أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-3-2016
1912
التاريخ: 21-3-2016
1648
التاريخ: 2024-10-05
206
التاريخ: 22-3-2016
2395
|
قد يُطلق التفسير بالعقل ، ويُراد به التفسير بغير النقل ، سواء أكان التفسير بالعقل الفطري ، أم بالقواعد الدارجة في المدارس الكلامية ، أو بتأويلات الباطنية ، أو الصوفية ، أو التفسير حسب العلوم الحديثة ، والتفسير بالعقل بهذا المعنى يعم جميع هذا النوع من التفسير ، وبهذا صار أيضاً ملاكاً لتقسيم المناهج التفسيرية إلى المنهج العقلي والنقلي .
وقد يُطلق ويُراد به تفسير الآيات من منظار العقل الفطري والعقل الصريح والبراهين المشرقة غير الملتوية الواضحة لكلّ أرباب العقول ، وهذا هو المراد في المقام ، وهو بهذا المعنى قسم من المناهج التفسيرية العقلية فلاحظ (1) .
وبما أنّ العقل الصريح يُقسّم إلى عقل نظري (2) وإلى عقل عملي (3) ، فالآيات الواردة حول العقائد والمعارف تُفسّر في ظل العقل النظري ، كما أنّ الآيات الواردة حول الحقوق والأخلاق والاجتماع تُفسّر بما هو المسلّم عند العقل العملي .
ولأجل إيضاح هذا النوع من التفسير بالعقل الذي يفارق التفسير على سائر المعايير العقلية كما أشرنا إليها ، نذكر نماذج في مجالي العقل النظري والعقل العملي ، ولنقدّم الكلام في الأوّل على الثاني .
1 ـ واحد لا ثاني له
يقول سبحانه : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى : 11] فالآية تنفي أن يكون له سبحانه أيُّ مثل وندّ ، وفي سورة أُخرى يقول : {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [الإخلاص : 4] وهذه عقيدة صريحة إسلامية ، يمكن أن يفسّر في ضوء الحكم العقلي كالتالي .
أ ـ صرف الوجود لا يتعدّد
إذا كان الموجود منزّهاً عن كلّ حد وقيد بحيث ليس له واقعية سوى الوجود المطلق فهو لا يتكرر ولا يتعدد ، بمعنى أنّه لا تُتعقل له الاثنينية والكثرة ؛ لأنّ ما فرضته ثانياً بحكم أنّه أيضاً منزّه عن كلّ قيد وحدّ وخليط يكون مثل الأوّل فلا يتميّز ولا يتشخّص ، وقد قام الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السَّلام ) بتفسير الآية على ضوء هذا الحكم العقلي .
روى الصدوق أنّ أعرابياً قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) فقال : يا أمير المؤمنين أتقول : إنّ اللّه واحد ؟ قال فحمل الناس عليه ، وقالوا : يا أعرابي أَما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسّم القلب ، فقال أمير المؤمنين : ( دعوه ، فإنّ الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم ) ... ثمّ قال شارحاً ما سأله عنه الأعرابي : ( وقول القائل واحد ، يقصد به باب الأعداد ، فهذا ما لا يجوز ؛ لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، أَما ترى أنّه كفر مَن قال : ثالث ثلاثة ) .
ثمّ قال : ( معنى هو واحد : أنّه ليس له في الأشياء شِبْه ، كذلك ربّنا ، و قول القائل إنّه عزّ وجلّ أحديُّ المعنى يعني به أنّه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم ، كذلك ربّنا عزّ وجلّ ) (4) .
فالإمام ( عليه السَّلام ) لم يكتفِ ببيان المقصود من وصفه سبحانه بأنّه واحد ، بل أشار إلى معنى آخر من معاني توحيده وهو كونه أحديّ الذات ، الذي يهدف إلى كونه بسيطاً لا جزء له في الخارج والذهن ، و التوحيد بهذا المعنى هو القسم الثاني من التوحيد الذاتي المبحوث عنه في محلّه .
