المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تربية ماشية اللبن في البلاد الأفريقية
2024-11-06
تربية الماشية في جمهورية مصر العربية
2024-11-06
The structure of the tone-unit
2024-11-06
IIntonation The tone-unit
2024-11-06
Tones on other words
2024-11-06
Level _yes_ no
2024-11-06

THERMAL CONVERSION PROCESSES
9-5-2016
معادلة مثلثية Trigonometric Equation
15-12-2015
Riemann Hypothesis
16-12-2018
مفهوم الحـــجة
6-9-2016
الأجرة
5-5-2016
المنهج الإقليمي في الجغرافية التاريخية
24-11-2017


العطف  
  
9855   06:44 مساءاً   التاريخ: 2-03-2015
المؤلف : خلود عموش
الكتاب أو المصدر : الخطاب القرآني
الجزء والصفحة : ص219-227.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / مواضيع عامة في علوم القرآن /

نظر المفسّرون في عطف جملة على جملة، و المعنى المترتّب على ذلك؛ فيشير الزمخشري أثناء تفسيره للآية (25) من سورة البقرة إلى أن قوله تعالى : { وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ} يوجب طرح سؤال مفاده علام عطف هذا الأمر ولم يسبق أمر ولا نهي يصحّ عطفه عليه، وفي رأيه أن ليس" الذي اعتمد بالعطف هو الأمر حتّى يطلب له كل من أمر أو نهي يعطف عليه، إنّما المعتمد بالعطف هو جملة وصف ثواب المؤمنين، فهي معطوفة على جملة وصف عقاب الكافرين (.........) و ذلك أن تقول هو معطوف على قوله‏ «1»

{ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة :  24] .

ويفهم من كلام الزمخشري أنّ العطف سوّغته الجهة الجامعة بين محتوى الوصفين، و هي التضاد :  فالأوّل عقاب الكافرين، والثاني ثواب المؤمنين.

وفي تفسير الآية نفسها يقول ابن عاشور في تفسيره " التحرير و التنوير"" و جعل جملة { و بشّر} معطوفة على مجموع الجمل المسوقة لبيان وصف عقاب الكافرين، يعني جميع الذي فصّل في قوله تعالى : {وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى‏ عَبْدِنا} إلى قوله : { أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ } فعطفت مجموع أخبار عن ثواب المؤمنين على مجموع أخبار عن عقاب الكافرين، والمناسبة واضحة مسوّغة لعطف المجموع على المجموع، و ليس هو عطفا لجملة معيّنة على جملة معيّنة الذي يطلب معه التناسب بين الجملتين في الخبريّة و الإنشائية (...) وجعل الجرجاني لهذا النوع من العطف، لقب (القصّة على القصّة) لأنّ المعطوف ليس جملة على جملة، بل طائفة من الجمل على طائفة أخرى" «2». و نجد الزمخشري يعبّر عن هذا الرأي نفسه إلّا أنّ هناك إضافة تكمن في أنّ المعطوف عليه لا يقف عند قوله {فاتقوا} وإنّما يتجاوز مجموع الأخبار الواردة في الآيتين (23) و (24) عن عقاب الكافرين الناشئ في" اصطلاح ابن عاشور، عن التحدّي و العجز عن رفعه ممّا ترتّب عنه العقاب الشديد، و قد عزّز رأيه برأي الجرجاني متبنّيا مصطلحه" عطف القصّة على القصّة".

و قريب منه إشارة الطبري إلى مسألة العطف في تفسيره للآية (34) من سورة البقرة {وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى‏ وَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ} «3». قال : " أمّا قوله : {و إذ قلنا} فمعطوف على قوله : {وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} كأنّه قال جلّ ذكره لليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول اللّه - صلى اللّه عليه وآله وسلّم- من بني إسرائيل معدّدا عليهم نعمه ومذكّرهم آلاءه على نحو الذي وصفنا فيما مضى قبل " اذكروا فعلي بكم إذ أنعمت عليكم فخلقت لكم ما في الأرض جميعا، و إذ قلت للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة، فكرّمت أباكم آدم بما آتيته من علمي و فضلي و كرامتي، و إذ أسجدت له ملائكتي فسجدوا له .... ثم ...".

