أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-3-2022
4379
التاريخ: 18-12-2017
3108
التاريخ: 28-5-2017
3113
التاريخ: 28-5-2017
3456
|
ليس من شك في أنه اذا غلبت عواطف القاضي وأحاسيسه على عقله، تعرض جهاز القضاء للفوضى والاختلال، وانتهى الى تمزق المجتمع وسقوطه، وانهيار كل شيء، لارتباط كل شيء بالعدالة وارتباط العدالة بالقضاء والمؤسسة القضائية.
إن العواطف تشبه الى حد بعيد الشهية الكاذبة التي تزيّن في نظر صاحبها كل مضر مهلك في حين إذا غلبت هذه العواطف والمشاعر العقل سحقت مصالح الفرد والمجتمع، أو أضرت به أشدّ وأبلغ إضرار.
إنّ عواطف سعد وأحاسيسه ومشاعره، ومنظر صبيان ونساء بني قريظة المحزن، وأوضاع رجالهم التي كانت تثير الاشفاق وهم في الحبس، وملاحظة الرأي العام في قبيلة الأوسيين الذين كانوا يلحّون على سعد أن يحسن الحكم والرأي في بني قريظة، كل هذه الاعتبارات كان من شأنها أن تجعل القاضي فريسة العاطفة، فيصدر حكمه على أساس من تقديم مصالح أقلية خائنة مشاغبة على مصالح الاكثرية ( أي عامة المسلمين ) ويبرّئ بني قريظة الجناة الخونة، أو يخفف عن عقوبتهم أكبر قدر ممكن، على الأقلّ، أو يسلّم لإحدى المقترحات السابقة.
إلاّ أن منطق العقل، وحرية القاضي واستقلاله في الحكم والقضاء ومراعاة المصالح العامة كل ذلك قاد سعدا إلى ناحية اخرى، فحكم بأن يقتل رجال تلك الزمرة المتآمرة الخائنة، وتصادر أموالهم، وتسبى نساؤهم وأطفالهم.
وقد استند هذا الحاكم في حكمه هذا إلى الامور التالية :
1 ـ أن يهود بني قريظة قد تعهّدوا للنبي (صلى الله عليه واله) قبل مدّة بأنهم لو تآمروا ضدّ الإسلام، والمسلمين، وناصروا أعداء التوحيد، واثاروا الفتن والقلاقل، وألبوا على المسلمين كان للمسلمين الحق في قتلهم ومصادرة أموالهم وسبي نسائهم.
وقد رأى بأنه لو حكم بمعاقبة اليهود حسب هذا الميثاق لم يصدر حكما مخالفا للعدالة، ولم يرتكب ظلما.
2 ـ إن هذه الزمرة الناقضة للميثاق أخلّت بأمن المدينة في ظل حراب القوى المشركة، فترة من الزمن، وهاجمت منازل المسلمين، ولو لا مراقبة النبيّ (صلى الله عليه واله) للاوضاع وحراسة من عيّنهم من جنود الاسلام للحفاظ على أمن المدينة، لفعلت تلك الزمرة الأفاعيل ولارتكبت أسوأ الفضائع والفجائع، ولو أتيح لهم أن يسيطروا على المدينة لقتلوا رجال المسلمين وصادروا أموالهم، وسبوا نساءهم وأطفالهم.
ومن هنا رأى سعد بن معاذ في نفسه بأنه لو قضى فيهم بمثل هذا القضاء لما خالف الحق وأطفالهم.
3 ـ من المحتمل جدا أن سعد بن معاذ رئيس الأوس الحلفاء ليهود بني قريظة، والذين كانت بينهم علاقات ودّ ومحبّة كان مطّلعا على قوانين اليهود، الجزائية في هذا المجال، فإن التوراة تنص بما يلى : حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعاها إلى الصلح فان اجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير، ويستعبد لك وان لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها واذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحدّ السيف، واما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك .
ولعلّ سعدا فكر في نفسه بأن القاضي المرضيّ والمقبول لدى الجانبين لو عاقب المعتدين حسب شريعتهم ما فعل إلاّ ما يقتضيه العدل والانصاف.
4 ـ والذي نتصوره هو أن أكبر أسباب هذا الحكم هو أن سعد بن معاذ رأى بام عينيه أن رسول الله (صلى الله عليه واله) عفا عن بني قينقاع المعتدين بناء على طلب من الخزرجيين، واكتفى ـ من عقابهم ـ باخراجهم من المدينة، واجلائهم عنها ولكن تلك الزمرة التي شملها عفو النبيّ لم تكن تغادر أراضي الاسلام حتى بدأت بالمشاغبة والمؤامرة الدنيئة ضدّ الاسلام، فذهب كعب بن الأشرف الى مكة، وأخذ يتباكى ـ دجلا وخداعا ـ على قتلى بدر، ويذرف عليهم دموع التماسيح، ولم يفتأ عن تأليب قريش ضد رسول الاسلام وأصحابه حتى عزمت قريش على تسيير جيشها نحو المدينة، وكانت واقعة احد التي استشهد فيها اثنان وسبعون من خيرة أبناء الاسلام، ورجاله.
