المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2749 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
زكاة الفطرة
2024-11-05
زكاة الغنم
2024-11-05
زكاة الغلات
2024-11-05
تربية أنواع ماشية اللحم
2024-11-05
زكاة الذهب والفضة
2024-11-05
ماشية اللحم في الولايات المتحدة الأمريكية
2024-11-05

التربية اللائقة التي تقدمها المدرسة للطفل
2023-04-18
ماهية مبدأ قانونية فرض الضريبة وتطوره
12-4-2016
al-Ishbili Abu Muhammad Jabir ibn Aflah
22-10-2015
Quantum dots
1-3-2021
استراتيجية مهددات الأمن الداخلي
13-9-2021
توجد بعض الكحولات في الشحميات الطبيعية
25-7-2021


مدخل عام حول العلامة اللسانية عند الآمدي  
  
202   12:10 مساءً   التاريخ: 14-8-2017
المؤلف : منقور عبد الجليل
الكتاب أو المصدر : علم الدلالة اصوله ومباحثه في التراث العربي
الجزء والصفحة : ص158- 167
القسم : علوم اللغة العربية / علم الدلالة / جهود القدامى في الدراسات الدلالية / جهود الآمدي /

 

 

العلامة اللسانية عند الآمدي

مدخل عام 

1- علم أصول الفقه والدلالة:

لمّا كان عهد النبوة وإشعاعه المعرفي لا يزال يؤثر في مجرى المعارف والعلوم، لم يحتج العرب إلى علوم يبسطون فيها قواعد النظر والاستنباط. ولكن ما إن تقادم عهد النبوة، ودخلت أجناس مختلفة إلى الأمصار الإسلامية وبدأت تتفشى العجمة في اللغة العربية، وتبدت مناهج الفلسفة والمنطق الوافدة من علوم الفرس واليونان، رأيت نزوع العلماء نحو الاشتغال العقلي، ومزج فنون النقل بعلوم العقل فكان لزاماً عصرئذ من وضع طرق للاستنباط والنظر خاصّة ما تعلّق منها بنصوص مقدّسة كالقرآن الكريم وأحاديث الرسول الشريفة، فاهتدى العلماء إلى وضع علم أصول الفقه. وكان أوّل من فتق قواعد هذا العلم وأجراه مجرى التطبيق هو صاحب أول مصنّف في هذا المجال الإمام الشافعي –رضي الله عنه- في كتابه "الرسالة". وموقع أصول الفقه بالنسبة للفقه هو كموقع المنطق بالنسبة للفلسفة، إذ به تبرز الطرق الموصلة إلى إدراك ماهية المعاني والأحكام المستنبطة من مظانها، كذلك المنطق به بعضهم الذهن من الوقوع في الخطأ، يقول الدكتور علي سامي النشار: "وأول مسألة ينبغي توضيحها: هي اعتبار علم الأصول بالنسبة إلى الفقه كاعتبار المنطق بالنسبة إلى الفلسلفة (…) وفي الواقع أن اعتبار الأصول بالنسبة إلى الفقه، كاعتبار المنطق بالنسبة إلى الفلسفة، يبدو 

ص160

 

