أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-6-2021
4196
التاريخ: 2-4-2016
12511
التاريخ: 3-4-2017
3636
التاريخ: 2024-04-11
1578
|
إن فكرة السلطة الرئاسية ليست هي الفكرة الوحيدة الموجودة داخل إطار التنظيم الإداري وإنما توجد إلى جانبها أفكار أخرى قد تتشابه معها في تنظيم وتحريك النظام الإداري داخل الدولة، وذلك بغية تحقيق أهداف المصلحة العامة في إطار الوظيفة الإدارية، ولا تعد السلطة الرئاسية حكرا على الإدارات المركزية، لأنها موجودة أيضا في داخل الإدارات اللامركزية، سواء كان ذلك من إدارات محلية أو مرفقية أو مؤسسات عامة، كون هذه السلطة وليدة التنظيم الإداري الذي يقوم على أساس التدرج الوظيفي بشكل هرمي وعلى رأسه الرئيس الإداري، وأن العلاقات المتسلسلة تولد عنصر التبعية بين الرؤساء والمرؤوسين داخل الإدارة بغية تحقيق أهدافها التي تسعى من أجل تحقيقها، سواء كانت تلك الإدارة مركزية أم لامركزية.
لكن ذلك لا يعني أن السلطة الرئاسية ليست متميزة من السلطة الوصائية التي مفادها علاقة الحكومة المركزية بالإدارات اللامركزية، بل أن الاختلافات كثيرة واساسية ما بين هاتين السلطتين.
فالسلطة الوصائية تمثل الرابطة التي تجمع الحكومة بمؤسساتها العامة وإدارتها الإقليمية، حيث تستطيع الحكومة بواسطة هذه السلطة مراقبة الإدارات اللامركزية للتأكد من خضوعها للقوانين والأنظمة ومدى تطبيقها لسياسة الدولة العامة، والسؤال الذي يطرح بهذا الصدد، هل تقتصر السلطة الرئاسية على الإدارة المركزية وتنعدم في الإدارة اللامركزية؟ هناك من يرى أن السلطة الرئاسية لا تقتصر على الإدارة المركزية وإنما توجد أيضا في الإدارة اللامركزية، حيث التدرج الوظيفي والتبعية الوظيفية بين الرئيس والمرؤوس، فيمكن أن توجد في المنظومة الإدارية الإقليمية أو المرفقية (المصلحية)، ولكن الفرق هو أنَّه في الإدارة المركزية تكون التبعية الوظيفية بينها (الإدارة (المركزية وبين فروعها في الأقاليم (المحافظات)، في حين لا توجد مثل هذه التبعية في حالة الإدارة اللامركزية، إذ أنها تخضع لسلطة الوصاية من قبل الإدارة المركزية. وفي هذا المقام سنبين مفهوم الوصاية الإدارية ثم نعرج إلى أوجه الاختلاف بين السلطة الرئاسية والوصاية الإدارية في النقطتين الآتيتين:
اولاً : - مفهوم الوصاية الإدارية
لقد أثار مصطلح الوصاية الإدارية جدلاً بين فقهاء القانون الإداري، فذهب قسم منهم إلى معارضة استعمال هذا المصطلح، وطالبوا استبداله بعبارة الرقابة الإدارية، لأن الإبقاء عليه يؤدي إلى الخلط بين الوصاية المدنية (1) والوصاية الإدارية، والفرق شاسع بينهما كما هو معلوم إذ أن المقصود بالوصاية في القانون المدني هو " حماية حقوق ناقصي أو عديمي الأهلية للأشخاص الطبيعيين، أي إقامة شخص لينظر في شؤون من أوصى بها بعد وفاته"(2). أما الوصاية الإدارية فلا يتصل الأمر فيها بنقص في أهلية الهيئات اللامركزية، لأنها كاملة الأهلية في مباشرة التصرفات القانونية وهي التي تملك مباشرتها بنفسها بداءة على خلاف ناقصي الأهلية في القانون الخاص (3).