وهكذا فعلت بنو النضير المتآمرون الخونة، الذين عفا عنهم رسول الله (صلى الله عليه واله) واكتفى من عقابهم بمجرّد اجلائهم عن المدينة، ولكنهم قابلوا هذا الموقف الانساني، بتأليب القبائل العربية المشركة ضدّ الاسلام، والمسلمين، وكوّنوا اتحادا نظاميا بينها، وألفوا منها جيشا قويا ساروا به الى عاصمة الاسلام ( المدينة )، فكانت وقعة ( الاحزاب ) التي لو لا حنكة رسول الله (صلى الله عليه واله)، وخطة حفر الخندق لقضي على الاسلام بسببها منذ الايام الاولى، ولما بقي من ذلك الدين خبر ولا أثر ولقتل آلاف الناس.
لقد لاحظ سعد بن معاذ كل هذه الاعتبارات، فلم تسمح له التجارة الماضية بأن يستسلم لعواطفه، ويضحّي بمصالح الآلاف في سبيل الحفاظ على مصالح أقلية لأنه كان من المسلّم به أن هذا الفريق سيقوم في المستقبل بايجاد تحالف عسكري أوسع، وسيثير ويؤلب قوى العرب ضد الاسلام، ويعرّض مركز الاسلام، ومحوره الاساسي للخطر من خلال تدبير مؤامرات اخرى.
وعلى هذه الأساس رأى بأن وجود هذه الزمرة يضرّ المجتمع الاسلامي مائة بالمائة وأيقن بأن هذه الزمرة لو أتيح لها أن تخرج من قبضة المسلمين لما فتأت لحظة عن المؤامرة ولواجه المسلمون بسببها أخطارا كبرى.
ومن المحقق أنه اذا لم تكن في المقام هذه الجهات والاعتبارات لكان إرضاء الرغبة العامة في الابقاء على بني قريظة أو التخفيف في عقابهم أمرا في غاية الأهمية بالنسبة إلى سعد بن معاذ، فان رئيس أي قوم، أو جماعة أحوج ما يكون إلى تأييد قومه وجماعته وكسب رضاهم ودعمهم، ولا ريب أن عدم الاستجابة لمطلبهم، وتجاهل توصياتهم يوجّه أكبر ضربة لسيد القوم ورئيسهم، ولكن سعدا ( رئيس الأوس ) أدرك أن جميع هذه التوصيات والوساطات تخالف مصالح الآلاف من المسلمين، من هنا آثر عدم الحياد عن حكم العقل، والمنطق، على رضا قومه عنه.
هذا وإن الّذي يشهد بدقة نظر سعد، وصواب رأيه، وصحة تشخيصه وتقديره للأمر أنه عند ما اتي بحيي بن أخطب ليضرب عنقه فوقعت عينه على رسول الله (صلى الله عليه واله) قال : ما لمت نفسي في عداوتك، ولكنه من يخذل الله يخذل. أي لو لا خذلان الله لليهود لاستمرّوا في معاداة رسول الله (صلى الله عليه واله) وتدبير المؤامرات ضده.
ثم أقبل على الناس فقال : يا أيّها الناس لا بأس بأمر الله، ملحمة كتبها الله على بني إسرائيل.
ثم إنه قتل في هذه الواقعة من النساء امرأة واحدة لأنها ألقت برحى من فوق الحصن فقتلت به أحد المسلمين، فقتلت قصاصا.
وكان بين المحكوم عليهم بالقتل رجل اسمه الزبير بن باطا شفع له رجل من المسلمين يدعى ثابت بن قيس، فلم يقتل، واخلي سبيل زوجته وأولاده، واعيدت إليه أمواله، وأسلم أربعة من بني قريظة، وقسّمت غنائم العدوّ بين المسلمين بعد إخراج الخمس منها، واخراج ما يرتبط بالامور الادارية الاسلامية العامة.
وقد اعطي للفارس سهمان، وللراجل سهم واحد، وسلّم رسول الله (صلى الله عليه واله) أموال الخمس إلى زيد بن حارثة ليذهب بها إلى نجد ويشتري بها العتاد، والسلاح، والخيل، وغيرها من أدوات الحرب.
وهكذا انتهت مشكلة بني قريظة في التاسع عشر من شهر ذي الحجة من السنة الخامسة للهجرة، وقد نزلت في شأن هذه الواقعة الآيات 26 ـ 27 من سورة الاحزاب اذ يقول سبحانه : {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} [الأحزاب: 26، 27].
وقد استشهد سعد بن معاذ الذي سبق أن جرح في معركة الخندق بعد حادثة بني قريظة هذه .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|