أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-4-2017
3101
التاريخ: 11-3-2022
2300
التاريخ: 29-3-2017
5356
التاريخ: 2-7-2017
8233
|
1 - نشاط زعماء قريش بعد هزيمتهم
كانت أكبر ضربة تلقاها زعماء قريش في كل حياتهم ، يوم فاجأهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) بجنود الإسلام مكة وأجبرهم على خلع سلاحهم وإعلان الاستسلام !
في تلك الأيام عاشوا أشد أيام حياتهم ذهولاً وحيرة ! فقد أسقط في أيديهم تماماً بعد معركة امتدت عشرين سنة مع محمد وبنى هاشم ، وكانوا فيها قبل فتح مكة منتصرين أحياناً ، أو سجالاً متعادلين أحياناً !
ولما دعاهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى المسجد حضروا مجبرين خائفين ، وأعلنوا إسلامهم تحت سيف النبي ( صلى الله عليه وآله ) وخطب فيهم ووبخهم ! ثم أعلنهم « طلقاء » ! فلا هم عبيد ولا عتقاء ، ثم أطمعهم في الدنيا ، ودعاهم إلى حرب هوازن معه في حنين ! إنها سياسة الحزم والتطميع ، وهى لا ترفع حيرتهم بل تزيدها !
فهل يستسلمون لدولة محمد وبنى هاشم ، أم يوجد طريقٌ للخروج من هذه الأزمة ؟ ! وهل تدور الأيام فيستطيعون جمع العرب من جديد لقتال محمد ؟
هكذا كان يفكر أبو سفيان وهو يطوف ، فالتفت اليه النبي ( صلى الله عليه وآله ) وضرب بيده في صدره وقال : إذن يخزيك الله يا أبا سفيان ! الصحيح : 22 / 321 .
أم هل يرون هوازن وقد انتصرت عليه فينتهى دينه : « وترجع العرب إلى دين آبائها ، وقد قتل محمد وتفرق أصحابه » ! كما قالوا عندما وقعت على المسلمين الهزيمة في أول جولة من معركة حنين ؟ ! سبل الهدي : 5 / 230 .
أم هل يستطيعون تدبير قتله فيحلون مشكلتهم معه ، وقد حاولوا ذلك قبل فتح مكة ، فلم ينجحوا ! أم هل ينتظرون ، كما ينصحهم صحابته القرشيون ، حتى يموت فيرثوا دولته ؟ !
وكيف يمكن لهم ذلك وهو يرتب الأمر من بعده لابن عمه وصهره على الذي هو في الثلاثينات من عمره ، ثم من بعده لأولاد ابنته فاطمة ، الحسن والحسين ، ومعهم لا يبقى لقبائل قريش شئ !
واتخذ زعماء قريش قرارهم الذي كانوا اتخذوه سابقاً ، وهو العمل على هذه الجبهات جميعاً ! وظهرت نواياهم عند هزيمة المسلمين في الجولة الأولى في حنين ، واعترف اثنان من شخصياتهم بأنهما حاولا قتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) فلم يستطيعا !
وكانت الخطوة التالية أن عزلوا أبا سفيان عن قيادتهم ، ولم يشفع له أنه ما زال يشاركهم في عداوة محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، فقد اعتبروه ضَعُفَ أو داهن في فتح مكة ، فلم يأخذ لهم شروطاً تحفظ وجودهم ، كالتي أخذها سهيل بن عمرو في الحديبية !
واختاروا سهيلاً قائداً بدل أبي سفيان ، وضيقوا دائرة مشورتهم في العمل ضد محمد ، وأبعدوا منها أبا سفيان وبنى أمية لأنهم من بنى عبد مناف ، فاضطر أبو سفيان للذهاب إلى المدينة ، لعله يجد مجالاً للعمل في دولة محمد !
وقد عمل سهيل بن عمرو لإعادة كيان قريش الذي انهار بفتح مكة ، وأخذ يتصرف في مكة متجاهلاً عتَّاب بن أسيد الذي عينه النبي ( صلى الله عليه وآله ) حاكماً ، وأخذ يراسل النبي ( صلى الله عليه وآله ) بطلبات قريش منه ، باعتبارهم ما زالوا كياناً مقابله كما كانوا !