واضحاً تماماً إذا ما بحثنا في علم الأصول نفسه"(1) وحقيقة إن علم أصول الفقه يضع أدوات الاستنباط هي أشبه بأدوات المنطق في ضبط القضايا. يقول الإمام الزركشي في كتابه "البحر المحيط" معرفاً أصول الفقه: "فأصول الفقه هو مجموع طرق الفقه من حيث أنها على سبيل الإجمال وكيفية الاستدلال بها وحالة المستدل بها"(2) ويتقدم الآمدي قبل الزركشي في تعريف علم أصول الفقه فيقول: "فأصول الفقه هي أدلة الفقه وجهات دلالتها على الأحكام الشرعية وكيفية حال المستدل بها"(3). ثمّ احتاج علم أصول الفقه في مرحلة من مراحل تشكله إلى ضوابط لغوية أخذها من تقسيمات المناطقة للألفاظ من حيث دلالتها على المعاني ومن حيث عمومها وخصوصها ومن حيث إفرادها وتركيبها. وإنّ نظرة عجلى إلى استهلالات كتب الأصوليين وتلك التي في كتب المنطق لتؤكد ما مدى صلة علم أصول الفقه بالمنطق، خاصّة، يقول الدكتور علي سامي النشار وهو يتحدث عن تلك المداخل اللغوية في كتب الأصوليين: "وتبدأ هذه الأبحاث اللفظية كما تبدأ كتب المنطق الأخرى بالبحث المشهور "دلالة الألفاظ على المعاني"(4) ومنذ عهد الغزالي دأب الأصوليون المتكلمون يستهلون كتبهم بمقدمات كلامية كمظهر من مظاهر تأثرهم بالمنطق اليوناني ومنهم الآمدي صاحب كتاب "الإحكام في أصول الأحكام" وقد عدّت المباحث اللغوية في تلك الكتب من مسائل المنطق لأن الأصوليين المتكلمين خاصّة، نصّوا على قواعد نظرية المعرفة وذكروا من ضمنها المبحث اللغوي الذي يتناول اللفظ والمعنى وما يتفرع عنه من مسائل، وقد أطلقوا على تلك المقدمات اللغوية المنطقية بشكل عام اسم الكلامية وذلك لاعتبارهم أن المنطق جزء من علم الكلام، إلا أنّ ما يجدر ذكره هو عمق النظرة اللغوية عند الأصوليين بلجوئهم إلى طرق وأدلة خاصّة في تعاملهم مع اللغة، لا يتوفر عليها اللغويون أنفسهم يقول الدكتور علي سامي النشار: "إن المباحث الأصولية اللغوية ليست من نوع علوم اللغة أو النحو العادية. فقد دقق الأصوليون نظرهم في فهم أشياء من كلام العرب لم يتوصل إليها اللغويون أو النحاة. إن كلام العرب متسع وطرق البحث فيه متشعبة، فكتب اللغة تضبط الألفاظ والمعاني الظاهرة دون المعاني الدقيقة التي يتوصل إليها الأصولي باستقراء يزيد على استقراء اللغوي. 

ص161

 

فهناك دقائق لا يتعرض لها اللغوي ولا تقتضيها صناعة النحو"(5). إن المباحث اللغوية ومنها الدلالية على الخصوص، في كتب الأصوليين تتسم بعمق ودقّة الاستقراء، فتخريج الدلالة يتم عبر تفكيك لبنية الخطاب بتحليل عناصره وربط ذلك بالمقام العام الذي يقتضي تلك الدلالة دون غيرها. إن اللغة منظومة لسانية وسيمائية بأنماطها المختلفة في التعبير وأسرار البيان تبدو بارزة بشكل ناضج في بحوث غير اللغويين، كالأصوليين الذين أسقطوا منهج الاستقراء والتدقيق في الجزئيات على اللغة، ذلك لاعتقادهم أن من الأسس الرئيسة لنظرية المعرفة هي اللغة فخاضوا في أقسام الألفاظ والدلالات، فبحثوا الاشتراك والترادف وأفاضوا الجدل حولهما وقسّموا الدلالات بحسب المنطوق والمفهوم من الخطاب، كما أبانوا عن قدرة لغوية في تحديد أدوات ضبط الدلالة المعيّنة فبحثوا الاستغراق والعموم والشرط والاستثناء والتقديم والتأخير والإطلاق والتقييد وغير ذلك مما سيرد ذكره في مباحث الآمدي في هذا المجال، وفضلاً على وضوح المنهج الأصولي الذي يبدأ بما هو عملي وإجرائي قبل مناقشة المسائل النظرية المجردة فقد أكّد الأصوليون على ضرورة الإلمام الشامل بحيثيات الخطاب وظروفه وتجاوز البنية اللسانية للخطاب إلى رصد المعالم الدلالية العميقة، وذلك من أجل الفهم الكلي لفحوى الخطاب، وهو ما أشار إليه علماء الدلالة المحدثون ومنهم (تشومسكي) الذي ذهب إلى أنّه لفهم جملة ما يجب أن يكون لدينا معارف أخرى تتجاوز التحليل اللساني لهذه الجملة في كل مستوى لساني، ويجب كذلك أن نعرف مرجع ومعنى المورفامات أو الكلمات التي تؤلفها"(6).

