أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-3-2022
1827
التاريخ: 2024-10-26
195
التاريخ: 24-10-2014
2101
التاريخ: 2024-09-02
299
|
هل اعترف القرآن بتأثير السحر تأثيراً وراء مجاري الطبيعة ، حسبما يَزعمه أهلُ السحر والنفّاثاتُ في العُقد ؟
ليس في القرآن ما يُشير بذلك سِوى بيان وَهْن مَقْدُرتهم وفَضْح أساليبهم بأنّها شَعْوذة وتخييلات مجرّدة لا واقعيّة لها ، يقول بشأن سَحَرة فرعون : {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه : 66] ، فكان الرائي يَتخيّل أنّ تلك الحبال والعصيّ تسعى ، أي تنزو وتقفز وتَلتوي على أنحاء الحركات التي كان الناظرون يحسبونها حركات حياتيّة وأنّها حيّات ثعابين مُتهيّجة ، قال الطبرسي : لأنّها لم تكن تسعى حقيقة ، وإنّما تحرّكت ؛ لأنّهم جعلوا في أجوافها الزئبق ، فلمّا حَميت الشمس تمدّدت الزئابق فحصلت على أثره تلك التحرّكات ، وظُنَّ أنّها تسعى (1) .
وذلك أنّهم أخذوا مَصَارين أو اُدُم مصنوعة على صُوَر الحيّات والأفاعي ، وجعلوا في أجوافها زئابق وتركوها بصورة العصيّ والحبال في ساحة بعيدة عن متناول الناس ومشاهدتهم القريبة ، وكانت الساحة قد حُفرت تحتها أسراب وأشعلوا فيها ناراً فأثّرت حرارتها من تحت وحرارة الشمس من فوق ، فجعلت الزئابقُ تتمدّد وتتقلّص ، وتراءى للنّاس أنّها تسعى ، ومِن ثَمّ قال تعالى : {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف : 116] ، وما هي إلاّ شعوذة لا واقع لها سِوى تخييل ظاهريّ مجرّد .
قال الطبرسي : احتالوا في تحريك العصيّ والحبال بما جعلوا فيها مِن الزئبق حتّى تحرّكت بحرارة الشمس وغير ذلك من الحيل وأنواع التَمويه والتلبيس ، فخُيّل إلى الناس أنّها تتحرّك على ما تتحرّك الحيّة ، وإنّما سحروا أعيُنَ الناس ؛ لأنّهم أَرَوهم شيئاً لم يَعرفوا حقيقته وخَفيَ ذلك عليهم لبُعده منهم ، فإنّهم لم يَدعوا مجالاً للناس كي يدخلوا فيما بينهم [ خوف فضحِ أمرهم ] .
قال : وفي هذا دلالة على أنّ السحر لا حقيقة له ؛ لأنّها لو صارت حيّات حقيقةً لم يَقل اللّه سبحانه : (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) بل كان يقول : فلمّا ألقوا صارت حيّات ، وقد قال سبحانه أيضاً : {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} (2) .
وامّا وَصْفُ سحرهم بالعظمة ؛ فلأجل استعظام الناس ذلك المشهد الرهيب .
يقول الرازي في ذيل هذه الآية : واحتجّ به القائلون بأنّ السحر محض التمويه ، قال القاضي : لو كان السحر حقّاً لكانوا قد سحروا قلوبَهم لا أعينهم ، فثبت أنّ المراد أنّهم تخيّلوا أحوالاً عجيبة مع أنّ الأمر في الحقيقة ما كان على وِفق ما تخيّلوه ، قال الواحدي : بل المراد ، سحروا أعيُنَ الناس أي قلبوها عن صحّة إدراكها بسبب تلك التمويهات ، وقيل : إنّهم أَتوا بالحبال والعصيّ ولطّخوا تلك الحبال بالزئبق وجعلوا الزئبق في دواخل العصيّ ، فلمّا أثّر تَسخين الشمس فيها تحرّكت والتوى بعضُها على بعض وكانت كثيرةً جدّاً ، فالناس تخيّلوا أنّها تتحرّك باختيارها وقدرتها (3) .
قال الإمام الجصّاص : ومتى أُطلق السحر فهو اسم لكلّ أمر مُمَوَّهٍ باطل لا حقيقة له ولا ثبات ، قال الله تعالى : ( سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ ) يعني مَوّهوا عليهم حتّى ظنّوا أنّ حبالَهم وعصيّهم تسعى ، وقال ( يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ) فأخبر أنّ ما ظنّوه سعياً منها لم يكن سعياً وإنّما كان تخييلاً .
وقد قيل : إنّها كانت عصيّاً مُجوّفةُ قد مُلئت زئبقاً وكذلك الحبال كانت مَعمولة من اُدُم (4) محشوّة زئبقاً وقد حفروا قبل ذلك تحت المواضع أسراباً وجعلوا آزاجاً (5) وملؤوها ناراً ، فلمّا طُرحت عليه وحَمي الزئبق حرّكها ؛ لأنّ من شأن الزئبق إذا أصابته [ حرارة ] النار أنّ يطير ، فأخبر اللّه الله أنّ ذلك كان مُمَوّهاً على غير حقيقة ، والعرب تقول لضَربٍ من الحُليّ مسحور ، أي مُمَوّهٌ على مَن رآه مسحورٌ به عينه (6) .
وهكذا ذهب الإمام مُحمّد عَبده في تفسيره قال ـ بعد نقل كلام الجصّاص ـ : فعلى هذا يكون سحرهم لأَعيُن الناس عبارةً عن هذه الحيلة الصناعيّة ، إذا صحّ الخبر ، ويُحتمل أن يكون بحيلة أُخرى كإطلاق أبخرة أثّرت في الأَعيُن فجعلتها تَبصُر ذلك ، أو بجعل العصيّ والحبال على صورة الحيّات وتحريكها بمحرّكات خفيّة سريعة لا تُدركها أبصار الناظرين ، وكانت هذه الأعمال من الصناعات وتُسمّى السيمياء (7) وهي لغة يونانيّة تعني الشعوذة والنيرنج (8) ، هي عبارة عن مزاولة أعمال خفيّة سريعة تتراءى للناظرين أشكالاً على غير واقعها ، وربّما باستعمال موادّ كيمياويّة تَخفى على الناظرين (9) ، وهو متعارف حتّى اليوم لغاية إلهاء الناس في مجالس اللهو والسرور ومناسبات الأعياد والأفراح .
قال الزمخشري : ( سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ ) أَرَوها بالحِيَل والشعوذة وخيّلوا إليها ما الحقيقة بخلافه (10) .
إذن ، فلم يثبت من هذه الآية اعتراف للقرآن بحقيقة السحر سِوى الشعوذة والتوسّل بالحيل للتمويه على أعين النّاس ، هذا فحسب .
وهناك آيات أُخر استندوا إليها لهذا الاعتراف المَزعوم ، كالآيات الواردة بشأن سَحَرة بابل في سورة البقرة ، وكذا سورة الفلق {النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ } [الفلق : 4] وسنتكلم عن ذلك أيضاً بعد الكلام عن أقسام السحر ورأي علماء المسلمين فيه ، وسيبدو بعون الله تعالى أنّ تلكُم الآيات أيضاً بعيدة كلّ البُعد عمّا رَامه الزاعمون وأنْ ليس في القرآن ما يُشير باعترافه بحقيقة السحر بتاتاً .
أقسام السحر
السحر بحسب اللغة : ما لطُف ودقّ مأَخذه في التأثير ؛ ومِن ثَمّ فإنّ من البيان لسحراً ، وقسّمه الإمام الرازي بحسب المصطلح إلى أنواع ثمانية :
النوع الأَوّل : الاستعانة بالكواكب ، زَعْماً أنّها هي المُدبِّرة لهذا العالم ، نُسب ذلك إلى الكلدانيّين كانوا يعبدون الكواكب ، فكانوا يستعينون بها على سدّ مآربهم والقضاء على مناوئيهم .
وأهل العدل والتنزيه من مُتكلّمي المسلمين ( الإماميّة والمعتزلة ) أنكروا صحّة ذلك ، بل جواز الاعتقاد به قد يؤدي إلى الشرك بالله العظيم ، وقامت الأشاعرة بوجههم فأجازوه ؛ باعتبارها أسباباً وعِللاً طبيعيّة كانت تحت إرادته تعالى .
النوع الثاني : سِحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية ، فهناك لأرباب النفوس القوية تأثير كبير في إلقاءاتهم على ذوي النفوس الضعيفة ، والنفس إذا تأثّرت بما اُلقي إليها توهّمته قطعيّاً وانفعلت به وانجذبت إليه انجذاباً ، الأمر الذي قام به أكثر أصحاب المَقدرِات القوية ، فسخّرت زَرَافات مِن ذوي الأنفس الضعيفة السريعة الانخداع .
النوع الثالث : الاستعانة بالأرواح الأرضيّة الخبيثة ، ممّا عبّروا عنها بتسخير شياطين الجنّ ، الأمر الذي يقوم به أصحاب الرُقى والدُخُن والتعويذ والطِلَّسمات ، ولعلّ لهذا النوع سًوقاً رائجةً في أوساط هابطة ولا سيّما العجائز مِن النساء وذوي العقول الساذجة .