ويمكن أن نقدّم مثالا آخر لعطف القصّة على القصّة لدى ابن عاشور من أجل إبراز تتبّعه لهذا النوع من العطف و اهتمامه به في تفسيره للآية (34) التي سبق ذكرها فهو يذهب إلى أنّ هذه الآية معطوفة على آية تفصلها عنها ثلاث آيات، وهي قوله تعالى : { وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ...} قال : " وإعادة (إذ) بعد حرف العطف المغني عن إعادة ظرفه تنبيه على أنّ الجملة مقصودة بذاتها لأنّها متميّزة بهذه القصّة العجيبة فجاءت على أسلوب يؤذن بالاستقلال و الاهتمام، و لأجل هذه المراعاة لم يؤت بهذه القصّة معطوفة بفاء التفريع" «4». فالذي سوّغ العطف رغم كون القصتين مستقلّتين هو أنّ الطرفين اللذين تمحور حولهما الخطاب متماثلان" الملائكة و آدم. ففي القصّة الأولى إظهار لعلوّ درجته عند اللّه بعد احتجاج الملائكة على استخلافه في الأرض، وفي الثانية تزكية لسمّو درجته عنده تعالى ممّا استوجب سجود الملائكة له بأمر منه تعالى لكنّ ابليس رفض السجود فالقصّتان مشتركتان معا في :

- وحدة المخاطب‏

- الاحتجاج/ التسليم بأمر اللّه.

- الاحتجاج/ التسليم/ العصيان‏

ورغم أنّ ابن عاشور لم يفصّل قوله على هذا النحو، إلّا أنّ العطف هنا (عطف قصة على قصة) يضمر هذا الذي أشرنا إليه.

ومن أمثلته كذلك اهتمام الزمخشري بالعطف الداخلي بين الجمل و معاني حروف العطف في سياقاتها المختلفة، فحين يفسّر الزمخشري الآيات (53، 54) " وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنّكم ظلمتم أنفسكم باتّخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنّه هو التوّاب الرحيم" يتساءل‏ الزمخشري عن الفرق في معاني الفاءات الواردة في قوله تعالى : { فَتُوبُوا} و{ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} و{ فَتابَ عَلَيْكُمْ} قال : " فإن قلت :  ما الفرق بين الفاءات، قلت :  الأولى للتسبّب لا غير، لأنّ الظلم سبب التوبة و الثانية للتعقيب لأنّ المعنى فاعزموا على التوبة، فاقتلوا أنفسكم من قبل أنّ اللّه تعالى جعل توبتهم قتل أنفسهم، ويجوز أن يكون القتل تمام توبتهم، فيكون المعنى :  فتوبوا فأتبعوا التوبة القتل تتمة لتوبتكم، و لثالثة متعلّقة بمحذوف، ولا يخلوا إمّا أن ينتظم في قول موسى لهم فتتعلّق بشرط محذوف كأنّه قال :  فإن فعلتم فقد تاب عليكم، و إمّا أن يكون خطابا من اللّه تعالى على طريقة الالتفات، فيكون التقدير :  ففعلتم ما أمركم به موسى فتاب عليكم بارئكم .." «5».

