أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-8-2017
3056
التاريخ: 7-8-2017
2683
التاريخ: 19-8-2017
3016
التاريخ: 12-8-2017
2841
|
اللواء: ما يُعقد على رمح أو عصا، ويقال له: (الراية)، كما يطلق عليهما (العلم)، هذا عند أهل اللغة.
وعند المؤرّخين أنّهما شيئان، فذكروا أنّ الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) عقد لحمزة بن عبد المطلب لواءً أبيض في رمضان أول الهجرة، وفيه يقول حمزة:
فما برحوا حَتّى انتدبت لغارة ... لهم حيث حلوا ابتغي راحة الفضل
بأمر رسول اللّه أول خافق ... عليه لواء لم يكن راح من قبل
لواء لديه النصر من ذي كرامة ... إله عزيز فضله أفضل الفعل
وأوّل راية عقدها للمسلمين في شوّال من هذه السنّة .
والمعقود على رمح أو غيره إن كان واسعاً فهو الراية، وإلاّ فاللواء، ويقال للعلم الكبير: البند والعقاب، إن خُصّ الثاني بما
يعقده للولاة ، والتسمية بالعقاب اقتبسها العرب من الروم، فإنّ العقاب والنسر شارة الرومان يرسمونها على أعلامهم وينقشونها على أبنيتهم .
وكان أعلام الروم كباراً تحت كُلِّ علم عشرة آلاف أو أكثر .
وكانت راية كسرى يوم الجسر سنّة 13 هجرية من جلود النمر في عرض ثمانية أذرع، وطول اثني عشر ذراعاً، وهي المسمّاة " درفش كابيان " .
وهذه الراية كانت محفوظة في خزائنهم، ولم تكن بهذه السعة وإنّما زادوا عليها تبرّكاً، والأصل فيها أنّ الضحّاك بيوراسف خرجت من منكبيه سلعتان، فكان إذا اشتد عليه الألم طلاهما بدماغ إنسان يذبحه، فلاقى الناس منه عناء ونكد وجور، فأخذ ابنين لرجل من أهل أصبهان اسمه " كابي " فشقّ عليه، فدعا الناس للخروج على الضحّاك، وأخذ عصا وعلّق عليها جراباً وتبعه الناس، فتغلّب على الضحّاك وخلعوه عن الملك، واستراحوا من جوره، فعظّموا ذلك العلم، وتفألوا به، وزادوا فيه حتّى صار عند ملوك العجم العلم الأكبر الذي يتبرّكون به وسمّوه " درفش كابيان " .
كما احتفظ الأمويون براية ابن زياد التي أخرجها يوم الطفّ، ففي تاريخ (يزد) للآيتي ص72: أن أبا العلاء الطوفي كان هو وأبوه من عمّال الأمويين، طاف البلاد لأخذ البيعة لهم فلقّب (بالطوفي)، وكان معلّماً لهشام بن عبد الملك، فلمّا ولي هشام المُلك أراد أن يكافأه على خدمته، فبعثه عاملاً (على يزد) ودفع إليه تلك الراية، فسار أبو العلاء إلى (يزد)، ونصب الراية في البستان المشهور باسمه، ودعا أهل يزد إلى بيعة الأمويين، وكانوا على طريقة أهل البيت (عليهم السلام)، وأخذهم على ذلك أخذاً شديداً، وعاملهم بالقسوة والجور، وبقوا يتقلّبون على حسك الظلم إلى أن ظهر أبو مسلم الخراساني أيّام مروان الحمار، وتصرّف في خراسان وفارس سنّة 132 وسنة 133 هجرية، فراسله اليزديّون وطلبوا إنقاذهم من مخالب الطوفي، فبعث أبو مسلم محمّد الزمجي إلى أصفهان ويزد.
وبلغ الطوفي إقباله بجيش جرار، وأن اليزديّين معه، فخرج ليلاً من يزد إلى قرية " ابرند آباد "، فبعث محمّد الزمجي جماعة فقبضوا عليه وأتوا به إلى يزد، وتجمهر اليزديّون رجالاً ونساء عليه، واستقرّ الرأي على إحراقه والراية معه، ففعل بهما ذلك وانتهبوا القصر والبستان.