ب ـ التعدّد يستلزم التركيب
لو كان هناك واجب وجود آخر لشارك الواجبان في كونهما واجبي الوجود ، ولابدّ من تميّز أحدهما عن الآخر بشيء وراء ذلك الأمر المشترك ، كما هو الحال في كلّ مثلين ، وذلك يستلزم تركّب كلّ منهما من شيئين : أحدهما يرجع إلى ما به الاشتراك ، والآخر إلى ما به الامتياز ، والمركب بما أنّه محتاج إلى أجزائه لا يكون موصوفاً بوجوب الوجود ، بل يكون ـ لأجل الحاجة ـ ممكناً وهو خلاف الفرض .
وباختصار لو كان في الوجود واجبان للزم إمكانهما وذلك ؛ أنّهما يشتركان في وجوب الوجود فإن لم يتميّزا لم تحصل الاثنينية ، وإن تميّزا لزم تركّب كلّ واحد منهما ممّا به المشاركة وما به الممايزة ، وكلّ مركب ممكن فيكونان ممكنين ، وهذا خلاف الفرض .
ج ـ الوجود اللامتناهي لا يقبل التعدّد
هذا البرهان مؤلّف من صغرى و كبرى والنتيجة هو وحدة الواجب وعدم إمكان تعدّده ، وإليك صورة القياس حتى نبرهن على كلّ من صغراه وكبراه .
وجود الواجب غير متناهٍ .
وكلّ غير متناهٍ واحد لا يقبل التعدّد .
فالنتيجة وجود الواجب واحد لا يقبل التعدّد .
وإليك البرهنة على كلّ من المقدّمتين .
أمّا الصغرى : فإنّ محدودية الموجود ، ملازمة لتلبّسه بالعدم ، ولأجل تقريب هذا المعنى لاحظ الكتاب الموضوع بحجم خاص ، فإنّك إذا نظرت إلى أيّ طرف من أطرافه ترى أنّه ينتهي إليه وينعدم بعده ، ولا فرق في ذلك بين صغير الموجودات وكبيرها ، حتّى أنّ جبال الهملايا مع عظمتها محدودة لا نرى أي أثر للجبل بعد حدّه . وهذه خصيصة كلّ موجود متناهٍ زماناً أو مكاناً أو غير ذلك ، فالمحدودية والتلبّس بالعدم متلازمان .
وبتقرير آخر : إنّ عوامل المحدودية تمحور في الأُمور التالية :
1 ـ كون الشيء محدوداً بالماهية ومزدوجاً بها ، فإنّها حد وجود الشيء والوجود المطلق بلا ماهية غير محدّد ولا مقيّد وإنّما يتحدّد بالماهية .
2 ـ كون الشيء واقعاً في إطار الزمان ، فهذا الكم المتصل ( الزمان ) يحدّد وجود الشيء في زمان دون آخر .
3 ـ كون الشيء في حيّز المكان ، وهو أيضاً يُحدّد وجود الشيء ويخصّه بمكان دون آخر .
وأمّا الكبرى فهي واضحة بأدنى تأمل ، وذلك ؛ لأنّ فرض تعدّد اللامتناهي يستلزم أن نعتبر كلّ واحد منهما متناهياً من بعض الجهات حتى يصحّ لنا أن نقول هذا غير ذاك ، ولا يقال هذا إلاّ إذا كان كلّ واحد متميزاً عن الآخر ، والتميّز يستلزم أن لا يوجد الأوّل حيث يوجد الثاني ، وكذا العكس ، وهذه هي ( المحدودية ) وعين ( التناهي ) ، والمفروض أنّه سبحانه غير محدود ولا متناهٍ .
فيُستنتج من هاتين المقدّمتين أنّ وجود الواجب واحد لا يقبل التعدّد .
ومن لطيف القول ما نجده في كلامه سبحانه ، حيث إنّه بعد ما يصف نفسه بالوحدانية يعقبه بوصف القهارية ويقول {الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } [يوسف : 39] ، وما ذلك إلاّ ؛ لأنّ المحدود المتناهي مقهور للحدود والقيود الحاكمة عليه ، فإذا كان قاهراً من كلّ الجهات لم تتحكم فيه الحدود ، فكأنّ اللامحدودية تلازم وصف القاهرية وقد عرفت أنّ ما لا حدّ له يكون واحداً لا يقبل التعدّد ، فقوله سبحانه : ( وَهُوَ الواحِدُ القَهّار ) من قبيل ذكر الشيء مع البيّنة والبرهان .