وعلاوة على ذلك أننا نجد أن الغرض من فرض الوصاية في القانون الخاص على ناقص الأهلية هو حمايته في شخصه أو في ماله، أي أن الوصاية في القانون المدني شرعت للحفاظ على مصلحة الخاضع للوصاية (القاصر).
اما الغرض من فرض الوصاية الإدارية في القانون العام هو حماية المصلحة العامة أساساً من انحراف الهيئات اللامركزية عند ممارستها لتصرفاتها، أي حماية السلطة المركزية من تجاوز الهيئات اللامركزية لحدودها القانونية، وفي الوقت ذاته حماية الجمهور من سوء استعمال سلطتها، كما أن الوصاية الإدارية تختلف في وسائلها وآثارها من حيث الطبيعة والأهداف عن الوصاية المدنية .
بينما يذهب فريق آخر وهو الأرجح على ضرورة الإبقاء على مصطلح الوصاية الإدارية باستحالة الخلط بين المفهومين وانتقاء أي تشابه بين إرادة عديم الأهلية وإرادة الشخص اللامركزي والتي يعترف بها المعارضون لهذه الفكرة ذاتهم، لا سيما أن القانون الإداري قد استعار الكثير من اصطلاحات القانون الخاص، ولكنها اكتسبت في القانون الإداري معنى مغاير يتلاءم مع طبيعة ما يشار إليه (4) ، ولما كان ذلك فقد استبدل الدستور الفرنسي سنة 1946 الملغي عبارة الوصاية الإدارية في المادة (88) منه والذي يُعد أول من أعطى لمصطلح الرقابة معنى محدد، والذي استعمل عبارة الرقابة الإدارية، وقد جاء دستور 1958 مؤكداً هذا الاتجاه في المادة (72) ومع استبدال المشرع عبارة الرقابة الإدارية بدلا من الوصاية الإدارية، يظهر إرادته في منح المعنى مفهوم محدد، كما يدل على اتجاهه الصحيح نحو الفصل بين فكرة الرقابة والوصاية (5).
إلا أننا نجد أن البعض يخلط ما بين الفكرتين وبعدهما شيئاً واحداً، وهذا ما أكده الفقيه (ليزكار) في تعريفه للوصاية الإدارية في قوله " أن جميع المؤسسات تخضع لرقابة عليا للحكومة والوسيلة الأساسية لهذه الرقابة هيا الوصاية وهدف الوصاية هو ضمان حسن تنفيذ السياسة العامة للحكومة " (6)، وفي مصر نجد أن المشرع المصري قد استعمل عبارة الرقابة على أعمال المحافظات وذلك في المادة (133) من قانون نظام الحكم المحلي المصري رقم (43) لسنة 1979 والذي جاء فيه " يتولى مجلس الوزراء الرقابة على أعمال المحافظات وتقييم أدائها لأعمالها طبقاً لأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية ... " (7)، كما نجد المشرع اللبناني قد حذا في نفس المنوال، فقد استبدل عبارة الوصاية بعبارة الرقابة وذلك في المادة (56) من قانون البلديات اللبناني رقم 118 لسنة 1997 وتعديلاته والتي نصت على تمارس الرقابة الإدارية على مقررات المجلس البلدي السلطات التالية : القائمقامية المحافظ، وزير الداخلية» (8) . إلا أن الحال اختلف في العراق فلا توجد رقابة للحكومة المركزية على مجالس المحافظات، فقد أشار دستور جمهورية العراق لسنة 2005 في المادة (122/خامساً) والتي نص على أن «لا يخضع مجلس المحافظة لسيطرة أو إشراف أية وزارة أو أية جهة غير مرتبطة بوزارة وله مالية مستقلة» (9)، وفي الصدد نفسه جاء قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم العراقي رقم (21) لسنة 2008 ،المعدل، والذي أعطى لمجلس النواب العراقي وحده حق الرقابة على مجالس المحافظات والمجالس المحلية (10) . الا أن ذلك لا ينفي وجود وصاية إدارية من قبل الوزارات الاتحادية على تشكيلاتها في المحافظات غير المنتظمة في اقليم، بل نجد أن القانون المذكور أعلاه قد استثنى من صلاحيات المحافظ الإشراف على المحاكم والوحدات العسكرية والجامعات والكليات والمعاهد وعدم خضوعها لأي سلطة محلية ضمن مجلس المحافظة كونها خاضعة للسلطة الاتحادية فقط (11).
