أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-4-2016
5558
التاريخ: 14-3-2018
4815
التاريخ: 2024-07-15
564
التاريخ: 25-9-2018
2127
|
يمنح الموظف المتهم بارتكاب جريمة تأديبية أو جزائية جملة من الضمانات الشكلية ، خلال المراحل التي تمر بها الدعوى التأديبية أو الجزائية، واهم هذه الضمانات تدوين التحقيق والمحاكمة التي تجري مع الموظف المتهم، وكذلك حياد الجهة التي تباشر التحقيق مع الموظف (الحياد بجانبه الشكلي)، إضافة إلى ذلك تسبيب القرار أو الحكم الصادر بحق الموظف بفرض العقوبة عليه، و الإذن بالملاحقة و تأليف اللجنة التحقيقية أو المجلس التأديبي وفقا للقانون.
ومن أجل دراسة هذه الضمانات سوف نقوم بتقسيمها على الأفرع الآتية:
الفرع الأول: التدوين (الكتابة)
إن كتابة التحقيق تعد من المقومات والأسس التي يسير عليها التحقيق، والقصد منها هو المحافظة على الإجراءات وعدم نسيانها من قبل القائمين على التحقيق، إذ توفر الكتابة عنصر الدقة والسهولة في المراجعة المطلوبة عند الضرورة (1). وعن طريقها يمكن مراجعة أقوال الشهود في حال عدم حضورهم وكذلك يمكن الاطلاع على أقوال الموظف المتهم في حال غيابه. فكتابة التحقيق لا تقتصر أهميتها على الموظف من خلال إتاحة الفرصة له بالرجوع إلى محضر التحقيق وإعداد الدفاع المناسب ، و لاسيما إذا كانت هنالك أدلة مقدمة في حال غيابه، بل أن الكتابة التحقيق أهمية تعود للإدارة فعن طريق محضر التحقيق ، تستطيع الإدارة التأكد من صحة وسلامة الإجراءات التي قامت بها(2) .
أما موقف التشريعات من الكتابة ، فتظهر جليا في التشريع العراقي بالمادة العاشرة من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 المعدل في فقرتها الثانية ، التي نصت على: " تتولى اللجنة التحقيق مع الموظف المخالف المحال اليها ولها في سبيل أداء مهمتها سماع وتدوين أقوال الموظف والشهود والاطلاع جميع المستندات والبيانات التي ترى ضرورة الاطلاع عليها، وتحرر محضرة تثبت فيه ما اتخذته من إجراءات ، وما سمعته من أقوال مع توصياتها المسيبة، أما بعدم مسالة الموظف وغلق التحقيق ، أو بفرض إحدى العقوبات المنصوص عليها في هذه القانون ، وترفع كل ذلك إلى الجهة التي أحالت الموظف عليها".
أما في القانون اللبناني فقد كتابة التحقيق شرطة أساسية لصحة إجراءات التحقيق ، سواء أكان التحقيق يجري من قبل السلطة الإدارية المختصة ، أو من هيئة التفتيش المركزي.
أما فيما يتعلق بالتحقيق الذي يجري مع الموظف المتهم بارتكاب جريمة جزائية، فإن القانون الجزائي اللبناني أكد على ضرورة تدوين التحقيق الابتدائي الذي يجري مع المتهم (الموظف)، وهذا ما أكدته المادة 61 من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني ، إذ نصت على: " يلزم قاضي التحقيق بأتباع الوسائل المشروعة أثناء قيامة بجميع الإجراءات التي تؤدي إلى كشف الحقيقة. عليه أن يثبت خطيا كل ما يجري منها"(3). يتبين لنا من خلال نص المادة المتقدم، أن المشرع اللبناني قد أخذ بتدوين التحقيق الابتدائي الذي يجري مع الموظف المتهم عند ارتكابه جريمة ، تؤدي إلى تحقق مسؤوليته الجزائية نظرا للأهمية البالغة لكتابة التحقيق.
