أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-07-2015
1073
التاريخ: 31-3-2018
1259
التاريخ: 2024-11-09
201
التاريخ: 2-07-2015
1013
|
إِنَّ ذاتَه سبحانه و أَسماءَه و صفاتَه و أَفعالَه ، و إنْ كانت غيرَ مسانخة لمُدْرَكات العالَم المحسوس ، لكنها ليست على نحو يستحيل التعرفُ عليها بوجه من الوجوه. و من هنا نجد أَنَّ الحكماء و المتكلمين يسلكون طرقاً مختلفة للتعرف على ملامح العالَم الرُّبوبي ، و هم يرون أَنَّ ذلك العالم ليس على وجه لا يقع في أُفق الإِدراك مطلقاً ، بل هناك نوافذ على الغيب عقليةٌ و نقليةٌ ، يُرى منها ذلك العالم الفسيح العظيم.
وها نحن نشير إلى هذه الطرق :
الأول ـ الطريق العقلي:
إِذا ثبت كونه سبحانه غنياً غيرَ محتاج إلى شيء ، فإِنَّ هذا الأَمر يمكن أَنْ يكون مبدأً لإِثبات كثير من الصفات الجلالية ، فإِنَّ كل وصف استلزم خللا في غناه و نقضاً له ، انتفى عنه ولزم سلبُه عن ذاته.
و قد سلك الفيلسوف الإِسلامي نصير الدين الطوسي هذا السبيل للبرهنة على جملة من الصفات الجلالية حيث قال : « ووجوب الوجود يدل على سَرْمَدِيَّتِه ، و نفي الزائد ، و الشريك ، و المِثْل ، و التركيب بمعانيه ، و الضَّدّ ، و التَّحَيُّز ، والحُلول ، و الإِتحاد ، و الجهة ، و حلول الحوادث فيه ، و الحاجة ، و الأَلم مطلقاً و اللذة المزاجية ، و المعاني و الاحوال و الصفات الزائدة و الرؤية ».
بل انطلق المحقق من نفس هذه القاعدة لإِثبات سلسلة من الصفات الثبوتيّة حيث قال : « ووجوب الوجود يدل على ثبوت الوجود ، والمُلْك ، والتّمام ، والحقيّة ، والخيريّة ، والحكمة ، والتجبر ، والقهر ، والقيوميّة » (1).
و قد سبقه إلى ذلك مؤلِّف الياقوت إذا قال : « و هو (وجوب الوجود) ينفي جملة من الصفات عن الذات الإِلهية و أَنَّهُ ليس بجسم ، و لا جوهر ، ولا عرض ، ولا حالاًّ في شيء ولا تَقُوم الحوادث به وإِلا لكان حادثاً » (2).
وعلى ذلك يمكن الإِذعان بما في العالم الرُّبوبي من الكمال و الجمال بثبوت أصل واحد و هو كونُه سبحانَه موجوداً غنياً واجبَ الوجود ، لأَجل بطلان التسلسل الذي عرفته. و ليس إِثباتُ غناه و وجوبِ وجودهِ أَمراً مُشكلا على النفوس.
و من هذا تنفتح نوافذ على الغيب و التعرف على صفاته الثبوتية و السلبية ، وستعرف البرهنة على هذه الصفات من هذا الطريق.
الثاني : المطالعة في الآفاق و الأَنْفُس:
من الطرق و الاصول التي يمكن التَّعرفُ بها على صفات الله ، مطالعة الكون المحيط بنا ، و ما فيه من بديع النظام ، فإِنه يكشف عن علم واسع و قدرة مطلقة عارفة بجميع الخصوصيات الكامنة فيه ، و كلِّ القوانين التي تسود الكائنات. فمن خلال هذه القاعدة و عبر هذا الطريق أي مطالعة الكون ، يمكن للإِنسان أنْ يهتديَ إلى قسم كبير من الصفات الجمالية. و بهذا يتبين أَنَّ ذات الله سبحانه و صفاته بحكم أَنها ليس كمثلها شيء ليست محجوبةً عن التعرُّفِ المُطْلَق و غيرَ واقعة في أٌفق التعقل، حتّى نعطل العقول ونقول : « إنما أُعطينا العقل لإقامة العبودية لا لإِدراك الربوبية ». و قد أَمر الكتاب العزيز بسلوك هذا الطريق. يقول سبحانه : { قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [يونس: 101]. و قال سبحانه : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]. و قال سبحانه : {إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ} [يونس: 6].
