أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-3-2016
7057
التاريخ: 2-9-2019
2578
التاريخ: 14-3-2016
2541
التاريخ: 16-3-2016
10676
|
وهو النظام الثاني الذي كان سائداً في العصور الاولى من الامبراطورية الرومانية، ولكن تطبيقه كان مقصوراً على العبيد . وفيه تتولى الاتهام السلطة العامة ، حيث تبدأ إجراءاتها بمنائ عن المتهم وبطريق سري وليس للمتهم فيه أي حق يخوله الدفاع عن نفسه ، او الادلاء بأقواله ، او الاستعانة بمدافع عنه ، وان كل ما له هو ان يجيب عن ما يوجه اليه من الاسئلة(1) . وقد جاء هذا النظام في اعقاب النظام الاتهامي حينما قوت الدولة من قبضتها على رقبة المجتمعات والافراد تحت ستار المحافظة على النظام العام والمجتمع ، وكان ظهوره ثم تطوره نتيجة طبيعية لقيام الحكومات المنظمة ولتزايد قوة الدولة تلك القوة التي كان من مظاهرها ايضاً الاتهام القضائي أي حق القاضي في تعقيب الجاني بنفسه من دون ان تقدم اليه شكوى من احد وانما بمجرد ان تصله انباء بوقوع جريمة من اية جهة كانت(2). وتبعاً لتغير النظرة ازاء طبيعة الاتهام ومفهومه من فردي خالص الى عام اجتماعي ، فقد تغيرت النظرة الى القضاء فعد احد الوظائف الهامة للدولة ولهذا لم يعد القاضي حكماً محايداً يختاره الخصوم ، وانما اضحى ممثلاً للدولة التي تحتكر توزيع العدل في اطار المجتمع الذي تنظمه ، وترتب على هذا ، ان يمنح القاضي سلطات واسعة في اثبات الادانة ومقابل ذلك تضاءلت الى حد كبير ضمانات المتهم. وقد ترتب على احتكار الدولة للقضاء ، ان صار القاضي موظفاً يحترف العمل القضائي ، مما توجب عليه اعداده مهنياً ، حيث يتعين عليه الالمام بالدراسات القانونية التي تؤهله لذلك العمل(3). واذا كانت اهم مزايا هذا النظام ، هو اتساقه مع الوظيفة الحديثة للدولة بانفرادها بتوطيد الامن والاستقرار بملاحقة المجرمين ومحاكمتهم ، الا انه ارسى مبادئ ونظماً شكلت الركائز التي تقوم عليها النظم الاجرائية المعاصرة ، كإنشاء الادعاء العام ، واضفاء الطابع العام على القضاء وما استتبعه من منح القاضي دوراً ايجابياً في تحري الحقيقة . والقاضي يعتمد في عمله على نظام الادلة القانونية ، فلا مجال للقول بإدانة أي شخص ما لم تتوافر ادلة قانونية كافية لادانته . فللقاضي ان يراجع التحقيق الابتدائي للوصول الى الحقيقة وتحقيقاً للغرض نفسه كما يلجأ الى تعذيب المتهم لانتزاع الاعتراف منه(4). لقد منح هذا النظام للاعتراف اهمية كبيرة ، بل عده سيداً للأدلة ، وانه الدليل الحاسم في الدعوى ، ولهذا اجاز اللجوء الى كل السبل للحصول على الاعتراف واهمها التعذيب . وعلى الرغم من نظرته الى الاستجواب باعتباره الاجراء الافضل للتحقيق والذي يعتمد عليه للادانة باعتباره من اقصر الطرق فان المشرع لم يكن يهدف من الاستجواب الحصول على اعتراف المتهم فحسب بل يقصد به السماح له بالادلاء بتوضيحاته ودفاعه وان خلف هذا النظام كانت تكمن فكرة الادلة القانونية فلإدانة المتهم يتوجب ان تجتمع ادلة معينة كان من العسير ان تجتمع مما يضطر القضاة في تلك الازمنة الى الحصول على اعتراف المتهم بأية وسيلة ولهذا نجد ان التعذيب كان سائداً في هذا النظام ويبدو في نظر النـاس طبيعياً الى درجة انهم كانوا يسمونه بالاستجواب القضـائي فالجرائم ذات الدلائل الخطيرة والتي لا تكفي الادلة المتوفرة لادانة المتهم ينبغي تكملة الدليل بالاعتراف وقد كان المتهم يضرب قبل الاستجواب واثنائه وبعده لغرض الحصول على اعتراف منه واصبحت الغاية من استجواب المتهم وتعذيبه هي الحصول على هذا الاعتراف سواء كان مطابقاً للحقيقة ام مغايراً لها ولذا تعتبر جميع الوسائل الموصلة للاعتراف والمستخدمة عند استجواب المتهم مشروعة حتى ولو كانت نتيجة للتعذيب لان الاعتراف يعد في تلك الآونة سيداً للأدلة جميعاً(5). وفي ظل هذا النظام كان التحقيق يتم في سرية مطلقة سواء بالنسبة الى الجمهور او بالنسبة الى الخصوم ، فلا يحق لكل من الجمهور والخصوم حضور جلسات التحقيق. ولهذا قيل بان التحقيق الابتدائي في هذا النظام يتميز بانه غير علني بالنسبة الى الجمهور ، وغير حضوري بالنسبة للخصوم(6). وقد اعتنقت التشريعات التي تأثرت بنظام التنقيب والتحري مبدأ عدم علانية اجراءات التحقيق الابتدائي ، ومن ذلك قانون تحقيق الجنايات الفرنسي القديم الصادر سنة 1808 حتى خفت حدة هذه السرية بصدور قانون 1897 الذي قرر للمتهم حق الاتصال بمحاميه وحقه في الا يستجوب او