أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-22
1195
التاريخ: 2023-04-22
1028
التاريخ: 2023-06-05
1117
التاريخ: 2023-05-08
1007
|
ومن أهم ما قضى على مدنية العرب في عهد الترك إهمال المدارس وامتداد أطماع الطامعين في استصفائها ونزع وقوفها وأحباسها، وفي الخطط التوفيقية أن النظار في مدارس القاهرة تصرفوا خلال ثلاثة قرون من العهد التركي على غير شروط وقفها، وامتنع الصرف على المدرسة والطلبة والخدمة وانقطع التدريس بالكلية لكثرة الاضطرابات وبيعت كتب المدارس وانتهبت، حتى آلت الحال ببعض المدارس الفخمة والمباني الجليلة أن أصبحت زوايا صغيرة وزال بعضها جملةً أو صار زريبة أو حوشًا أو غير ذلك. ومثل هذا وقع في عاصمة الشام فقد دخل الأتراك دمشق وفيها أكثر من 150 مدرسة للقرآن والحديث والفقه على المذاهب الأربعة ومدارس الطب ومدرسة الهندسة، عدا الربط والخوانق والمستشفيات، وخرجوا منها بعد زهاء أربعة قرون وليس فيها سوى بضع مدارس عامرة بعض الشيء ولا تدريس فيها، هذا عدا ما كان من المدارس الجليلة في مدن الأقاليم كالقدس وحماة وحمص وحلب وطرابلس وغيرها، وكلها أُصيبت بما أُصيبت به مدارس دمشق(1)، وجميع هذه المدارس كان فيها خزائن كتب، وعامة المرافق وأسباب الراحة والتشويق والاستفادة تامة، ومثل ذلك قل في مدارس العراق، ولا سيما الموصل والبصرة وبغداد وناهيك بالمدرسة النظامية (459هـ) والمدرسة المستنصرية (631هـ) في بغداد، ولم يقتصر نظام الملك على إنشاء المدرسة البغدادية أو الجامعة البغدادية، بل بني دور العلم للفقهاء وأنشأ المدارس للعلماء، وأسس الرباطات للعباد والزهاد، ثم رتب لهم الجرايات والكساوي والنفقات، وأجرى الخير والرزق لمن كان من أهل الطلب للعلم مضافًا إلى أرزاقهم وعم (2) بذلك سائر أقطار مملكته، فلم يكن من أوائل الشام وهي بيت المقدس إلى سائر الشام الأعلى وديار بكر والعراقين وخراسان بأقطارها إلى سمرقند من وراء نهر جيحون مسيرة زهاء مائة يوم، حامل علم أو طالبة أو متعبد أو زاهد في زاويته إلا وكرامته شاملة له وسابغة عليه. وكان الذي يخرج من بيوت أمواله في هذه الأبواب ستمائة ألف دينار في كل سنة، وكانت غلة المدرسة المستنصرية نحو سبعين ألف دينار، وقيل: إن قيمة ما وقف عليها يساوي ألف ألف دينار جعلت على المذاهب الأربعة، وأُقيم فيها مستشفى وأطباء يدرسون الطب كما يدرس فيها علم الحيوان والنبات والفلك والرياضيات على اختلاف ضروبها، والآداب بأنواعها والتاريخ وعلوم القرآن والحديث (3)، وهكذا الحال في عامة مدارس بلاد العرب. ولقد تفنن ملوك المسلمين وأهل الخير من رعاياهم في أعمال البر والإحسان، وأقاموا من المصانع ما يشبه من أكثر وجوهه أعمال الغربيين اليوم، فقد كان كوكبوري صاحب إربل من أهل القرن السابع من بعض أولئك المحسنين، ومما بنى أربع خانقات (4) للزمنى والعميان وقرر لهم ما يحتاجون إليه، وبنى دارًا للنساء الأرامل ودارًا للضعفاء ودارًا للأيتام ودارًا للملاقيط، ورتب بها جماعة من المراضع وأجرى على أهل كل دار ما يحتاجون إليه في كل يوم، ولا تزال إلى اليوم بقايا من هذه الخيرات العجيبة في بلاد الإسلام، فقد ذكر