2-لمحة عن حياة الآمدي وكتابه الإحكام في أصول الأحكام:

إن الركام المعرفي الذي اجتمع في القرن السادس الهجري، كان له أكبر الأثر في بروز أعلام سخّروا حياتهم لإعادة ترتيب ذلك الركام المعرفي وتمحيصه وتذليله حتى يدخل في تفاعل جدلي مع عطاءات القرن، وحاجات أهله من المعرفة والعلم. لقد وقر في الأذهان أن فكر الإنسان لا يمكن أن يعزل عن مجرى عصره وحوادث زمانه ونتوءات أيامه البارزة، فالإطار التاريخي الحضاري الذي نشأ في أجوائه الآمدي جعله يتبوأ مكانة عليّة في عصره، خاصّة وأنّه أتى بعد 

ص162

 

أولئك الأعلام الذين رسموا المنهاج القويم في العلوم وتركوا آثاراً بقيت على مرّ الزمن، معالم بارزة ومنارات نيّرة يهتدي بها كل عالم متأخر. فقد سبق الآمدي –كما أوضحنا في الفصل السابق- الشافعي- رضي الله عنه- والجاحظ وابن جني وابن سينا وعبد القاهر الجرجاني وغيرهم.

الآمدي هو سيف الدين أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم التغلبي. كانت ولادته في سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، ففيه أصولي مقدّم في زمانه، اعجب علماء عصره بحسن كلامه وقوّة حجته في الجدل والمناظرة يقول عنه معاصره بن أبي أصيبعة، الذي كانت تجمع أباه والآمدي مودة أكيدة: "كان أذكى أهل زمانه وأكثرهم معرفة بالعلوم الحكمية، والمذاهب الشرعية والمبادئ الطبية (…) فصيح الكلام جيّد التصنيف"(7). بدأ الآمدي يشتغل بالمذهب الحنبلي مدّة من الزمن ثم ما لبث أن انتقل إلى المذهب الشافعي، وقد عدّه ابن السبكي فيما عدّ من علماء الشافعية في كتابه "طبقات الشافعية"، كَثُر ترحال الآمدي كما كَثُر حسّاده من العلماء الذين ألّبوا عليه الأمراء والحكام بحجة الاشتغال بالمنطق والفلسفة حتّى وصل بهم الأمر، إلى استحلال دمه، وأمضوا في عارضة قدموها إلى حاكم مصر فخرج متخفياً إلى الشام يقول عنه ابن خلكان: "كان في أول اشتغاله حنبلي المذهب (…) وبقي على ذلك مدّة ثم انتقل إلى مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه. ثم انتقل إلى الشام واشتغل بفنون المعقول وحفظ منه الكثير وتمهر فيه وحصّل منه شيئاً كثيراً ولم يكن في زمانه أحفظ منه لهذه العلوم"(8). لمّا قدم إلى دمشق أكرمه الملك المعظم شرف الدّين بن أيوب وأنعم عليه وولاّه التدريس. وكان نابغة في الشام، لم يرق إلى مقامه أحد من العلماء يقول ابن أبي أصيبعة في ذلك: "وكان إذا نزل وجلس في المدرسة وألقى الدرس والفقهاء عنده يتعجب الناس من حسن كلامه في المناظرة والبحث، ولم يكن أحد يماثله في سائر العلوم"(9). للآمدي منهاج فريد في التصنيف والمحاجة إلى درجة تبعث على الاندهاش، وذلك لتمكنه الشديد من أدوات الجدل والكلام، ومنها اللغة وعلومها والمنطق ومسائله ولذلك "كان (الآمدي) قوي العارضة كثير الجدل واسع الخيال، كثير التشقيقات في تفصيل المسائل، والترديد والسبر والتقسيم في الأدلة إلى درجة قد تنتهي بالقارئ أحياناً إلى الحيرة"(10).