النوع الرابع : التخييلات والأَخذ بالعيون ، وهذا النوع مُبتنٍ على أخطاء البَصر والانصرافات الذهنيّة التي يَستخدمها السَحَرة من هذا النمط ، ويُسمّى بالشعوذة على ما مرّ تفصيله .
النوع الخامس : استعمال آلات وأدوات صناعيّة وتركيبها تراكيب غريبة في أشكال وصور هندسيّة تستجلب أنظار الحاضرين ، وتُوجب إعجابَهم والضحك والسرور ، وهو لَعِب على أُصول رياضيّة وهندسيّة مُلهية ، تُتَداول في مجالس الأفراح .
النوع السادس : الاستعانة بخواصّ الأدوية ، مثل أنْ يَجعل في طعامه بعض الأدوية المُبلِّدة أو المُزيلة للعقل والدُخُن المُسكِّرة ونحو ذلك .
النوع السابع : تَعليق القلب ، حيث يجد الساحرُ ضعيفَ العقل قليلَ التمييز ، فيُلقي عليه أنّه يَعرف الاسم الأعظم أو أنّ الجنّ يُطيعونه ، فيصدّقه الضعيف ويتعلّق قلبه بما قال ، وربّما استخفّ الساحر مِن عقلِه فيتمكّن من تنفيذ ما أراده في نفسه ، ولمثل هذه الانفعالات النفسيّة مجال مُتّسع لتَجوال أهل الشعوذة والتزوير والنفوذ في الشُعور .
النوع الثامن : السعي بالنميمة والتضريب مِن وجوه خفيفة لطيفة ، بما يؤثّر حبّاً أو بُغضاً أو تأليفاً أو تفريقاً بين الزوجَين أو المُتحابَّين وهو شائع كثير (11) .
وإذ قد عرفت أنواع السحر المعروفة عند العرب وعند الناس في مُختلف الأجيال تجد أنْ ليس له واقع في جميع أنواعه ، بمعنى : التأثير في تغيير اتجاه المسير الذي جرت عليه الطبيعة تأثيراً خارقاً للعادة ؛ ومِن ثَمّ فقد أنكرته أصحاب المذاهب العقليّة من علماء الإسلام ، ولم يعتبروه شيئاً وراء التمويه والشعوذة والتخييل ؛ لأجل التلاعب بعقول السُذَّج الضعفاء .
قال الرازي : أَمّا المعتزلة فقد أنكروا السحر فيما عدى التمويه والشعوذة ، ولعلّهم كفَّروا مُعتقِدَ تأثير الكواكب وتسخيرها أو تسخير الجنّ وما شاكل ، ممّا ينافي التوحيد في الربوبيّة أو يخالف حِكمته تعالى في الخلق والتدبير .
قال : وأمّا أهل السُنّة فقد جوّزوا ذلك ، بأنْ يَطير إنسان في الهواء بِلا سبب طبيعي ، أو يُحوِّل إنساناً إلى حمار أو حماراً إلى إنسان ، الأمر الذي لا يتنافى وربوبيّته تعالى ؛ حيث جرت سنّته على إقدار الساحر في تأثير سحره عندما يقرأ رُقىً أو يُزمزم وِرداً (12) ؛ واستندوا في ذلك إلى روايات واهية تزعم أنّ اليهود سحرت النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) فكان يَتخيّل أنّه فعل شيئاً ولم يفعله ، وما إلى ذلك من أكاذيب فاضحة ، زيّفناها مُسبقاً .
وأفظع من الكلّ تعاليق ابن المنير الإسكندري على الكشّاف بهذا الشأن ، منها قوله ـ عند كلام الزمخشري ( سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ ) أي أَروها بالحِيَل والشعوذة وخيّلوا إليها ما الحقيقة بخلافه ـ : هذا الإنكار مُعتَقَد المعتزلة ، ومُعتَقَد أهل السنّة الإقرار بوجود السحر ، ولا يمنع عند أهل السنّة أنْ يرقى الساحر في الهواء ويَستدّق فيتولّج في الكوّة الضيّقة ، ولا يمنع أن يفعل اللّه عند إرشاد الساحر ما يستأثر الاقتدار عليه ، وذلك واقع بقدرة اللّه عند إرشاد الساحر ، هذا هو الحقّ والمُعتَقَد الصدق .
قال : وإنّما أجريتُ هذا الفصل لأنّ كلام الزمخشري لا يخلو من رمزٍ إلى إنكاره ، إلاّ أنّ هذا النصّ القاطع بوقوعه يلجمه عن التصريح بالدفاع وكشف القِناع ، ولا يدعه التصميم على اعتقاد المُعتزلة من التنفيس عمّا في نفسه ، فيُسمّيه شعوذة وَحيلة ، وبالقطع يعلم أنّ الشعوذة لا تعمل في يد ابن عمر حتّى بكوعها ، ولا تؤثّر في سيّد البشر حتّى يُخيّل إليه أنّه يأتي نساءه وهو لا يأتيهنّ ، وقد ورد ذلك وأمثاله مُستفيضاً واقعاً ، والعُمدة أنّ كلّ واقع فبقدرة اللّه تعالى (13) .
وهذا الذي ذَكَره ابن المنير ونَسَبه إلى أهل السنّة إنّما هو مَذهب الأشعري البائد ، أمّا علماء أهل السنّة اليوم فقد واكبوا إخوانهم من أهل التحقيق في النظر ، ولم يَعيروا لِما يَذكره أهل السفاسف اهتماماً ، ولم يَعتبروا من مزاعمهم في السحر وزناً سِوى تمويهٍ مجرَّد ، وتخييلٍ كاذب ، أو مشيءٍ في النميمة ، وبثِّ روح الفُرقة ، أو ألاعيب تقام بها في الأفراح .
قال الشيخ مُحمّد عَبدَه : السحر عند العرب كلّ ما لطُف مأخذه ودقّ وخَفيَ... وقد وصف اللّه السحر في القرآن بأنّه تخييل يخدع الأَعيُن فيُريها ما ليس بكائن كائناً ـ ثُمّ يَذكر الآيات ويقول : ـ ومجموع هذه النصوص يدلّ على أنّ السحر إمّا حيلة وشعوذة ، وإمّا صناعة علميّة خفيّة يَعرفها بعض الناس ويجهلها الأكثرون ، فيُسمّون العمل بها سحراً لخفاء سببه ولُطفِ مأخذه ، ويُمكن أن يُعدّ منه تأثير النفس الإنسانيّة في نفسٍ أُخرى لمِثل هذه العلّة .
وقد قال المؤرّخون : إنّ سَحَرة فرعون قد استعانوا بالزئبق على إظهار الحبال والعصيّ بصور الحيّات والثعابين وتخييل أنّها تسعى ، وقد اعتاد الّذين اتخذوا التأثيرات النفسيّة صناعةً ووسيلةً للمعاش أن يستعينوا بكلامٍ مُبهم وأسماء غريبة اشتُهر عند الناس أنّها من أسماء الشياطين ومُلوك الجانّ ، وأنّهم يحضرون إذا دُعوا بها ويَكونون مُسخّرين للداعي ، ولمِثل هذا الكلام تأثير في إثارة الوهم ، عُرف بالتجربة ؛ وسببه اعتقاد الواهم أنّ الشياطين يستجيبون لقارئه ويُطيعون أمره ، ومنهم مَن يعتقد أنّ فيه خاصّية التأثير وليس فيه خاصّية وإنّما تلك العقيدة الفاسدة تَفعل في النفس الواهمة ما يُغني مُنتحِل السحر عن توجيه همّته وتأثير إرادته ، وهذا هو السبب في اعتقاد الدُّهماء (14) أنّ السحر عمل يُستعان عليه بالشياطين وأرواح الكواكب (15) .
وقد اقتفى أثره الشيخ المراغي في عبارة اختصرها من كلام أُستاذه الشيخ مُحمّد عَبدَه (16) .
وقال سيّد قطب ـ عند تفسير سورة الفلق ـ : والسحر لا يُغيّر من طبيعة الأشياء ، ولا يُنشئ حقيقةً جديدةً لها ، ولكنّه يُخيّل للحواسّ والمشاعر بما يُريده الساحر ، وهذا هو السحر كما صوّره القرآن الكريم في قصّة موسى ( عليه السلام ) من سورة طه {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} وهكذا لم تَنقلب حبالُهم وعصيّهم حيّاتٍ فعلاً ، ولكن خُيّل إلى الناس أنّها تسعى ، وهذه هي طبيعة السحر كما ينبغي لنا أن نسلّم بها ، وهو بهذه الطبيعة يؤثّر في الناس ويُنشئ لهم مشاعر وِفق إيحائه ، مشاعر تُخيفهم وتُؤذيهم وتوجّههم الوجهة التي يريدها الساحر ، وهو شرّ يستعاذ منه باللّه ويُلجأ منه إلى حماه (17) .