وإنّ المصادر التاريخية لم ترشدنا إلى أوّل من رفع اللواء، ويقوي في الظن أنّ (كابي) المتقدّم أوّل من اتخذه، كما أنّ الخليل ابراهيم (عليه السلام) أوّل من اتخذ الرايات، وذلك لمّا غلب الروم على لوط وأسروه رفع الخليل راية وسار لمحاربة الروم، فغلبهم واسترجع لوطاً .
ولمّا جاء الإسلام، وانتشر العرب في أنحاء الشام وفارس ومصر، وتعدّدت دولهم، كثرت ضروب الألوية عندهم، وتنوعت أشكالها، وتعدّدت ألوانها وأطالوها وسمّوها بأسماء مختلفة، حتّى تفاخروا بتعدادها، فقد بلغت رايات العزيز باللّه الفاطمي لمّا خرج إلى فتح الشام خمسمائة راية ومثلها البوقات.
وكانوا ينقشون على راياتهم أسماء الخُلفاء والسلاطين والقواد، أرهاباً وإعزازاً وتفاؤلاً بالظفر، فقد كتب ابن بشكم على رايته (الرائقي) نسبة إلى ابن رائق، وربما كتبوا آيات القرآن عليها، فقد وجد في دير الظاهر مدينة برغوس في الأندلس راية من الحرير الخالص مطرزة بالنقوش الجميلة وعليها آيات قرآنية .
وكتب أبو مسلم الخراساني بالحبر على لوائه: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39] ، ثُمّ إنّه عقد لواء بعثه إليه إبراهيم الإمام اسمه " الظل " على رمح طوله أربعة عشر ذراعاً، وعقد آخر بعث به إليه اسمه " السحاب " على رمح طوله ثلاثة عشر ذراعاً .
أمّا الوان الألوية والرايات فلا يُعرف عنها شيء في الجاهلية سوى راية العقاب فإنّها سوداء، وكذلك راية النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويقال: إنّ رايات العرب كانت بيضاء .
أمّا رايات النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مغازيه فمختلفة، ففي بدر كانت راية حمزة حمراء وراية أمير المؤمنين صفراء، ويوم أُحد وخيبر اللواء والراية أبيضان ، وفي عين الوردة الراية بلقاء .
وكانت أعلام بني أُميّة حمر، وكُلّ من دعا إلى الدولة العلوية فعلمه أبيض، ومن دعا إلى الدولة العباسية فعلمه أسود، ويقرب في الظنّ أنّ شعار العلويين الخضرة حتّى في راياتهم، فإنّ المأمون لمّا عقد ولاية العهد للإمام الرضا (عليه السلام) ألزم الناس بالخضرة وترك شعار العباسيين.
نعم، لمّا عقد المتوكّل لبنيه البيعة عقد لكُلِّ واحد منهم لوائين، أحدهما أسود وهو لواء العهد، والآخر أبيض وهو لواء العمل .
وكيف كان، فالراية: عقد نظام العسكر وآية زحفهم، فلا يخالون انجفالاً ما دامت تسري أمامهم، فهي بتقدّمها شارة الظفر وعلامة الفوز، فلن تجد جحفلاً منثالاً وفيلقاً ملتاثاً إلاّ إذا انكفأت الراية أو أُصيب حاملها، فخرّت، ولذلك لا تُعطى إلاّ للأكفّاء الحُماة الغيارى على المبدأ، ممّن لا يجبّنه الخور أو يفشله الضعف أو يخذله الطمع.
وفي قول سيّد الوصيّين (عليه السلام) شاهد عدل على هذا، فإنّه كان يحرّض الناس يوم صفين ويقول: " ولا تميلوا براياتكم ولا تزيلوا، ولا تجعلوها إلاّ مع شجعانكم، فإنّ المانع للذمار والصابر عند نزول الحقايق هم أهل الحفاظ.. واعلموا أنّ أهل الحفاظ هم الذين يحتفون براياتهم ويكتنفونها، ويصيرون حفافيها وورائها وأمامها، ولا يضيعونها، ولا يتأخّرون عنها فيسلمونها، ولا يتقدّمون عنها فيفردونها " .