ص163

 

وقد نقل الذهبي في كتابه "الميزان" أموراً هي محل ريبة وشك تخصّ عقيدة الآمدي وهي أنّه كان مستهتراً تاركاً للصلاة، وقد لوحظ ذلك بأن وضعت علامة من الحبر في أسفل قدمه بينما هو نائم ثم تبين أنّ تلك العلامة لم تَزُل من تحت قدمه بعد ذلك اليوم، وقد ردّ ابن كثير هذه الشكوك في كتابه "البداية والنهاية" خاصّة وأنّ هناك من العلماء من لا يرى الدّلك في الوضوء من فرائض الطهارة بل إنّ الحبر قد يبقى أياماً ولا يزول بفعل الوضوء، ومهما يكن فإنّ المصنفات التي تركها الآمدي وخاصّة كتابه "الإحكام في أصول الأحكام" يدل على احترام ظاهر وتقدير عالم ورع لآيات الله وأحاديث رسوله الكريم وقد نقل عنه ولده جمال الدين محمد بعض ممّا أنشده أبوه لنفسه(11) من ذلك قوله:

فلا فضيلة إلاّ من فضائله

ولا غريبة إلا وهو منشأها

 

حاز الفخار بفضل العلم وارتفعت

به الممالك لما أن تولاها

 

فهو الوسيلة في الدنيا لطالبها

وهو الطريق إلى الزلفى بأخراها

 

لقد ترك الآمدي مصنّفات تربو على العشرين مصنّفاً اختصر بعضها في كتاب جامع، من ذلك كتاب "أبكار الأفكار" في علم الكلام اختصره في كتاب، سمّاه "منائح القرائح" وله كتاب "رموز الكنوز" و "دقائق الحقائق" ولباب الألباب" و "كتاب منتهى السؤل في علم الأصول" و "كتاب كشف التمويهات في شرح التنبيهات" و كتاب "غاية الأمل في علم الجدل" وغير ذلك من الكتب فضلاً على كتاب "الإحكام في أصول الأحكام".

وأقام الآمدي في آخر حياته بدمشق مدرساً بالمدرسة العزيزية ثم ما لبث أن عزل منها وأقام بطالاً في بيته وتوفي على تلك الحال في رابع صفر يوم الثلاثاء سنة إحدى وثلاثين وستمائة ودفن بسفح جبل قاسيون بدمشق(12) -رحمه الله-.

-كتاب "الإحكام في أصول الأحكام": موضوعه وخطته:

أهم دافع يحفّز على قراءة كتاب "الإحكام في أصول الأحكام" قراءة دلالية، هو وضوح منهجه ودقة موضوعاته، وبسطه لقواعد لغوية وسنن كلامية وتعبيرية، تبدو فيه اللغة العربية منظومة دلالية في حاجة إلى الإحاطة بأسرارها ومعانيها 

ص164

 

وقدراتها على تحديد المعاني، تحديداً يتجاوز النص المكتوب إلى رؤية تأويلية تعطي لفحوى النص أبعاده الدلالية الخاصّة. وقد أشاد علماء كثيرون بقيمة كتاب "الإحكام في أصول الأحكام" وعدّوه أحد الأعمدة الأساسية التي أقامت علم أصول الفقه، علماً له قواعده وأصوله وطرائقه ومناهجه، فقد اعتبر ابن خلدون علم أصول الفقه من العلوم المستحدثة في الملّة وذكر علماء هذا الفن السابقين فقال: "وكان من أحسن ما كتب فيه المتكلمون، كتاب البرهان لإمام الحرمين(13)، والمستصفى للغزالي وهما من أشعرية، وكتب (العمد) لعبد الجبّار وشرحه "المعتمد" لأبي الحسين البصري وهما من المعتزلة، وكانت الأربعة قواعد هذا الفن وأركانه ثمّ لخّص هذه الكتب الأربعة فحلان من المتكلمين المتأخرين، وهما الإمام فخر الدين بن الخطيب في كتاب المحصول، وسيف الدين الآمدي في كتاب الإحكام"(14).