2 ـ لا مدبر للكون إلاّ اللّه
إنّ القرآن يستدلّ على وحدة المدبّر ببرهان شيق ، ويقول : {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } [الأنبياء : 22] والمراد من الإله في المقام هو الإله الخالق رداً للثنوية الذين يظنون أنّ خالق الخير غير خالق الشر أو النصرانية حيث ذهبت إلى التثليث .
وحاصل البرهان : إذا افترضنا أنّ للكون خالقين وأنّ العالم مخلوق لإلهين ، فإنّه لابدّ أن نقول ـ و بحكم كونهما اثنين ـ أنّهما يختلفان عن بعض في جهة أو جهات ، وإلاّ لَما صحّت الاثنينية والتعدّد أي لَما صحّ ـ حينئذ ـ أن يكونا اثنين دون أن يكون بينهما أي نوع من الاختلاف .
ومن المعلوم أنّ الاختلاف في الذات سبب للاختلاف في طريقة التدبير والإرادة بين المختلفين ذاتاً .
فإذا كان تدبير العالم العلوي ـ مثلاً ـ من تدبير واحد من الإلهين وتدبير العالم السفلي من تدبير إله آخر ، فإنّ من الحتمي أن ينفصم الترابط بين نظامي العالمين ويزول الارتباط بينهما ؛ لأنّه من المستحيل تدبير موجود ذي أجزاء منسجمة بتدبيرين متنافيين متضادين .
وينتج من ذلك التفكّك بين جزئي العالم ، وبالتالي فساد الكون بأسره من سماوات وأرض وما بينهما ؛ لأنّا جميعاً نعلم بأنّ بقاء النظام الكوني ناشئ من الارتباط الحاكم على أجزاء المنظومة الشمسية بحيث لو فُقد هذا الارتباط على أثر الاختلاف في التدبير ـ مثل أن تختل قوتا الجذب والدفع ـ لتعرّض الكون بأسره للخلل ولم يبقَ للكون وجود ولا أثر .
هذا هو البرهان المشرق الذي يفسّر الآية بالعقل الصريح .
3 ـ اللّه تبارك وتعالى فوق الرؤية
يقول سبحانه : { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام : 103] إنّ الذكر الحكيم يُجلُّ سبحانه من أن تدركه الأبصار وفي الوقت نفسه يُدرك الأبصار ، ويمكن تفسير هذه الآية بالوجوه التالية :
1 ـ إنّ اللّه تعالى ليس في جهة ولا في مكان ؛ بدليل أنّ ما كان في الجهة والمكان ، مفتقر إليهما وهو محال عليه ، واللّه تعالى ليس بمرئي بدليل أنّ كلّ مرئي لابدّ أن يكون في جهة (5) .
وبعبارة أُخرى : أنّ الرؤية إنّما تصحّ لمَن كان مقابلاً أو في حكم المقابل والمقابلة إنّما تكون في حقّ الأجسام ذوات الجهة واللّه تعالى ليس في جهة فلا يكون مرئياً .
2 ـ إنّ الرؤية إمّا أن تقع على الذات كلّها أو على بعضها ، فعلى الأوّل يلزم أن يكون محدوداً متناهياً محصوراً شاغلاً لناحية من النواحي وخلوّ النواحي الأُخرى منه تعالى وذلك مستحيل ، وإمّا أن تقع على بعض الذات فيلزم أيضاً أن يكون مركباً متحيزاً ذا جهة إلى غير ذلك من التوالي الفاسدة الباطلة المرفوضة في حقه تعالى .
3 ـ إنّ الرؤية بأجهزة العين نوع إشارة بها إلى المرئي وهو سبحانه منزّه عن الإشارة .
