أمثلـة على الممارسات التي تخطّـت الحـدود الأخلاقية لوظيفة " السوق" 2 |
1555
01:59 صباحاً
التاريخ: 6-7-2021
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-9-2021
2367
التاريخ: 11-4-2018
3237
التاريخ: 28-7-2021
2070
التاريخ: 2023-02-06
1111
|
- تسويق مباريات كأس العالم (World Cup): لفت إلى هذا المثال أحد مؤلفي هذا الكتاب في مقالة له في عام 2010 (11)، حيث وجه الانتقاد الحاد إلى ربط فرصة مشاهدة مباريات كأس العالم لكرة القدم التي تجري كل أربع سنوات برسوم مالية باهظة، الأمر الذي اضطر بعض الدول إلى شراء حقوق بث المباريات لإتاحتها لمواطنيها بالمجان، بينما اقتصرت مشاهدة المباريات في دول أخرى على المواطنين المقتدرين مالياً .
لاحظت المقالة أن مباريات كرة القدم بقیت عبر السنين مصدراً غنياً للمتعة الشعبية البريئة للأغنياء والفقراء على السواء. لذلك احتلت مباريات "كاس العالم"، الذروة في بواعث تلك المتعة البريئة. ويضاف إلى متعة المشاهدة المردود الاجتماعي لممارسة النشاط الرياضي الجمعي وما تؤديه من وظيفة تربوية واجتماعية بالغة الفائدة وهي تعميم وترسيخ قيم وثقافات منها ثقافة التنافس الإيجابي بين الشبيبة، ومنها ثقافة العمل "بروح الفريق" المتمثلة بالتعاون وتقسيم المهمات بين أعضاء الفريق الواحد الهادف إلى التفوق في أداء معين. لهذه الأسباب ، يحمل النشاط الرياضي كما تحمل المشاركة فيه والإعلام عنه كامل صفات "السلع العامة" التي تُنتج بطلب المجتمع كله ، ولمنفعة المجتمع كله، والتي لا يجوز لذلك تقنين إنتاجها وحصر الانتفاع بها في الأفراد أو الفئات القادرة على دفع مقابل مالي لقاء ذلك الانتفاع، كما لا يجوز لأي مجتمع أن يسمح بجعلها مصدر ارتزاق من خلال احتكار وسائل مشاهدتها والإعلام عنها. على الرغم من ذلك، نجد إدارة مباريات كأس العالم (فيفا)، تتجاهل تلك الاعتبارات وتدير مبارياتها العالمية بممارسة احتكارية معيبة تؤدي إلى إقصاء الجماهير الفقيرة في العالم، ولا سيما في دول العالم الثالث، عن حقها في ذلك المرفق الدولي العام، وحرمانها من المشاهدة المجانية لمباريات كأس العالم.
المدهش أن الحكومات والأفراد يستسلمون لذلك القضاء من دون احتجاج، فنجد دولة مثل لبنان تدفع مبلغاً باهظاً بالنيابة عن شعبها كي يُتاح لجميع مواطنيها الفرصة المتكافئة لمشاهدة المباريات، ونجد دولة مثل کوریا تسجل المباراة التي خاضها فريقها كي تذيعها لاحقاً تعويضاً للشعب الكوري عن مشاهدتها في حينها، ونجد إحدى الفضائيات العربية تتواطأ مع احتكار الفيفا فتشتري منها الامتياز الحصري لإذاعة المباريات للمشاهدين العرب، وتبيع الرخصة الفردية لرؤية المباريات في الأردن مثلاً بمئة دولار، أي بما يقارب متوسط الدخل القومي لشهر المباريات كاملاً، وبما يفوق دخل الأسر الأردنية الفقيرة شهوراً عدة .
من اللافت أن وسائل الإعلام حفلت مؤخراً (في عام 2015) بالأخبار عن الفساد المالي الرهيب الذي وصم قمة المسؤولين في إدارة الفيفا، إلا أن الفساد القيمي الناتج من جعل كأس العالم سلعة يرتبط الاستمتاع بها بالقدرة المالية ما برح لا يحظى بما يستحقه من اهتمام.
تقدم الأمثلة المتقدم الاستشهاد بها أدلة قوية على احتمالات التردي الأخلاقي والفساد القيمي الذي ربما تقود إليه عنجهية السوق ، والذي يختصر في النزوع إلى تحويل «اقتصاد السوق» إلى "مجتمع السوق"، وفي الحثّ على الانشغال السطحي باعتبارات "الكفاءة" بدلاً من التفكير الأعمق في كيفية تقويم أوجه النشاط الاقتصادي المختلفة. فتقویم خدمات الصحة والتعليم والدفاع الوطني والعدالة الجنائية وحماية البيئة وغيرها يثير مسائل في السياسة والأخلاق تتعدى التقويم الاقتصادي. ويقتضي بحث هذه المسائل استدعاء الاعتبارات الأخلاقية والثقافية وحتى الروحية لهذه الغاية، والبتّ بها في الحوار الديمقراطي القائم على الدراسة القيمية لكل حالة على حدة .
يری ساندل أن من الضرورة الحرص الشديد على المكونات التي تسم الحياة بالجمال وتصونها من التشويه الذي يهدد هذا الجمال من خلال التسليع والعبث بالحدود التي يتعين أن تقيّد مجال تأثير آليات السوق. ويشمل هذا الحرص معرفة سبل التقويم الصحيح للصحة والتعليم والحياة الأسرية ونظافة البيئة والآداب والفنون والواجبات المدنية ... إلخ. ولا تمت هذه المعرفة لسبل التقويم الصحيح لهذه الأمور إلى علم الاقتصاد بقدر ما تمت إلى علوم الاجتماع والسياسة والأخلاق. ولم تكن هذه المعرفة متاحة بسهولة خلال حقبة "عنجهية السوق" التي سادت فيها نزعة الانزلاق من "اقتصاد السوق"، إلى "مجتمع السوق" .
يعرف ساندل الفرق بين "اقتصاد السوق" ، و"مجتمع السوق"، بالآتي: "اقتصاد السوق" ، هو أداة فاعلة ونافعة لأغراض تنظيم النشاط الإنتاجي. في المقابل "مجتمع السوق" هو طريقة في الحياة تنفذ من خلالها "قيم السوق" إلى جميع مناحي النشاط البشري حتى تصبح العلاقات الاجتماعية مرآة عاكسة لعلاقات السوق وقيمه. والسؤال هنا هو: هل نريد لقيم المجتمع الإنساني أن تنحطّ إلى مستوى قيم السوق فتصبح موضوعات يتحكم بها المال وتخضع لآليات المتاجرة ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11) طاهر حمدي كنعان، «مباريات كاس العالم سلعة عامة لا يجوز احتكارها،» الشروق، 2010/6/30 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|