ووجد سهيل عضدين قويين يساعدانه من الصحابة القرشيين هما أبو بكر وعمر فكان ينزل عندهما في المدينة ، ويذهبان معه إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويؤيدان طلباته ! وكان من أهم الأعمال التي قاموا بها في السنة الثامنة ، أنهم شجعوا هجرة القرشيين المبغضين لبنى هاشم إلى المدينة . وقاموا في المدينة بحملات دعاية ضد بني هاشم ، حتى أنهم كانوا يقولون إن « محمداً » نشاز في هؤلاء السيئين !
فضجَّ منهم الأنصار واشتكوا إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقالوا : « إنا نسمع من قومك ، حتى يقول القائل : إنما مثل محمد كمثل نخلة نبتت في كبا « مزبلة » ! فخطب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : أيها الناس من أنا ؟ فقالوا : أنت رسول الله ، فقال : أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب . قال فما سمعناه انتمى قبلها قط ، ثم قال : إن الله تعالى خلق خلقه فجعلني في خير خلقه ، ففرقهم فريقين فجعلني في خير الفريقين ، ثم جعلهم قبائل فجعلني من خيرهم قبيلة ، ثم فرقهم بيوتاً فجعلني من خيرهم بيتاً ، فأنا خيركم بيتاً وخيركم نفساً » .
مسند أحمد : 1 / 210 .
وتواصلت دعاية قريش ضد بني هاشم ، حتى كانوا يعبسون في وجوههم ! فشكى بنو هاشم ذلك إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ووصف هو ذلك بأن أحدهم إذا رأى هاشمياً فكأنما يفقأ في عينيه حب الرمان الحامض !
وجاء العباس يوماً مغضباً وقال : « يا رسول الله ما لنا ولقريش ! إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة ، وإذا لقونا لقونا بغير ذلك ! قال فغضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى احمر وجهه ، ثم قال : والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله » . الترمذي : 5 / 317 .
وقد جمعناها أحاديثهم وكفرياتهم من مصادرهم في كتاب : ألف سؤال وإشكال : 1 / 179 . وركزت قريش دعايتها ضد على ( عليه السلام ) خاصة لإسقاط شخصيته ، والانتقام منه لقتله زعماءها وأبطالها ، وتهيئة الجو لعزله بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! وعملت لذلك أعمالاً عديدة في حرب النبي ( صلى الله عليه وآله ) وسلمه وسفره وحضره ( صلى الله عليه وآله ) !
وقد غضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) من ذلك مراراً وشدد دفاعه عن علي ( عليه السلام ) ، وخطب أكثر من مرة مبيناً مكانته وفضله ، ونفاق من يؤذيه ويبغضه ، أو كفره ! ولو لم يكن منها إلا قصة بريدة الأسلمي ، التي روتها مصادر السنيين بطرق عديدة وأسانيد صحيحة لكفي ، فقد كشفت عن وجود شبكة عمل منظم ترسل الرسائل من اليمن إلى المدينة ، وتضع الخطط ضد على ( عليه السلام ) !
وروت إدانة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وغضبه عليهم وتصريحه بأن علياً « وليكم من بعدي » كما رواه أحمد والنسائي ، وأن كل من ينتقد علياً ( عليه السلام ) ولا يحبه ولا يطيعه ، فهو منافق خارج عن الإسلام ! لكن القرشيين لم يسمعوا أوامر النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حق على ( عليه السلام ) في حياته فكيف بهم بعد وفاته ؟ !
ثم تزايدت فعالية القرشيين حتى وصلت في السنة التاسعة إلى وضع خطة قوية لقتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) في طريق رجوعه من تبوك ، ويأتي ذلك في مؤامرة ليلة العقبة .
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « إن العرب كرهت أمر محمد ( صلى الله عليه وآله ) وحسدته على ما آتاه الله من فضله ، واستطالت أيامه ! حتى قذفت زوجته ! ونَفَّرت به ناقته ، مع عظيم إحسانه إليها وجسيم مننه عندها ! وأجمعت مذ كان حياً على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته » ! شرح النهج : 20 / 298 .
ثم صارت عدواتهم للنبي ( صلى الله عليه وآله ) في أهل بيته « عليهم السلام » ميثاقاً سرياً مع اليهود ، قال الله عنها في سورة محمد ( صلى الله عليه وآله ) التي نزلت تلك السنة : إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَينَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيطَانُ سَوَلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِى بَعْضِ الأمر وَاللهُ يعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ . محمّد : 25 - 26 .
2 - كانت ولادة إبراهيم بن النبي « صلى الله عليه وآله » كارثة على قريش !