وقد أَعرب شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي( قدّس سرّه ) عن مُعتَقَد أهل الحقّ في السحر وأنْ لا حقيقة له ، قال : ذكروا للسحر معاني أربعة :
أحدها : أنّه خُدَع ومخاريق وتمويهات لا حقيقة لها ، يُخيَّل إلى المسحور أنّ لها حقيقة .
الثاني : أنّه أخذ بالعين على وجه الحيلة .
الثالث : أنّه قَلبُ الحيوان من صورةٍ إلى أُخرى ، وإنشاء الأجسام على وجه الاختراع ، فيُمكن الساحر أن يقلب الإنسان حماراً ويُنشئ أجساماً .
الرابع : أنّه ضَربٌ مِن خدمَة الجنّ .
قال : وأقرب الأقوال هو الأوّل ؛ لأنّ كلّ شيء خرج عن مَجرى العادة فإنّه سحر [ في مزعومهم ] لا يجوز أنْ يَتأتّى من الساحر ، ومَن جوّز شيئاً من هذا فقد كَفَر ؛ لأنّه لا يُمكن مع ذلك العلِمُ بصحّة المعجزات الدالّة على النبوّات ؛ لأنّه أجاز مِثلَه على جهة الحِيلَة والسحر (18) .
وهكذا ذهب إلى إنكاره في كتاب الخلاف (19) .
وقال الطبرسي : السحر والكهانة والحِيلَة نظائر ، ومن السحر ، الأُخْذَةُ التي تأخذ العين حتّى يُظنّ أنّ الأمر كما ترى وليس الأمر كما ترى ، والجمع : الأُخَذ ، فالسحر عمل خفيّ لخفاء سببه ، يُصوّر الشيء بخلاف صورته ويَقلبه عن جنسه في الظاهر ولا يقلبه عن جنسه في الحقيقة ، ألا ترى إلى قوله سبحانه وتعالى : ( يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ) ؟ (20) .
وقال المجلسي العظيم ـ في كلامٍ له عن السحر ناظرٍ إلى ما ننقله عن ابن خلدون ـ : وأمّا ما يُذكر مِن بلاد التُرك أنّهم يعملون ما يَحدث به السُحُب والأَمطار ، فتأثير أعمال هؤلاء الكفرة في الآثار العلوية وما به نظام العالَم ممّا تأبى عنه العقول السليمة والأفهام القويمة ، ولم يَثبُت عندنا بخبر مَن يُوثق بقوله (21) .
والعجب من بعض الكُتّاب العصريّين جَنَح إلى ترجيح الرأي القائل بحقيقة السحر وأنّ له واقعاً يؤثّر في قلب الواقعيّة حقيقة ، واقتفى في ذلك بعض أقوال القدماء فيما نقلوه من حكايات هي أشبه بالخُرافات منها بالواقعيّات .
هذا الأُستاذ مُحمّد فريد وجدي يَنقل أوّلاً عن مقدّمة ابن خلدون اعترافه بحقيقة السحر ، ثم يُعقّبه باستنكار الغربيّين ويَحمل عليهم بأنّهم قاصرو النظر في إطارٍ من المادّيات ويجعلون العالَم كلّه في دائرة أضيق مِن سمِّ الخِيَاط ، وأخيراً يُرجّح أنّ له حقيقةً ، ويذكر له شاهداً في قصّةٍ خياليّة ، وإليك بعض كلامه ونُقُوله عن ابن خلدون وغيره :
قال ابن خلدون في مقدّمته : السحر ، عِلم بكيفية الاستعدادات تَقتدر النفوسُ البشريّة به على التأثيرات في عالم العناصر إمّا بغير مُعين أو بمعين من الأمور السماويّة والأَوّل هو السّحر ، والثاني هو الطِلَّسمات ، قال : ولنُقدّم هنا مقدّمةً يتبّين بها حقيقة السحر ، وذلك أنّ النفوس البشريّة وإن كانت واحدة بالنوع فهي مُختلفة بالخواصّ ، فنفوس الأنبياء لها خاصية تستعدّ بها للمعرفة الربّانيّة ومُخاطبة الملائكة ، وما يتّسع في ذلك مِن التأثير في الأكوان ، واستجلاب روحانيّة الكواكب للتصرّف فيها ، والتأثير بقوّةٍ نفسانيّة أو شيطانيّة .
فأمّا تأثير الأنبياء فمدد إلهي وخاصّية ربّانيّة ، ونفوس الكَهَنة لها خاصّية الاطّلاع على المُغيّبات بقُوى شيطانيّة ، وهكذا كلّ صنف مختصّ بخاصّية لا توجد في الآخر ، والنفوس الساحرة على مراتب ثلاث ، فأَوّلها المؤثّرة بالهمّة فقط من غير آلةٍ ولا مُعين وهذا هو الذي يُسمّيه الفلاسفة السحر ، والثاني بمُعين مِن مزاج الأفلاك أو العناصر أو خواصّ الأعداد ويُسمّونه الطِلَّسمات ، وهو أضعف رتبةً مِن الأَوّل ، والثالث تأثير في القُوى المتخيّلة ، يَعمد صاحب هذا التأثير إلى القُوى المُتخيّلة فيتصرّف فيها بنوعٍ مِن التصرّف ، ويُلقي فيها أنواعاً من الخيالات والمحاكاة وصُوَراً ممّا يقصده مِن ذلك ، ثُمّ يُنزلها إلى الحسّ مِن الرائين بقوّة نفسه المؤثّرة فيه ، فينظر الرَّاؤون كأنّها في الخارج وليس هناك شيء من ذلك كما يُحكى عن بعضهم أنّه يُري البساتين والأنهار والقصور ، وليس هناك شيء من ذلك . ويُسمّى هذا عند الفلاسفة الشعوذة أو الشعبذة .
قال : ثُمّ هذه الخاصّية تكون في الساحر بالقوّة شأن القُوى البشريّة كلّها ، وإنّما تَخرج من القوّة إلى الفعل بالرياضة ، ورياضة السحر كلّها إنّما تكون بالتوجّه إلى الأفلاك والكواكب والعوالم العلويّة والشياطين ، بأنواع التعظيم والعبادة والخضوع والتذلّل ، فهي لذلك وجهةٌ إلى غير اللّه وسجود لغير اللّه ، والوجهة إلى غير اللّه كفر ، فلهذا كان السحر كفراً والكفر مِن موادّه وأسبابه .
قال : واعلم أنّ وجود السحر لا مِرْية فيه بين العقلاء من أجل التأثير الذي ذكرناه ، وقد نطق به القرآن ، قال اللّه تعالى : {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } [البقرة : 102] ، وسُحِر رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) حتّى كان يُخيَّل إليه أنّه يَفعل الشيء ولا يفعله ، وجُعل سِحرُه في مِشطٍ ومُشاقةٍ وجُفّ طِلعةٍ ، ودُفن في بئر ذروان ، فأنزل اللّه عليه {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ } [الفلق : 4] ، قالت عائشة : كان لا يُقرأ على عُقدةٍ من تلك العُقد التي سُحِر فيها إلاّ انحلّت .
قال : ورأينا بالعيان مَن يُصوّر صورةَ الشخص المسحور بخواصّ أشياء مقابلةٍ لما نَواه وحاوله ، موجودةٍ بالمسحور ، وأمثال تلك المعاني من أسماء وصفات في التأليف والتفريق ، ثُمّ يتكلّم على تلك الصورة التي أقامها مقام الشخص المسحور عيناً أو معنىً ، ثُمّ يَنفث مِن ريقه بعد اجتماعه في فيه بتكرير مَخارج تلك الحروف من الكلام السوء ، ويعقد ذلك المعنى في سببٍ أعدّه لذلك تفاؤلاً بالعُقد واللزام وأُخذ العهد على مَن أشرك به مِن الجنّ في نفثه ، في فعله ذلك استشعاراً للعزيمة بالعزم ، ولتلك البنية والأسماء السيّئة روح خبيثة تخرج منه مع النفخ متعلّقةً بريقه الخارج مِن فيه بالنفث ، فتنزل عنها أرواح خبيثة ويقع عن ذلك بالمسحور ما يحاوله الساحر !
قال : وشاهدنا أيضاً من المُنتحلين للسحر وعمله مَن يُشير إلى كساء أو جلدٍ ويتكلّم عليه في سرّه ، فإذا هو مقطوع متخرّق ، ويشير إلى بُطون الغنم كذلك في مراعيها بالبعج ( أي شقّ البطن ) فإذا أمعاؤها ساقطة من بطونها إلى الأرض .
وسَمِعنا أنّ بأرض الهند لهذا العهد مَن يشير إلى إنسان فيتحتّت ( أي يتفتت ويتساقط ) قلبه ويقع ميّتاً ، وينقلب عن قلبه فلا يوجد في حشاه ، ويُشير إلى الرمّانة وتُفتح فلا يوجد مِن حبوبها شيء .