وتماشياً مع ما تم ذكره فقد حرم دستور جمهورية العراق لسنة 2005 والتشريعات الحكومة من أن تمارس أي دور رقابي عليها، أي أن الوزراء في ظل هذه التشريعات القانونية والدستورية لا يتمتعون بأي سلطات رقابية على مجالس المحافظات وليس لهم التدخل في أعمالها كونها هيئات مستقلة عن وصاية السلطة المركزية ولا تخضع إلا لرقابة مجلس النواب(12).
لذا سعت محاولات عديدة من قبل الفقه الإداري في تحديد مدلول الوصاية الإدارية وكان منها ما عرفه الفقيه ( شارل ديباش) بأنها «الرقابة التي تمارسها الدولة على الوحدات الإقليمية بقصد المحافظة على وحدة وترابط الدولة، وبقصد تجنب الآثار الخطيرة التي تنشأ عن سوء الإدارة من جانب الوحدات اللامركزية مع ضمان تفسير القانون بالنسبة لإقليم الدولة، على ألا تتم هذه الوصاية إلا في حالات محددة قانوناً حماية لاستقلال الوحدة المشمولة بالوصاية الإدارية» (13) ، إلا أنَّه يؤخذ عليه عدم تمييزه بين الدولة والحكومة، هذا التعريف بأنه أشار إلى طرفي الوصاية الإدارية فضلاً عن ضرورة استناد الوصاية الإدارية إلى نص قانوني تجيزها، وعرفها الفقيه (ماسيتول دلاودك) على أنها مجموعة السلطات المحددة التي يقررها القانون لسلطة عليا على أعضاء الهيئات اللامركزية وأعمالهم بقصد حماية المصلحة العامة»(14)، ويمتاز هذا التعريف كسابقه بالإشارة إلى طرفي الوصاية الإدارية فضلاً عن حماية المصلحة العامة. ومن جل ما عرفت الوصاية الإدارية به أنها مجموع السلطات المحددة قانوناً لهيئات عليا برلمانية وقضائية وإدارية، بالإضافة إلى مجموعة من السلطات غير المحدودة قانوناً تمارسها الهيئات اللامركزية الإقليمية بقصد حماية المشروعية ومراعاة الصالح العام»(15), وقد امتاز هذا التعريف بعدة مزايا منها أن هذا التعريف قد وضعنا أمام عدد من الوصايا فلم يقتصرها على الصفة الإدارية هذا من جهة، ومن جهة أخرى قسم الوصاية إلى قسمين: وصايا قانونية محددة قانوناً تمارسها الهيئات البرلمانية أو القضائية أو الإدارية والثانية وصايا غير محددة تمارسها الهيئات اللامركزية وكل ذلك من أجل حماية المشروعية ومراعاة الصالح العام، ويؤخذ على هذا التعريف ايضاً عدم تمييزه بين الدولة والحكومة ، حيث تمتاز الإدارة اللامركزية بوجود حكومة مركزية وإدارات لامركزية تمارس الأولى الرقابة على أعمال الثانية مع احتفاظ الثانثة باتخاذ قرارات تخص هذه الإدارة، بشرط عدم تعارضها مع سياسة الحكومة المركزية، وبهذا تختلف عن اللامركزية السياسية والتي تؤدي حتماً إلى تفتيت وحدة الدولة . وانطلاقاً مما سلف فيمكن أن نعرف الوصاية الإدارية " وهي المكنة التي يقررها القانون لسلطة مركزية على أشخاص الهيئات اللامركزية وأعمالهم بغية حماية المصلحة العامة، وضمان وحدة الدولة، من خلال إقامة علاقة قانونية دائمة مستمرة بين الأجهزة المستقلة والسلطة المركزية"