وكذلك فعل المشرع العراقي عندما عثر تدوين التحقيق وسيلة لإثبات القيام بإجراءات التحقيق، لذلك نص
قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23لسنة 1971 المعدل صراحة على تدوين إفادة المشتكي، وكذلك تدوين إفادة الشهود وشهادة المجني عليه ، وكل من يقدم معلومة تفيد التحقيق(4).
وبالعودة إلى المشرع الإداري العراقي يتبين أنه إذا كان قد اشترط كتابة التحقيق فانه لم يشترط على الجهة التي تقوم بالتحقيق شكلا معينة للكتابة، وكل ما يجب مراعاته هنا هو توفير الضمانات الأساسية للموظف. فإذا كان المشرع الإداري اشترط الكتابة في التحقيق فهل يمكن أجراء التحقيق بصورة شفوية على سبيل الاستثناء؟
إن المشرع العراقي نص في قانون الانضباط النافذ على إمكانية قيام كل من الوزير ورئيس الدائرة باستجواب الموظف شفوية عندما تكون العقوبة المراد فرضها لا تتجاوز لفت النظر أو الإنذار أو قطع الراتب (5). ان غرض المشرع من إيراد هكذا استثناء على كتابة التحقيق هو الرغبة بانجاز التحقيق سريعة ، ولكن يجب أن لا يفوت هذا الاستثناء المصلحة المرجوة من الكتابة والأهمية البالغة لهذه الكتابة، وإن هذا الاستثناء لا يعطي السلطة التي تقوم بالتحقيق الحق بعدم الكتابة مستمرة بحجة سرعة الحسم الاداري، لان غاية الكتابة هي المحافظة على الإجراءات التي تم اتخاذها والأقوال التي تم الإدلاء بها، و هو ما يؤدي إلى تسهيل مهمة الجهة التي تمارس الرقابة القضائية على القرارات المتعلقة بفرض الجزاء (6) . أما في حال خروج السلطة القائمة على التحقيق عن الكتابة خارج إطار الاستثناء الذي ذكر فإن ذلك يعرض التحقيق إلى البطلان ، ومن ثم بطلان القرار الذي صدر عنه. ونرى بأن التحقيق مع الموظف شفوية يفوت الفائدة المرجوة من كتابة التحقيق لأن الكتابة من الضمانات المهمة للموظف عند أجراء التحقيق معه.
أما تدوين إجراءات المحاكمة، فيجب أن تكون جميع الإجراءات والقرارات التي تتخذها المحكمة مكتوبة ومدونة، ويتم التدوين من قبل الكاتب المختص الذي يعمل تحت إشراف القاضي، والعلة من تدوين إجراءات المحاكمة أثبات حصول هذه الإجراءات أولا ثم أثبات كيفية حصولها(7) ، وأيضا سهولة الرجوع إلى الأوراق الخاصة بالقضية ، عند الحاجة إليها من قبل المتهم أو المحامي لإعداد الدفاع.
وقد أكد المشرع الجزائي اللبناني على أهمية تدوين إجراءات المحاكمة إذ نصت المادة 230 على: " تدون في محضر المحاكمة جميع إجراءات التحقيق والمحاكمة، يملي الرئيس على الكاتب ما يجب تدوينه (8) .
أما القانون الجزائي العراقي فإنه يتفق مع القانون اللبناني ، منذ التأكيد على أهمية تدوین إجراءات المحاكمة، وعده حجة وسيلة لإثبات حصول المحاكمة، وقد أكدت المادة (222) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على ذلك بقولها: "يحرر بما يجري في المحاكمة محضرة يوقع القاضي أو رئيس المحكمة جميع صفحاته ويجب أن يشتمل على تاريخ كل جلسة وما إذا كانت علنية أم سرية..." (9)
ويعد محضر جلسة المحاكمة مستندة رسمية لا يجوز اثبات خلاف ما ورد فيه، إذ يتمتع المحضر بحجية تشبه حجية الحكم. أما في حال اتخاذ أجراء معين في المحاكمة دون ذكره في محضر المحاكمة فإنه يجوز للموظف المتهم) أن يثبت بكافة الطرق إن هذا الإجراء تم إهماله (10) .