ولقد كان حملة الرايات يتهالكون دون حملها إلى آخر قطرة تسقط من دمائهم، حذراً من وصمة الجبن، وشية العار، وسمة الخزي، ولا يدع لهم ثبات الجأش، وحمى الذمار، واصرة الشرف أن يلقوها ما دامت أيديهم تقلّها.
لا عَيبَ فيهم غَيرَ قَبضهم اللوا ... عندَ اشتباكِ السُمر قبضَ ضَنين
من أجل ذلك كانت راية الإسلام مع أمير المؤمنين في جميع مغازي الرسول ولم يفته مشهد إلاّ " تبوك " حيث لم يقع فيها قتال ، وإلاّ لمّا تركه النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة مع ما يعلمه من بلائه وإقدامه.
وفي يوم بدر أعطاه الرسول (راية الإسلاّم)، فزحف بها والمسلمون خلفه ولمّا يبلغ الخامسة والعشرين من عمره، فأظهر أمير المؤمنين (عليه السلام) فيها من البسالة والنجدة والبأس ما أطاش الألباب، وحيّر العقول، وجبّن الشجعان، ووضع من قدرها، فطار (أبو الحسن) بذكرها، وحاز مجدها، واستأثر بفضلها.
وإنّ عمله في هذا اليوم الذي كسر اللّه به شوكة المشركين، وفلّ خدهم، لمن خوارق العادة، وأجلّ الكرامات، إذ لم يباشر قبله حرباً ولا نازل قرناً، فعمل في ذلك الجمع من النكاية والقتل الذريع ما لم يشاهد مثله، مع أنّ أكثر الجمع قد مارس الحرب، وقاسى الأهوال، وخاض الغمرات، وبارز الشجعان.
وأمّا يوم أُحد فكان اللواء مع مصعب بن عمير من بني عبد الدار، وإنّما أعطاه النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جبراً لقلوب من آمن به من بني عبد الدار، خصوصاً لمّا كان لواء المشركين مع قومهم من بني عبد الدار، وبعد أن فعل مصعب ذلك اليوم ما يبهر العقول وأدّى حقّ اللواء حتّى قطعت يده اليمنى، ثُمّ اليسرى، وإذ قطعت ضمّ اللواء إلى صدره حتّى طعن بالرمح في ظهره فسقط إلى الأرض قتيلاً، دفع النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اللواء إلى صاحبه (أبي الريحانتين)، فكان لأمير المؤمنين (عليه السلام) من البلاء العظيم والمقامات المحمودة ما لم يكن لأحد قط، حتّى عجبت من ثباته وحملاته الملائكة بقتله أصحاب الألوية.
ولمّا كانت الدبرة على المسلمين كان له الموقف المشهود، أبصر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جماعة فقال لعلي: " فرّقهم "، ففرّقهم، وقتل عمرو بن عبد اللّه الجمحي، ثُمّ أبصر جماعة أُخرى فقال له: " فرّقهم "، فحمل عليهم، وقتل شيبة بن مالك، فقال جبرائيل: هذه المواساة.
قال النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " وما يمنعه، إنّه منّي وأنا منه ".
فقال جبرائيل: وأنا منكما.
وسمعوا صوتاً:
لا سَيْفَ إلاّ ذو الفِقار ... ولا فَتىً إلاّ علي
وفي يوم خيبر لمّا شاهد النّبي خور المسلمين وضعفهم وانتصار اليهود، لانكسار (الرجلين) في اليوم الأوّل والثاني، ساءه ذلك فقال: " لأعطينّ الراية غداً رجلاً يُحبّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله "، فاستطالت لها أعناق الرجال رجاءً أن يُدعوا لها، فيحظون بالفتح والسعادة الخالدة.
فأتاه الوصيُّ أرمدَ عين ... فسقاها من ريقه فشفاها
ومضى يطلب الصفوف فولّت ... عنه علماً بأنّه أمضاها
وبرى مرحباً بكفّ اقتدار ... أقوياء الأقدار من ضعفاها
ودحى بابها بقوّة بأس ... لو حمتها الأفلاك منه دحاها
وأمّا يوم حنين فلم يلق المسلمون أشدّ منه، فلقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وبلغت القلوب الحناجر، وعاتبهم اللّه على فرارهم عن حبيبه وخاتم رسله، ولكن ظهرت في هذا اليوم عظمة (صاحب الراية)، ومكانته من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وموقفه من الدّين، ومبلغه من الدفاع، وثباته في وجه الخطوب حتّى تراجع المسلمون.
