أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-2-2017
11354
التاريخ: 3-2-2017
3533
التاريخ: 3-2-2017
16638
التاريخ: 10-2-2017
8324
|
قال تعالى : {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا } [النساء : 34] .
لما بين تعالى فضل الرجال على النساء ، ذكر عقيبه فضلهم في القيام بأمر النساء ، فقال : ﴿الرجال قوامون على النساء﴾ : أي قيمون على النساء ، مسلطون عليهن في التدبير ، والتأديب ، والرياضة ، والتعليم ﴿بما فضل الله بعضهم على بعض﴾ هذا بيان سبب تولية الرجال عليهن : أي إنما ولاهم الله أمرهن لما لهم من زيادة الفضل عليهن بالعلم والعقل وحسن الرأي والعزم ﴿وبما أنفقوا من أموالهم﴾ عليهن من المهر والنفقة ، كل ذلك بيان علة تقويمهم عليهن وتوليتهم أمرهن ﴿فالصالحات قانتات﴾ : أي مطيعات لله ولأزواجهن ، عن قتادة ، والثوري ، وعطاء . ويقال : حافظات ، ويدل عليه قوله {يا مريم اقنتي لربك} أي أقيمي على طاعته ﴿حافظات للغيب﴾ : يعني لأنفسهن وفروجهن في حال غيبة أزواجهن ، عن قتادة ، وعطاء ، والثوري ، ويقال : الحافظات لأموال أزواجهن في حال غيبتهم ، راعيات بحقوقهم وحرمتهم . والأولى أن يحمل على الأمرين ، لأنه لا تنافي بينهما ﴿بما حفظ الله﴾ : أي بما حفظهن الله في مهورهن ، وإلزام أزواجهن النفقة عليهن ، عن الزجاج . وقيل : بحفظ الله لهن وعصمته ولو لا أن حفظهن الله وعصمهن لما حفظن أزواجهن بالغيب .
﴿واللاتي تخافون نشوزهن﴾ معناه : فالنساء اللاتي تخافون نشوزهن بظهور أسبابه وأماراته ، ونشوز المرأة : عصيانها لزوجها ، واستيلاؤها عليه ، ومخالفتها إياه . وقال الفراء : " معناه تعلمون نشوزهن " (2) قال : " وقد يكون الخوف بمعنى العلم لأن خوف النشز العلم بموقعه " {فعظوهن واهجروهن في المضاجع} معناه : فعظوهن أولا بالقول والنصيحة ، فإن لم ينجع الوعظ ولم يؤثر النصح بالقول ، فاهجروهن في المضاجع ، عن سعيد بن جبير قال : وعنى به الجماع ، إلا أنه ذكر المضاجع لاختصاص الجماع بها وقيل معناه فاهجروهن في الفراش والمبيت وذلك أنه يظهر بذلك حبها للزوج وبغضها له فإن كانت مائلة إليه لم تصبر على فراقه في المضجع وإن كانت بخلاف ذلك صبرت عنه عن الحسن وقتادة وعطاء وإلى هذا المعنى يؤول ما روي عن أبي جعفر قال : " يحول ظهره إليها " وفي تفسير الكلبي : عن ابن عباس : " فعظوهن بكتاب الله أولا ، وذلك أن يقول : اتقي الله وارجعي إلى طاعتي ، فإن رجعت وإلا أغلظ لها القول فإن رجعت وإلا ضربها ضربا غير مبرح " وقيل : في معنى غير المبرح أن لا يقطع لحما ، ولا يكسر عظما وروي عن أبي جعفر أنه الضرب بالسواك .
﴿فإن أطعنكم﴾ : أي رجعن إلى طاعتكم في الائتمار لأمركم . ﴿فلا تبغوا عليهن سبيلا﴾ : أي لا تطلبوا عليهن عللا بالباطل . وقيل : سبيلا للضرب والهجران مما أبيح لكم فعله عند النشوز عن أبي مسلم وأبي علي الجبائي . وقيل : معناه لا تكلفوهن الحب عن سفيان بن عيينة . فيكون المعنى : إذا استقام لكم ظاهرهن ، فلا تعللوا عليهن بما في باطنهن . ﴿إن الله كان عليا كبيرا﴾ : أي متعاليا عن أن يكلف إلا الحق مقدار الطاقة .