الفرع الثاني: الحياد بجانبة الشكلي
يعد الحياد من الضمانات الأساسية التي يتمتع بها الموظف المخالف ، في التحقيق أو المحاكمة فيجب أن تكون السلطة التي تباشر التحقيق على قدر من الحيدة بأن تكون ملتزمة في سلوكها بأتباعها السبل المشروعة أثناء جمع الأدلة واهتمامها بمصالح الدفاع كاهتمامها بمصالح الادعاء وعدم استعمال أي وسائل غير مشروعة. والحياد يعد مبدأ أساسي في التحقيق والمحاكمة لكي يطمئن الموظف إلى عدالة وعدم انحيازمن يقوم بمحاكمته ، أو التحقيق معه. فالقرارات التأديبية متى ما استندت إلى إجراءات حضوريه ، وكانت خاضعة إلى رقابة القضاء تكون قرارات محايدة.
والمبادئ الشكلية التي يجب مراعاتها لتحقيق الحياد ، هي عدم جواز الجمع بين سلطة الاتهام وبين سلطة فرض العقوبة أو الحكم، ففي النظام الرئاسي أو التسلسلي الإداري تعد الحيدة صعبة بل شبه مستحيلة ، لأن من يملك سلطة التحقيق هو يملك أيضا سلطة فرض العقوبة، وهذا ما أخذ به المشرع العراقي ، فقد أجازت الفقرة الرابعة من المادة 10 من قانون الانضباط النافذ للوزير أو رئيس الدائرة الحق باستجواب الموظف المتهم ، فضلا عن فرض العقوبة ، وهذا أمر يخل بمبدأ الحياد، إلا أنه من الممكن أن يتحقق الحياد بأسلوب أفصل في النظام الرئاسي ، عندما تتولى جهة معينة التحقيق وتبقى جهة الاتهام هي من تتولى فرض العقوبة(11) .
أما النظام شبه القضائي فالحياد يتوفر فيه توفر افضل، فغالبا ما يوكل أمر فرض العقوبة اللجنة أو مجلس مستقل عن الإدارة ، أو مشكلة مناصفة من قبل الإدارة والقضاء وهو ما يزيد من الحيدة.
وكذلك في النظام القضائي فالحيدة تتوفر بأبهى صورها ، إذ تفرض العقوبة على الموظف من المحاكم التأديبية ، والتي تؤلف قضائية وتعد مستقلة عن الادارة استقلا" كاملا (12) .
الفرع الثالث:
تسبيب القرار أو الحكم الصادر بحق الموظف
أولا: تعريف التسبيب
يعد التسبيب من الضمانات المهمة في كل مسالة تأديبية وجزائية، ويقصد به: إيراد الحجج الواقعية والقانونية المبني عليها القرار ، أو الحكم والمنتجة له، كبيان ظروف الدعوى وملابستها، ودحض الدفوع التي أوردها الخصم والمؤثرة والمجدية في النزاع، وبيان أسباب الرفض والقبول وذكر المادة القانونية التي تحكم الواقعة في قرار الحكم(13) .
إن ما يجب الإشارة أليه إن التسبب يختلف عن السبب، فسبب القرار التأديبي هو إخلال الموظف بواجبات وظيفته أو قيامه بعمل محرم عليه، أما التسيب من هذه الناحية فهو أعلام الموظف بحقيقة المنسوب إليه الذي أدى إلى معاقبته، أما من حيث الإلزام فسبب القرار هو ركن فيه ، أما التسبيب فيمكن عدم إيراده بالقرار الا إذا اشترط المشرع ذلك (14).