و قد سلك هذا الطريق المحقق الطوسي في إثبات صفة العلم و القدرة حيث قال : « و الإِحكامُ والتَجَرّدُ و استنادُ كلِّ شيء إليه دليلُ العلم » (3).
الثالث : الرجوع إلى الكتاب و السنَّة الصحيحة:
و هناك أَصل ثالث يعتمد عليه أَتباع الشرع ، و هو التعرف على أَسمائه و صفاته و أَفعاله بما ورد في الكتب السماوية و أَقوال الأَنبياء و كلماتهم ، و ذلك بعدما ثبت وجودُه سبحانه و قسمٌ من صفاته ، ووقفنا على أنَّ الأَنبياءَ مبعوثون من جانب الله و صادقون في أَقوالهم و كلماتهم.
و باختصار ، بفضل الوَحْي ـ الذي لا خطأ فيه ولا زَلَل ـ نَقِفُ على ما في المَبْدَأ الأَعلى من نعوت و شؤون. فَمِنْ ذلك قولُه سبحانه : {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر: 23، 24].
الرابع : الكَشْفُ والشُّهود:
و هناك ثُلَّةٌ قليلةٌ يشاهدون بعيونِ القلوبِ ما لا يُدْرَكُ بالأَبْصار ، فَيَرَوْن جمالَهُ و جلالَه و صفاتَه و أَفعالَه بإِدراك قلبي ، يدرك لأَصحابه و لا يوصَفُ لغيرهم. والفُتوحاتُ الباطنيّة من المكاشفات و المشاهدات الروحيّة و الإِلقاءات في الروع غَيْرُ مَسْدودَة ، بنص الكتاب العزيز. قال سبحانه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29] أَي يجعل في قلوبكم نوراً تُفَرِّقون به بين الحقِّ و الباطلِ و تُمَيِّزون به بين الصحيحِ و الزائفِ لا بالبَرْهَنَةِ و الإِستدلال بل بالشهود و المكاشَفَة.
و قال سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [الحديد: 28].
و المُراد من النور هو ما يمشي المؤمن في ضوئه طيلةَ حياتِه ، في معاشه و معاده ، في دينه و دنياه. (4).
و قال سبحانه : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69] ، إلى غير ذلك من الآيات الظاهرة في أَنَّ المُؤمِنَ يَصِلُ إلى معارف و حقائِق في ضوء المُجاهدة و التَّقوى ، إلى أَنْ يقدر على رؤية الجحيم في هذه الدنيا المادية ، قال سبحانه : { كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ } [التكاثر: 5، 6].
نعم ليس كلُّ من رمى أصاب الغَرَض ، و ليست الحقائق رمية للنِّبال ، و إِنما يَصِل إليها الأَمْثَلُ فالأَمْثَل ، فلا يحظى بما ذكرناه من المكاشفات الغيبية و الفتوحات الباطنية إِلاّ النزر القليل ممن خَلُصَ روحُه و صفى قلبُه.
و قد بان بهذا البحث الاضافي ، أَنه ليس لمسلم التوقف عن محاولة التعرف على صفات الله و أَسمائه بحُجَّة أنَّه لا مسانخة بين البشر و خالقهم.
نعم ، نحن لا نَدَّعي أَنَّ بعضَ هذه الطرق ميسورَةَ السلوكِ للعامة جميعاً ، بل منها ما هو عام مُتاحٌ لكلِّ إنسان يريد معرفة ربه ، و منها ما هو خاص يستفيد منه من بلغ مبلغاً خاصاً من العلم و المعرفة (5).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ تجريد الإِعتقاد ، باب إِثبات الصانع و صفاته ، ص 178 ـ 185.
2 ـ أنوار الملكوت في شرح الياقوت ، ص 76 و 80 و 81 و 99.
3 ـ تجريد الإِعتقاد ، ص 172 ، طبقة مطبعة العرفان ـ صيدا.
4 ـ أَما في الدنيا فهو النور الذي أَشار إليه سبحانه بقول : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122].
و أَما في الآخرة فهو ما أَشار إليه سبحانه بقوله : {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [الحديد: 12].
5 ـ راجع في الوقوف على مفتاح هذا الباب : مفاهيم القرآن ، الجزء الثالث ، ص 244 إلى ص 259.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|