباح للمتهم أن يقيم الدليل على عدم توافرها وذلك مراعاة للحرية الفردية(5) . ويعلل البعض الآخر لجوء بعض الشراح لافتراض الخطورة بالرغبة في احترام قاعدة الشرعية التي تقضي بأنه (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) علاوة على خشية الشارع من التوسع في تطبيق نظرية الخطورة الإجرامية بأطلاق سلطة القاضي التقديرية في اثباتها في ضوء قاعدة أن الشك يفسر لمصلحة المتهم(6) .
أن اعتماد مبدأ افتراض الخطورة الإجرامية هو مبدأ قد لاقى ترحيباً من قبل العديد من القوانين الحديثه ، ويعتبر قانون العقوبات الايطالي على رأس هذه القوانين حيث يذكر في المادة (204/2) منه صراحة على أن القانون يفترض الخطورة الإجرامية للشخص في الحالات التي يحددها صراحة ، وهذه الحالات هي المنصوص عليها في المواد (109 ، 215 ، 230 ، 234) ومنها على سبيل المثال – حالة المجرم شبه المجنون اذا ارتكب جريمة عمدية أو متعديه القصد يعاقب عليها القانون بعقوبة مقيدة للحرية لا تقل مدتها عن خمس سنوات(7) . ومن قبيل القوانين الأخرى التي لجأت الى وسيلة افتراض الخطورة الإجرامية بغية اثباتها القانون المصري ، فقد افترض خطورة المجرم المعتاد على الأجرام افتراضاً غير قابل لاثبات العكس في المواد (49-54) من قانون العقوبات حيث جعل الاعتياد صورة من صور العود ، واشترط سبق الحكم على الجاني بعقوبتين مقيدتين للحرية احدهما لمدة سنة على الاقل أو ثلاث عقوبات مقيدة للحرية احدهما على الاقل لمدة سنة أو اكثر على أن يكون ذلك في نطاق جرائم السرقات وما يماثلها من الجرائم التي يهدف فيها الجاني الى تحقيق الكسب المادي (م 51 عقوبات مصري) أو في جرائم قتل الحيوانات (المواد 355 ، 356) أو في جرائم اتلاف المزروعات المنصوص عليها في المادتين ( 367 ، 398 ) ويتطلب المشرع المصري هنا لتوافر حالة الاعتياد على الأجرام حينئذ أن تكون الجريمة الجديدة جنحة ومتماثلة مع الجرائم التي سبق الحكم على المتهم فيها لان ذلك يفيد نوعاً من التخصيص في ارتكاب صنف معين من الجرائم(8) . كما افترض المشرع المصري الخطورة بالنسبة للاحداث المشردين ونص عليها في قانون الاحداث المصري رقم (31 لسنة 1974) وكذلك عالج صوراً أخرى خاصة بالمشتبه فيهم والمتشردين والمتسولين ، ولكن ذلك لا يعني حرمان الشخص من إثبات أن الحقيقة هي عكس هذا الافتراض(9) . كما وقد افترض المشرع اللبناني الخطورة الإجرامية في شخص مرتكب الجريمة في حالات عدة ، وهذا ما بينته الفقرة الثانية من المادة (211) من القانون المذكور التي نصت على (يقضى بالتدابير الاحترازية بعد التثبت من حالة الخطر إلا في الحالات التي يفترض القانون وجود الخطر فيها) . وواضح من هذ النص أن القاضي يعتبر الخطورة متوافرة في احد مجالين: الاول : هو ثبوت توافرها عن طريق اقامة الدليل عليها واقناع القاضي بثبوتها بناءً على ذلك الدليل ، الثاني : هو افتراضها في شخص مرتكب الجريمة افتراضاً لايقبل إثبات العكس(10) . ويفترض المشرع اللبناني الخطورة الإجرامية في اربع حالات هي: -(11)
الحالة الأولى : إعتبرت الشخص خطراً على السلامة العامة اذا كان مجرماً معتاداً محكوماً عليه بغير الغرامة ومن ثم يحكم عليه بعقوبتين مانعة للحرية من اجل تكرار قانوني آخر ( م 264/1 / عقوبات لبناني ).