قال : وكذلك سَمِعنا أنّ بأرض السودان وأرض التُرك مَن يسحر السحاب فيُمطر الأرض المخصوصة ، وكذلك رأينا من عمل الطِلَّسمات عجائب من الأعداد المُتحابّة ... ونَقَل أصحاب الطِلّسمات أنّ لتلك الأعداد أثراً في الأُلفة بين المتحابَّين واجتماعهما ، إذا وُضِع لهما مِثالان أحدهما بطالع الزهرة وهي في بيتها أو شُرَفِها ناظرةٌ إلى القمر نظر مودّةٍ وقبولٍ (22) .
ثمّ يذكر الأُستاذ وجدي ما شاهده الغربيّون في تَجوالهم القارّات مِن غرائب صَدَرت على أيدي كَهَنة القبائل ، ولكنّهم جرّبوها بأنفسهم فوجدوها {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} [النور : 39] ، فرَأَوها لا تؤثِّر أدنى تأثير ، فزالت جميع الأوهام التي كان الأقدمون يُحيطون بها من الكيمياء والنجامة ، وتَولّد من الأُولى الكيمياء الحقيقيّة ، ومِن الثانية علم الفلك الصحيح .
قال الأُستاذ وجدي : وقد ذَكَر القرآن الكريم السحر في مواضع كثيرة ، وقد مضى متقدّمو الأُمّة مُعتقدين وجوده وأنّه من العلوم السرّية التي يتحصّل عليها بالرياضة وغيرها .
ومَاَل بعضهم وكثير من المتأخّرين إلى زَعمِ أنّ السحر سُرعة اليد وصناعة في التمويه ، وليس له دليل يسنده ، قال : ولكن دليلنا نصّ القرآن وما نقرأه في كُتب الخوارق التي ظهرت في أوربا منذ تسعين سنة باسم ( الاسبرتزم ) وغيره ، ممّا يُرينا جليّاً أنّ هنالك عالَماً روحانيّاً وفيه من الكائنات مالا نتصوّره ، وأنّنا نستطيع أنْ نُناجي تلك الكائنات وتُناجينا ، ومتى كان هذا مُمكناً وتقرّر أنّ الوجود عامر بالآيات المُغيّبة فلا يَبعد أن يكون السحر تابعاً لقُوى روحانيّة وأنّه ليس بمجرّد صناعة أو سُرعة يد الساحر .
قال : حكى لي والدي عن مُحمّد وجيهي بيك العُمَري محافظ دمياط سابقاً ، وكان رجلاً صَدوقاً تقيّاً ، قال : إنّه كان له قريب في بغداد اسمه عزّت باشا وكان شُجاعاً مِقداماً لا يهاب المخاوف ، وكان به غَرام لرؤية الأسرار والعجائب ، فكان لذلك يتحرّى مُلاقاة الدراويش ويتصيّدهم ؛ لأنّ منهم مِن يتّفق أن يكون على شيء ممّا يتحرّى رؤيته ، فعثر يوماً بدرويشَينِ غريبَينِ كان من شأنهما أنّ أحدهما يعزم ثُمّ يقول بفمه : هُفْ ، فتنفتح جميع نوافذ البيت على سعته مهما كانت مُغلقة مُحكمة الإغلاق ، ثُمّ يقول : هُفْ ، فتُقفل جميعُها دفعةً واحدةً ، وأراه عجائب أُخرى ، فسأله عزّت باشا عن السرّ الذي يحدث به ذلك ، فقال : إنّه مستخدمٌ إبليسَ نفسه ، فطلب منه أنْ يراه ، فقال له : لا تقوى على رؤيته ، فقال : تَقويان أنتما على رؤيته وأضعفُ أنا عن ذلك ؟! مع أنّي كم جُبت المخاوف وولجت المعاطب ! فقالا : ذلك شيءٌ وهذا شيءٌ آخر ، فألحّ عليهما ، فانقادا له فجلسا في الظُلمة وأخذ أحدهما يَعزم مدّةً ، فانشقّ السقف وظهرت النجوم ثُمّ تدلّت منه صورة لا يَتَصوَّر الوهم أفظع منها ، فما أنْ وقع عليها بصرُه حتّى قام مَذعوراً وتلمّس الباب حتّى وجده وصعد إلى أهله فجمعهم حوله ، ومازال مُضطرباً من الذُعر حتّى أصبح وبقي بعدها أربعين يوماً لا يمشي خُطوةً حتّى يَستصحب معه بعضَ أهله من شدّة ما لحقه من الخوف (23) .
ولعلّ صاحبنا الأُستاذ وجدي فريدٌ وسط زملائه المتنوّري الفكر في قبوله ما يرفضه العقل الرشيد فضلاً عن العلم والحِكمة القويمة ، إنّنا لا ننكر أنّ هناك نفوساً قويةً من أصحاب التمائم والزمازم يؤثّرون بقوّة إرادتهم في وَهم ضُعفاء النفوس ، فيُخيّلون إليهم صوَراً وأشكالاً حسبما يشاءون ، والغالب أنّ أمثال هؤلاء المُدّعين للسحر وتقليب الحقائق هم أُناس مَفاليس يَستدرّون أموال ذوي العقول السُذّج ؛ لأجل تأمين معيشتهم الحقيرة ، وهو أحد طُرق الاستجداء ، فلو كانوا أصحاب قُدَر خارقة لعالجوا لأنفسهم ما يَسدّ حاجتهم عن الاستجداء لا العيش على فضلة الآخرين وعلى طريقة التدليس والتزوير ، الأمر الذي يكون من أردأ أنحاء المعيشة في الحياة ! إنّهم لا يَملكون سدّ رَمَقهم فكيف بالتسخير للأرواح المدبّرات ؟!
يقول ابن خلدون ـ الذي حفل بهذه المزعومة في حفاوةٍ وتفصيل ـ : إنّ التأثير الذي لهم إنّما هو فيما سِوى الإنسان الحرّ مِن المتاع والحيوان والرقيق ، ويُعبّرون عن ذلك بقولهم : إنّما نفعل فيما تمشي فيه الدراهم ، أي ما يُملك ويُباع ويُشترى ... قال : ومِن هؤلاء مَن يُسمّى بالبعّاجين ، يشيرون إلى بطن الغنم فتنبعج ؛ لأنّ أكثر ما يُنتحل من السحر بعج الأنعام ؛ يُرهبون بذلك أهلها ليعطوهم مِن فضلها وهم مُستترون بذلك في الغاية خوفاً على أنفسهم من الحكّام (24) .
مساكين ! لا يمكنهم الدفاع عن أنفسهم فكيف القدرة على قهر الطبيعة وقلبها ؟!
والعجب من الأُستاذ وجدي أصاخ بكلّ مسامعه واستسلم لما سطّره ابن خلدون مِن قُدرة الساحر على تسخير الكائنات وسُلطته على الأفلاك ـ وحسبَها ذوات أنفس وأجرام ـ (25) والكواكب ـ حَسَبوها ذوات عقول ومدبِّرات لِما يجري على الأرض ـ والجنّ والقُوى الروحانيّة ، فسخّروها جُمَعَ ؛ للتأثير على قلب عناصر المادّة والتصرّف في العالم العلوي والعالَم السفلي جميعاً ، يا لها من مَخرَقة وإن شئت فسمّها مَهزلة !! وهناك حكايات وروايات أكثرها تَنمّ عن قوّة التخييل أو هي أكاذيب وأباطيل ، وأمّا أصحاب التمائم والنَفْث فإنّما هم أصحاب النمائم وإيحاء الوساوس للتفرقة بين الزوجَين أو المتحابَّين ، ولا يتأتّى من غير الإفساد منه بالأرض ، فيَتعمّلون ما يَضرّهم من غير أن ينفعهم شيئاً حسبما وَصَفَهم القرآن الكريم .
نعم هنا شيء لا نُنكره نبّهنا عليه ، وهو : أنّ للنفوس البشريّة قدرةً خارقةً يُمكن تَنميتها بالارتياض ، إمّا في وِجهة رحمانيّة رفيعة ، أو في وِجهة أرضيّة هابطة ، والأُولى رياضة النفس يقوم الأنبياء والأولياء والصلحاء فيفوزون بمقامات عالية ، وربّما تتسخّر لهم الكائنات ، وأمّا الوِجهة الأُخرى الهابطة فيقوم بها أصحاب الارتياض بترك المُشتهيات ولذائذ الحياة في أشقّ الأحوال وأصعب الأعمال التي لم يأتِ بها اللّهُ من سلطان ، ولكنّهم قهروا أنفسهم على نبذ الشهوات واللذائذ وانخلعوا عن زخارف الحياة ، وهو عملٌ له قيمته ووزنه في ترك الدنيا الدنية ، وحيث لم يكن لهم نصيب في الحياة الأُخرى الخالدة فقد يَمنحه تعالى مِنحةً تقتنع أنفسهم بها تجاه ما تحمّلوا من مَشاقّ الحياة ، الأمر الذي قد نُشاهده من خوارق على يد مُرتاضي الهند وغيرها من بلاد ، ولكن في إطار محدود وعلى شريطة أن لا يُزاولوها على جهة الفساد في الأرض ، وإلاّ فيُؤخذ منهم فور إرادة السوء ، نظير ما قيل بشأن ( بلعام بن باعورا ) قيل : كان رجلاً صالحاً من قوم موسى ، وقد مَنحه اللّه استجابة دعائه ، فحاول تقرّباً إلى بعض الأمراء أن يَدعو على قوم مؤمنين ، فسلبه اللّه المِنحة وظلّ خاسراً دينَه ودنياه . قيل : والآية التالية ناظرة إلى هذا الحادث : {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الأعراف : 175، 176] (26) .