من اللافت للانتباه في دراسة المفسّرين لكيفيّة ارتباط الآي، أو ارتباط العناصر المكوّنة للآية نفسها بواسطة العطف، هو تعدّد ما يعطف عليه. على أنّ تعدّد المعطوف عليه يخضع لإمكانيّة العطف، ثمّ تبرير المعطوف عليه في حالة تعدّده، و نضرب لهذا المظهر مثالين :  أحدهما من تفسير الزمخشري، و الثاني من تفسير الرازي. قال تعالى {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة :  164]. يفترض الزمخشري سائلا يسأل عمّ عطف" و بثّ فيها ..." أعلى (أنزل) أم على (أحيا)؟ يجيب باحتمالين، ظاهر و جائز. أمّا الظاهر فهو عطفه على (أنزل)، و على هذا النحو يكون داخلا" تحت حكم الصلة لأنّ قوله‏" فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ" عطف على (أنزل) فاتّصل به و صارا جميعا كالشي‏ء الواحد، فكأنه قال :  و ما أنزل في الأرض من ماء و بثّ‏ فيها من دابّة" «6». أما الجائز فهو عطفه على قوله (أحيا) على معنى (فأحيا بالمطر الأرض و بثّ فيها من كلّ دابّة) لأنّهم ينمون بالخصب و يعيشون بالحياة، والواقع أنّ العطفين معا جائزان لأنّ البنية المنطقيّة التي تحكمهما متماثلة، و هي بنية السبب والنتيجة، وهذا ما قصد إليه الزمخشري في تخريجه ذاك، و خاصّة بين الفعلين" أنزل فأحيا" ولذا دخلت الفاء على (أحيا) ولم تدخل على (بثّ) فالإحياء نتيجة مترتّبة عن نزول الماء، ويمكن أن تتقوّى هذه العلاقة السببيّة، إذا اعتبرنا سلسلة النتائج التي ترتبّت عن إنزال الماء، بين (بثّ) و أنزل عبر الوسيط (أحيا) لأنّه شرط ضروري لقيام الحياة على الأرض.

وفي الإطار نفسه نقدّم مثالا من تفسير الرازي لقوله تعالى {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة :  125]. يشير الرازي إلى أنّ ما عطف عليه " واتّخذوا " فيه ثلاثة أقوال الأوّل :  أنّه عطف على قوله { اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَ أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ}. و الثاني :  أنّه عطف على قوله ‏{ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً} و قال (اتخذوا)، و يجوز أن يكون أمر به ولده إلا أنه تعالى أضمر قوله" و قال" ...

والثالث :  أنّ هذا أمر من اللّه تعالى لأمّة محمّد- صلى اللّه عليه وآله و سلّم- أن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى، وهو كلام اعتراض في خلال ذكر قصّة إبراهيم عليه السلام، و كأنّ وجهه" و إذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا (واتّخذوا) أنتم من مقام إبراهيم مصلّى، والتقدير أنّا لمّا شرفناه ووصفناه بكونه مثابة للنّاس وأمنا، فاتخذوه أنتم قبلة لأنفسكم" «7».

ونلاحظ في الاحتمالات الثلاثة السابقة أنّ الأوّل منها هو المعتمد على ما ورد في آية سابقة، أي أنّ العطف تمّ اعتمادا على ما تقدّم في النص، و هو الآية (122) إذ في هذه الآية أمر بالذكر يسوّغ عطف أمر على آخر، و لو كانت المسافة بينهما بعيدة، و في هذه الحالة يكون الخطاب بالفعلين موجّها إلى بني إسرائيل، أمّا الاحتمالان الباقيان في عطف (واتّخذوا) فمرتكزان إلى المقام و احتمالات ما يوحي به، و من ثمّ يتعدّد المخاطب بالأمر ففي الحالة الأولى التي يعدّ فيها و اتّخذوا جزاء لإبراهيم على طاعته و التزامه بتنفيذ الأوامر الإلهيّة يكون المخاطب هو ولد إبراهيم، بناء على أنّ القصّة متمحورة حوله، و في الثانية يكون (و اتّخذوا) خطابا موجّها إلى أمّة محمد عليه الصلاة و السلام. و من ثمّ يعدّ اعتراضا انجرّ إليه الكلام تشريفا لإبراهيم و المسلمين معا.