والعلو والكبرياء من صفات الله وفائدة ذكرهما هنا : بيان انتصاره لهن ، وقوته على الانتصار إن هن ضعفن عنه . وقيل : المراد به أنه تعالى مع علوه وكبريائه لم يكلفكم إلا ما تطيقون فكذلك لا تكلفوهن إلا ما يطقن .
_____________
1. تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 79-80 .
2. معاني القرآن : 1 / 265 .
{الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ} . الرجل والمرأة ركنا الحياة ، ومحال أن تستقيم بأحدهما دون الآخر ، ومعنى هذا ان بين الرجل والمرأة نوعا من التفاوت . . ولو تساويا من جميع الجهات لأمكن الاكتفاء بأحد النوعين ، وكان وجود الآخر وعدمه سواء . .
فالدعوة - إذن - إلى المساواة بينهما في كل شيء تخالف منطق الحياة .
ورب قائل : ان المرأة وأنصارها يريدون لها المساواة في الحقوق والواجبات ، ولا يريدون لها المساواة مع الرجل في كل شيء ، حتى الحمل والرضاعة - مثلا - .
ونجيب ان التفاوت في التكوين العضوي يستدعي حتما التفاوت في بعض الحقوق
والواجبات ، بل وفي بعض الغرائز النفسية أيضا ، وعليه فمن يطلب التساوي في جميع الحقوق والواجبات بينهما فقد ابعد ، تماما كمن يطلب التفاوت في الجميع ، والصواب انهما يشتركان في أكثر الحقوق ، أو الكثير منها ، وأهمها المساواة أمام اللَّه والقانون ، وحرية التصرف في المال ، واختيار شريك الحياة . ويفترقان في بعض الحقوق . . وعند تفسير الآية 228 من سورة البقرة ذكرنا 14 فرقا بين الرجل والمرأة في الشريعة الإسلامية . أما الآية التي نفسرها فإنها تفيد :
1- ان الرجال قوامون على النساء ، والمراد بالرجال هنا خصوص الأزواج ، وبالنساء خصوص الزوجات ، وليس المراد بالقيام على المرأة السلطة المطلقة ، بحيث يكون الزوج رئيسا دكتاتوريا ، والزوجة مرؤوسة له ، لا إرادة لها معه ولا اختيار ، بل المراد ان له عليها نحوا من الولاية ، وقد حدد الفقهاء هذه الولاية بجعل الطلاق في يد الزوج ، وان تطيعه في الفراش ، ولا تخرج من بيته إلا بإذنه ، وهما فيما عدا ذلك سواء : {ولَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} .
2- ان اللَّه سبحانه ذكر سببين لهذا النحو من ولاية الزوج على الزوجة ، وأشار إلى السبب الأول بقوله : {بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ} . والى السبب الثاني بقوله : {وبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ} . ونبدأ بالسبب الأول . .
فالضمير في ( بعضهم ) يعود على النساء والرجال معا ، وذكّر الضمير من باب التغليب ، والمراد ببعض الأولى الرجال ، وببعض الثانية النساء .
وتسأل : لما ذا قال تعالى : {بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ}ولم يقل بما فضلهم عليهن ، مع انه أخصر وأظهر ؟ .
الجواب : لو قال : فضلهم عليهن لفهم منه تفضيل جميع أفراد الرجال على جميع أفراد النساء ، وهذا غير مقصود ، لأنه بعيد عن الواقع ، فكم من امرأة هي أفضل من ألف رجل ، فجاء لفظ بعض للإشارة إلى أن هذا التفضيل إنما هو للجنس على الجنس من حيث هو بصرف النظر عن الأفراد .
وقد أبهم سبحانه ، ولم يبين وجه الأفضلية ، حيث قال : {بِما فَضَّلَ اللَّهُ} وكفى . . وقال المفسرون وغيرهم : ان الرجل أقوى من المرأة في تكوينه العضوي والعقلي ، وأطالوا الكلام والاستدلال ، ومنهم من ألَّف كتبا خاصة في هذا الموضوع .
