أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-11-2016
229
التاريخ: 10-11-2016
333
التاريخ: 10-11-2016
256
التاريخ: 10-11-2016
234
|
الحضر مملكة عربية في عمق السهل الشمال الغربى من وادي النهرين، او كما عرفت بـ(عربايا) اي مملكة العرب والتى تقع في بادية لا ماء فيها شانها شأن تدمر والبتراء. هذه المملكة تعلن انتمائها العربي بكل وضوح وبدون لبس ولو تتبعنا الكتابة الحضرية والتي لا تشبه الكتابة العربية الحالية في الشكل ابدا، ولكنها تحتوي على نفس المضمون ونفس الالفاظ وحتى ان هناك نص كتابي كما يلي( ابجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت). كما وتدل الكتابات التي وجدت على الواح وتماثيل الحضر على تفتح اجتماعي وتقيم لكل افراد المجتمع، بل ان هناك منحى للاشارة الى مهنة الانسان مهما كانت بسيطة وتندرج تحت أوطأ السلم المهني الاجتماعي وكذلك الاشارة بدون الاحساس بالحرج الى المرض او الحاجة، مما يدل على ان المجتمع الحضري قد قبل بكل الصيغ المتواجدة فيه وتعايش مع الغريب والمختلف ولم يجد في ذلك حرجا او عيبا.
ان الحضر خير مثال على امتزاج حضارات وتفاعل جماعات من اصول عرقية وثقافية مختلفة. كذلك لقد استقطبت مملكة الحضر كافة قبائل العرب وجعلتهم يحجون الى كعبتها التى كانت تتباهى بتماثيلها التى تمثل الهتها المختلفة واشهرها اله الشمس، بحيث اطلقت على مدينة الحضر تسمية (مدينة الشمس).
لقد عبد اهل الحضر (الشمس) بأسماء مختلفة فكان في الجزيرة وفي كعبة الحجاز يعرف باسم (هبل) وبذي الشرى في البتراء وباللفظ الآرامي (شمش) في الحضر. اللغة الحضرية هي الاساس الآرامي الذي انبثقت منه اللغة العربية، ولكننا نترك البحث في الاصول العرقية واللغوية لأصحاب الاختصاص. يدل تاريخ الحضر على انها بدأت تظهر في القرن الاول الميلادي، اثر زوال الدولة العراقية الآشورية والبابلية وتنامي دور القبائل البدوية ألآرامية والعربية. اما بالنسبة لنهايتها فأنها انتهت بسبب ديني وعسكري اذ زالت اهميتها كموقع دفاعي عسكري. وبما ان الحضر كانت تعتنق الديانة العراقية القديمة(عبادة الكواكب) فأن ظهور المسيحية وانتشارها في العراق ثم تسربها بين القبائل البدوية الآرامية والعربية هبوطا حتى شمال الجزيرة العربية، لذ فقد فقدت الحضر دورها الديني السابق ولم يبقى لكعبتها وتماثيلها اية اهمية ( راجع: فؤاد سفر ومحمد على مصطفى -الحضر مدينة الشمس).
الحضر كانت ملتقى العديد من الحضارات اذ فيها ازدهرت التجارة نظرا لوقوعها على خط القوافل الممتد من جنوب العراق والجزيرة العربية والخليج الى بلاد الشام ثم البحر المتوسط. الحضر كانت بودقة لتأثيرات حضارية عديدة انصهرت لتبرز بأسلوب جديد جلي واضح لا يخفى تاثير الشخصية الحضرية المميزة والخاصة بها. ان ازدهار التجارة في الحضر ادي الى الانتعاش الاقتصادي وهذا بدوره انتج فن عمارة متقدمة جدا مع تقدم موازي له في كل نواحي الحياة الفكرية والحضارية، فبتقدم العمارة تزدهر الفنون كافة.
وكما يبدو لكل من درس الحضر، قد تعددت العبادات فيها، وكان هناك احترام وتسامح ديني متبادل بين مختلف الاديان، فنجد الانسان الحضري يتعبد جنبا الى جنب مع اناس من اديان واقوام مختلفة، وهنالك نصب لآلهة عراقية واغريقية وفارسية ورومانية وعربية. لقد تمتعت المرأة في حياة الحضر بدور متميز يتجلى في ناحيتين، اولهما اهمية الآلهة الأنثوية في عبادتهم، ثم اهمية دور النساء في الحاشية الملكية من ملكات واميرات.