4 ـ إنّ الرؤية لا تتحقّق إلاّ بانبعاث أشعة من المرئي إلى أجهزة العين وهو يستلزم أن يكون سبحانه جسماً ذات أبعاد ومعرضاً لعوارض وأحكام جسمانية وهو المنزّه عن كلّ ذلك (6) .
4 ـ هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن
يصف سبحانه نفسه بأنّه الأوّل والآخر ، والظاهر والباطن ، ويقول : {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد : 3] .
وهذه الصفات صفات متناقضة لا تجتمع في شيء واحد مع أنّه سبحانه يصف نفسه بها ، فلو كان أوّلاً كيف يكون آخراً ؟ ولو كان ظاهراً كيف يكون باطناً ؟ فأوّل الناس في العمل لا يكون آخرهم فيه وهكذا الظاهر والباطن .
ولكن يمكن تفسير ذلك من خلال كونه محيطاً بالموجودات الإمكانية أوّلاً ، وقيامهم به قيام المعنى الحرفي بالاسمي ثانياً .
فإذا كان محيطاً بوجوده على كلّ شيء فكلّما فُرض أوّلاً فهو قبله بحكم كونه محيطاً والشيء محاطاً ، فهو الأوّل دون الشيء المفروض أوّلاً ، وكلّ ما فُرض آخراً فهو بعده لحديث إحاطة وجوده به من كلّ جهة ، فهو الآخر دون الشيء المفروض وليس أوّليته تعالى ولا آخريته زمانيةً ولا مكانيةً ، بل بمعنى كونه محيطاً بالأشياء على أيّ نحو فُرضت وكيفما تصوّرت .
فإذا كان العالم قائماً به قيام المعنى الحرفي بالاسمي ، فكيف يمكن خلو العالم عن وجود الواجب ؟ فالعالم بما فيه من الصغير والكبير ، ومن الذرة إلى المجرّة ، ومن المادي إلى المجرد ، قائم به سبحانه قيام المعنى الحرفي بالمعنى الاسمي ، فيكون سبحانه ظاهر العالم وباطنه .
وبالجملة إحاطته له وقيمومته للوجود الإمكاني يجعله أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً ويترتب عليه قوله سبحانه {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } [الحديد : 4] ، ومن الخطأ الواضح تفسير هذه المعية بالمعية العلمية ، بل هي معية وجودية لكن حسب ما ذكره الإمام أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) في خطبته : ( لم يحل في الأشياء فيقال هو كائن ، ولم يَنأ عنها فيقال أنّه منها بائن ) (7) .
إلى هنا تبيّن كيفية تفسير الآية بالعقل الصريح ، وقد أتينا بنماذج أربعة من هذه المقولة ، أعني :
أ ـ واحد لا ثاني له .
ب ـ ليس للعالم مدبّر سواه .
ج ـ إنّه سبحانه فوق الرؤية .
د ـ إنّه سبحانه هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن .
كلّ ذلك من قبيل تفسير الآية بالعقل الصريح النظري في مقابل التفسير بالعقل الصريح العملي الذي سنوضّحه تالياً .
______________________________
1 ـ والعقل بالمعنى الأوّل مقسم للمناهج الستة ، وبالمعنى الثاني قسم منه .
2 ـ المراد من العقل النظري : إدراك ما يجب أن يُعلم ، كحاجة الممكن إلى العلة ، والمراد من العقل العملي ، إدراك ما يجب أن يُعمل ويُطبَّق على الحياة ، كقولنا : العدل حسن والظلم قبيح .
3 ـ المراد من العقل النظري : إدراك ما يجب أن يُعلم ، كحاجة الممكن إلى العلة ، والمراد من العقل العملي ، إدراك ما يجب أن يُعمل ويُطبَّق على الحياة ، كقولنا : العدل حسن والظلم قبيح .
4 ـ توحيد الصدوق : 83 ـ 84 .
5 ـ مجموعة الرسائل العشر ، المسألة 16 ـ 17 .
6 ـ لاحظ أنوار الملكوت في شرح الياقوت : 82 ـ 83 واللوامع الإلهية : 81 ـ 82 ، وكشف المراد : 182 .
7 ـ نهج البلاغة : الخطبة : 65 ، ولاحظ الخطبة 179 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|