أمّا العامل بالشرط ولم يَتجاوز حدودَه المَضروبة فسَتدوم له مِنحته مادام باقياً على عهده ، أو يُسلِم فتُدّخر له مثوبته في الدار العُقبى مثوبةً باقيةً .
رُوي أنّ شيخاً من الأكابر رأى في طريقه لُمّة مجتمعة حول رجل فسأل عنه ، قيل له : إنّه يَعلم الغيب ، فأتاه وسأله عن شيء أخفاه في كفّه فأخبره به ، فسأله الشيخ عن أيّ ارتياض بَلَغت هذا المقام ؟ قال : بمُخالفة النفس ، لقد دأبتُ أن أُخالف كلّ ما تشتهيه نفسي وتهواه ، قال له الشيخ : هذا عمل جسيم ، ولكن هل عرضتَ على نفسك الإسلام ؟ ـ وكان الرجل مِن براهمة الهند ـ قال : لا ، قال له الشيخ : أَعرِضه على نفسك ثم انظر هل توافقك عليه أم تخالفك ؟ فعرض الرجل الإسلام على نفسه وأبدى أنّ نفَسَه ترفضه ! فقال له الشيخ : إذن خالِف هوى نفسك ، على دأبك القديم ! فقبِل الرجل واعتنق الإسلام ، وعندئذٍ سأله الشيخ عن شيء أخفاه في كفّه ، فلم يستطع الرجل أن يُخبر عنه وزالَ عنه عِلمُه بالغيب وتعجّب الرجل من ذلك ! قال له الشيخ : لا تعجب ، إنّك كنت على أمرٍ عظيم ، وحيث لم يكن لك نصيب في العُقبى جازاك اللّه بطرفٍ من عنايته عليك في هذه الحياة ، فلمّا أسلمتَ ادّخر اللّه لك ذلك مثوبةً عُظمى في الآخرة .
ولبراهمة الهند المرتاضين قضايا عجيبة وتصرّفات خارقة تعود إلى مَقدِرتهم النفسيّة الفائقة ، الحاصلة على أثر ترك الملاذّ وتَحمّل المَشاقّ ، فمُنحوا شيئاً من إمكان التصرّفات الخارقة مقتنعين بذلك تمام الاقتناع ؛ حيث لا خلاق لهم في الآخرة .
جاء في مُذكّرات مُرافِق المَلِك جورج السادس عاهل الحكومة البريطانيّة في سفرته إلى الهند أيّام الاحتلال مشاهد عجيبة بهذا الشأن .
يقول : وقف القطار في إحدى المحطّات لخزن الماء ، فنزل المَلِك وجعل يتمشّى وإذا بمُرتاض قابع في ناحية وجده في غاية الوساخة فَنَصَحه أنْ يهتمّ بنظافة جسمه وثيابه وحاول مساعدته ، وإذا بالمُرتاض اغتاظ لذلك ولم يَجبه بشيء ، فانصرف المَلِك وركب القطار ، وإذا بالقطار لا يتحرّك ، فقام المُهندسون بالفحص من غير أن يجدوا فيه نقصاً ، وكان مع المَلِك ضبّاط هنود . ورأوا المُرتاض القابع في زاوية ، فسألوا المَلِك : هل قال للمُرتاض شيئاً يُغيظه ؟ فأفصح المَلِك بما دارَ بينه وبين المُرتاض من غير أنْ يسيء إليه بكلام أو غيره ، قال الضباط : لعلّه سخط عليك وحسبه تجاسراً عليه وهو الذي أوقف القطار ، فجاء المَلِك واستماح من المُرتاض واعتذر منه لو غاظَه كلامُه ، فرفع المُرتاض رأسه ـ يبدو في وجهه الرضا ـ وأشار إلى القطار فتحرّك لساعته .
وجاء فيها أيضاً أنّهم قصدوا زيارةَ كبير المُرتاضين وكان مَقرّه في غابة مِلؤها حشرات وبَعُوض ضارية ، ولمّا أنْ اقتربوا من مقرّ المُرتاض بكيلومترات وإذا الفضاء صحو لا حشرة فيه ولا بَعُوضة ، فتعجّبوا من ذلك وسألوا المُرتاض عن السرّ ، قال : إنّا لا نمنح لها بالاقتراب مِن حريمنا !
كلّ ذلك إنْ دلّ فإنّما يدلّ على قُدرة نفسيّة كبيرة حُظي بها هؤلاء المُرتاضون على أثر رياضتهم ونبذ المشتهيات ، وليس من السحر في شيء .
أضف إلى ذلك أنّ النفس بذاتها قُدرة جبّارة بها يَتمكّن الإنسان من التغلّب على الطبيعة ، من غير أن يستعين بقدرةٍ خارجة عن إطار نفسه ، لكن إذا عَرف مِن نفسه هذه القُدرة واستعملها بقوّة وعزيمة راسخة .
قرأت في تأريخ ثورة فرنسا الكبرى عن شخصية ( ميرابو ) الرجل السياسي الكبير من أركان الثورة ( 1749 ـ 1791م ) على عهد المَلِك لويس الخامس عشر ، كان نائباً في مجلس النيابة وكان ذا منطق قويّ جبّار بحيث كان يَرضخ له المؤالف والمخالف ؛ لقوّة خطاباته .
يُحكى عن مقدرته النفسيّة الخارقة قضايا ، منها ما ذَكَره أحد زملائه وكان يُرافقه في قصده لزيارة قبرِ والدته ، وإذا بكلبٍ هارش هَمّ عليهما وكان ضارياً شديد البأس ، فأخذ صاحبه يتوحّش ويلتمس الفرار ، لكن ميرابو في هدوء وطمأنينة وأخذ يُهدِّأُ من رَوعة صاحبه قائلاً : لا تستوحش أنا أكفيكه ، فجعل يُحدّق النظر في عينَي الكلب وإذا به يَهْدَأُ حتى افترش بذراعيه على الأرض كالخاشع أمام ميرابو ! يُنقل بشأنه مِن أمثال هذه القضايا كثير .
شهدتُ إحدى الاحتفالات في مراسم العزاء على سيّد الشهداء ليلة الحادي عشر من محرّم الحرام بكربلاء المقدّسة عام ( 1370هـ . ق ) وكان الاحتفال بشأن دخول النار المُتوهِّجة كما هو مرسوم عند الهنود ، وقد توقّدت النار في حَطبٍ ضخمٍ حوالي ساعات حتّى صارت جمرات مُتوهّجة في حُفرة مستطيلة الشكل مترَين في ثلاث أو أربع مترات في عُمق ثلاثين سانتيمتراً مِلؤها الجمرات المُتَوقِّدة ، فجاء هنود أربعة مسلمون وجعلوا يَلطمون على صدورهم لطماً خفيفاً هادئاً ويترنّمون بـ ( يا حسين يا حسين ) وكشفوا عن ساقهم وهم حُفاة ، ومِن ورائهم صبّي على هيأتهم ربّما كان عُمره عشر سنوات ونحو ذلك ، فدخلوا الحُفرة مستقبلِين القِبلة بهدوء وطمأنينة بلا تَهيّج ولا اضطراب ، واجتازوا الحفرة وخرجوا من الجانب الآخر بسلام لم يمسّهم أثر من الحريق ، هذا ما شاهدتُه بعيني وكثيرٌ من وجوه السادة الأجلاّء بكربلاء حضور يَرون المشهد الرهيب بكلّ إعجابٍ وإكبار !
واستمعتُ إلى الإذاعات هذه الأيّام أنّ هذه عادة جارية بين الهنود ، من مسلمين وغير مسلمين ، وأنّها تمسّ عزيمة النفس القوية بأنّها قاهرة تغلب على تأثير النار في أجسامهم ، الأمر الذي يُشكّل ركيزةَ السرّ في تَغلّبهم على توهّج النار المُلتهِبة ، ويَحضر المراسم كثير من الخلائق المجتمعة من حول العالَم ليروا المشهد عن كَثَب بما لا يدع مجالاً للاستنكار .
وهناك نفوس قُدسيّة أكبر قدرة على التغلّب على نواميس الطبيعة بفضل اعتلاء قدرتهم النفسيّة الإلهيّة .