الهات الحضر الانثوية:
مثلما للحضر آلهة ذكوري، على رأسها (شمش) اله الشمس، كذلك هنالك آلهة أنثوية. حظيت الهات الحضر بكثير من التبجيل والتقديس ولم تكن مكانتهن لتقل عن مكانه الاله الذكر ابدا، فلهن اماكنهن المخصصة للعبادة ومعابدهن والكهنة والسدنة وكل ما يخص الالهة. ومن اهمهن:
اترعتا، وهي من اهم الالهة الحضرية وتقوم مقام (عشتار) (الهة الانوثة). وكان لها حضورها المميز، وفي فترة من الفترات اختص احد الكهنة ويسمى (عجا بن أبا) بالعناية بمعبدها وتقديم الطقوس الخاصة به.
تماثيل (اترعتا) جاءتنا تصورها دائما مع اسد او لبوة ونجدها في احجام وهيئات مختلفة فاحيانا تأخذ صفة اللات العربية(التي ظهرت في الجزيرة العربية فيما بعد بقرون)، واحيانا (عشتار)العراقية حاملة طفلا، او الالهة اليونانية اثينا الهة الحب او الحرب وصورة المدوزا على صدرها. وهي قد تصور واقفة او جالسة لوحدها او مع الهة اخرى او في نصب للبخور. نشاهد ايضا الربة (اترعتا) تشارك زوجها (بعلشمين) في معبد فخم ومهم من معابد الحضر ونجد لها الكثير من التماثيل او الالواح.
ومن الالواح المهمة لوح الاله (نرجول) حيث نجد الالهة (اترعتا) في الزاوية اليمنى وترتدي زيا من الازياء الشائعة في الحضر. نجد هنا ان نرجول الاله الحارس يستعين باترعتا. وهذا دليل اخر على ان فكر وفلسفة الانسان الحضري هي تعميم مشاركة المرأة للرجل على مختلف المستويات، بداية من الالهة نزولا الى الطبقة الحاكمة، ومن ثم الانسان الاعتيادي.
ولا نغفل هنا ان نشير الى ان (اترعتا) ربما تأخذ صفات الالهة (نني) العراقية الاشورية، كما وكانت تعرف باسم (ارتيميس نناي) في تدمر او عشتار. ولكن (اترعتا) الحضرية تصطبغ بصبغة حضرية صرفة فهي ترتدي الزي الحضري من غطاء الرأس والفستان الطويل والضيق عند الصدر الذي ترتديه جميع نساء الحضر ولكن لكونها الهة فانها لا ترفع يدها بالتحية وتردي صندلا مفتوحا حسب التقليد السائد في الحضر. ومن الملاحظ انها ترفع بيدها راية وشعار الحضر وهما الدائرة والنسر، مما يدل على اعتبارها الهة رئيسية لها القوة والسيطرة بتملكها راية وشعار الحضر. وقد وجد لاترعتا الكثير من التماثيل والالواح، كما في اللوح. ولكن هناك تخطيط بطريقة الحفر على جدار المعبد الثالث مثير للاهتمام حقا اذ نجد وجهها معبر تماما وجسمها ممتلئ وملابسها واسعة بها الكثير من الكسرات والطيات ووشاحها ينسدل على كتفها وظهرها ولا يغطي جسمها من امام. وهذا الزي قريب جدا من الازياء الفينيقية التي كانت منتشرة في بقاع سوريا ولبنان....
واحيانا كانت (مرتن) تأخذ صفات الهة القمر. نجد اسم هذه الالهة يتردد كثيرا في الأدعية والصلوات ودائما توضع برفقة زوجها وابنها وعند تنفيذ التماثيل الخاصة بها نجد انها تنفذ بكثير من الدقة والاهتمام مما يدل على مساواتها بزوجها الاله (مرن). دائما ياتي اسمها في الوسط بين الاله الاب والابن مما يدل على احتضان الاثنين لهذه الالهة المهمة. وبما ان الاله (مرن) يمثل الشمس فهناك اعتقاد بان (مرتن) ربما تمثل القمر او الزهرة لذا نجدها وقد صورت وكانها تخرج من صدفة او يكون جسمها او جزء منه محاط بقوس يشبه الهلال.