ثانيا: أهمية التسبيب
إن أهمية التسبيب تتوزع على جانبين: الأول أهميته للإدارة ، والثاني أهميته للموظف:
أ- أهمية الإدارة للتسبيب
تكمن أهمية التسبب للإدارة ، بأن الإدارة سوف تقوم بإتباع إجراءات صحيحة لكي تصدر قرار تأديبي يحمل أسباب مقنعة وجدية ، يتلاءم مع ما يرتكبه الموظف من أخطاء تأديبية، وحينئذ يوصف عمل الإدارة بأنه عادل ومنصف، لأن الإدارة متى ما اتخذت قرارة تأديبية لا يتناسب فيه الجزاء والذنب ، تكون مستبدة ، ولا تحمل قراراتها التوافق ، والتوافق لا يتحقق الا من خلال التسبيب.
2-أهمية الموظف للتسبيب
تكمن أهمية الموظف للتسبيب من خلال اطلاعه على الأسباب التي أدت إلى معاقبته، فالموظف قد يعاقب على أعمال لم يرتكبها ولم يواجه بها، وهذا يعد إخلالا بحق الدفاع يتيح للموظف الطعن بالقرار المفروض عليه، فإن التسبيب يجعل الموظف يرضى بأن الجزاء المقرر له هو متفق ويتناسب مع فعله.
ثالثا: موقف التشريعات من التسبيب
في لبنان المبدأ هو إن السلطات الإدارية التأديبية المنصوص عليها في المادة 56 من نظام الموظفين العموميين غير ملزمة بتعليل قراراتها التأديبية إلا إذا نص القانون على غير ذلك بنص صريح(15) .
أما القرارات التأديبية الصادرة من مجالس التأديب ، أو الهيئات التأديبية مثل (الهيئة العليا للتأديب أو هيئة التفتيش المركزي) فيجب أن تكون معللة دائمة ، لأنها قرارات ذات طابع قضائي صادرة عن هيئات أدارية ذات طابع قضائي. وأن تعليل هذه القرارات ليس بحاجة إلى نص يفرضه، بل إن الاجتهاد عدها من المبادئ العامة للقانون، ولكن لا يحق للقاضي إثارتها بل يجب الادعاء بها من قبل الفرقاء في الدعوى، لأنها لا تتعلق بالنظام العام (16) .
لكن المشرع اللبناني تدخل وگرس مبدأ تعليل القرارات التأديبية الصادرة من الهيئات التأديبية ، بنصقانوني صريح ، فقد نصت المادة (36) من نظام المجلس التأديبي العام على وجوب تعليل قرارات المجلس، وتوقع هذه القرارات من قبل الرئيس والعضوين والموظف المكلف بتنظيم محاضر الجلسات (17) .
ونصت المادة (59) من نظام الموظفين الفقرة (9) على : "يتخذ المجلس قرارات معلله بأكثرية الأصوات".
أما في العراق فقد نصت المادة 10 من قانون الانضباط النافذ في فقرتها الثانية على: "تتولى اللجنة التحقيقية تحريريا مع الموظف المحال إليها تحرر محضرا تثبت فيه ما اتخذته من إجراءات وما يحصل من أقوال مع توصياتها المسببة".
والتسبيب هنا للتوصية التي تقررها اللجنة التحقيقية لا للقرار النهائي الذي يجب أن يكون مسبية، وفي كل الأحوال فان قرار فرض العقوبة على الموظف في العراق يجب أن يكون مسببة، لكن ما يؤخذ على المشرع العراقي إنه أورد التسبيب بصراحة النص بثلاث عقوبات فقط، وهي كل من: (التوبيخ، والفصل، والعزل)(18) ، وهو أمر معيب، ويكشف عن النقص الذي وقع فيه المشرع، لذلك نقترح على المشرع تعميم التسبيب ليشمل جميع العقوبات الواردة في المادة الثامنة من قانون الانضباط النافذ، بموجب نص صريح.