ثُمّ لُفّت هذه الراية خمساً وعشرين سنة، ونشرها أمير المؤمنين يوم (الجمل)، وأعطاها لولده محمّد ابن الحنفية وقال له: هذه راية رسول اللّه لا تردّ قطّ، فزحف بها ابن حيدرة والجيش خلفه وقيس بن سعد بن عبادة يقول :
هذا اللواء الذي كنّا نحفّ به ... مع النّبي وجبريل لنا مددا
ما ضرّ من كانت الأنصار عيبته ... أن لا يكون له من غيرها أحدا
قوم إذا حاربوا طالت أكفّهم ... بالمشرفيّة حتّى يفتحوا البلدا
وأدّى شبل علي (عليه السلام) حقّها حتّى كان الفتح، كما أنّها كانت معه يوم النهروان.
أمّا يوم صفّين فكانت راية الهمدانيين مع سفيان بن يزيد، فلمّا قُتل أخذها أخوه عبيد، ثُمّ أخوه كرب، ثُمّ عمير بن بشير، ثُمّ الحرث بن بشير، ثُمّ وهب بن كرب، وكُلّهم قتلوا دونها .
وفي هذا اليوم الباهر كان لحملة الرايات من أهل العراق المقام المشكور، حتّى تضعضع من أقدامهم عرش معاوية لولا القضاء وإبرام المحتوم.
فكان ذوو ألويات يحرصون على رفعها، لكونها معقد الجيش، وبها يتمّ نظامهم، وتتطامن نفوسهم، ولم ينكسر الجيش إلاّ بقتل صاحب الراية وسقوطها.
ومن هنا نعرف مكانة أبي الفضل من البسالة، وموقفه من الشهامة، ومحلّه من الشرف، ومبوءه من الدّين، ومنزلته من الغيرة، ومرتقاه من السؤدد، يوم عبّأ الحسين أصحابه، فأعطى رايته أخاه " العبّاس "، مع أنّ للعبّاس أُخوة من أُمّه وأبيه، وهناك من أولاد أبيه من لا يسلم اللواء، كما أنّ في الأصحاب من هو أكبر سنّاً منه، مع صدق المفادات، ولكن سيّد الشهداء وجد أخاه أبا الفضل أكفى ممّن معه لحملها، وحفظهم لذمامه، وأرأفهم به، وإدعاهم، إلى مبدئه، وأوصلهم لرحمه، وأحماهم لجواره، وأثبتهم للطعان، وأربطهم جأشاً، وأشدّهم مراساً.
فكان " صاحب الراية " عند معتقد أخيه الإمام ثابت الجأش في ذلك الموقف الرهيب ثبات الأسد الخادر، وهذا بيان مطرد تلهج به الألسن، وإلاّ فما موقف الأسد منه! ومن أين له طمأنينة هذا البطل المغوار الثابت فيما يفر عنه الضرغام.
ولولا احتقار الأسد شبّهتها به ... ولكنّها معدودة في البهائم
نعم، أنسب تشبيه يليق بمقامه أنّه كان يصول ومعه صولة أبيه المرتضى.
وللعبّاس مزيّة على من حمل اللواء، وبارز الأبطال، وتقدّم للطعان، فإنّه (عليه السلام) قد ألمّت به الكوارث والمحن من نواحي متعدّدة: من جروح، وعطش، وفئة صرعى، وحرائر ولهى، وأطفال أمضّ بها الظما، والواحدة منها كافية في أن تهدي إلى البطل ضعفاً، وإلى الباسل فراراً، لكن صريخة بني هاشم بالرغم من كُلّ هاتيك الرزايا كان يزحف بالراية في جحفل من بأسه، وصارم من عزمه، وكان في حدّ حسامه الأجل المتاح، وملك الموت طوع يمينه، إذاً فليس من الغريب إذا ظهر في غصن الخلافة ما يبهر العقول:
قسماً بصارمه الصقيل وإنّني ... في غير صاعقة السما لا أُقسم
لولا القضا لمحا الوجود بسيفه ... واللّه يقضي ما يشاء ويحكم
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|