الحالة الثانية : معتاد الأجرام الذي صدر عليه في خلال خمس عشرة سنة لا تحتسب فيها المدة التي قضاها في تنفيذ العقوبات والتدابير الاحترازية إما اربعة احكام عن جنايات بالحبس اقترفت بعذر أو عن جنح مقصودة شرط أن تكون كل من الجرائم الثلاث الاخيرة قد اقترفت بعد أن أصبح الحكم بالجريمة السابقة باتاً ( م 264/2/3 ) عقوبات لبناني .
الحالة الثالثة : صدور ثلاثة احكام على الشخص ، حكمان منها متماثله الأحكام التي بينها القانون في الفقرة السابقة وذلك عن جنايات اقترفت بعذر أو عن جنح مقصودة وحكم ثالث صادر عن عقوبة جنائية ، على أن تكون الأحكام الثلاث قد صدرت خلال خمس عشرة سنه ولا تحتسب فيها المدة التي قضيت في تنفيذ العقوبات والتدابير الاحترازية ( م 264 /4 ) عقوبات لبناني .
الحالة الرابعة : ارتكاب الشخص خلال اقامته بالسجن أو في الخمس سنوات التالية للافراج عنه جناية أو جنحة مقصودة قضي عليه من اجلها بالحبس لمدة سنة واحدة ( م 265 ) عقوبات لبناني .
وعلى الاتجاه السابق نفسه سار قانون العقوبات الليبي الذي افترض الخطورة الإجرامية بالنسبة لطوائف المجرمين المعتادين والمحترفين وذوي الميول الإجرامية ولكنه لم يؤسس الاعتياد على افتراض قانوني وإنما تثبت حالاته بتقرير قضائي حسب المادة (146) من قانون العقوبات الليبي . ولقد افترض المشرع الليبي الخطورة الإجرامية في طوائف المجرمين الشواذ والمصابين بأختلال عقلي أو عاهه نفسية فالصم والبكم ومرضى التسمم الناتج من تعاطي الخمور أو المخدرات (م 294 عقوبات ليبي) إلا انه اسقط هذا الافتراض واوجب بعد ذلك اقامة الدليل على توافر هذه الخطورة اذا مضى على ارتكاب الفعل عشر سنوات بالنسبة للمجرمين الشواذ وخمس سنوات بالنسبة للحالات الأخرى ( م133) عقوبات ليبي . وبالرغم من خلو القانون العراقي من نص صريح يمكن من خلاله الحكم بأن المشرع قد اخذ بحالة افتراض الخطورة الإجرامية إلا وانه في الوقت نفس لا نستطيع القول بعدم لجوء المشرع الى هذه الوسيلة بغية إثبات وجود الخطورة الإجرامية فيمكن مثلاً ومن خلال نص المادة (140) من قانون العقوبات العراقي القول بان المشرع قد افترض الخطورة الإجرامية على العائد لارتكاب جريمة معينة سواء كان العود عاماً أم خاصاً فنص في المادة (140) على (يجوز للمحكمة في حالة العود المنصوص عليها في المادة السابقة أن تحكم بأكثر من الحد الاقصى للعقوبة المقررة للجريمة قانوناً بشرط عدم تجاوز ضعف هذا الحد وعلى أن لا تزيد مدة السجن المؤقت بأي حال من الاحوال على خمس وعشرين سنه ولا تزيد مدة الحبس على عشر سنين) . ومن النص المذكور اعلاه يتضح لنا بأن المشرع قد افترض أن الشخص الذي يعود الى ارتكاب جريمة بعد سبق الحكم عليه بعقوبة عن جريمة سابقة يعتبر خطراً على المجتمع . على أن المشرع العراقي لم يعتبر هذا الافتراض افتراضاً ثابتاً لايقبل إثبات العكس وإنما يجوز الحكم بخلاف الخطورة الإجرامية ، ومن هذا المنطلق اجاز المشرع المحكمة الحكم بتشديد العقوبة اذا رأت ضرورة ذلك وفقاً للحالة المعروضة امامها أو قد لا تحكم بالتشديد اذا ثبت أن العائد لم يكن على درجة كافية من الخطورة تستحق التشديد . وفضلاً عن ذلك فأنه يمكن القول بأن المشرع العراقي قد أخذ بفكرة افتراض الخطورة الإجرامية وذلك في تجريمه لبعض الحالات السابقة على الأجرام كتجريمه التسول حيث قرر فرض عقوبة الحبس مدة لا تقل عن شهر واحد ولا تزيد على ثلاثة اشهر ، أو أن تأمر المحكمة بايداعه مدة لا تزيد على سنة في دار للتشغيل أو ملجاً أو دار للعجزه أو مؤسسة خيرية(12) .