أما فيما يتعلق بتسبيب الحكم الصادر بحق الموظف المرتكب جريمة جزائية، فقد نص المشرع العراقي على وجوب تسبيب هذا الحكم، وهذا ما أكده قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي في المادة (224) إذ نصت المادة بفقرتها الأولى على: "يشتمل الحكم أو القرار على اسم الحاكم أو الحكام الذين أصدروه واسم المتهم وباقي الخصوم وممثل الادعاء العام ووصف الجريمة المسندة إلى المتهم ومادتها القانونية والأسباب التي استندت اليها المحكمة في إصدار حكمها أو قرارها وأسباب تخفیف العقوبة أو تشديدها...".
رابعا: شروط التسبيب
حتى يحقق التسبيب الغاية التي شرع من أجلها لابد من توفر شروط عدة أهمها ما يأتي:
١ - وضوح التسبيب
يجب أن يكون التسبيب واضحة ومفهومة، وبعيد عن أي غموض، حتى يتمكن القضاء من فرض رقابه عليه، فلا يعد سببا مجرد العبارات العامة التي لا تتسم بالدقة والتفصيل ،لأنها لا تحقق الغرض منه(19) .
2- أن يكون التسبيب منتجة ومتناسقة أيان تكون الأسباب التي أدت إلى صدور القرار التأديبي ، والنتيجة التي حصلت بالاستناد إلى هذه الأسباب لها أصول قانونية ومادية، ومن ثم لا يكون التسبيب منتجة إذا كان منتزعة من أصول وهمية، ويكون التسبيب غير منتج أيضا ، إذا كان هنالك عدم توافق بين نتيجة القرار والأسباب التي أدت اليه (20)
3-ذكر الأسباب في صلب القرار التأديبي أي أن يحمل القرار الصادر بفرض العقوبة التاديبية في ذاته ،أسباب و فرض العقوبة على الموظف العام، بصراحة ومباشرة، حتى يتمكن الشخص الاعتيادي من فهم الأسباب القانونية والواقعية التي دفعت مصدر القرار إلى اصداره(21) .
الفرع الرابع: الأذن بالملاحقة
عندما يرتكب الموظف جرمة اعتيادية فانه يلاحق شأنه في ذلك شأن كل الأفراد، ولكن قد يرتكب الموظف جرمة ناشئة عن وظيفته، فإن في هذه الحالة لا يمكن ملاحقته إلا بناء على موافقة السلطة المختصة، وهذه الموافقة تمنح ضمانة للموظف قبل الملاحقة، وقبل فرض العقوبة عليه، والغاية من وضع هذه الضمانة المحافظة على مصالح الادارة(22) .
وهذا ما أكدت عليه المادة 11 من نظام الموظفين العموميين اللبناني، وجاء فيها ما يفيد بمنع ملاحقة الموظف عن جرم وظيفي إلى بعد الحصول على موافقة الإدارة المختصة، فضلا عن عدم جواز تحريك دعوى الحق العام بواسطة الادعاء الشخصي، فلا يحق للنيابة ملاحقة الموظف إلا بعد الحصول على إذن الإدارة، فالنيابة العامة تكون عاجزة عن ملاحقة الموظف حتى وإن كانت متأكدة من حدوث الجريمة.
وما تجدر الإشارة إلى أن المادة 11 من نظام الموظفين العموميين اللبناني، لم تتطرق إلى موضوع المهلة التي تعطي إلى الإدارة لكي تعلن موافقتها، أو عدم موافقتها على ملاحقة الموظف في حال ارتكابه جرمأ ما ناشئة عن وظيفته، وعندما لم يلزم المشرع الإدارة بوقت محدد لإعلان موافقتها من عدمها على طلب النيابة العامة، بشان ملاحقة الموظف، لذلك نجد انه وفي أحيان كثيرة وحالات عديدة تراخي الإدارة في تحديد موقفها ، وهو ما يؤدي إلى تأخير التحقيق وحسم الموضوع، لذلك نرى أن ينص المشرع على أعطاء الإدارة مهلة محددة بانقضائها، تعد الإدارة موافقة على الملاحقة، حتى وإن لم تصرح بذلك لضمان عدم التأخير في حسم التحقيق(23) .