ولا بد من التأكيد على أن ما تم ذكره عن الوصاية الإدارية يبين لنا ضرورة استناد فكرة الوصاية الإدارية على جملة من العناصر الأساسية منها كونها رقابة مشروطة لا تمارس إلا بنص قانوني وفي الحدود المقررة قانونا، وذلك تطبيقا لقاعدة «لا وصاية إلا بنص قانوني» (16)، وانصراف هذه الرقابة إلى المرافق العامة اللامركزية الإقليمية والمرفقية أعضاء وأعمالاً من قبل الهيئات المركزية، ولكن يجب أن لا تكون هذه الرقابة بالشدة والقوة التي تفقد معها هذه الهيئات حريتها أو تخرج عن الهدف المقصود من إنشائها، كما لا يجب أن تمنح الحرية إلى حد تنحرف منه هذه الهيئات عن الحدود المرسومة لها، من أجل تحقيق احترام المشروعية وحماية المصلحة العامة (17) . ومما لا شك فيه أن فكرة الوصاية الإدارية على الهيئات اللامركزية هدفها تحقيق التوازن بين المصلحة العامة المركزية والمصالح العامة المحلية، كما يمكن للسلطات المركزية التدخل للمساهمة أو مساعدة السلطات اللامركزية عند عجزها عن القيام بالخدمات اللازمة لإشباع الحاجات العامة المحلية.
ثانياً : أوجه الاختلاف بين السلطة الرئاسية والوصاية الإدارية:
ان اختلاف مفهوم السلطة الرئاسية عن مفهوم الوصاية الإدارية الذي بيناه سلفاً ، لا يعني عدم وجود نقاط تشابه بينهما، إذ أننا نلاحظ أنهما نظامين يلتقيان في جوانب عديدة منها، أن كلاهما قد أوجدهما المشرع للحفاظ على المصلحة العامة، فضلا أن سلطة وقف العمل الإداري أو إلغائه وتعديله تكون واحدة ، لأن سلطة الرقابة تملك تعديل ووقف العمل الإداري أياً كان مصدره ومن ثم تخضع هذه القرارات للتصديق بنفس الأسلوب بغض النظر عن مصدر هذه القرارات سواء كانت السلطة مركزية أم لامركزية (18)، إلا أن الاختلاف بين السلطة الرئاسية وبين الوصاية الإدارية يظل قائما في جوانب أخرى منها:
1-من حيث الأساس القانوني:
إن أهم ما يميز السلطة الرئاسية من السلطة الوصائية كون الأخيرة تحتاج إلى نص صريح يقررها ويحدد أبعادها بعكس السلطة الرئاسية التي تفرضها طبيعة التنظيم الإداري، وتقرره المبادئ العامة دون الحاجة إلى نص قانوني محدد يمنح ذلك، وإن كان هناك نص قانوني فلا يعدو أن يكون أكثر من مجرد تعزيز هذا المبدأ كونه من مبادئ التنظيم الإداري(19)، لذا فإن الصلاحيات التي يتمتع بها الرئيس الإداري على مرؤوسيه هي سلطات ممنوحة بحكم القانون دون الحاجة إلى نص قانوني يخولها بذلك ولهذا نجد أن الرئيس الإداري داخل السلطة الرئاسية يمارس صلاحياته الرئاسية من تلقاء نفسه حتى ولو لم ينص القانون على ذلك.