تلك السيّدة زينب الكبرى بنت الإمام أمير المؤمنين ( عليه وعلى آله أفضل صلوات المصلّين ) عندما حاولت أنْ تخطب خُطبتِها المعروفة في سُوق الكوفة وهي رَهْنُ إسارتها إلى يزيد الطاغية ، فأشارت إلى الجمع أنْ اسكتوا ، قال الراوي : فعند ذلك سكنت الأنفاس وهدأت الأجراس ، وجعلت تَخطب في جوٍّ مِلؤه الهدوء حتّى مِن صفير الأجراس ! إنّ هذه قوّتها النفسيّة الخارقة أثّرت حتّى في الجمادات !
وكان لنا صديق يعمل في تجهيز الأدوات الكهربائيّة ، فرأيتُه وهو يُمسك على سلك كهربائي مُجرّد عن الغلاف ويعمل في مزاولته لتجهيز حفلة كبيرة بمناسبة ميلاد الإمام المنتَظَر الحجّة بن الحسن ( عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف ) ليلة النصف من شعبان ، فتعجّبت منه وهو ماسك على السلك المُجرّد يَعمل به ، واقتربتُ منه ، فقال : لا تَمسّني وكلّ جسدي مِلؤه الكهرباء ، فقلت له : وكيف أنت وقد مَسَكت السلك ؟! قال : أنا أتغلّب على الكهرباء وأضغط عليه بكلّ قوّة فلا يغلبني ، وهذا عملي المستمرّ يوميّاً ، أَغلِب على القوّة الكهربائية ولا تغلبني ، بفضل قُدرتي على التغلّب عليها في صلابةٍ قوية ! فتعجّبتُ من صنيعه ، ولكن لا عجب بعد أن كانت النفس البشريّة ذات قوّة قاهرة جبّارة ...
وعلى أي حال ، فهذا من قدرة النفس الجبّارة ، وأين هذا من السحر ، على ما حسبه صاحبنا وجدي ومِن قَبله ابن خلدون ؟!
تلك مشاهد بل حقائق لا يُمكن إنكارها ، إذا ما لاحظنا قُدرة الإنسان النفسيّة الخارقة ، الذي تُسخّر له ما في السماوات وما في الأرض جميعاً ، بفضلٍ منه تعالى ، ( والنفس في وحدتها كلُّ القُوى ) .
أتـزعم أنّك جرمٌ iiصغير وفيك انطوى العالم الأكبر
هذا من جانب ، ومن جانبٍ آخر لا ننكر أنّ وراء هذا العالم المحسوس عالم أرقى مليء بالكائنات العاقلة ( ذوات الشعور ) من مَلَكٍ أو جنٍّ أو أرواحٍ طيّبةٍ أو خبيثة ، ولكن أنّى لهؤلاء الصعاليك ( سَحَرة الأرض ) الهيمنة على تلك الكائنات المتعالية ذوات القُدَر الجبّارة ، إنّهم أعلى كعباً من أنْ تنالها أَيدٍ شلاّء قاصرة ، وقد قامت الشواهد المستوعبة على وجود عالَم الغيب وراء عالَم الشهود .
لكن هل بإمكان العائشين على الأرض التغلّب والسيطرة ( تسخير ) تلك الكائنات المنبثّة وراء سِتار الغيب ؟ وقد دلّت الشواهد على أنّهم أعجز من ذلك ، اللّهمّ إلاّ بعض الإيحاءات الخبيثة تُلقيها الشياطين على شاكلتهم في الأرض {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [الأنعام : 121] ، فهم الذين وقعوا في فخّ الشياطين وحسبوا أنّها مُسخَّرة لهم ، يا لها من مهزلة تنبؤك عن سفاهةٍ في ذوي العقول الضعيفة ، وقد استوفينا الكلام عن ذلك في رسالة كتبناها عن الأرواح .
وبعد ، فإذ لم تَثبت حقيقة للسحر بمعنى التأثير في قَلب الطبيعة وتسخير الكائنات ، نعم سِوى تمائم هي نمائم ووساوس ينفثُوها لفكّ العُقَد وفَصْم الروابط والأواصر بين المتحابّين ، { وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة : 102] ، ومِن ثَمَّ لا تأثير لدسائسهم في نفوسٍ متّكلةٍ على اللّه قويمةٍ بعنايته تعالى {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر : 42] و [الإسراء : 65] ، فكان ما تعلّموه ضرر عليهم ولا ينفعهم شيئاً ، الأمر الذي جعلهم عَجَزة ومساكين وعائشين على فَضْلَة الأثرياء أو الضعفاء الأغنياء ، قال تعالى بشأنهم : {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه : 69] .
وهذا طابعٌ وسَمَهم به القرآنُ الكريم . حيثُ يقولُ ـ مُوَجِّهاً خطابه إلى المشركين في زَعمِهم أنّ النبيّ جاء بسحر ـ : { أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ} [يونس : 77] ، دليلاً على أنّ الذي جاء به نبيّ الإسلام لا صلة له بالسحر ؛ حيث قد توفّق في تبليغ دعوته والتأثير بشريعته تأثيراً في واقع الحياة ، الأمر الذي لا يتلاءم وسحر السحَرَة غير المُفلحين ولا موفّقين في مسيرتهم المنحرفة بل مكدودين عاجزين أذلاّء ومساكين حُقَراء .
هذا هو منطق القرآن ونظرته القاطعة بشأن السحر والسَحَرة ، لا واقع له ولا تأثير خارج إطار الدسائس الخبيثة ، وأنْ لا قُدرة لساحرٍ ولا هيمنة على سكّان الأرض السُفلى ، فكيف بالسلطة على سكّان السماوات العُلى ؟ فلا نجاح لهم في عملٍ ولا حظّ لهم في سعادة الحياة .
* * *
ثُمّ فلنفرض أنّ جاهليّة العرب كانت تعتقد بحقيقة السحر عقيدةً جاهليّة بائدة ، لكن هل هناك شاهد على أنّ القرآن وافقهم أو جاراهم على تلك العقيدة الباطلة ؟ فلننظر في الموارد التي أخذوها شواهد على زَعم الموافقة أو المجاراة ، وهي ثلاثة موارد : سَحَرة فرعون ، سَحَرة بابل ، النفّاثات في العُقَد ، نبحث عنها على الترتيب :
سَحَرَةُ فرعون
ممّا أخذوه شاهداً على ذلك سَحَرة فرعون ، حيث يقول عنهم القرآن : {وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } [الأعراف : 116] .
وقد عرفت أنّ سِحرَهم كانت شَعْوذة والأُخْذة بالعين لا غير ، فقد {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} [الأعراف : 116] وكانت {حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه : 66] ، فقد كان مجرّد تلبيس وتَمويه في الأمر وأَروهم ما كان الواقع خلافه .
وإذا كان هذا ( مجرّد التخييل والتمويه ) سِحراً عظيماً ـ والسّحر ما لطُف ودقّ مأخذه ـ فكيف بغير العظيم الذي هو أخفّ وزناً وأردأ شأناً ؟ هذا ما يرسمه لنا القرآن من واقع السحر ، وأنّه يخالف تماماً ما كانت العرب تعتقده بشأن السحر وتأثيره في قلب الواقع ، فكيف يا ترى مَزعومة مَن زعم أنّ القرآن وافق العرب في عقيدتها أو جاملهم وتماشى معهم في أمرٍ باطل ؟!
قال سيّد قطب : وحسبنا أنْ يقرّر القرآن أنّه سحر عظيم ، لندرك أيّ سحرٍ كان ، وحسبنا أن نعلم أنّهم سحروا أعين الناس وأثاروا الرهبة في قلوبهم ( واسترهبوهم ) لنتصوّر أيّ سحرٍ كان ، ولفظ ( استرهب ) ذاته لفظ مصوِّر ، فهم استجاشوا إحساس الرهبة في الناس وقسروهم عليه قسراً .
ثُمّ حسبنا أنْ نعلم من النصّ القرآني ـ في سورة طه ـ أنّ موسى ( عليه السلام ) قد أوجس في نفسه خيفةً لنتصوّر حقيقة ما كان ، ولكن مفاجأة أخرى تُطالع فرعون ومَلأه ، وتُطالع السَحَرة الكَهَنة ، وتُطالع جماهير الناس في الساحة الكبرى التي شَهِدت ذلك السحر العظيم : {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} [الأعراف : 117 - 119] .
إنّه الباطل ينتفش ، ويَسحر العيون ، ويَسترهِب القلوب ، ويُخيّل إلى الكثير أنّه غالب ، وأنّه جارف ، وأنّه مُحيق ! وما هو إلاّ أنْ يواجه الهادئ الواثقَ ، حتّى ينفثئ كالفُقّاعة ، ويَنكمش كالقنفذ ، وينطفئ كشُعلة الهشيم ! وإذا الحقّ راجح الوزن ، ثابت القواعد ، عميق الجذور ، والتعبير القرآني هنا يُلقي هذه الظِلال ، وهو يُصوّر الحقّ واقعاً ذا ثقل ( فوقع الحقّ ) ... وثبت ، واستقرّ ... وذهب ما عداه فلم يَعد له وجود : ( وبطل ما كانوا يعملون ) .
وغُلب الباطل والمُبطلون وذلّوا وصغروا وانكمشوا بعد الزهو الذي كان يُبهر العيون : {فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} (27) .