وقد يحصل في بعض الأحيان خلاف بين الإدارة وبين النيابة حول وصف الجريمة هل هي ناشئة عن وظيفة أم لا فان الخلاف في هذه الحالة يعرض على مجلس الخدمة المدنية للبت فيه، لكن فيما بعد أعطى المشرع هذه الصلاحية للنائب العام لدى محكمة التمييز للفصل في الخلاف بين الإدارة والنيابة العامة حول وصف الجرم هل هو ناشئ عن وظيفة أم لا (24) .
أما في العراق فقد نصت الفقرة (ب) من المادة 136 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على ضرورة استحصال موافقة الوزير المختص على طلب ملاحقة الموظف ، عند قيامة بجرم ناشئ عن وظيفته، إلا وانه من أجل مراعاة عمل هيئة النزاهة التي تقوم بالتحقيق بقضايا الفساد الإداري والمالي تم تعديل قانون أصول المحاكمات بإلغاء الفقرة ب من المادة 136، على أن يعد قانون التعديل هذا نافذة بنفاذ القرار رقم 55 الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقت في 27 كانون الثاني 2004 .
ونرى بأنه كان من الأفضل تعديل هذه المادة وليس إلغاء الفقرة (ب) منها، وكان الأفضل تقييد صلاحية الوزير ليكون غير قادر على الامتناع من أعطاء الموافقة على ملاحقة الموظف في قضايا الفساد الإداري والمادي، أما بقية الجرائم فله سلطة تقديرية فيها.
الفرع الخامس: أن تكون اللجنة التحقيقية أو المجلس التأديبي مؤلفة وفق الأحوال التي حددها القانون .
يجب أن تكون اللجنة التحقيقية مؤلفة وفقا للقانون ، ففي العراق نص قانون ان ضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 المعدل في الفقرة الأولى من المادة (10) منه على مايلي: " على الوزير أو رئيس الدائرة تأليف لجنة تحقيقية من رئيس وعضوين من ذوي الخبرة على أن يكون أحدهم حاصلا على الشهادة الأولية في القانون".
ومن هذا النص يتضح لنا أن اللجنة إذا خالف تشكيلها القانون تعد إجراءاتها باطلة، ولا يمكن الاستناد عليها فيما يتعلق بفرض العقوبة على الموظف المخالف(25). وقد أكد مجلس الانضباط العام سابقا ) محكمة قضاء الموظفين حاليا على ذلك حيث جاء في إحد قراراته إذا كانت اللجنة مؤلفة من رئيس وأربعة أعضاء، فأن تأليفها يكون خلافا للقانون الذي نص على أن تكون اللجنة مؤلفة من رئيس وعضوين، ومن ثم فان القرارت الصادرة منها تكون باطلة لمخالفة القانون (26)
وهذا ما أكد عليه مجلس شورى الدولة اللبناني فيما يتعلق بتشكيل مجلس تأديبي، وفقا للأصول التي حددها القانون إذ قضى المجلس بالسياق ذاته ما يلي: " أن محاكمة الموظف من قبل مجلس تأديبي مؤلف خلافا للإحكام القانونية النافذة يجعل هذه المحاكمة باطلة ويجعل بالتالي القرار الصادر عنها باطلا، وذلك لان النصوص التي بموجبها يتم تأليف المجلس هي من النصوص التي تطبق فورا لتعلقها بأصول المحاكمات (27) .
لذلك فان القرارات الصادرة خلافا لما رسمه القانون باطلة ، وعلى الإدارة أعادة التحقيق مع الموظف واعادة فرض العقوبة عليه، بعد التقيد بالية تأليف اللجنة التحقيقية ، وهذا ما استقر عليه القضاء الإداري (28).
_____________
1- م.م. حيدر نجيب احمد، حقوق وضمانات الموظف العام عند تطبيق الجزاء التاديبي، بحث منشور في مجلة الفتح، 2007، ص 9.