في السنة الثامنة للهجرة حدث أمرٌ أربك القرشيين وزاد من صعوبة عملهم في تسقيط سمعة على ( عليه السلام ) وبنى هاشم ، فقد رزق النبي ( صلى الله عليه وآله ) بولد ، وصار برأي قريش وريثه حسب العرف القبلي ، وفى الإسلام بقانون الأسرة الربانية المختارة : إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ . ذُرِّيةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . لذا نشطت عناصر قريش من نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) في العمل لإبطال وراثة إبراهيم بن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأبيه باتهام والدته مارية القبطية لنفيه عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
فاضطر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يسكنها بعيداً عند بيت أبى رافع ، وأنزل الله براءتها قرآناً فجعلتها عائشة براءة لها ، فأنزل الله سورة التحريم وفيها كشف انحراف اثنتين من نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتهديد لهما ! لكنهما واصلتا العمل فتفاقم الأمر حتى غضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) واعتزل نساءه شهراً في أوائل السنة التاسعة ، وشاع خبر أنه طلقهن !
قال ابن كثير : 3 / 710 : « رجع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة لليال بقين من ذي الحجة في سفرته هذه « فتح مكة » . « وفى ذي الحجة منها ولد إبراهيم بن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من مارية القبطية ، فاشتدت غيرة أمهات المؤمنين منها حين رزقت ولداً ذكراً » .
وقال ابن سعد في الطبقات : 1 / 135 : « أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حجب مارية ، وكانت قد ثقلت على نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وغرن عليها ، ولا مثل عائشة » .
3 - سورة التحريم كشفت الحزب القرشي في بيت النبي « صلى الله عليه وآله »
عاد النبي ( صلى الله عليه وآله ) من فتح مكة وحرب حنين في ذي القعدة من السنة الثامنة ، وحدثت أحداثٌ تتعلق ببيته وأزواجه ، استوجبت أن يهجر عائشة ثلاثة أشهر ! « ذا الحجة والمحرم وبعض صفر » . طبقات الشافعية : 6 / 319 والصحيح : 26 / 68 .
وقالوا إن ذلك بسبب حديث الإفك واتهام بعضهم لعائشة ، لكن تهمة عائشة كانت في غزوة المريسيع في شعبان من السنة الخامسة ، « إعلام الوري : 1 / 196 » . وهجره لها كان في آخر السنة الثامنة وأول التاسعة ، وقد رووا أنه ( صلى الله عليه وآله ) هجرها شهراً وليس ثلاثة أشهر ! « فتح الباري : 8 / 363 » . وقالوا إنه هجرها بسبب أنها لم تعط بعيرها إلى صفية ! وهذه عادتهم في تبسيط أسباب غضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) على زوجاته وجعلها أموراً عادية ، لإبعادها عن عملهن ضده لمصلحة قريش ! لكن سورة التحريم ، كشفت أن حفصة وعائشة أفشتا سره ( صلى الله عليه وآله ) وتآمرتا عليه ! وهددهن الله بجيش جرار لايستنفر إلا في حالات الخطر على الرسالة والرسول !
وهذا واضح من نص السورة قال تعالى :
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِى إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِى الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ 3 إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَمَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ 4 عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيبَاتٍ وَأَبْكَارًا 5 .
ثم قال تعالى لهما : ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَينِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحِينِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يغْنِيا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ 10 .
فقد نصت على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أسرَّ لهما بحديث وأكد عليهما أن لا تقولاه ، ولا بد أن الله أمره بذلك لحكمة يعلمها . لكنهما خانتا وأفشتا سر النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأطلعه الله ، فهددهما وضرب لهما مثلاً بامرأتي نوح ولوط ، اللتين خانتا زوجيهما النبيين وكفرتا فدخلتا النار !
قال العلامة في نهج الحق / 370 : « وأفشت سر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين أن عمر خليفة أبيها شهد عليها بذلك . ونقل الغزالي سوء صحبتها لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : إن أباها أبا بكر دخل يوماً على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقد وقع منها في حق النبي أمر مكروه ، فكلفه النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يسمع ما جرى ويدخل بينهما فقال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : تتكلمين أو أتكلم ؟ فقالت : بل تكلم ولا تقل إلا حقاً ! فلينظر العاقل إلى هذا الجواب وهل كان عنده إلا الحق ؟ وينظر في الفرق بين خديجة وعائشة . وقد أنكر الجاحظ من أهل السنة في كتاب الإنصاف غاية الإنكار على من يساوى عائشة بخديجة ، أو يفضلها عليها » .
