أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-10-2014
2078
التاريخ: 4-2-2016
2569
التاريخ: 11-10-2014
4529
التاريخ: 11-10-2014
3799
|
لعلّك تتساءل : ما هو السبب في شيوع القول بأنّ ذا القرنين المذكور في القرآن ، هو الإسكندر المقدوني ( اليوناني ) ، وقد شاع وصف سدّ ذي القرنين بالسدّ الإسكندري ؟!
قد تكرّرت آراء مَن يرى ـ من المفسّرين وبعض أهل التأريخ ـ أنّه الإسكندر في عدّة مراجع :
وأَوّل من وجدناه ذَكر ذلك من أهل التأريخ ، هو أحمد بن داود الدينوري ( ت282هـ ) في كتابه ( الأخبار الطوال ) ، ذكر فتوحاته في الهند والصين ، وكرّ راجعاً إلى بلاد يأجوج ومأجوج ، وبنائه السدّ ، حيث قصّ اللّه خبرهم في القرآن (1) .
وبعده العلاّمة المؤرّخ الجغرافي أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي ( ت345هـ ) في كتابه ( التنبيه والإشراف ) . قال فيه : وأخبار الإسكندر وسيره ومسيره في مشارق الأرض ومغاربها وما وطئ من الممالك ولقى من الملوك وبنى المدائن ورأى من العجائب ، وأخبار الردم ... (2)
ومن المفسّرين الكِبار الإمام الفخر الرازي ( ت606هـ ) في تفسيره الكبير ، استناداً إلى أنّ إنساناً هذا شأنه ، قد مَلك المشرق والمغرب وطاف البلاد ، لابدّ أن يبقى ذِكره خالداً غير مطموس ولا مغمور ، ولا أحد من ملوك العالم ـ فيما سجّله التأريخ ـ يعرف بهذا الوصف سِوى الإسكندر اليوناني...
ثُمّ يعترض على هذا الرأي بأنّ الإسكندر هذا كان تلميذ أرسطاطاليس الحكيم وكان على مذهبه ، فتعظيم اللّه إيّاه يُوجب الحكم بأنّ مذهب أرسطاطاليس حقّ وصدق... وذلك ممّا لا سبيل إليه... قال : وهو إشكال قوي... (3)
وتبعه على ذلك المتأثّرون بتفسيره ، منهم : نظام الدين الحسن بن محمّد القمي النيسابوري ( ت728م ) في تفسيره ( غرائب القرآن ) ، قال فيه : وأصحّ الأقوال أنّ ذا القرنين هو الإسكندر بن فيلقوس ـ ولكنّه وصفه بالرومي ، خطأً ـ واستدلّ بما استدلّ به الرازي ، وأجاب عن الإشكال بأن ليس كلّ ما ذهب إليه الفلاسفة باطلاً ، فلعلّه أخذ منهم ما صفا ، وترك ما كدر... (4)
وعلاّمة بغداد أبو الفضل شهاب الدين السيد محمود الآلوسي ( ت1270هـ ) في
تفسيره ( روح المعاني ) يسرد الأقوال بشأن شخصية ذي القرنين ، وينتهي أخيراً بأنّه الإسكندر المقدوني ـ الموصوف تارةً باليوناني وأُخرى بالرومي ـ يقول : وكأنّي بك بعد الاطّلاع على الأقوال ، ومالها وما عليها ، تختار أنّه إسكندر بن فليقوس الذي غلب ( دارا ) مَلِك فارس وأنّه كان مؤمناً لم يرتكب مُكفّراً من عقد أو قول أو فعل... أمّا تَلمذته على أرسطو فلا تمنع من ذلك ، فقد تتلمذ الأشعري على المعتزلة ، كما خالف أرسطو أُستاذة أفلاطون في كثير من المسائل ... هذا وقد ذكر الفيلسوف صدر الدين الشيرازي أنّ أرسطو كان حكيماً عابداً موحّداً قائلاً بحدوث العالم ودثوره... (5) .
وسبقهم إلى ذلك أصحاب التفسير بالمأثور :
جاء في تفسير مقاتل بن سليمان البلخي ( ت150 ) : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} [الكهف: 83] يعني : الإسكندر قيصر ! ويُسمّى الملك القابض على قاف ، وهو جبل محيط بالعالم ، وذو القرنين ؛ لأنّه أتى قَرنَي الشمس : المشرق والمغرب... (6) .
وفي تفسير أبي جعفر الطبري ( ت310 ) : ( كان شابّاً من الروم ، فجاء وبنى مدينة الإسكندريّة ) ! (7) .
وفي تفسير الماوردي أبي الحسن علي بن محمّد البصري ( ت450 ) : ( قال معاذ بن جبل : كان روميّاً اسمه الإسكندروس . قال ابن هشام : هو الإسكندر ، وهو الذي بنى الإسكندرية ) (8) .