الالهة تايخي او تايكي:
وهي الهة حارسة المدينة والابراج والابواب ونجد دائما غطاء راسها يشبه البرج ورما كانت زوجة لنرجول الحارس اذ انهما يتقاسمان حراسة وحماية الحضر ونرجول ايضا يحرس العالم السفلي وكان المعبد السابع في الحضر مخصص لنرجول وتايخي مما يدل على مسؤوليتهما المشتركة في حماية المدينة. اصل هذه الربة يوناني الا انها استعيرت من الحضارة الاغريقية واكتسبت الصفات الحضرية وصورت في تماثيلها وهي ترتدي الزي الحضري.
الالهة اللات:
تصور هذه الالهة دائما مع الهتين اصغر منها حجما ورغم انها تشبه الهة الانوثة(اترعتا) وتحمل نفص صفاتها، الا ان اللات ايضا وجدت في معابد الحضر بصفتها المتميزة. ونجد الاسد ايضا بجانبها وهو ايضا من ميزات (عشتار)، دليل قوة الانوثة التي تسيطر على الفحولة المتمثل بالأسد. كذلك صورت مع اله اخر الا انه كان اقصر منها قامة وطاعن في السن اذا ان من صفات اللات ان تكون موفورة الشباب دائما.
الالهة فورتونا، وهي الهة مقتبسة من الرومان وتمثل (الحظوظ)، والتى تحمل كرة بيدها رمزا للحظ الذي يتدحرج بدون تعين فيصب خيرا او شرا وكانت هذه الألهة مشهورة بين الشابات الحديثات الزواج اذ كن يقصدنها ويتعبدن لها ليسعدن بحياتهن الزوجية.
اميرات وسيدات الحضر:
من اشهر الاميرات اللواتي خلدت بتمثال رائع لها هي الاميرة (دوشفري) بنت الملك (سنطروق الثاني) فلقد خلدت هذه الاميرة على ابهى صورة تعكس لنا الجلال والمهابة التى عرفت بها فملابسها تدل على الترف مزوقة بالأجحار الكريمة وموشاه بأزرار قد تكون من الذهب او اللؤلؤ والحلى النفيسة من اقراط وقلائد تزينها كما وان تاجها الأسطواني الشكل يدل على مقامها السامي ونفس الشئ ينطبق على تمثال ابنتها (سمي بنت دوشفري). ونلاحظ هنا ان الابنة انتسبت بالاسم الى امها الاميرة وهذا يدل على اهمية مركز المرأة. ونجد هناك نصا كتابيا يقول ان تمثال دوشفري، اقامه لها صديقها بن عبد عجيلي بن ستنبل، كما واقام هذا الرجل تمثالا اخر للأميرة سمي ابنة دوشفري، وعندما تذكر هنا كلمة صديق فهي تعني المعنى الشامل والكامل للصداقة بين البشر وليس بين الجنسين فقط، الصداقة التي تثمن وتقدر لاهميتها الانسانية والاجتماعية.
تتكرر كلمة الصداقة كثيرا على قواعد التماثيل في الحضر اذ يبدو ان للصداقة اهمية كبيرة في اعراف مجتمع مملكة الحضر، فهناك نصوص كثيرة تشير الى ان المتعبد اقام التمثال له ولأصدقائه ولم يكن هناك اي احراج في اعلان صداقة الرجل للمرأة كما وان نصا كتابيا اخر يقول بان للأميرة دوشفري مرافق وقد اقام هذا المرافق تمثال لسنطروق بن سنطروق وكما يبدو انه اخ للأميرة دوشفري، فاذا كان للأميرة مرافق رجل فأن هذا يدل على التفتح الذهني والفكري للمجتمع وفي الديانه الحضرية.