وفى تأويل الآيات : 2 / 697 : « سبب نزول هذه الآيات أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أسرَّ إلى عائشة وحفصة حديثاً وهو أن أبا بكر وعمر يليان الأمر من بعده بالقهر والغلبة ، فلما أسر إليهما ذلك عرفت كل واحدة أباها ، وأفشت سر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! فأنزل الله على رسوله ( صلى الله عليه وآله ) يخبره بما فعلتا . . وَصَالِحُ المؤمنين : أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على ما رواه محمد بن العباس « رحمه الله » من طريق العام والخاص ، أورد في تفسيره هذا المنقول اثنين وخمسين حديثاً ، اخترنا منها بعضها ، فقد قال لغلامه ابن أبي رافع لما بكى وقال : من لي ولولدي بعدك يا رسول الله ؟ قال : لك الله بعدي ، ووصيي صالح المؤمنين علي بن أبي طالب . لكن رواة الخلافة القرشية أغمضوا عن الخطر على الإسلام ، الذي تحدثت عنه السورة واستنفر له الله تعالى جيشاً لحالة الخطر القصوي ؟ !
يبقى السؤال : لماذا أخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) عائشة بأن أبوها سيتسلط على الأمة بعده ؟ ! وجوابه : أن قريشاً كانت تخطط لإعلان الردة بحجة أن محمداً ( صلى الله عليه وآله ) يريد أن يؤسس ملكاً لبنى هاشم ، فهو ليس بنبي ! فأخبر الله تعالى نبيه ( صلى الله عليه وآله ) بذلك وأمره أن يطمئنهم ليحفظوا نبوته ، وإن أخذوا الحكم بعده ، وأبعدوا عترته « عليهم السلام » !
4 - اتهامهم مارية وتبرئة الله لها
قال ابن سعد : 8 / 212 : « بعث المقوقس صاحب الإسكندرية إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في سنة سبع من الهجرة بمارية وبأختها سيرين ، وألف مثقال ذهباً ، وعشرين ثوباً ليناً ، وبغلته الدلدل وحماره عفير ويقال يعفور ، ومعهم خِصْى يقال له مابور شيخ كبير ، كان أخا مارية . . . فجاء أبو رافع زوج سلمى فبشر رسول الله بإبراهيم فوهب له عبداً ، وذلك في ذي الحجة سنة ثمان » .
وقالت عائشة كما في الطبقات : 8 / 212 : « ما غرتُ على امرأة إلا دون ما غرتُ على مارية ! وذلك أنها كانت جميلة من النساء جعدة ، وأعجب بها رسول الله ، وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيت لحارثة بن النعمان فكانت جارتنا ، فكان رسول الله عامة النهار والليل عندها ، حتى فرغنا لها فجزعت ! فحولها إلى العالية ، فكان يختلف إليها هناك ، فكان ذلك أشد علينا ، ثم رزق الله منها الولد وحرمنا منه » .
وعبَّرت عائشة بقولها : فرغنا لها فجزعت ! عن سنتين من صراعها مع مارية ، وتفرغها هي وحفصة لأذية مارية المؤمنة الغافلة الغريبة ! وروى من أذيتهن الكلام والأفعال والضرب والشد بالشعر ! فخشى النبي ( صلى الله عليه وآله ) عليها وعلى حملها ! وكان له بستان في العوالي يسكن فيه غلامه أبو رافع « رحمه الله » وزوجته سلمى وكانت مؤمنة عاقلة ، فبنى لأم إبراهيم غرفة وأسكنها هناك وكان يذهب إليها . فزاد عداء عائشة وحزبها لمارية ، وتضاعف حسدهن عندما رزقت بإبراهيم ( عليه السلام ) !
بل دخل العنصر القرشي بوقاحة لأنه صار للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وارث من صلبه ! وقد بلغت جلافتهم أن قالوا : إن إبراهيم لا يشبه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! واتهموا مارية فغضب على نسائه واعتزلهن وسكن في بيت مارية « عليها السلام » ، فنزلت آيات الإفك وبراءة مارية وآيات تخيير النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأزواجه بين الزوجية والطلاق .
وتدل أحاديث إبراهيم ( عليه السلام ) على خوف قريش أن يجعله النبي ( صلى الله عليه وآله ) خليفته بدل على والحسنين « عليهم السلام » ! فأشاعوا أن إبراهيم ( عليه السلام ) لا يشبهه !