الأخوان تارو أن في مدينة مراكش ملجأ لا مثيل له في الدنيا بأسرها، وهو بناء يكاد يكون بلدة يضم ستة آلاف أعمى يأكلون فيه ويقرؤون، ولهم قوانين يجرون عليها وتراتيب تنظم من شئونهم. كانت العربية ماثلة في الشام يوم دخلها العثمانيون في سنة 922هـ في معظم مظاهر الحياة، فأطفأوا شعلتها وأضعفوا قوتها، ولو نجا الشام وحده من حكمهم لنشر لتوسطه بين الولايات العربية - أنوار الحضارة، ولو كتب له الانضمام إلى مصر منذ استقلت بها الأسرة العلوية، لتساند القُطران الشقيقان في مهمة التمدين، ولما آضت هذه الولايات وكانت مستنبت العربية، أشبه بالقرى منها بالمدن، يوم دعا الترك داعي الرحيل. جرم أن صنعاء ومكة والمدينة والبصرة وبغداد والموصل وحلب ودمشق كانت إلى عهد قريب من الانحطاط في عمرانها، والجهل المتأصل في سكانها، على ما تذرف له الدموع حزنًا، ومن أين يُرجى لها مدنية وقد اصطلحت على جسمها جميع أمراض الانحلال، وهل المدنية غير ابنة الراحة والسكون، والعمل المتصل، والتفكير الطويل، وهذا ما كان مفقودًا فيها. فكروا في المدارس القديمة التي دثرت بدخول الدخلاء والأعاجم، وكيف كان لها عمل عظيم في القضاء على الأمية بين الناس؟ كانت معاهد غاية ما وصل إليه العقل البشري ظرفًا ومظروفًا في العصور الغابرة، وبها أثبت أجدادنا في القرون الوسطى أنهم كانوا شيئًا في إتقان الهندسة والبناء، وأنهم على جانب من سلامة الذوق، وأنهم حراص على المجد، هذه المدارس تنطق بلسان حالها أن الأعمال العظيمة لم تقم لو لم تفكر بها عقول كبيرة، وأن تلك المدارس والمصانع ما كانت تُعمر لو لم يدرس فيها رجال الدين والعلم والأدب، وما كانت تسير سيرًا ضمن لها الخلود قرونًا، لو لم تجهز بقوانين معقولة وتراتيب متسلسلة، وما قام في الأرض شيء من العظمة إلا كان إلى جانبه عظماء يتعهدونه، ويفيضون عليه من معين قرائحهم. قامت معظم معاهدنا في القرون الوسطى بتأثيرات دينية، وكانت المسائل المدنية تابعة لها وعالة عليها، ولعمري هل كانت أوروبا على غير تلك الحال أيضًا في تلك العصور؟ وهل البيع والديرة في الغرب إلا وليدة الدين ومن صنع رجاله؟ أو من أحبوا التقرب من قلوب المتدينين، أو قامت بأيدي المتظاهرين بالدين من الحكام والملوك، فلما جاء دور النهضة والإصلاح ونجا الغرب من تأثيرات تلك القرون بالثورة على النظم القديمة، انتهى عمل تلك المصانع، فانقلبت على التدريج من معاهد دين إلى دور علم، وأصبحت الدينيات تُقرأ في بعضها على أساليب جديدة من البحث والنظر، بل إن الأموال الطائلة التي كان يجمعها ملوك الغرب بإرهاق رعاياهم، ليبنوا بها قصورًا لهم ولأتباعهم وحظاياهم، جعلت عندهم في عصور الارتقاء متاحف ومحاكم ومدارس، ولو تركت مدارس الإسلام وشأنها في هذه الأقطار العربية لاستحالت مع الزمن معاهد علم وفن.
....................................
1- الجزء السادس من خطط الشام للمؤلف، والدارس في المدارس للنعيمي (مخطوط).
2- سراج الملوك للطرطوشي.
3- النظامية والمستنصرية (ورثاء المستنصرية ووصفها الأخير مجلس المقتبس م1).
4- شذرات الذهب لابن العماد.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|