قال : فالسحر لا يُغيّر من طبيعة الأشياء ، ولا يُنشئ حقيقةً جديدةً لها ، ولكنّه يُخيّل للحواسّ والمشاعر بما يريده الساحر ، وهذا هو [ واقع ] السحر كما صوّره القرآن الكريم في قصّة موسى ( عليه السلام ) فلم تنقلب حبالُهم وعصيّهم حيّات فعلاً ، ولكن خُيّل إلى الناس أنّها تسعى ، وهذه هي طبيعة السحر كما ينبغي لنا أن نُسلّم بها ، وهو بهذه الطبيعة يُؤثّر في الناس ، ويُنشئ لهم مشاعر وِفق إيحائه ، مشاعر تُخيفهم وتُؤذيهم وتُوجّههم الوِجهة التي يُريدها الساحر .
قال : وعند هذا الحدّ نقف في فهم طبيعة السحر والنفث في العُقد ، وهي شرّ يُستعاذ منه بالله ويُلجأ إلى حماه (28) .
سَحَرة بابل
كان المُجتمع البابلي ـ على عهد الكلدانيّين ـ مُجتمعاً فاسداً شاعت فيه الفحشاء والمُنكرات وراج الفساد والإفساد في الأرض ، وكان من أساليب إفسادهم ارتكاب الحِيَل الماكرة والدسائس الخادعة لإيجاد البغضاء والشحناء بين الناس ، وبثّ روح سوء الظنّ بين المؤتلفَينِ ، بين المرء وزوجه ، بين الوالد وَوَلَده ، بين الأخوَين ، بين الشريكين في صنعةٍ أو تجارة ، وذلك عن طريق الوساوس والدسائس والخُدع والنيرنجات ، وكان السبب يعود إلى هيمنة الحسد على الناس حينذاك ، بما جعلهم يُبغض بعضهم بعضاً ويعمل بعضهم ضدّ البعض في أساليب وحِيَل خدّاعة كلّ يوم في شكل من أشكالها ، ويتعاون بعضهم مع بعض في تخطيط هذه الأساليب وتنويعها {بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا } [الأنعام : 112] ، وإلى ذلك تُشير سورة الناس : {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس : 1 - 6] .
، الخَنس : العمل في خَفاء وعن وحشة الافتضاح ، ومِن ثَمّ إذا أحسّ بالفضح خَنَس أي انقبض وتخفّى بسرعة ، فكان الخنّاس هو الذي يعمل في خُبثٍ ولؤم وعن وحشةٍ خشية الافتضاح ، فهو يعمل في خُبثٍ معه ضَعف وجُبن وَوَهن في مَقدرته الماكرة .
فأنزل الله الملكَين هاروت وماروت ببابل يُنبّهان الناس على إفشاء تلك الأساليب الماكرة ويُعلّمانِهم طُرق التخلّص منها والنقض من أثرها ، غير أنّ بعض الخُبثاء كانوا يَتعلّمون ما يضرّهم دون ما ينفعهم ، ليُفرّقوا بين المرء وزوجه ، سوى أنّ الله غالب على أمره وما تشاءون إلاّ أنْ يشاء الله .
يقول الله عن سوء تصرّف بني إسرائيل : {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } [البقرة : 102].
لقد تركوا ما أنزل الله ونَبذوه وراء ظهورهم ، وراحوا يَتَتبّعون ما كان يقصّه الشياطين ـ والشيطان وَصفٌ لكلّ خبيث سيّئ السريرة ـ على عهد سليمان وأساليب تضليلهم للناس من دعاوٍ مكذوبة عن سليمان ؛ حيث كانوا يقولون إنّه كان ساحراً وإنّه سخّر ما سخّر بسحره ، والقرآن ينفي عنه ذلك ( وما كفر سليمان ) باستعمال السحر الذي هو في حدّ الكفر بالله العظيم ، ( ولكنّ الشّياطين ( خبثاء الجنّ والإنس ) كفروا يعلّمون النّاس السّحر ) ( طُرق الإضلال وأساليب التضليل ) .
ثُمّ ينفي أنّ السحر مُنزَل من عند الله على الملكَين : هاروت وماروت ، اللذين كان مَقرّهما بابل ، ويبدو أنّه كانت هناك قصّة معروفة عنهما وكان اليهود أو الشياطين يَدّعون أنّهما كانا يَعرفان السحر ويُعلّمانه للناس ، فنفى القرآن هذه الفِرية ، وبيّن الحقيقة ، وهي أنّ هذين الملكَين كانا هناك فتنةً وابتلاء للناس ، كانا يقولان لكلّ مَن يأتيهما طالباً منهما معرفة طريق التخلّص من براثن الشياطين السَحَرة : لا تَكفر باستخدام تلك الأساليب الماكرة ، وقد كان بعض الناس يُصرّ على تعلّم السحر لغرض خبيث على الرغم من تحذيره وتبصيره ، {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} ، وهنا يُبادر القرآن فيُقرّر كلّية التصوّر الإسلامي الأساسيّة ، وهي أنّه لا يقع شيء في هذا الوجود إلاّ بإذن الله ورعاية مصلحته وحِكمته ، فبإذن الله تَفعل الأسباب فعلها وتُنشأ أثارها وتحقّق نتائجها ، وإن كانت عاقبة السوء تعود على الزائغين الذين ينحرفون عن الطريق السوي والصراط المستقيم الذي رسمه لهم ربّ العالمين .
ثُمّ يقرّر القرآن حقيقة ما يتعلّمونه بُغية إيقاع الشرّ بالآخرين ، إنّه شرّ عليهم وليس خيراً لهم {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} ، وربّما يكفي أن يكون هذا الشرّ هو الكفر والخسران في الآخرة {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} ، فمَن تعلّم شرّاً وحاول الإضرار به يعلم أنْ لا نصيب له في العاقبة ، فهو حين يَختاره ويشتريه يَفقد كلّ رصيدٍ له في الآخرة سِوى العقاب ، فما أسوأ ما باعوا به أنفسهم وأضاعوا خيرات كانت لهم في عُقبى الدار ، {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } لو كان يفقهون وَيَعون واقع الأمر .
النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ
النَفث ، قَذفُ القليل من الريق ، شبيهٌ بالنفخ ، وهو أقلّ من التفل ، ونَفَث الراقي أو الساحر أن يَنفث بريقه في عُقدٍ يَعقدها بعد كلّ زَمزَمَة يَتزمزم بها ؛ ليسحر بها فيما زعموا ، والمُراد به هنا هي النميمة ينفثها النمّامون في العُقد أي في الروابط الودّية ليُبدّدوا شمل الأُلفة بين المتحابَّين : المرء وزوجه ، الوالد وولده ، الأخوين ، المتشاركين في صنعةٍ أو تجارةٍ أو زراعةٍ وغير ذلك ممّا يرتبط وأواصر الودّ بين شخصين أو أكثر ، والعرب تُسمّي الارتباط الوثيق بين شيئَين أو شخصَين عُقدة ، كما جاء التعبير عن الارتباط بين الزوجين ( عُقدة النكاح ) قال تعالى : {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ} [البقرة : 235] ، {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة : 237] .
ومعنى الآية : ومِن شرّ النمّامين الذين يُحاولون بوساوسهم الخبيثة قطع الأواصر بين المتحابّين ، وهذا من التشبيه في الجُمَل التركيبيّة ، نظير التشبيه في سورة المَسد بشأن أُمّ جميل امرأة أبي لهب {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } [المسد : 4] ، أي النمّامة ؛ حيث النمّام يَحمل على عاتقه حطبَ لهيبِ النفاق والتفرقة بين المتحابّين ، وجاء مناسباً مع تكنّي زوجها بأبي لهب ، فهي تَحمل حطب هذا اللهب ، فكما أنّها لم تكن تَحمل حطباً حقيقةً ـ كما زعمه بعضهم ـ لأنّها بنت حرب أخت أبي سفيان وكذا زوجها أبو لهب ، كانا من أشراف قريش الأثرياء ، غير أنّهما كانا يحملان خُبثا ولؤماً بالِغَين .
فالنميمة تُحوّل ما بين الصديقين من محبّة إلى بغضاء بالدسائس ، وهي وسائل خفيّة تشبه السحر الذي هو ما لطُف ودقّ مأخذه ، فالنّمام يأتي بكلامٍ يشبه الصدق ويؤثّر في خَلَدِك ، كما يفعل الساحر المشعوذ إذا أراد أنْ يَحلّ عُقد المحبّة والوِداد بين كلّ متحابّين ، إذ يتزمزم بألفاظٍ ويَعقد عُقدةً وينفثُ فيها ، ثُمّ يحلّها إيهاماً للعامّة أنّ هذا حلّ للعُقدة بين الزوجَين أو غيرهما ، فهو من التشبيه المحض وليس المقصود ما تفعله السَحَرة بالذات ، الأمر الذي يتناسب مع سائر آيات سورة الفلق : {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الفلق : 3] ، أي ومِن شرّ الليل إذا دخل وغَمَر كلّ شيءٍ بظلامه ، والليل إذا كان على تلك الحال كان مَخوفاً باعثاً على الرهبة والوحشة ؛ لأنّه سِتار يختفي في ظلامه ذوو الإجرام إذا قصدوك بالأذى ، وعَون لأعدائك إذا قصدوا بكَ الفتك ... وهكذا قوله : {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق : 5] يعني : شرّ حاسد إذا حاول إنفاذ حسدِه بالسعي والجدّ في إزالة نعمة مَن يحسده ، فهو يعمل الحِيَل ويَنصب شباكه ؛ لإيقاع المحسود في فخّ الضرر والأذى ، يعمل ذلك بأدقّ الوسائل لتنفيذ مكائده .