كان مشروعنا الأول، هو دراسة أفكار الآمدي الدلالية من خلال كتبه أو على الأقل من خلال أهم كتبه التي بسط فيها هذه الأفكار، لكننا ما إن قطعنا بعض الخطوات في دراسة كتاب "الإحكام في أصول الأحكام" حتّى تبيّن لنا استحالة ذلك، وأدركنا أن ما جاء في هذا الكتاب وحده لا يمكن أن نفيَ بدراسته في هذا المقام فعدلنا عن الهدف الأوّل واقتصرنا على دراسة جهود الآمدي الدلالية من خلال كتابه الإحكام معتمدين على الطريقة الاستقرائية التي استندنا فيها على ما قررته الدراسات الدلالية والسيميائية الحديثة، وحاولنا إعادة قراءة ما كتبه الآمدي في الإحكام قراءة جديدة آخذين بعين الحذر صعوبة إجراء إسقاطات علمية منهجية لها مرجعيتها التاريخية والإبستيمولوجية، على فترة معرفية من فترات التراث العربي، واحتطنا على ذلك بإجراء مقاربات بين ما أرساه الآمدي من قواعد وسنن لغوية وضوابط دلالية وسيميائية تخصّ الخطاب اللغوي بتجلياته المختلفة، وبين ما تأسّس حديثاً من أفكار ونظريات سيميائية لدى بعض علماء السيمياء المحدثين.

لقد اعتمدنا في دراستنا حول جهود الآمدي الدلالية على كتابه "الإحكام في أصول الأحكام" بتحقيق وشرح العلامة الشيخ عبد الرزاق عفيفي، ونسخة ذات طبعة ثانية بسنة 1402هـ الموافق لـ 1981م، هذه الطبعة التي نشرت في دار "المكتب الإسلامي" في أربعة أجزاء يضمّها مجلّدان، لكننا كنّا نرجع بين الفينة 

ص165

 

والأخرى إلى طبعتين أخريين هما: طبعة دار الكتب العلمية بشرح وتعليق الشيخ إبراهيم العجوز، وهي طبعة أولى بسنة 1402هـ الموافق 1985م. أما النسخة الثانية التي كنت أرجع إليها هي طبعة دار الكتاب العربي، بشرح وتحقيق الدكتور سيّد الجميلي في طبعة ثانية سنة 1406هـ الموافق 

لـ 1986م.

لقد رسم الآمدي في كتابه "الإحكام" المنهج والخطة الواضحة لبحثه بحيث يتخذ طرق النظر والملاحظة العميقة مع الجمع بين البحث في المبنى والمعنى كليهما، وفي ذلك تحديد مسبق لإطار الدراسة التي تهدف إلى الكشف عن أفكار الموضوع مادة البحث. ولا عجب في ذلك إذا علمنا أنّ الآمدي قد برع في السبر والتقسيم وتفريع المسائل، وكان أستاذاً يلقن قواعد البحث للمتعلمين وصاحب منهج في التدريس لم يعرف أحسن منه في عصره، بعد تبيانه لمكانة الأحكام الشرعية، والقضايا الفقهية وفضلها على مصالح العباد في الدنيا والدين وضّح الآمدي السبيل إلى استثمار ذلك فقال: "وحيث كان لا سبيل لاستثمارها دون النظر في مسالكها ولا مطمع في اقتناصها من غير التفات إلى مداركها. كان من اللازمات والقضايا الواجبات البحث في أغوارها والكشف عن أسرارها والإحاطة بمعانيها والمعرفة بمبانيها حتى تذلل طرق الاستثمار وينقاد جموع غامض الأفكار"(15). ثمّ إنّ تحديد الدلالات اللفظية يمرّ عبر معرفة الأحكام اللغوية في علم العربية كالحقيقة والمجاز وموضوعاتهما الفرعية، والتعميم والتخصيص وأدواتهما والإضمار والتنبيه والإطلاق والتقييد والمفهوم والمنطوق وغير ذلك ممّا يعد مدخلاً مهمّاً لاستنباط الأحكام وقاعدة ينطلق منها الأصولي من أجل إثبات حكم أو نفيه أو تأويله، يحدّد الآمدي أدوات البحث الأصولي فيحصرها في ثلاث: علم الكلام، وعلم العربية، والأحكام الشرعية فيشرح علم العربية فيقول: "أما علم العربية فلتوقف معرفة دلالات الأدلة اللفظية من الكتاب والسنة، وأقوال أهل الحل والعقد من الأمة، على معرفة موضوعاتها لغة، من جهة الحقيقة والمجاز والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد والحذف والإضمار والمنطوق والمفهوم والاقتضاء والإشارة والتنبيه والإيماء وغيره ممّا لا يعرف في غير علم العربية"(16).