والذي نشاهده ان الأعمال الجليلة في ميدان العلم والدين والفن والفلسفة والسياسة كلها من الرجال ، لا من النساء ، وإذا وجدت امرأة ، لها دور في ذلك فهي من الطرائف والنوادر . . وبديهة ان الشاذ النادر يؤكد القاعدة ، ولا ينفيها . .
وفوق هذا شاهدنا المرأة تهتم قبل كل شيء بالتفصيلات والأزياء التي تجسم أنوثتها ، وتبرزها عريانة ، وتلونها بكل ما يجذب الرجل ، ويلهب شعوره نحو الجنس اللطيف . . ومن هنا كانت بيوت الأزياء ومبتكرات التفصيل للنساء ، دون الرجال ، ولا تفسير لاهتمام المرأة بأنوثتها ، وانصراف الرجل إلى جليل الأعمال في ميادين الحياة إلا التباين في الغرائز والتكوين النفسي بين الاثنين .
أما السبب الثاني لأفضلية الرجل فقد بينه سبحانه بقوله : {وبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ} كما أشرنا ، وهو واضح لا إبهام فيه كالسبب الأول ، لأن الذي يتحمل مسؤولية الإنفاق على غيره لا بد أن يكون أفضل من الذي لا يطلب منه شيء ، حتى الإنفاق على نفسه . . ان هذا حامل ، وذاك محمول .
وتجدر الإشارة إلى ان قوله تعالى : {وبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ} يشعر بأن الزوج إذا لم ينفق على زوجته لم يكن قواما عليها ، وكان لها ، والحال هذه ، ان تطلب من الحاكم الشرعي الطلاق ، وعلى الحاكم أن ينذر الزوج ، فان امتنع عن الإنفاق لعجز أو عنادا أمره بالطلاق ، فان امتنع طلَّقها عنه ، لأن الحاكم ولي الممتنع ، وعلى هذا مالك والشافعي ، وجماعة من علماء الشيعة الإمامية ، منهم السيد صاحب العروة الوثقى وملحقاتها ، والسيد محسن الحكيم ، ونحن على هذا الرأي . . وعقدنا لهذه المسألة الهامة فصلا مستقلا في الجزء السادس من كتاب « فقه الإمام جعفر الصادق » بعنوان : طلاق الحاكم لعدم الإنفاق ، عرضنا فيه الأقوال والأدلة بنحو من التفصيل .
{فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ} . الزوجة الصالحة هي الموافقة لزوجها ، الحافظة لنفسها حسبما أمر اللَّه وأراد ، فلا تعصيه في شيء أباحه اللَّه له ، ولا تعطيه في شيء حرمه اللَّه عليه وعليها ، قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلم) :
« خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك ، وإذا أمرتها أطاعتك ، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك » .
والحديث عن الزواج لا ينتهي إلى حد ، ولا أحد يعرف السر الكامن في قول من قال : لا أتزوج ولو شنقوني ، إلا المتزوجون . . ان بعض الزوجات سرطان يقضي على الأرواح ببطء . . وإذا كان الإنسان مخيرا ، لا مسيرا فان هذا الإنسان هو الأعزب ، أما المتزوج فلا إرادة له ، ولا اختيار إلا من شذ . . وفي بعض الديانات ان اللَّه غدا لا يعاقب بالنار ، ولا يثيب بالجنة ، بل يزوج العاصي عجوزا فانية تؤلمه في خلقها وخلقها ، ويزوج المطيع شابة جميلة تسره خلقا وخلقا .
{واللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ واهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ واضْرِبُوهُنَّ}.
والمراد بالنشوز في الآية الامتناع عن القيام بحقوق الزوجية . . وقد يكون النشوز من الزوجة فقط ، أو من الزوج ، أو منهما معا . . وبعد أن أشار سبحانه إلى الزوجة الصالحة أشار إلى الزوجة الناشزة ، وأباح للزوج إذا تمردت عليه زوجته من غير حق ان يعظها ، فإن هي قبلت ، والا هجرها في الفراش فان هي قبلت وإلا ضربها ضربا خفيفا للزجر والتأديب ، لا للتشفي والانتقام . . هذا إلى ان الأمر بالوعظ ، ثم بالهجر ، ثم بالضرب هو أمر للإباحة والترخيص ، لا للوجوب والإلزام ، فقد اتفق الفقهاء جميعا على ان ترك الضرب أولى ، وان الذي يصبر على أذى الزوجة ولا يضربها خير وأفضل عند اللَّه ممن يضربها ، كما اتفقوا على انه كلما حصل الغرض بالطريق الأخف وجب الاكتفاء به ، وحرم الأشد .
قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : « لا يضرب أحدكم امرأته كما يضرب البعير أول النهار ثم يضاجعها آخر النهار . . خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهله » .
ومن الطريف ان الطبري الذي وصفوه بشيخ المفسرين قال في تفسير قوله تعالى : {واهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ} . انه أمر من اللَّه للزوج إذا عصته زوجته ان يربطها بالحبل - كما يربط البعير - في البيت الذي يضاجعها فيه . . والذي حمله على هذا التفسير ان العرب تسمي الحبل الذي يربطون به البعير هجارا ، فإذا كان كذلك يكون معنى اهجروهن اربطوهن بالهجار . . وأبلغ رد لهذا التفسير قول الزمخشري : « وهذا من تفسير الثقلاء » .
__________________________
1. تفسير الكاشف ، ج2 ، ص 314-317 .
قوله تعالى : { الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ } القيم هو الذي يقوم بأمر غيره ، والقوام والقيام مبالغة منه.
والمراد بما فضل الله بعضهم على بعض هو ما يفضل ويزيد فيه الرجال بحسب الطبع على النساء ، وهو زيادة قوة التعقل فيهم ، وما يتفرع عليه من شدة البأس والقوة والطاقة على الشدائد من الأعمال ونحوها فإن حياة النساء حياة إحساسية عاطفية مبنية على الرقة واللطافة ، والمراد بما أنفقوا من أموالهم ما أنفقوه في مهورهن ونفقاتهن .
وعموم هذه العلة يعطي أن الحكم المبني عليها أعني قوله : { الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ } غير مقصور على الأزواج بأن يختص القوامية بالرجل على زوجته بل الحكم مجعول لقبيل الرجال على قبيل النساء في الجهات العامة التي ترتبط بها حياة القبيلين جميعا فالجهات العامة الاجتماعية التي ترتبط بفضل الرجال كجهتي الحكومة والقضاء مثلا اللتين يتوقف عليهما حياة المجتمع ، إنما يقومان بالتعقل الذي هو في الرجال بالطبع أزيد منه في النساء ، وكذا الدفاع الحربي الذي يرتبط بالشدة وقوة التعقل كل ذلك مما يقوم به الرجال على النساء.
وعلى هذا فقوله : { الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ } ذو إطلاق تام ، وأما قوله بعد : { فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ } « إلخ » الظاهر في الاختصاص بما بين الرجل وزوجته على ما سيأتي فهو فرع من فروع هذا الحكم المطلق وجزئي من جزئياته مستخرج منه من غير أن يتقيد به إطلاقه .
قوله تعالى : { فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ } المراد بالصلاح معناه اللغوي ، وهو ما يعبر عنه بلياقة النفس. والقنوت هو دوام الطاعة والخضوع .
ومقابلتها لقوله : { وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ } إلخ ، تفيد أن المراد بالصالحات الزوجات الصالحات ، وأن هذا الحكم مضروب على النساء في حال الازدواج لا مطلقا ، وأن قوله : { قانِتاتٌ حافِظاتٌ } ـ الذي هو إعطاء للأمر في صورة التوصيف أي ليقنتن وليحفظن ـ حكم مربوط بشئون الزوجية والمعاشرة المنزلية ، وهذا مع ذلك حكم يتبع في سعته وضيقه علته أعني قيمومة الرجل على المرأة قيمومة زوجية فعليها أن تقنت له وتحفظه فيما يرجع إلى ما بينهما من شئون الزوجية .