و يفرّق الرازي بين معاني العطف في السياقات المختلفة، و من ذلك ما جاء في تفسيره للآية" { أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة :  5]. فقد تساءل :

" فإن قيل فلم جاء مع العاطف، وما الفرق بينه و بين قوله { أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف :  179]. و أجاب على هذا التساؤل بقوله : " قد اختلف الخبران هنا فلذلك دخل العاطف، بخلاف الخبرين هناك فإنّهما متّفقان، لأنّ التسجيل عليهم بالغفلة و تشبيههم بالبهائم شي‏ء واحد، و كانت الجملة الثانية مقرّرة لما في الأولى فهي من العطف بمعزل" «8».

و مثله وقوفه عند الآية {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ } [البقرة :  49]. فقد تنبّه الرازي إلى أنّ اللّه تعالى قد ذكر لفظة يذبّحون بلا واو، و في سورة إبراهيم ذكره مع الواو، و يقول في جواب ذلك : " و الوجه فيه أنّه إذا جعل قوله { يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ} مفسّرا بقوله{ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ} لم يحتج إلى الواو، وأمّا إذا جعل قوله‏" يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ" مفسّرا بسائر التكاليف الشاقّة سوى الذبح، و جعل الذبح شيئا آخر سوى سوء العذاب احتيج فيه إلى الواو، و في الموضعين يحتمل الوجهين، إلّا أنّ الفائدة التي يجوز أن تكون هي المقصودة من ذكر حرف العطف في سورة إبراهيم، أن يقال إنّه تعالى قال قبل تلك الآية : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى‏ بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ، وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} والتذكير بأيّام اللّه لا يحصل إلّا بتعديد نعم اللّه تعالى، فوجب أن يكون نوعا من العذاب، و المراد من قوله {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ} نوعا من العذاب، و المراد من قوله {يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ} نوعا آخر؛ ليكون التّخلص منهما نوعين من النعمة فلهذا وجب ذكر العطف هناك، و أمّا في هذه الآية لم يرد الأمر إلّا بتذكير جنس النعمة، و هي قوله " {اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم } ، فسواء كان المراد من سوء العذاب هو الذبح أو غيره كان تذكير جنس النعمة حاصلا فظهر الفرق" «9».

وقال الرازي في تفسيره لقوله تعالى {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة :  15] متسائلا" كيف ابتدأ قوله ‏{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} ولم يعطف على الكلام الذي قبله ؟" ثم يقول : " الجواب هو استئناف في غاية الجزالة والفخامة، وفيه أنّ اللّه تعالى هو الذي يستهزئ بهم استهزاء العظيم الذي يصير استهزاؤهم في مقابلته كالعدم، و فيه أيضا أنّ اللّه هو الذي يتولّى الاستهزاء بهم انتقاما للمؤمنين، و لا يحوج المؤمنين إلى أن يعارضوهم باستهزاء مثله" «10». فها هنا توقّف عند أهميّة التفريق بين معنى العطف و الاستئناف و دلالة ذلك في مقصديّة النصّ و أثره.