وأخرج ابن عبد الحَكَم في فتوح مصر عن قتادة : الإسكندر هو ذو القرنين .
وعن وهب بن منبّه : كان ذو القرنين رجلاً من الروم ، وكان اسمه الإسكندر ، وإنّما سُمّي ذا القرنين ؛ لأنّ صفحَتي رأسه كانتا من نُحاس !
وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر عن السدّي والحسن : كان أنف الإسكندر ثلاثة أذرع ، وعن عبيد بن يعلى : كان له قَرنان صغيران تورايهما العمامة ! (9)
وللحافظ إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي ( ت774 ) هنا محاولة غريبة : (10) عمد إلى الجمع بين الروايات المختلفة بشأن الإسكندر ، وأنّه شخصان ، هو في أحدهما روميّ ، وفي الآخر يونانيّ مقدونيّ .
أخرج بإسناده إلى إسحاق بن بشر عن سعيد بن بشير عن قتادة ، قال : إسكندر هو ذو القرنين ، وأبوه أَوّل القياصرة ، وكان من وُلد سام بن نوح .
فأمّا ذو القرنين الثاني فهو اسكندر بن فيلبس من ذريّة إسحاق ، قال : كذا نَسبه ابن عساكر في تأريخه ، المقدوني اليوناني المصري باني الإسكندريّة ، وكان متأخّراً عن الأَوّل بدهر طويل ، كان هذا قبل المسيح بنحوٍ من ثلاثمِئة سنة ، وكان أرسطاطاليس الفيلسوف وزيره ، وهو الذي قتل دارا وأَذلّ ملوك الفرس وأوطأ أرضهم .
قال : وإنّما نبّهنا عليه ؛ لأنّ كثيراً من الناس يعتقد أنّهما واحد ، وأنّ المذكور في القرآن هو الذي كان أرسطاطاليس وزيره ، فيقع بسبب ذلك في خِطاءٍ كبير وفساد عريض طويل كثير !!
فإنّ الأَوّل كان عبداً مؤمناً صالحاً ومَلِكاً عادلاً وكان وزيره الخضر ، وقد كان نبيّاً على ما قرّرناه قبلُ... وزاد في التفسير : أنّه طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل وأَوّل ما بناه وآمن به وأتبعه .
وأمّا الثاني فكان مشركاً وكان وزيره فيلسوفاً ، وقد كان بين زمانيهما أزيد من ألفي سنة ، فأين هذا من هذا ، لا يستويان ولا يشتبهان إلاّ على غبيٍّ لا يعرف حقائق الأُمور !! (11) .
ولعلكّ أيّها القارئ النبيه ، في غنىً عن التدليل على مواضع الضعف من هذه الأوهام والتي هي أشبه بالخيال من الحقيقة ! فإنّ التناقض والتهافت فيما تلوناه عليك بادٍ بعيان من غير حاجة إلى البيان .
وللدكتور عبد العليم عبد الرحمان خضر تفصيل وتبيين عن مواضع الإسكندر المقدوني ، والتي لا تدع مجالاً لاحتمال كونه ذ القرنين المذكور في القرآن ، ولا احتمال أن يكون هناك إسكندران : روميّ ويونانيّ ـ كما حسبه البعض ـ لأنّ القضية تعود إلى وثائق التأريخ وليس هناك عبث في الكلام... (12)
ومن المعاصرين ، ذهب الأُستاذ محمّد جمال الدين القاسمي ( ت1322هـ ) إلى أنّ ذا لقرنين الذي جاء ذِكره في القرآن ، هو الإسكندر الكبير المقدوني (13) .
يقول : اتّفق المحقّقون على أنّ اسمه ( ذا القرنين ) الإسكندر الأكبر ابن فيلبس باني الإسكندريّة بتسعمئة وأربعة وخمسين سنة ( 954 ) قبل الهجرة ، وثلاثمئة واثنين وثلاثين ( 332 ) سنة قبل ميلاد المسيح ( عليه السلام ) .
وردّ على ابن القيّم ابن الجوزيّة في زَعمه : أنّه سبق هذا الإسكندر بقرون كثيرة...
قال ابن قيّم ـ في كتابه ( إغاثة اللهفان ) في الكلام على الفلاسفة ـ : ومن ملوكهم الإسكندر المقدونيّ وهو ابن فيلبس ، وليس بالإسكندر ذي القرنين الذي قصّ اللّه تعالى نَبأه في القرآن ، بل بينهما قرون كثيرة ، وبينهما في الدين أعظم تباين ، فذو القرنين ـ في القرآن ـ كان رجلاً صالحاً موحّداً للّه تعالى ، يُؤمن باللّه تعالى وملائكته وكُتبه ورسله واليوم الآخر ، وكان يغزو عُبّاد الأصنام ، وبلغ مشارق الأرض ومغاربها ، وبنى السدّ بين الناس وبين يأجوج ومأجوج .