فكما أنّ الآيتين ( السابقة واللاحقة ) استعاذة بالله من مكائد أهل الزيغ والإفساد ، كذلك هذه الآية ( النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ) هي مكائد يَرتكبها أهل النمائم لإيقاع الأذى ، شُبِّهوا بالسّاحرات يَنفثنَ في العُقد .
فالاستعاذة منهم جميعاً إلى الله المستعان لإحباط مساعيهم وردّ مكائدهم في نحورهم ، وهو الملجأ والمعين .
قال سيّد قطب : والنفّاثات في العقد : السواحر الساعيات بالأذى عن طريق خِداع الحواسّ ، وخِداع الأعصاب ، والإيحاء إلى النفوس والتأثير في المشاعر ، وهُنّ يَعقدنَ العُقد في نحو خيطٍ أو منديلٍ ويَنفثن فيها كتقليد من تقاليد السحر والإيحاء ، قال : والسحر لا يغيّر من طبيعة الأشياء ، ولا يُنشئ حقيقةً جديدةً لها ، ولكنّه يُخيّل للحواسّ والمشاعر بما يريده الساحر (29) .
قال شيخ الطائفة أبو جعفر مُحمّد بن الحسن الطوسي ( قدس سره ) : ولا يجوز أن يكون النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) سُحِر ، على ما رواه القصّاص الجُهّال ؛ لأنّ مَن يُوصف بأنّه مسحور فقد خَبِل عقله ، وقد أنكر الله تعالى ذلك في قوله : {وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا } [الفرقان : 8] (30) .
وهكذا قال العلاّمة الطبرسي في تفسيره للسورة عند الكلام عن شأن النزول (31) .
وقال الأستاذ مُحمّد عبده : قد رَوَوا هنا أحاديث في أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) سَحَره لبيد بن الأعصم ، وأثّر سحره فيه حتّى كان يُخيّل إليه أنّه يفعل الشيء وهو لا يفعله ، أو يأتي شيئاً وهو لا يأتيه ، وأنّ الله أنبأه بذلك ، وأُخرجت موادّ السحر من بئرٍ ، وعُوفي ممّا كان نزلَ به من ذلك ونزلت هذه السورة !
ولا يخفى أنّ تأثير السحر في نفسه عليه الصلاة والسلام ماسّ بالعقل آخذ بالروح ، فهو ممّا يُصدّق قول المشركين فيه : ( إِن تَتَّبِعُونَ إِلاّ رَجُلاً مَّسْحُوراً ) .
والذي يجب علينا اعتقاده أنّ القرآن المتواتر جاء بنفي السحر عنه عليه الصلاة والسلام ؛ حيث نَسب القول بإثبات حصوله له إلى المشركين ووبّخهم على ذلك .
والحديث ـ على فرض صحّته ـ من أحاديث الآحاد التي لا يُؤخذ بها في العقائد ، وعصمة الأنبياء عقيدة لا يؤخذ فيها إلاّ باليقين .
على أنّ سورة الفَلق مكّية نزلت بمكة في السنين الأُولى ، وما يزعمونه من السحر إنّما وقع في المدينة في السنين الأخيرة حيث اشتدّ العداء بين اليهود والمسلمين فهذا ممّا يُضعف الاحتجاج بالحديث ويُضعف التسليم بصحّته (32) .
قال سيّد قطب : هذه الروايات تُخالف أصل العصمة النبويّة في الفعل والتبليغ ، ولا تستقيم مع الاعتقاد بأنّ كلّ فعل من أفعاله ( صلّى الله عليه وآله ) أنّه مسحور ، وتكذيب المشركين فيما كانوا يدّعونه من هذا الإفك ؛ ومِن ثَمّ نستبعد هذه الروايات ، وأحاديث الآحاد لا يُؤخذ بها في أمر العقيدة ، والمَرجع هو القرآن ، والتواتر شرط للأخذ بالأحاديث في أصول الاعتقاد ، وهذه الروايات ليست مِن المتواتر ، فضلاً عن أنّ نزول هاتَين السورتَين في مكّة هو الراجح ، ممّا يُوهن أساس الروايات الأخرى (33) .
وقد استوفينا الكلام حول مَزعومة سحر النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) وتفنيد رواياته بصورة مستوعبة ، فراجع (34) .
___________________
(1) مجمع البيان ، ج7 ، ص18 .
(2) مجمع البيان ، ج4 ، ص461 .
(3) التفسير الكبير ، ج14 ، ص203 .
(4) جمع أديم وهي الجلدة المدبوغة .
(5) جمع أزَج وهو البيت يُبنى طولاً يُشبه الأُتُن : مواقد نار الحمّام .
(6) أحكام القرآن للجصّاص ، ج1 ، ص42 ـ 43 .
(7) تفسير المنار ، ج9 ، ص67 .
(8) معرَّب نيرنك ، الشَعوذة معرَّب شُعبدة ، كلاهما بمعنى ، وهو نوع من الحِيَل الخفيّة فيها مهارة وسرعة عمل تخطف من أبصار الناظرين وتؤثّر في تخيّلهم .
(9) قال العلامة الطباطبائي : وهو ( السيميا ) العلم الباحث عن تمزيج القوى الإراديّة مع القوى الخاصّة المادّية للحصول على غرائب التصّرف في الأمور الطبيعيّة ، ومنه التّصرف في الخيال المُسمّى بسحر العيون ، وهذا الفنّ من أصدق مصاديق السحر ، ج 1 ، ص246 .
(10) الكشّاف ، ج 2 ، ص 140 .
(11) التفسير الكبير ، ج3 ، ص206 ـ 213 .
(12) المصدر : ص213 .
(13) هامش الكشّاف ، ج2 ، ص140 .
(14) جمع الدهيم وهو الأحمق السفيه .
(15) تفسير المنار ، ج1 ، ص400 .
(16) تفسير المراغي ، ج1 ، ص180 ـ 181 .
(17) في ظِلال القرآن ، المجلّد 8 ، ص709 ، ج30 ، ص291 .
(18) تفسير التبيان ، ج1 ، ص374 .
(19) نقل عن أبي جعفر الاسترابادي أنّه لا حقيقة له وإنّما هو تخييل وشعبذة ، وبه قال المغربي من أهل الظاهر ، ثُمّ قال : وهو الذي يَقوى في نفسي ، راجع : الخلاف ، ج2 ، ص422 ، مسألة 14 ، من كتاب كفّارة القتل .
(20) مجمع البيان ، ج1 ، ص170 .
(21) بحار الأنوار ، ج60 ، ص41 ـ 42 .
(22) راجع : المقدمة لابن خلدون ، الفصل 22 ، ص496 ـ 499 .
(23) دائرة معارف القرن العشرين ، ج5 ، ص55 ـ 67 .
(24) مقدمة ابن خلدون ، ص500 ـ 501 .
(25) وهي دوائر وهميّة يَرسمها العقل لكلّ نقطة دائرة ترسيماً في فرض لا في واقع الأمر ، نعم ذهب جمع من الأقدمين إلى فرض الأفلاك أجراماً شاعِرة ذوات عقول ونفوس ، ولها شأن في تدبير العوالم السُفلى تدبيراً عن علمٍ وإرادة ، ومِن ثَمّ جاز تسخيرها في جهة مقاصد السوء .
(26) راجع : جامع البيان ، ج9 ، ص82 ـ 84 والآية 175 و176 من سورة الأعراف .
(27) في ظِلال القرآن ، المجلّد 3 ، ص 604 ، ج 9 ، ص 38 .
(28) المصدر : المجلّد 8 ، ص 709 ، ج 30 ، ص 291 .
29) في ظِلال القرآن ، المجلّد 6 ، ص 709 ، ج 30 ، ص 291 ، وقد نقلنا تمام كلامه آنفاً .
(30) تفسير التبيان ، ج 10 ، ص 434 ، والآية 8 من سورة الفرقان ، وفي سورة الإسراء 17 : 47 : ( وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً ) .
(31) مجمع البيان ، ج 10 ، ص 568 .
(32) ملخّص كلامه على ما جاء في تفسير المراغي ، ج 10 ، ص 268 ، وراجع : تفسير جزء عمّ لمُحمّد عبده ، ص 181 ـ 183 .
(33) في ظِلال القرآن ، المجلّد 8 ، ص 710 ، ج 30 ، ص 292 .
(34) في الجزء الأَوّل من التمهيد .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|