إذ أن السلطة الرئاسية تمارس حكماً في الإدارة المركزية، باعتبار أن رابطة التبعية هي القاعدة، لكن السلطة الوصائية هي الاستثناء فلا يمكن استنتاجها، لأن الإدارة اللامركزية تقوم أساسا على الاستقلال ووجود الشخصية المعنوية، ومن ثم لا يمكن للإدارة المركزية التحكم أو التعقيب إلا ضمن حالات وحدود معينة التي يضعها القانون، لهذا نجد عند انعدام الأساس القانوني نستبعد السلطة الوصائية عن قرارات الأجهزة اللامركزية، حتى ولو كانت هذه القرارات غير مشروعة (20)، وبهذا تعد فكرة السلطة الوصائية فكرة قانونية بحتة على عكس السلطة الرئاسية
والتي تكون مفترضة وتمارس بصفة تلقائية كونها من أساسيات النظام الوظيفي والذي تقوم على فكرة السلطة الرئاسية وفقاً للمبادئ العامة حتى ولو لم ينص القانون على ذلك
2 - من حيث المسؤولية
إن عنصر المسؤولية للإدارة المركزية في السلطة الرئاسية يكون متوفر بشكل فعال وبارز، فيكون الرئيس الإداري مسؤول عن أعمال المرؤوسين الخاضعين لسلطته الرئاسية فيما يتعلق بسلطة الإشراف والرقابة، أما في حالة الوصاية فمسؤولية الرئيس الإداري المركزي على المؤسسة الخاضعة لوصائية غير واردة بالنسبة للهيئة اللامركزية إلا ضمن النطاق المحدد لها (21)، باعتبار أن الرئيس الإداري في الإدارات الفرعية تكون خاضعة مباشرة لتوجيهاته وتعليماته ويمارس أزاءها سلطة رئاسية وتخضع لإشرافه المباشر وبقدر هذه السلطة التي يمارسها تتحد مسؤوليته في حين أنه لا يشرف على الهيئة اللامركزية بشكل مباشر وعليه تحدد مسؤوليته في حسن استعماله لسلطته الوصائية (22).
لهذا تبقى السلطة اللامركزية مسؤولة عن الأعمال والقرارات التي تنفذها، على الرغم من مصادقة سلطة الوصاية عليها، كون هذه الهيئات اللامركزية تتصرف ابتداء باعتبارها ممثلة لشخص معنوي مستقل فإن أعمالها تنسب إليها وتتحمل المسؤولية عنها حتى لو أجريت السلطة المركزية رقابتها عليها (23) ، إلا إذا كان هناك خطأ جسيم أو إهمال متقصد في مجال ممارسة سلطتها سبب ضرراً للسلطة اللامركزية، فعند ذلك الحين أمكن للقضاء من ملاحقتها وفعاليتها بالتعويض بصورة منفردة (24).
ولذلك فإن السلطة الوصائية إذا أرادت أن تمارس هذا النوع من الرقابة خارج الحدود فليس أمامها سوى اللجوء إلى القضاء بالطعن بالإلغاء، تقدمه ضد ما تراه مخالفاً للقانون، وينتج عن هذا كله اتساع الرقابة الرئاسية إلى أقصى مدى ليشمل كل قرارت المرؤوس دون استثناء، بينما ينحصر نطاق الوصاية الإدارية في الحيز الذي أراده القانون المنظم للهيئات المحلية(25). وعليه تبقى مسؤولية الرئيس الإداري في السلطة الرئاسية قائمة إلى جانب المرؤوس، في حين تتحمل الهيئة اللامركزية وحدها المسؤولية المترتبة عن أعمالها أو تصرفاتها بغض النظر عن مصادقة أو عدم مصادقة السلطة الوصائية عليها .
3- من حيث الشمولية
تتميز السلطة الرئاسية من السلطة الوصائية بالشمول الذي تمثله السلطة الرئاسية باعتبارها تتناول الموظف في جميع مراحل حياته الوظيفية من تعين وتأديب وإنهاء خدمة وتوصية، وتمتد في وجودها عبر الأعمال الوظيفية فتلغي وتعدل قرارات المرؤوس وأحياناً بدون سبب سوى ، قناعة الرئيس الشخصية، أما سلطة الوصاية فتقتصر على الرقابة في الحالات والشروط التي حددها الشرع، كالقرارات التي تصدرها الهيئات المحلية أو المستقلة والتي تخضع لرقابة السلطة المركزية (26) ، ويؤكد (دي) لو بادير) أن التفرقة الأساسية بين السلطتين الرئاسية والوصائية تكمن في وسيلة الرقابة فوسائل الرقابة المعروفة من موافقة مسبقة وتعليق وإلغاء وحلول تكاد تكون مقررة في كلا السلطتين (27) .