كان في الحضر تقليد سائد بنحت تماثيل او الواح تمثل سيدات المجتمع الحضري بصحبة ازواجهن وهذه التماثيل توضع في المعابد الخاصة بآلهة معينة دليل على تبعية المتعبد لذاك المعبد والهته ولم يجد الرجل الحضري اي غضاضة او حرجا في هذه المصاحبة العلنية لزوجته حيث يضع زوجته على قدم المساواة معه امام الناس والالهة ويعتبر زوجته صنوا له ويفتخر بها مما يدل على سعة تفكيره والاحترام العميق الذي يكنه الرجل للمرأة.
خير مثال على ذلك تمثال (جذوة وزوجها عبد ملك) ولقد صورا واحدهما ملتفتا الى الاخر وابتسامة من الرضى تعلو وجه (جذوة) وتدل ملابسهما على ترف ولابد انهما كانا من طبقة الاشراف في المجتمع الحضري. كما و نحتت تماثيل لسيدات مرموقات من طبقة الاشراف حيث وضعن في اطار منحوتة تضمهن مع الالهات كمتعبدات مما يدل على ان قيمة هؤلاء النساء قد تصل الى درجة شبه مساوية للالهات او حتى تكرم من قبل الاله نفسه.
ان مفخرة الحضر بدون منازع تمثال (ابو بنت دميون) وعلى قاعدة تمثال هذه السيدة ذات المهابة والرفعة نقر ان الاله برمرين وهو الاله الابن قد اقام لها هذا التمثال وهناك الكثير من التماثيل التى كانت تقدم من قبل ازواج او اباء النساء للمعبد احيانا خلال حياتهن او بعد وفاتهن.
واهم مثال على ذلك تمثال فتاة كانت قد اغتيلت وهي في الثامنة عشر من العمر واسمها (ابو بنت جبلو) واقام التمثال لها زوجها ( اشا بن شمش لطب )وكتب على قاعدة التمثال احياء لذكرى هذه الزوجة ما يلي( استغيث بالألهة مرن ومرتن وبرمرين وبعلشمين واترعتا على من قتلها وشمت بموتها وعلى كل من تكلم عنها بالكلام البذيء.
هناك تمثال (سمي بنت عجا) التى كما يبدو لنا انها كانت عازفة ومرتله في المعبد اذ نجد كتابة على قاعدة التمثال تشير الى ان هذا تمثال (سمي بنت عجا بن اشتطي بن سلوك) اقامه لها زوجها( عجا ابن ابا كاهن اترعتا) ولن ننسى تمثال العازفة (قيمى بنت عبد سميا بائع الخمور).اذ نجدها قد صورت في ابهى حلية وممسكة بالآلة الموسيقية الى تعزف عليها مما يدل على ان للمرأة الحق والحرية في ان تعزف على الة موسيقية وتغني وقد تكون قيمي مرتلة في معبد اذ انها ترتدي زيا حضريا مختلف بعض الشئ عن الازياء الاعتيادية وان لتمثالها قيمة فنية عالية من ناحية التنفيذ التشكيلي وعلى قاعدة التمثال نصا يقول:( بايلول سنة549= 238 ميلادية تمثال قيمي بنت عبد سميا بائع الخمور، زوجة نشر عقب كاتب برمرين، التمثال الذي وعدتها به اشربلا للالهة البتول،! وقد اماقته قيمي لنفسها من اجل حياتها وحياة نشر عقب زوجها وعبسا اخيها وحياة كل الساكنين داخلا وخارجا، في معبد برمرين ولحياة كل من هو صديق لهم وللجميع. الكاهنة مرتبو ترتدي زيا حضريا الا انه محور بعض الشئ ربما كان خاص بالكاهنات فقط وان تمثالها اقامه لها ابنها وهذا ما يسترعي الاهتمام اذ ان الكاهنات في الحضر لم يسمح لهن بالزواج ولكن كما يبدو ان الكاهنة مرتبو قد دخلت سلك الكهنوت بعد ترملها. كما ظهر لنا ان النساء في الحضر كن يصلين او يعزفن ويرتلن في المعابد التى كانت مختلطة وتعج بالمصلين من الجنسين، كما عبر عن ذلك الفنان العراقي المبدع حافظ الدروبى في احدى لوحاتة والتى استند فيها على الحقائق من خلال التنقيبات التى جرت في الحضر.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|