إن المباحث اللغوية التي ذكرها الآمدي تعدّ مفاتيح ضرورية للولوج إلى المسالك المتعلقة بأصول الفقه الذي يتناول القرآن الكريم والسنة الصحيحة، 

ص166

 

كمادتين للبحث عن قواعد علمية موضوعية، لضبط دلالة نصوصهما ضبطاً لا يحتمل تأويلات قد تفقد النص دلالته التي تقف وراءها مصالح أمّة بأسرها، أو ضرورة من الضرورات الشرعية. ولذلك كان لزاماً التحقق من الأدلة الفقهية ودلالاتها وموقع المستدل بها، يقول الآمدي شارحاً ذلك: "فأصول الفقه هي أدلة الفقه وجهات دلالاتها على الأحكام الشرعية وكيفية حال المستدل بها"(17). وهو بذلك كأنه يشير إلى علم الدلالة الحديث الذي يقتضي وجود أدلة لغوية وغير لغوية ودلالات الأدلة ثم مراعاة حال المتكلم ومقامه وحال المخاطب وموقعه.

لقد نصّ الآمدي في مقدمة كتابه على دواعي تأليفه "للإحكام" بحيث جعله خاصاً بالملك المعظم شرف الدين بن أيوب ملك دمشق وأهداه إليه وجعل كتابه هذا "حاوياً لجميع مقاصد قواعد الأصول، مشتملاً على حل ما انعقد من غوامضها على أرباب العقول، متجنباً للإسهاب وغث الأطناب مميطاً للقشر عن اللباب…"(18) وقد حدّد الآمدي مسائل هذا الكتاب وقسمها إلى أربع:

- المسألة الأولى: في مفهوم أصول الفقه ومبادئه وموضوعه وغاياته تناول فيه المبادئ الكلامية واللغوية، وأقسام اللفظ ودلالاته، كما بحث موضوع الحقيقة والمجاز والفعل وأقسامه والحرف وأصنافه وعرض لنشأة اللغة وأصلها.

- المسألة الثانية: في مفهوم الدليل الشرعي وأقسامه وما يتعلق به من أحكام، فبحث مسائل شرعية مختلفة تخصّ الكتاب الكريم والسنة المطهرة بالخصوص  فبحث الخبر، والخطاب وأقسامه فعرض للأمر والنهي وبسط القول فيهما، كما تناول موضوع العموم والخصوص وأدلة التعميم والتخصيص، كما أسهب القول في الإطلاق والتقييد والإجمال والإضمار والتأويل.

- المسألة الثالثة: في أحكام المجتهدين وأحوال المفتين والمستفتين.

- المسألة الرابعة: في الترجيحات الواقعة بين الحدود الموصلة إلى المعاني المفردة التصوّرية والحدود الموصلة إلى التصديقات، تحدث فيها كذلك عن القياس والاجتهاد.

ص167

____________________

( ) منهاج البحث عند مفكري الإسلام. ص79.

(2) البحر المحيط، ج1- ص19.

(3) الإحكام في أصول الأحكام، ج1- ص7.

(4) منهاج البحث عند مفكري الإسلام. ص45.

(5) المرجع السابق، ص91.

(6) ص 117 Structures syntaxique ,N. chomsky ترجمه إلى الفرنسية. ميشال برودو (Michel Braudeau).

(7) عيون الأنباء في طبقات الأطباء ج3- ص285.

(8) وفيات الأعيان، ج3، ص293.

(9) عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ج3، ص285.

(0 ) الإحكام في أصول الأحكام (المقدمة) الشيخ عبد الرزاق عفيفي.

(1 ) عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ج3 ، ص285.

(2 ) وفيات الأعيان –ابن خلكان، ج3، ص294.

(3 ) المقدمة، ج2، ص554.

(4 ) إمام الحرمين هو عبد الله بن يوسف الجويني الشافعي.

(5 ) الإحكام في أصول الأحكام، ص3.

(6 ) المصدر السابق، ص8.

(7 ) المصدر نفسه، ص7.

(8 ) المصدر نفسه، ص4.




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.