4 - من حيث الأهداف:
كما أن الاختلاف يبدو واضحاً وبارزاً بين السلطتين من حيث الأهداف، فإذا كان هدف السلطة الرئاسية تحريك وتوجيه ودفع الوظيفة الإدارية في الدولة وضمان حسن سيرها بانتظام وإطراد، فإن من أهم الأهداف التي تسعى إليها السلطة الوصائية هي ضمان تدعيم وحماية الوحدة الدستورية والسياسية للدولة (28) ومما يجدر بنا أن نذكره في مجال المقارنة بين السلطتين أن هناك اختلاف في وقت تطبيق كل منهما، حيث تطبق السلطة الرئاسية بما أنها سلطة شاملة لذا تعد رقابة سابقة ولاحقة على أعمال المرؤوس، في حين أن الوصاية الإدارية تشكل رقابة لاحقة فقط تهدف إلى رقابة المشروعية وتحقيق المصلحة العامة، كما تتم الوصايا الإدارية دائماً بين سلطة مركزية عليا وسلطة أدنى منها تتمتع بالشخصية المعنوية ومن ثم تتمتع بالاستقلالية، في حين تتم السلطة الرئاسية أمام نفس السلطة (أي سلطة واحدة) فلا وجود لتعدد السلطات كون الرئيس يراقب ويوجه مرؤوسيه في نفس الهيئة مثل رقابة الوزير للمدير العام أو توصية رئيس الجامعة للعمداء والأساتذة.
ورغم كل هذه الاختلافات بين هاتين السلطتين يمكن أن نستنتج أن كلاهما ضروري وأساسي لضمان حسن سير الأجهزة الإدارية ورغم اختلافهما فلكل مجاله، فالسلطة الرئاسية تمثل أساساً في توجيه أوامر الهيئات التابعة لسلطة أعلى، أما نظام الوصاية فلا نجد فيه هذه الفكرة باعتبار الهيئات الخاضعة للوصاية هيئات محلية منتخبة، وسواء تعلق الأمر بالوصاية الإدارية أو السلطة الرئاسية فيجب أن يبقى العمل بهما في أطر قانونية محددة، حتى لا يتجاوز الرئيس سلطاته وحتى لا تختنق الهيئات المحلية برقابة السلطة الوصائية وتبقى محتفظة باستقلاليتها، فكان لا بد من استنفار كل أدوات الرقابة بما يكفل صلاح النظام الوظيفي في الدولة من خلال منع كل أنواع التجاوزات والتعسف والإساءة في استعمال السلطة، الأمر الذي سيعود أثره على تحقيق الكفاءة الإدارية مما يعود بالإيجاب حتماً على المواطن والصالح العام بصفة عامة (29).
واستخلاصاً لما سبق من دراسة للآراء الفقهية نؤكد على أن السلطة الرئاسية هي فكرة تنظيمية فعالة داخل النظام الإداري بشكل عام، وعنصر فعال من عناصر المركزية الإدارية بشكل خاص، الأمر الذي جعل منها آلية رقابية فعالة تمنح للرؤساء الإداريين من قبل القانون لبسط رقابتهم من أجل ضمان حسن سير الوظيفة الإدارية، وتحقيق الصالح العام، وتحقيق ما تهدف إليه الوظيفة العامة .
_______________
1- الوصاية المدنية تتمثل بما أكدت عليه المادة (102) من القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 المعدل والتي نصت على ولي الصغير هو أبوه ثم وصي أبيه ثم جده الصحيح ثم وصي الجد ثم المحكمة أو الوصي الذي نصبته المحكمة، والمحكمة المختصة في إصدار حجة الوصاية وهي محكمة الأحوال الشخصية حسب المادة (300) من قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 المعدل والتي نصت تختص محكمة الأحوال الشخصية بالنظر في الأمور الآتية: الولاية والوصاية والقيمومة والوصي ونصب القيم أو الوصي وعزله ومحاسبته والإذن له بالتصرفات الشرعية والقانونية أما في قانون رعاية القاصرين العراقي رقم (78) لسنة 1980 المعدل فإن الوصي بعد وفاة الأب والجد حسب المادة (34) منه هي الأم والتي جاء فيها "الوصي هو من يختاره الأب لرعاية شؤون ولده الصغير أو الجدين ثم من تنصبه المحكمة على أن تقدم الأم على غيرها وفق مصلحة الصغير فإن لم يوجد أحد منهما فتكون الوصاية لدائرة رعاية القاصرين حتى تنصب المحكمة وصياً .