يواجه الا بحضور محاميه كما قرر للدفاع حق الاطلاع على اوراق التحقيق الا ان هذه الحدود لم تكفل غير مبدأ حضور الخصوم للتحقيق وظل مبدأ عدم علانية التحقيق بالنسبة الى الجمهور سارياً، حتى صدور قانون 1921 فمنح المدعي بالحق المدني الحق في الحضور. وقد كانت السرية في صورتها المطلقة تستهدف اساساً مصلحة التحقيق. ففي مرحلة تجميع الادلة ، كانت السرية تعتبر اجراءً ضرورياً لضمان عدم عرقلة استجماع الادلة وعدم التأثير عليها. لان المتهم الذي يعرف ما يتخذ من اجراءات التحقيق قد يعمل على افسادها وقد يعد عدته للافلات من قبضتها. كما ان اجراء التحقيق في حضور الجمهور من شأنه ان يشل تصرفات المحقق في استخلاصه للادلة ويعوق حرية الشاهد في الادلاء بأقواله، كما انه يؤدي الى خلق محاولات لا خفاء الادلة او طمس معالمها. غير انه بعد ان خفت حدة هذه السرية المطلقة بالسماح للمتهم وبقية الخصوم والمدافعين عنهم بحضور التحقيق ، بدت مصلحة اخرى تحميها هذه السرية. وهي مصلحة المتهم . فقد قيل ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته بحكم قضائي، وان حماية هذه القرينة التي يفترضها القانون تقتضي ان يجري هذا التحقيق سراً محافظة على كرامة المتهم وانسانيته ودرءاً للمضار التي تصيب المتهم من هذه العلانية ، فقد تتضح براءته بعد ذلك ، ولكن بعد ان يكون الضرر قد اصاب سمعته واعتباره ، وبعد ان تكون العلانية قد نهشت حياته الخاصة وحياة اسرته والمتصلين به. ومصلحة المجني عليه هي الاخرى تقتضي السرية ، وذلك حماية له من أي ضغط او تأثير ودفعاً للحرج عنه خصوصاً اذا كانت الجريمة المجني عليه فيها من جرائم الاخلاق(7) .ومن الجدير بالذكر ان اجراءات الضبط القضائي تتم بسرية سواء بالنسبة للجمهور ام بالنسبة للخصوم انفسهم ووكلائهم . فلا يتصور ان تجري اجراءات مأمور الضبط القضائي في علانية يشهدها الجمهور بل ان مثل هذه العلانية تفسد عليه عمله في مرحلة الاستدلال والتحري التي تقتضي بطبيعتها الكتمان والحيطة . على ان سرية اجراءات الاستدلال ، لم تحل في الواقع دون تسرب اخبار هذه الاجراءات . فاذا كانت هذه السرية تقتضي ان يظل كل ما يجري في حجرات التحقيق محجوباً عن الجمهور فان بعض الاجراءات التي يقوم بها رجال الضبط القضائي تتم في علانية لا يمكن حجبها عن الجمهور ، مثل الانتقال الى محل الحادث ومثل اجراءات التفتيش واجراءات القبض في حالة التلبس. ومع ان نظام التنقيب والتحري يحقق مصلحة المجتمع في امنه وطمأنينته لانه جعل تحريك الدعوى الجزائية بيد الادعاء العام وهذا من شأنه ان يحقق القوة الرادعة في العقاب لجميع المجرمين. الا ان مما يؤخذ عليه اهداره الضمانات الاساسية للمتهم ، والتي تقتضيها العدالة . ففرض السرية على التحقيق وحرمانه من الحضور في اغلب اجراءات الدعوى حالت دون تمكينه من ممارسة حقه في الدفاع(8). اضافة الى تضييقه الطريق الى الحقيقة عن طريق تقييد حرية القاضي في تكوين قناعته بسبب التزامه بأدلة قانونية محددة مما يجعل طريقه وعراً في الوصول الى الحقيقة(9). ومساسه بحقوق الانسان ذلك ان السماح بتعذيب المتهم عند استجوابه بغية الحصول على اعتراف منه امر يتعارض مع الحضارة والمدنية وحقوق الانسان التي كفلتها الاعراف والمواثيق والمؤتمرات الدولية ونصت عليها غالبية الدساتير في مختلف ارجاء العالم.
____________________
[1]-عبد الامير العكيلي ، اصول الاجراءات الجنائية في قانون اصول المحاكمات الجزائية ، الجزء الاول ، الطبعة الاولى ، مطبعة المعارف / بغداد ، 1975، ص32.
2- عبد المجيد عبد الهادي السعدون ، استجواب المتهم ،رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية القانون جامعة بغداد ، 1992، ص10.
3-فاضل زيدان محمد ، المرجع السابق، ص48.
4- د.محمود نجيب حسني ، شرح قانون الاجراءات الجنائية ، المرجع السابق، ص47.
5-د.سامي صادق الملا ، اعتراف المتهم ،المصدر السابق، ص4.ومن ذلك عبد المجيد عبد الهادي السعدون ،استجواب المتهم ،المصدر السابق، ص10.
6-Garraud ® , Traite the orique et pratique de l’instruction criminelle et du procedure penale, paris 1913, T.1, No.26.
7-د.جمال الدين العطيفي، المرجع السابق، ص396.
8-فاضل زيدان محمد ، سلطة القاضي الجنائي في تقدير الأدلة ، المرجع السابق، ص50.
9- د.رؤوف عبيد، مبادئ الإجراءات الجنائية ، المرجع السابق، ص19.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|