وأمّا هذا المقدونيّ فكان مشركاً يعبد الأصنام هو وأهل مَملكته ، وكان بينه وبين المسيح نحو ألف وستمِئة سنة (!!) (14) والنصارى تؤرّخ له . وكان أرسطاطاليس وزيره وكان مشركاً يعبد الأصنام ...
وهنا يأتي القاسمي ليردّ عليه قائلاً : إنّ المرجع هم أئمّة التأريخ ، وقد أطبقوا على أنّه ( أي ذي القرنين ) هو الإسكندر الأكبر ابن فيلبس باني الإسكندرية ، وقد أصبح ذلك من الأوّليّات عند علماء الجغرافيا .
... وأمّا ما جاء في وصفه في القرآن ، فلعلّه لخصال حسان لا تمسّ جانب عبادته
للأوثان... بل لعلّه من المحتمل أنّه خالف شعبه وتبع أُستاذه في التوحيد ، كما قيل (15) .
وهكذا ذكر الأُستاذ محمّد فريد وجدي : لا ينافي أن يكون المقصود بذي القرنين هو الإسكندر المقدوني ، على ما كان فيه من الشذوذ في بعض الأُمور (16) .
هذا وإنّا لنستغرب صدور مثل هذا الكلام من مثل القاسمي والوجدي وقد عاشا القرن العشرين ودرسا أساليب النقد التأريخي الصحيح ، وعرفا من الإسكندر المقدوني ذلك الطاغية الذي عاش حياته القصيرة في الترف والزهو وقد أَبطرته النعمة وأطغته العظمة ، فعلا في الأرض واستكبر وأفسد فيها وأَهلك الحرث والنسل وحاول إبادة الحضارات والثقافات وأُصول الديانات وأحرق المكتبات ، وانهمك على اللذّات واللهو العارم ، فأنشأ لنفسه سرايا على نسق ملوك الشرق المبطرين ، وأحاط نفسه بالنُدمان وأهل الخلاعة ، وتغلغل في متاهات الغلوّ ، حتّى ادّعى أنّه هو وحده يرجع إليه الفضل في تلك الفتوحات ، ثُمّ تنمّر حتّى ادّعى أنّه ابن الإله ( جوبة ) ودعا إلى عبادته (17) .
__________________
(1) الأخبار الطوال ، ص37 .
(2) التنبيه والإشراف ، ص100 ( ط دار الصاوي ، القاهرة ، 1357هـ/1938م ) .
(3) التفسير الكبير ، ج21 ، ص163 ـ 165 .
(4) تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان ، بهامش جامع البيان ، ج16 ، ص18 .
(5) روح المعاني : ج16 ، ص28 .
(6) تفسير مقاتل بن سليمان ، ج2 ، ص599 .
(7) جامع البيان ، ج16 ، ص7 .
(8) تفسير الماوردي ( النكت والعيون ) ، ج3 ، ص337 .
(9) الدرّ المنثور ، ج5 ، ص438 ـ 439 .
(10) على غِرار ما سبق عن زميله ابن قيّم ابن الجوزيّة ( ت751هـ ) ، هما رضيعا ثدي واحد ( تلميذا ابن تيميّة ) وكان هائماً في تخيّلاته ، وهكذا أثّر على أعقابه وأتباعه !
(11) البداية والنهاية ، ج2 ، ص105 ـ 106 ؛ وراجع تفسيره أيضاً ، ج3 ، ص100 .
(12) راجع ما كتبه بهذا الشأن ، في كتابه القيّم ( مفاهيم جغرافيّة في القَصص القرآني ) ، ص50 ـ 130 . فإنّه جيّد دقيق !
(13) تفسير القاسمي ، ج5 ، ص54 .
(14) لقد اشتبه الأمر عليه كثيرة ؛ إذ الإسكندر المقدوني كان قبل المسيح بثلاثمئة وثلاثين سنة ، نعم ذكروا أنّ الفصل الزماني بين ذي القرنين الذي جاء ذكره في القرآن والذي كان على عهد إبراهيم الخليل ـ حسبما زعموا ـ هو نحو هذا العدد ( 1600 سنة ) !
(15) تفسير القاسمي ، ج5 ، ص58 .
(16) دائرة معارف القرن العشرين ، ج1 ، ص325 .
(17) راجع : البحر الزاخر ، في تأريخ العالم وأخبار الأوائل والأواخر لمحمود فهمي المهندس ، ج2 ، ص136 ـ 137 و 150 ـ 151 . ( محمّد خير رمضان ، ص146 ـ 147 ) .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|