2- د. محمد إبراهيم رمضان الوصاية على الهيئات المحلية اطروحة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة عين الشمس، مصر، 1998، ص 65 .
3- مختار بوشيبة مظاهر السلطة الرئاسية والوصاية الإدارية على المؤسسة العامة الاقتصادية (دراسة مقارنة)، أطروحة دكتوراه، معهد الحقوق والعلوم الإدارية، جامعة الجزائر ، 1990، ص 362 وما بعدها .
4- يرى جانب من الفقه أنه يمكن الاحتفاظ باصطلاح الوصاية القانونية على اعتبار أن القانون الإداري قد استعار كثيرا من مصطلحات القانون الخاص، لكنها اكتسبت معناً مغايرا مثل العقود الإدارية، والمسؤولية الإدارية وغيرها من المفاهيم . وللمزيد يُنظر : د. محمد الصغير بعلي، قانون الإدارة المحلية الجزائرية، دار العلوم للنشر والتوزيع عنابة الجزائر، 2004، ص 70 .
5- مختار بوشيبة ، المصدر السابق، ص 375 .
6- د. محمد الصغير بعلي القانون الإداري، دار العلوم للنشر والتوزيع، بيروت، 2002 ، ص 76 وما بعدها .
7- يُنظر نص المادة (133) من قانون نظام الحكم المحلي المصري رقم 43 لسنة 1979
8- يُنظر نص المادة (56) من قانون البلديات اللبناني رقم 118 لسنة 1977 والمعدل بالقانون رقم (665) لسنة 1997 والصادر في 30/ كانون الأول 1997
9- يُنظر نص المادة (122 / خامسا من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 .
10- يُنظر نص المادة (2/ ثالثاً) من قانون مجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل بالقانون رقم (19) لسنة 2013 .
11- ينظر نص المادة (31/ رابعاً) من قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم العراقي رقم (21) لسنة 2008 المعدل.
12- بيداء جبار أحمد، رقابة الرئيس الإداري على أعمال مرؤوسيه دراسة مقارنة)، رسالة ماجستير، كلية القانون، الجامعة المستنصرية، 2014، ص 41 .
13- عادل محمود حمدي، الاتجاهات المعاصرة في نظم الإدارة المحلية، دراسة مقارنة، دار الفكر العربي، القاهرة، 1973 ص 152
14- د. خالد قباني، اللامركزية ومسألة تطبيقها في لبنان منشورات البحر المتوسط، بیروت، 1981، ص 96 .
15- محمد ابراهيم رمضان ، الوصاية على الهيئات المحلية رسالة دكتوراه ، كلية الحقوق، جامعة عين شمس،1998 شمس، 1998 ص70 .
16- د. عمار عوابدي، مبدأ تدرج فكرة السلطة الرئاسية، دار هومه للطباعة والنشر، الجزائر، 1419 هـ ، ص 274 .
17- د. حمدي سليمان القبيلات الرقابة الإدارية والمالية على الأجهزة الحكومية، ط1، دار الثقافة، عمان، 2010 ، ص 12 .
18- مختار بوشيبة مظاهر السلطة الرئاسية والوصاية الإدارية على المؤسسة العامة الاقتصادية (دراسة مقارنة)، أطروحة دكتوراه، معهد الحقوق والعلوم الإدارية، جامعة الجزائر ، 1990 ، ص 372-378 .
19- حسن محمد عواضة السلطة الرئاسية اطروحة دكتوراه كلية الحقوق جامعة القاهرة، 197 ، ص 55-65 .