2- ضامن حسين العبيدي، الضمانات التأديبية للموظف العام في العراق، اطروحة دكتورا مقدمة إلى كلية القانون جامعة بغداد ، 1991، ص112.
3- المادة (61) من قانون اصول المحاكمات الجزائية اللبناني رقم 328 الصادر في 8/2/ 2001.
4- المادة 28 من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 المذل.
5- الفقرة الرابعة من المادة 10 من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام العراقي رقم 14 لسنة 1991 المعدل.
6- عبد العزيز عبد المنعم خليفة، ضمانات تاديب الموظف، دار محمود للنشر والتوزيع، القاهرة، 2007، ص 109.
7-علي عبد القادر القهوجي، شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية دراسة مقارنة، الكتاب الثاني، منشورات الحلبي الحقوقية، بیروت، 2007، ص 45.
8- المادة (230) من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني رقم 328لسنة 2001 .
9- المادة (222) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 المعدل.
10- القهوجي، المرجع السابق، ص 459.
11- عبد العال حميد عبد العالي، التحقيق الإداري أجراه وضماناته، رسالة مقدمة إلى كلية الحقوق الجامعة الإسلامية، بيروت، 2019، ص117 .
12- د. رمضان محمد بطيخ، ضمانات التأديب، ندوة مبدأ المشروعية والقضاء الإداري، المنضمة العربية للتنمية، جامعة الدول العربية-تونس، 2009، ص 78
13- عبدالرحمن علام، تعليل الأحكام، مقال منشور في مجلة الأحكام، ع4، السنة 12، القاهرة، 1977، ص 7.
14- عبد العال حميد عبد العالي، المرجع السابق، ص117.
15- م. ش . ل، قرار رقم 43، تاریخ 1994/11/3 ، عصام مکارم، م ق أ، 1999، ع1، ص 41.
16- يوسف سعد الله الخوري، مجموعة القانون الإداري، الجزء الخامس، الكتاب الأول، الوظيفة العامة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2004، ص499 .
17- المادة (36) من نظام المجلس التأديبي العام الصادر بموجب المرسوم رقم 7236، تاریخ 1967/5/8
18- المادة (8) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام العراقي رقم 14 لسنة 1991 المعدل.
19- د. نواف گنعان، القانون الاداري الأردني، ك 2، ط1، مطابع الدستور التجاري، 1999، ص 130.
20- ضامن حسين العبيدي، الضمانات التأديبية للموظف العام في العراق، اطروحة دكتورا مقدمة إلى كلية القانون جامعة بغداد ، 1991 ، ص295.
21- (3) قرار مجلس شورى الدولة العراقي رقم 279 انضباط تمیز. نقلا عن صباح صادق الانباري، مجلس شورى الدولة، ط1، 2008، ص 1387
22- عاطف النقيب، أصول المحاكمات الجزائية، ط1، منشورات عويدات، بیروت، 1989، ص108.
23- المادة 31 من المرسوم الاشتراعي الخاص بقانون القضاء العدلي المعدلة بموجب المادة 14 من المرسوم الاشتراعي رقم 22 الصادر في 23 آذار 1985
24- رأي هئية التشريع والاستشارات في وزارة العدل اللبنانية، المجلده، ج2، ص225
25- لفته هامل العجيلي، التحقيق الإداري في الوظيفة العامة، ط1، منشورات الحلب الحقوقية، بيروت، 2015، ص 42 .
26- خضر عكوبي يوسف، موقف القضاء الإداري من الرقابة على القرار الإداري، ط1، مطبعة الحوادث، بغداد، 1979، ص 198.
27- م. ش. ل، قرار رقم 511، تاریخ 1991/9/13 ، العظمي الدولة، مقيا، ص 151: نقلا عن زياد شبيب، مصدر سابق، ص 19
28- قرار مجلس الانضباط العام رقم 6/ج/2009 في 2009/12/ 28، مجلة القانون والقضاء، عة، 2011، ص 189
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|