ونص قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23 لسنة 1971) في المواد من (317-320) على انه للمحكمة أن تلزم شخصاً بتقديم تعهد بكفالة كفيل أو اكثر أو بدونها وبمبلغ من عشرين ديناراً الى مائتي دينار ولمدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن سنة بداعي انه يخشى أن تقع من جناية أو جنحة أو فعل يرجح معه الاخلال بالسلام(13) . كما نص قانون رعاية الاحداث العراقي قم (76) لسنة 1983 على مثل هذه الحالات أيضاً وذلك عندما نص على بعض التدابير الاحترازية التي تفرض على الحدث المتشرد أو سيئ السلوك وذلك في المادة (26) منه . أن موضوع افتراض الخطورة الإجرامية في شخص المجرم افتراض غير قابل لاثبات العكس على أساس ارتكاب جريمة ذات جسامة معينة باعتبار أن الجريمة الخطيرة لا يمكن أن يقدم عليها إلا مجرم خطير يحمل خطورة لا تثير شكا ومن ثم لا تتوقف على اقامة دليل عليها ، يمكن أن يواجه هذا الفرض بعض الصعوبات التي لا يمكن معها الاخذ به لاجل إثبات الخطورة الإجرامية ، خاصة وان الخطورة بصفتها حالة نفسية ، ترتبط بشخص الجاني أي تتعلق بشخصيته الانسانية واذا كان من الضروري اخذ الفعل الذي ارتكبه بعين الاعتبار عند تقرير هذه الخطورة فأن هذا الاخذ لايمكن أن يكون بمنأى عن شخصية الجاني وبذلك فلا يمكن ...الاعتماد على وسيلة افتراض الخطورة الإجرامية لاجل اثباتها بالرغم من أهمية هذا الافتراض في بعض الاحيان – خاصة بالنسبة للأسوياء الذين لاتدل ملامحهم الشخصية على اية خطورة كامنه رغم خطورتهم الفعلية – لذلك كان من الاسلم للقوانين الجمع بين الوسيلتين في إثبات الخطورة الإجرامية . وهو ما اخذت به معظم القوانين الحديثة مثل القانون الإيطالي والمصري والعراقي واللبناني والليبي وغيرها من القوانين الأخرى .
________________
1- راجع د- محمود نجيب حسني ، علم العقاب، دار النهضة العربية، 1973 ، ص 135 .
2- د- محمود نجيب حسني ، المجرمون الشواذ، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1974، ص 96 .
3- د- رمضان السيد الألفي، نظرية الخطورة الإجرامية، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، 1966، ص 133 .
4- د- يسر أنور علي، النظرية العامة للتدابير والخطورة الإجرامية، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، العدد الأول، السنة الثالثة عشر، مطبعة جامعة عين شمس، 1971، ص 202 .
5- د- حسين كامل عارف ، النظرية العامة للتدابير الاحترازية ، رسالة دكتوراه ، كلية الحقوق – جامعة القاهرة 1976 ، ص 178 .
ذكره د- رمضان السيد الألفي ، المرجع السابق ، ص 133 .
6- د- محمد عبد الله الشلتاوي ، موقف الشرائع الحديثة من الخطورة الجنائية ، رسالة دكتوراه ، جامعة الاسكندرية 1989 ، ص 883 وما بعدها .
ذكره د- رمضان السيد الألفي ، المرجع السابق ، ص 134 .
7- د- جلال ثروت و د- محمد زكي ابو عامر ، المرجع السابق ، ص 310
8- د- يسر انور علي ، المرجع السابق ، ص 219 .
9- د- رمسيس بهنام، العقوبة والتدابير الاحترازية، المجلة الجنائية القومية، العدد الأول، المجلد الحادي عشر، مارس 1968، ص 30 وما بعدها .
10- د- شرح قانون العقوبات اللبناني – القسم العام -، الطبعة الثانية، دار النقري للطباعة، بيروت، 1975، ص 900 .
11- انظر : د – قانون العقوبات – القسم العام -، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت، 2000، ص 833 - 834 .
12- انظر المواد (390 ، 391) من قانون العقوبات العراقي .
13- أنظر صفحة (64) من الرساله .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|