20- د. بكر القباني، الرقابة الإدارية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1985 ، ص 86 وما بعدها
21- حسن محمد عواضة السلطة الرئاسية اطروحة دكتوراه كلية الحقوق جامعة القاهرة، 1975 ، ص 56 وما بعدها .
22- عبد الحميد عبد المهدي، أثر تطور نشاط الإدارة في ممارسة السلطة الرئاسية، أطروحة دكتوراه، كلية القانون، جامعة بغداد، 2003 ، ص 34 .
23- د. خالد قباني، اللامركزية ومسألة تطبيقها في لبنان منشورات البحر المتوسط، بیروت، 1981 ، ص 99 .
24- د. حمدي سليمان القبيلات الرقابة الإدارية والمالية على الأجهزة الحكومية، ط1، دار الثقافة، عمان، 2010 ، ص79
25- د. مصطفى أبو زيد فهمي، الوسيط في القانون الإداري، مصدر سابق، ص 124 .
26- حسن محمد عواضة السلطة الرئاسية اطروحة دكتوراه كلية الحقوق جامعة القاهرة، 1975 ص 56-57
27- المصدر نفسه، ص 57 .
28- د. عمار عوابدي، مبدأ تدرج فكرة السلطة الرئاسية، دار هومه للطباعة والنشر، الجزائر، 1419 هـ ص 243 .
29- وكما كان لابد لنا من الإشارة أيضا ولو بشيء من الاختصار إلى الفرق بين السلطة الرئاسية وبين السلطة السياسية حيث ينصرف مفهوم الأخير إلى ممارسة شؤون الحكم وما يتعلق بها من مهام واختصاصات ويتداخل مفهوم السلطة السياسية بفكرة السيادة لا تحدها أية سلطة أخرى داخل الدولة، ويميز هذا الرأي بين تعبير السيادة في الدولة وسيادة الدولة، فالسيادة في الدولة، تتعلق بعلاقة الحاكم( القابض على السلطة) مع الأفراد والفئات الاجتماعية داخل الدولة. أما سيادة الدولة فتعني أن حاكم الدولة غير خاضع لإرادة حاكم دولة أخرى وهو ما يعبر عنه بمبدأ . علم التدخل في شؤون الدول الأخرى على أساس أن كل دولة تتمتع بالسيادة تجاه الدول الأخرى وسيادة الدولة هي : تأكيد لسلطتها واستقلالها تجاه الدول الأخرى، في حين أن السيادة في الدولة تقرر وجود الدولة، بحيث إذا انتهت سلطة الحاكم ( عدم وجود سلطة) انتفت الدولة. للمزيد ينظر : د. عمار عوابدي، مبدأ تدرج فكرة السلطة الرئاسية، مصدر سابق، ص 254 . و عبد الحميد عبد المهدي، أثر تطور نشاط الإدارة في ممارسة السلطة الرئاسية، أطروحة دكتوراه، كلية القانون، جامعة بغداد، 2003 ص 22 وما بعدها.
-إن أول ما ظهرت فكرة السيادة ظهرت على لسان القانونيين الذين كانوا يدافعون عن سلطان الملك في فرنسا ضد البابا والإمبراطور مؤكدين أن الملك يتمتع بالسيادة الكاملة في ممتلكاته وأن هذه السلطة العليا لا ينافسه عليها أحد في الدولة، ومع قيام الثورة الفرنسية بقيت فكرة سيادة الأمة قائمة بما لها من صفة الأخلاق والسمو والأصالة ولكنها انتقلت من الملك إلى الأمة ليصبح بذلك إرادة الأمة هي السلطة العليا التي لا تنافس، وأن مبدأ سيادة الأمة يعني أن الصفة الأمرة العليا للدولة لا ترجع إلى فرد أو أفراد معيدين بل إلى وحدة مجردة ترمز إلى جميع الأفراد أي الوحدة التي تمثل المجموع بأفراده وهيئاته وأنها بالإضافة على ذلك مستقلة تماماً عن الأفراد الذين تمثلهم وترمز إليهم. يُنظر د. منذر الشاوي، القانون الدستوري نظرية الدولة وما بعدها، بغداد، 1981، ص 89 وما بعدها .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|