و تعرّض الرازي كذلك إلى ما يعرف بالعطف السببي، و من ذلك ما ذكره عند تفسيره للآية (35) من سورة البقرة { وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما ...} فقد عطف الأكل هنا على السكن بالواو، بينما عطف الأكل في سورة الأعراف على الدخول بالفاء، و قد دفعه هذا الفرق إلى صياغة قاعدة في العطف السببي و ذلك قوله : " كلّ فعل عطف عليه شي‏ء و كان الفعل بمنزلة الشرط، و كان ذلك الشي‏ء بمنزلة الجزاء، عطف الثاني على الأوّل بالفاء دون الواو كقوله تعالى : " وَ إِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا ...." فكلوا، فعطف كلوا على ادخلوا بالفاء لمّا كان وجود الأكل منها متعلقا بدخولها ....، فالدخول موصل إلى الأكل و الأكل متعلّق وجوده بوجوده، في حين أنّ الأكل لا يختصّ وجوده بوجوده (أي السكن) ... فلمّا لم يتعلّق الثاني بالأوّل تعلّق الجزاء بالشرط وجب العطف بالواو دون الفاء" «11». و يستفاد من هذا أنّ الرازي يفرّق بين العطف السببي الذي يتمّ بالفاء (و هو السببي حقا)، و بين العطف بالواو دون أن يكون سببا. فرغم أنّ الواقعة في السورتين معا هي هي إلّا أنّها في البقرة معطوفة بالواو، و في الأعراف بالفاء، و الذي رشّح الثاني للسببيّة هو ورود الفعل الثاني معطوفا بالفاء. و إذا كانت السببيّة هنا مقوّاة بتجاور الفعلين و ترتّب أحدهما على الآخر، فإنّ المثال الذي نقدّمه لابن عاشور ليس كذلك أثناء تفسيره للآية (79) { فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} يعلّق قائلا : " (الفاء) للترتيب و التسبّب فيكون ما بعدها مترتّبا على ما قبلها، و الظاهر أنّ ما بعدها مترتّب على قوله {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة :  75]. الدال على وقوع تحريف منهم عن عمد فرتّب عليه الإخبار باستحقاقهم سوء الحالة" «12». إنّ البنية الشكليّة للآيتين خالية من‏ المؤشّرات الشرطية إذا ... ف ... أو إن ... فكذا ...، و مع ذلك فإنّ ابن عاشور كشف عن وجود هذا المعنى في العلاقة بين الآيتين و ذلك أنّ عذابهم مترتب عن تحريفهم كلام اللّه عن مواضعه، و من ثمّ إنّ الآيتين رغم تباعدهما مترابطتان أشدّ ما يكون الترابط.

و من الملاحظات التي يمكن أن بيديها الباحث العطف بين جملتين تحملان أحكاما مختلفة، أو قد يبدو هذا لأوّل وهلة، و منه عطف الآية { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة :  48]. على الآية {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة :  47]. قال ابن كثير : " لمّا ذكّرهم تعالى بنعمه أوّلا، عطف على ذلك التحذير من طول نقمه بهم يوم القيامة، فقال : " و اتقوا يوما" «13». فالآية الأولى بيان النعمة و التفضيل، و الثانية تحذير من عدم احترام هذه النعمة و صونها، و لهذا جاز العطف بين أمرين يبدوان متناقضين.

و من أنواع العلاقات التي تنبّه لها المفسّرون بين العاطف و المعطوف عليه علاقة العموم و الخصوص، و منه في الآية الكريمة {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة :  98]. قال ابن كثير : " وهذا من باب عطف الخاص على العام فإنّهما دخلا في الملائكة في عموم الرسل، ثمّ خصّصنا بالذكر لأنّ السياق في الانتصار لجبرائيل، و هو السفير بين اللّه و أنبيائه، وقرن معه ميكائيل في اللّفظ لأنّ اليهود زعموا أنّ جبرائيل عدوّهم و ميكائيل وليّهم" «14». وبذا فيكون المفسّرون قد

تمثّلوا أهميّة العطف في ترابط النصّ واتّساقه، كما تمثّلوا آلية هذا العطف في توضيح دلالات السياق و انسجامه مع النصّ، وتبيّنوا الأشكال المتعدّدة التي يأتي عليها العطف في السياقات المختلفة. كما نجد أنّ السياق الخارجي والأحداث الخارجيّة تركت لها أثرا خطيّا داخل النّص تمثّل في اقتران بعض الألفاظ معا.

______________________

(1) الزمخشري، الكشاف، 1/ 322.

(2) ابن عاشور، التحرير و التنوير، 1/ 357.

(3) تفسير الطبري، 1/ 171.

(4) ابن عاشور، التحرير و التنوير، 1/ 336.

(5) الكشّاف، 1/ 140.

(6) الكشاف، 1/ 315.

(7) تفسير الرازي، 4/ 52.

(8) تفسير الرازي، 1/ 34.

(9) تفسير الرازي، 1/ 68.

(10) تفسير الرازي، 1/ 70.

(11) تفسير الرازي، 3/ 4.

(12) ابن عاشور، التحرير و التنوير، 1/ 575.

(13) تفسير ابن كثير، 1/ 77.

(14) تفسير ابن كثير، 1/ 115.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .