أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-8-2017
226
التاريخ: 14-8-2017
207
التاريخ: 14-8-2017
203
التاريخ: 14-8-2017
306
|
ماهية الحقيقة وأقسامها:
يؤسس الآمدي تعريفه للحقيقة باعتبار مفهومها اللغوي، ذلك أنه بين المفهوم اللغوي لها والمفهوم الإصطلاحي علاقة ظاهرة، إذ الحقيقة في المفهوم العام تعني الصورة الثابتة للشيء في أذهان الناس، يجمع كلهم أو السواد الأعظم منهم على أنها الحقيقة وهي نقيض الباطل أو الزيف وقولنا عن اللفظ أنه حقيقة يعني دلالته أصلية فيه، ثابتة بالوضع اللغوي الأول يوضح الآمدي هذه المسألة بقوله: (أما الحقيقة) فهي في اللغة مأخوذة من الحق، والحق هو الثابت اللازم، وهو نقيض الباطل، ومنه يقال حق الشيء حقه، ويقال حقيقة الشيء أي ذاته الثابتة اللازمة ومنه قوله تعالى: (ولكن حقّت كلمة العذاب على الكافرين) أي وجبت، وكذلك قوله تعالى: (حقيق علي أن لا أقول) أي واجب عليّ"(1). أما مفهوم "الحقيقة"
ص226
الاصطلاحي فيؤسسه الآمدي على اعتبار الوضع أو الاقتران العرفي بين الدال والمدلول، ولذلك فالحقيقة كمبحث في اللغة هي من عوارض الألفاظ التي تخضع دلالاتها لتواضع عام "أوّلي" يخرج من حيز القوة إلى حيز الفعل. يشرح ذلك الآمدي بقوله: "والحق في ذلك أن يقال: هي اللفظ المستعمل فيما وضع له أولاً في اللغة، كالأسد المستعمل في الحيوان الشجاع العريض الأعالي، والإنسان في الحيوان الناطق"(2). وواضح أن الآمدي قد وقف من تعريفات الأصوليين واللغويين للحقيقة في عصره، موقف المتحفظ متخذاً بناء على ذلك تقسيمات للحقيقة الوضعية إلى ثلاثة أنواع وهي موضّحة فيما يأتي:
ويخضع كل قسم حسب رأي الآمدي إلى طبيعة الواضع، فإذا كان صاحب الوضع هو اللغوي كانت الحقيقة لغوية وإذا تعارف الناس واصطلحوا حول اقتران دال بمدلول كانت الحقيقة عرفية أما إذا كان الواضع هو الشارع فإن الحقيقة هي حقيقة شرعية، وقد يخضع كل قسم إلى تفريع داخلي من ذلك تخصيص الحقيقة العرفية العامة ويتم بتحويل دلالة اللفظ من العموم إلى الخصوص، مثل ذلك لفظ (الدابة) كان في وضعه الأول يدل على كل ما يدب على الأرض فحصل تخصيص محل دلالته بأن أضحى يدل على ذوات الأربع عرفاً. يقول الآمدي معرفاً ذلك: "أن يكون الاسم قد وضع لمعنى عام ثم يخصص بعرف استعمال أهل اللغة ببعض مسمياته، كاختصاص لفظ الدابة بذوات الأربع عرفاً وإن كان في أصل اللغة لكل ما دب وذلك إما لسرعة دبيبه أو كثرة مشاهدته أو كثرة استعماله أو غير ذلك"(3). وأطلق على هذا النوع من التغيّر الدلالي "بتضيق المعنى" وذلك بتحويل اللفظ من الدلالة الكلية إلى الدلالة الجزئية، أو من العموم إلى الخصوص، ثم هناك التحول في الدلالة الناشئ عن ظاهرة اللا مساس أو التلطف في التعبير (Taboo) فيحصل انزياح دلالي للمعنى إذ يخضع إلى تعبير في مجاله مراعاة لمقتضى العرف الاجتماعي. يوضح الآمدي ذلك فيقول: "أن يكون الاسم في أصل اللغة بمعنى، ثم يشتهر في عرف استعمالهم بالمجاز الخارج عن الموضوع اللغوي، بحيث أنه لا يفهم من اللفظ عند إطلاقه غيره،
ص227
كاسم الغائط، فإنه وإن كان في أصل اللغة للموضع المطمئن من الأرض، غير أنه قد اشتهر في عرفهم بالخارج المستقذر من الإنسان، حتى أنه لا يفهم من ذلك اللفظ عند اطلاقه غيره، ويمكن أن يكون شهرة استعمال لفظ الغائط في الخارج المستقذر من الإنسان، لكثرة مباشرته وغلبة التخاطب به مع الاستنكاف من ذكر الاسم الخاص به، لنفرة الطباع عنه، فكنوا عنه بلازمه أو بمعنى آخر"(4).
إن التغير الدلالي الذي يمس اللفظ بنقل دلالته من مجال دلالي إلى آخر أو بتقييدها، هل ذلك يخص اللفظ أم الدلالة أم العلاقة بينهما؟ إن ذلك التغير الذي تنقل معه الدلالة أو تضيق أو توسع، يمس أساساً البنية الدلالية وتبقى البنية اللسانية الصوتية تحتفظ بنمطها الصوري مع حصول تعديل في ماهية الدليل، ذلك أن العلاقة بين الدال والمدلول تخضع لنمطية أخرى تناظر التحول الناشئ في ماهية المرجع، فينشأ متكلم اللغة على نمطية جديدة في تصريف الخطاب اللغوي وفق معايير قد تكون خفية فيبدو النظام اللغوي أصيلاً في عناصره، وإن كان قد اعتراه تغيير في عوالمه الدلالية مع بقاء معجم الأدلة دون تغيير.
هذه الحركية المستمرة التي تتسم بها المنظومة اللغوية، تنم عن الطابع الوظيفي الاجتماعي للغة حيث يبقى المتحكم في آليات الاستعمال للمعجم اللغوي هو العرف الاجتماعي الذي هو خلاصة لتراكمات نفسية وثقافية متشابكة، وهذا ما يتضح من تأكيد الآمدي على الصلة الوثيقة بين النظام اللغوي والعرف الاجتماعي وذلك في تحديد ماهية الدلالة الحقيقية العرفية.
ويصل الآمدي إلى تعيين الدلالة الشرعية بالاعتماد على معيار التحول الدلالي الناشئ عن نقل دلالة اللفظ من المجال اللغوي إلى المجال الشرعي، وتعني دلالة الاسم التي وضعت أولاً في الشرع وقد خصها الشارع بمحتوى دلالي أضحى يشكل صيغتها المعجمية إن سمعت أو قرأت تبادر إلى الذهن تلك الدلالة الشرعية دون سواها يقول الآمدي: "وأما الحقيقة الشرعية فهي استعمال الاسم الشرعي فيما كان موضوعاً له أو لا في الشرع"(5). وإشارة الآمدي إلى الدلالة الشرعية يقود إلى الاهتمام بالتطور الدلالي الحاصل في بنية النظام اللغوي، إذ الحقيقة الشرعية ما هي إلا تكريس لعرف لغوي سائد أو خلاصة لتراكمات لغوية دلالية استقرت الصيغة اللغوية بعدها على دلالة خاصة، فلا يمكن إذن أن نسلم بالوضع اللغوي الأول للحقيقة الشرعية ولذلك يستطرد الآمدي ليقف على تحديد
ص228
دقيق لماهية الوضع الشرعي الأول، خاصة وأنه استقر لدى كثير من أهل اللغة أن الدلالة الشرعية ما هي إلا امتداد محور لدلالة سابقة وليست دلالة بالوضع الأول، يفصل الآمدي الكلام في ذلك بقوله: "وسواء كان الاسم الشرعي ومسماه لا يعرفهما أهل اللغة، أو هما معروفان لهم، غير أنهم لم يضعوا ذلك الاسم لذلك المعنى، أو عرفوا المعنى ولم يعرفوا الاسم أو عرفوا الاسم ولم يعرفوا ذلك المعنى، كاسم الصلاة…"(6) هذه حالة أولى ذكرها الآمدي معللاً نشأة الحقيقة الشرعية، فقد يكون الدال ومدلوله مجهولين لدى أهل اللغة أصلاً، أو يكون الدال مشهوراً بمدلول فيأتي الشارع ليقيد له مدلولاً جديداً أو يكون المدلول معروفاً بدون دال أو العكس، وبهذا الوصف تكون الدلالة الحقيقية الشرعية دلالة أصلية بالوضع الأول، فالاقتران بين الدال ومدلوله كان باعتبار الواضع وهو الشارع…
أما الحالة الثانية التي يحدّدها الأصوليون لنشأة الحقيقة الشرعية، فتبدو الدلالة فيها محوّلة منقولة عن وضع لغوي أول، وذلك على اعتبار أن يكون أهل اللغة قد عرفوا الحقيقة الشرعية بمعرفة اللفظ والمعنى إلا أنهم عرفوا اللفظ بمفرده دون معناه الشرعي، أو عرفوا المعنى الشرعي دون لفظه الأصلي، وتعد الحقيقة الشرعية بهذا الوصف من قسم المنقول الذي قال عنه العلماء الأصول أنه المعنى اللغوي الذي نقل إلى المعنى الشرعي أو العرفي. وبعد هذه التفريعات التي أقام على أساسها الآمدي تقسيم "الحقيقة" يخلص إلى تعريف جامع مانع للدلالة الحقيقية ويربطها بالفعل الإجرائي المتمثل في الاستعمال لقصد التخاطب فيقول: "وإن شئت أن تجد الحقيقة على وجه يعم جميع هذه الاعتبارات قلت: "الحقيقة هي اللفظة المستعملة فيما وضع له أولاً في الاصطلاح الذي به التخاطب". فإنه جامع مانع"(7).
ص229
_____________________
( ) الإحكام في أصول الأحكام، ج1، ص 26.
(2) المصدر السابق،. ج1،. ص 27.
(3) المصدر نفسه، ج1، ص 27.
(4) المصدر نفسه، ج1، ص 27.
(5) المصدر نفسه ج1، ص 27.
(6) المصدر نفسه، ج1، ص 27.
(7) المصدر نفسه، ج1، ص 28.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|