وبعبارة أخرى كما أن قيمومة قبيل الرجال على قبيل النساء في المجتمع إنما تتعلق بالجهات العامة المشتركة بينهما المرتبطة بزيادة تعقل الرجل وشدته في البأس وهي جهات الحكومة والقضاء والحرب من غير أن يبطل بذلك ما للمرأة من الاستقلال في الإرادة الفردية وعمل نفسها بأن تريد ما أحبت وتفعل ما شاءت من غير أن يحق للرجل أن يعارضها في شيء من ذلك في غير المنكر فلا جناح عليهم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف كذلك قيمومة الرجل لزوجته ليست بأن لا تنفذ للمرأة في ما تملكه إرادة ولا تصرف ، ولا أن لا تستقل المرأة في حفظ حقوقها الفردية والاجتماعية ، والدفاع عنها ، والتوسل إليها بالمقدمات الموصلة إليها بل معناها أن الرجل إذ كان ينفق ما ينفق من ماله بإزاء الاستمتاع فعليها أن تطاوعه وتطيعه في كل ما يرتبط بالاستمتاع والمباشرة عند الحضور ، وأن تحفظه في الغيب فلا تخونه عند غيبته بأن توطئ فراشه غيره ، وأن تمتع لغيره من نفسها ما ليس لغير الزوج التمتع منها بذلك ، ولا تخونه فيما وضعه تحت يدها من المال ، وسلطها عليه في ظرف الازدواج والاشتراك في الحياة المنزلية.
فقوله : { فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ } أي ينبغي أن يتخذن لأنفسهن وصف الصلاح ، وإذا كن صالحات فهن لا محالة قانتات ، أي يجب أن يقنتن ويطعن أزواجهن إطاعة دائمة فيما أرادوا منهن مما له مساس بالتمتع ، ويجب عليهن أن يحفظن جانبهم في جميع ما لهم من الحقوق إذا غابوا .
وأما قوله : { بِما حَفِظَ اللهُ } فالظاهر أن ما مصدرية ، والباء للآلة والمعنى : أنهن قانتات لأزواجهن حافظات للغيب بما حفظ الله لهم من الحقوق حيث شرع لهم القيمومة ، وأوجب عليهن الإطاعة وحفظ الغيب لهم .
ويمكن أن يكون الباء للمقابلة ، والمعنى حينئذ : أنه يجب عليهن القنوت وحفظ الغيب في مقابلة ما حفظ الله من حقوقهن حيث أحيا أمرهن في المجتمع البشري ، وأوجب على الرجال لهن المهر والنفقة ، والمعنى الأول أظهر.
وهناك معان ذكروها في تفسير الآية أضربنا عن ذكرها لكون السياق لا يساعد على شيء منها.
قوله تعالى : { وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ } ، النشوز العصيان والاستكبار عن الطاعة ، والمراد بخوف النشوز ظهور آياته وعلائمه ، ولعل التفريع على خوف النشوز دون نفسه لمراعاة حال العظة من بين العلاجات الثلاث المذكورة فإن الوعظ كما أن له محلا مع تحقق العصيان كذلك له محل مع بدو آثار العصيان وعلائمه .
والأمور الثلاثة أعني ما يدل عليه قوله : { فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ } وإن ذكرت معا وعطف بعضها على بعض بالواو فهي أمور مترتبة تدريجية : فالموعظة ، فإن لم تنجح فالهجرة ، فإن لم تنفع فالضرب ، ويدل على كون المراد بها التدرج فيها أنها بحسب الطبع وسائل للزجر مختلفة آخذة من الضعف إلى الشدة بحسب الترتيب المأخوذ في الكلام ، فالترتيب مفهوم من السياق دون الواو.
وظاهر قوله : { وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ } أن تكون الهجرة مع حفظ المضاجعة كالاستدبار وترك الملاعبة ونحوها ، وإن أمكن أن يراد من مثل الكلام ترك المضاجعة لكنه بعيد ، وربما تأيد المعنى الأول بإتيان المضاجع بلفظ الجمع فإن المعنى الثاني لا حاجة فيه إلى إفادة كثرة المضجع ظاهرا .
قوله تعالى : { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } « إلخ » أي لا تتخذوا عليهن علة تعتلون بها في إيذائهن مع إطاعتهن لكم ، ثم علل هذا النهي بقوله : { إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً } ، وهو إيذان لهم أن مقام ربهم علي كبير فلا يغرنهم ما يجدونه من القوة والشدة في أنفسهم فيظلموهن بالاستعلاء والاستكبار عليهن .
___________________________
1. تفسير الميزان ، ج4 ، ص 291-293 .
القوامة في النّظام العائلي :
قال الله تعالى في مطلع هذه الآية {الرّجال قوّامون على النّساء} ولابدّ لتوضيح هذه العبارة من الإِلتفات إِلى أنّ العائلة وحدة إجتماعية صغيرة ، وهي كالإِجتماع الكبير لابدّ لها من قائد وقائم بأمورها ، لأن القيادة والقوامة الجماعية التي يشترك فيها الرجل والمرأة معاً ، لا معنى لها ولا مفهوم ، فلابدّ أن يستقل الرجل أو المرأة بالقوامة ، ويكون «رئيساً» للعائلة ، بينما يكون الآخر بمثابة «المعاون» له الذي يعمل تحت إِشراف الرئيس.
إِنّ القرآن يصرّح ـ هنا ـ بأنّ مقام القوامة والقيادة للعائلة لابدّ أن يعطي للرجل (ويجب أن لا يساء فهم هذا الكلام ، فليس المقصود من هذا التعبير هو الإِستبداد والإِجحاف والعدوان ، بل المقصود هو أن تكون القيادة واحدة ومنظمة تتحمل مسؤولياتها مع أخذ مبدأ الشورى والتشاور بنظر الإِعتبار).
إنّ هذه المسألة تبدو واضحة في هذا العصر أكثر من أي وقت مضى ، وهي أن أية هيئة حتى المؤلفة من شخصين مكلفة بالقيام بأمر لابدّ أن يتولى أحدهما زعامة تلك الهيئة فيكون رئيسها ، بينما يقوم الآخر بمساعدته فيكون بمثابة (المعاون أو العضو) ، وإلاّ سادت الفوضى أعمال تلك الهيئة واختلت نشاطاتها وأخفقت في تحقيق أهدافها المنشودة ، وهكذا الحال بالنسبة إِلى العائلة ، فلابدّ من إسناد إدارة العائلة إِلى الرجل.
وإِنّما تعطى هذه المكانة للرجل لكونه يتمتع بخصوصيات معينة مثل القدرة على ترجيح جانب العقل على جانب العاطفة والمشاعر ، (على العكس من المرأة التي تتمتع بطاقة فياضة وطاغية من الأحاسيس والعواطف) ومثل امتلاك بنية داخلية وقوة بدنية أكبر ليستطيع بالأُولى أن يفكر ويخطط جيداً ، ويستطيع بالثانية أن يدافع عن العائلة ويذّب عنها.
هذا مضافاً إِلى أنّه يستحق ـ لقاء ما يتحمله من الإِنفاق على الأولاد والزوجة ، ولقاء ما تعهده من القيام بكل التكاليف اللازمة من مهر ونفقة وإِدارة مادية لائقة للعائلة ـ أن تناط إِليه وظيفة القوامة والرئاسة في النظام العائلي .
نعم يمكن أن يكون هناك بعض النسوة ممن يتفوقن على أزواجهنّ في بعض الجهات ، إِلاّ أن القوانين ـ كما أسلفنا مراراً ـ تسن بملاحظة النوع ومراعاة الأغلبية لا بملاحظة الأفراد ، فرداً فرداً ، ولا شك أنّ الحالة الغالبة في الرجال أنّهم يتفوقون على النساء في القابلية على القيام بهذه المهمّة ، وإِن كانت النسوة يمكنهنّ أن يتعهدن القيام بوظائف أُخرى لا يشك في أهميتها.
إنّ جملة {بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} إِشارة أيضاً إِلى هذه الحقيقة ، لأنّ القسم الأوّل من هذه الفقرة يقول: إن هذه القوامة إنّما هو لأجل التفاوت الذي أوجده الله بين أفراد البشر من ناحية الخلق لمصلحة تقتضيها حياة النوع البشري ، بينما يقول في القسم الثاني منها : وأيضاً لأجل أن الرجال كلفوا بالقيام بتعهدات مالية تجاه الزوجات والأولاد في مجال الإِنفاق والبذل.
ولكن غير خفي أن إِناطة مثل هذه الوظيفة والمكانة إِلى الرجل لا تدل على أفضلية شخصية الرّجل من الناحية البشرية ، ولا يبرر تميزه في العالم الآخر (أي يوم القيامة) لأنّ التميز والأفضيلة في عالم الآخرة يدور مدار التقوى فقط ، كما أنّ شخصية المعاونة الإِنسانية قد تترجح في بعض الجهات المختلفة على شخصية الرئيس ، ولكن الرئيس يتفوق على معاونه في الإِرادة التي أنيطت إليه ، فيكون أليق من المعاون في هذا المجال.
ثمّ إنّه سبحانه يضيف قائلاً : {فالصّالحات قانتات حافظات للغيب} ، وهذا يعني أن النساء بالنسبة إِلى الوظائف المناطة إِليهنّ في مجال العائلة على صنفين :
الطّائفة الأُولى : وهنّ «الصالحات» أي غير المنحرفات «القانتات» أي الخاضعات تجاه الوظائف العائلية «الحافظات للغيب» اللاتي يحفظن حقوق الأزواج وشؤونهم لا في حضورهم فحسب ، بل يحفظنهم في غيبتهم ، يعني أنهنّ لا يرتكبن أية خيانة سواء في مجال المال ، أو في المجال الجنسي ، أو في مجال حفظ مكانة الزوج وشأنه الإِجتماعي ، وأسرار العائلة في غيبته ، ويقمن بمسؤولياتهنّ تجاه الحقوق التي فرضها الله عليهنّ والتي عبّر عنها في الآية بقوله : {بما حفظ الله} خير قيام .
ومن الطبيعي أن يكون الرجال مكلفين باحترام أمثال هذه النسوة ، وحفظ حقوقهنّ ، وعدم إِضاعتها.
النّساء المقصرات النّاشزات
الطّائفة الثّانية : هنّ النسوة اللاتي يتخلفن عن القيام بوظائفهنّ وواجباتهنّ ، وتبدو عليهنّ علائم النشوز وإماراته فإِن على الرجال تجاه هذه الطائفة من النساء واجبات لابدّ من القيام بها مرحلة فمرحلة ، وعلى كل حال يجب أن يراعوا جانب العدل ولا يخرجوا عن حدوده وإِطار ، وهذه الوظائف هي بالترتيب :
1 ـ الموعظة
إِنّ المرحلة الأُولى التي على الرجال أن يسلكوها تجاه النساء اللاتي تبدو عليهنّ علائم التمرد والنشوز والعداوة ، تتمثل في وعظهن كما قال سبحانه في الآية الحاضرة : {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن} (2) . وعلى هذا فإِن النساء اللاتي يتجاوزن حدود النظام العائلي وحريمه لابدّ قبل أي شيء أن يذكرن ـ من خلال الوعظ والإِرشاد ـ بمسؤولياتهنّ وواجباتهنّ ونتائج العصيان والنشوز .
2 ـ الهجر في المضاجع
وتأتي هذه المرحلة إِذا لم ينفع الوعظ ولم تنجع النصيحة {واهجروهنّ في المضاجع} ، وبهذا الموقف والهجر وعدم المبالاة بالزوجة أظهروا عدم الرضا من الزوجة ، لعل هذا الموقف الخفيف يؤثر في أنفسهنّ .
3 ـ الضرب
وأمّا إِذا تجاوزن في عصيانهنّ ، والتمرد على واجباتهنّ ومسؤولياتهنّ الحدّ ، ومضين في طريق العناد واللجاج دون أن يرتدعن بالأساليب السابقة ، فلا النصيحة تفيد ، ولا العظة تنفع ، ولا الهجر ينجح ، ولم يبق من سبيل إلاّ استخدام العنف ، فحينئذ يأتي دور الضرب {فاضربوهنّ} لدفعهنّ إِلى القيام بواجباتهنّ الزوجية لانحصار الوسيلة في هذه الحالة في استخدام شيء من العنف ، ولهذا سمح الإِسلام في مثل هذه الصورة بالضغط عليهنّ ودفعهنّ إِلى القيام بواجباتهنّ من خلال التنبيه الجسدي .
إشكال :
يمكن أن يعترض معترض في هذا المقام قائلا : كيف سمح الإِسلام للرجال بأن يتوسلوا بأسلوب التنبيه الجسدي المتمثل بالضرب ؟
الجواب :
إِنّ الجواب على هذا الإِعتراض يبدو غير صعب بملاحظة معنى الآية والروايات الواردة لبيان مفادها وما جاء في توضيحها في الكتب الفقهية ، وأيضاً بملاحظة ما يعطيه علماء النفس اليوم من توضيحات علمية في هذا المجال ، ونلخص بعض هذه الأمور في نقاط :
أوّلا : إِنّ الآية تسمح بممارسة التنبيه الجسدي في حق من لا يحترم وظائفه وواجباته ، الذي لا تنفع معه أية وسيلة أُخرى ، ومن حسن الصدف أن هذا الأسلوب ليس بأمر جديد خاص بالإِسلام في حياة البشر ، فجميع القوانين العالمية تتوسل بالأساليب العنيفة في حق من لا تنجح معه الوسائل والطرق السلمية لدفعه إِلى تحمل مسؤولياته والقيام بواجباته ، فإِن هذه القوانين ربّما لا تقتصر على وسيلة الضرب ، بل تتجاوز ذلك ـ في بعض الموارد الخاصّة ـ إِلى ممارسة عقوبات أشد تبلغ حدّ الإِعدام والقتل.
ثانياً : إنّ التّنبيه الجسدي المسموح به هنا يجب أن يكون خفيفاً ، وأن يكون الضرب ضرباً غير مبرح ، أي لا يبلغ الكسر والجرح ، بل ولا الضرب البالغ حد السواد كما هو مقرر في الكتب الفقهية.
ثالثاً : إِنّ علماء التحليل النفسي ـ اليوم ـ يرون أن بعض النساء يعانين من حالة نفسية هي «المازوخية» التي تقتضي أن ترتاح المرأة لضربها وأن هذه الحالة قد تشتد في المرأة إِلى درجة تحس باللّذة والسكون والرضا إِذا ضربت ضرباً طفيفاً.
وعلى هذا يمكن أن تكون هذه الوسيلة ناظرة إِلى مثل هؤلاء الأفراد الذين يكون التنبيه الجسدي الخفيف بمثابة علاج نفسي لهم.
ومن المسلم أنّ أحد هذه الأساليب لو أثر في المرأة الناشزة ودفعها إِلى الطاعة ، وعادت المرأة إِلى القيام بوظائفها الزوجية لم يحق للرجل أن يتعلل على المرأة ، ويعمد إِلى إِيذائها ، ومضايقتها حتى تعود إِلى جادة الصواب واستقامت في سلوكها ولهذا عقب سبحانه على ذكر المراحل السابقة بقوله : {فإِن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلا}.
ولو قيل : إِن مثل هذا الطغيان والعصيان والتمرد على الواجبات الزوجية والعائلية قد يقع من قبل الرجال أيضاً ، فهل تشمل هذه المراحل الرجال أيضاً ؟ أي أيمكن ممارسة هذه الأمور ضد الرجل كذلك ، أم لا ؟
نقول في الإِجابة على ذلك : نعم إِنّ الرجال العصاة يعاقبون حتى بالعقوبة الجسدية أيضاً ـ كما تعاقب النساء العاصيات الناشزات ـ غاية ما هنالك أن هذه العقوبات حيث لا تتيسر للنساء ، فإن الحاكم الشرعي مكلف بأن يذكر الرجال المتخلفين بواجباتهم وظائفهم بالطرق المختلفة وحتى بالتعزير (الذي هو نوع من العقوبة الجسدية) .
وقصّة الرجل الذي أجحف في حق زوجته ورفض الخضوع للحق ، فعمد الإِمام علي (عليه السلام) إِلى تهديده بالسيف وحمله على الخضوع ، معروفة (3) .
ثمّ أنّ الله سبحانه ذكّر الرجال مرّة أُخرى في ختام الآية بأن لا يسيئوا استخدام مكانتهم كقيمين على العائلة فيجحفوا في حق أزواجهم ، وأن يفكروا في قدرة الله التي هي فوق كل قدرة {إِنّ الله كان علياً كبيراً} .
________________
1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص118-122 .
2. «النشوز» من نشز (على وزن نذر) يعني الأرض المرتفعة ، ويكنى به هنا عن الطغيان والترفع .
3. بحار الأنوار ، ج41 ، ص 57 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|