قال على ( عليه السلام ) : « إن العرب كرهت أمر محمد ( صلى الله عليه وآله ) وحسدته على ما آتاه الله من فضله ، واستطالت أيامه حتى قذفت زوجته ، ونَفَّرت به ناقته ، مع عظيم إحسانه إليها وجسيم مننه عندها ، وأجمعت مذ كان حياً على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته » ! شرح النهج : 20 / 298 .
وروى في المنتظم : 3 / 346 ، عن عائشة : « لما ولد إبراهيم جاء به رسول الله إلى فقال : أنظرى إلى شبهه بي ، فقلت : ما أرى شبهاً » !
وأكدت عائشة أن الذي اتهم مارية غيرها فقالت ، « الحاكم : 4 / 39 » : « أهديت مارية إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومعها ابن عم لها ، قالت : فوقع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عليها وقعة فاستمرت حاملاً ، قالت فعزلها عند ابن عمها ، قالت فقال أهل الإفك والزور : من حاجته إلى الولد ادعى ولد غيره ! وكانت أمةً قليلة اللبن ، فابتاعت له ضائنة لبون فكان يغذى بلبنها فحسن عليه لحمه .
قالت عائشة : فدُخل به على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذات يوم فقال : كيف ترين ؟ فقلت : من غُذِّى بلحم الضأن يحسن لحمه . قال : ولا الشبه ؟ قالت : فحملني ما يحمل النساء من الغيرة أن قلت ما أرى شبهاً ! قالت : وبلغ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما يقول الناس ! فقال لعلي : خذ هذا السيف فانطلق فاضرب عنق ابن عم مارية حيث وجدته ! قالت : فانطلق فإذا هو في حائط على نخلة يخترف رطباً ، قال فلما نظر إلى علي ومعه السيف استقبلته رعدة ، قال فسقطت الخرقة فإذا هو لم يخلق الله له ما للرجال ، شئ ممسوح » .
وقال في شرح النهج : 9 / 190 ، عن عائشة : « وكانت لها عليه جرأة وإدلال لم يزل ينمى ويستشري ، حتى كان منها في أمره في قصة مارية ما كان » .
وصرحت مصادرنا بأن عائشة هي التي اتهمت مارية فقالت للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد موت إبراهيم : « ما الذي يحزنك عليه إنه ابن جريح القبطي ! فبعث النبي علياً ليقتله فخاف منه جريح فتسلق نخلة في بستان فانكشف ثوبه فإذا ليس له ما للرجال ، فرجع على ( عليه السلام ) إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأخبره بما رأى فقال ( صلى الله عليه وآله ) : الحمد لله الذي صرف عنا السوء أهل البيت ، ثم نزلت هذه الآية : إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لاتَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيرٌ لَكُمْ ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الأِثْمِ وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ » . « تفسير القمي : 2 / 318 » .
قال في الصحيح من السيرة : 26 / 23 : « إن أقوالها لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حول ولده إبراهيم بعيدة كل البعد عن أبسط قواعد الأدب والالتزام والاحترام . . فلماذا هذا الطعن المتوالى الممعن في القسوة لقلب الإنسانية الطافح بالرحمة والمودة والحنان والغيرة ، والشعور بالكرامة والعزة ؟ ! وهل يجرؤ إنسان يدَّعى أنه قريب وحبيب على التصريح لمن يحبه ويتقرب منه بأن ولده الذي يبكى عليه ، وقد مات قبل ساعة أو ساعات : ليس ولده الشرعي » ؟ !
بل افتروا على النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه هو اتهم مارية ، وأنه شكاها إلى عمر بن الخطاب ! فقد روى في مجمع الزوائد : 9 / 161 ، أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذهب إلى مارية : « فوجد قريبها عندها فوقع في نفسه من ذلك شئ ، كما يقع في أنفس الناس ، فرجع متغير اللون فلقى عمر فأخبره بما وقع في نفسه من قريب أم إبراهيم ، فأخذ السيف فوجده ممسوحاً . فرجع إلى النبي وطمأنه !
وقال أنس : « لما ولد إبراهيم من مارية جاريته كان يقع في نفس النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى أتاه جبريل ( عليه السلام ) فقال : السلام عليك يا أبا إبراهيم » . الإصابة : 1 / 218 .
إن مجرد وجود روايات من هذا النوع يدلك على أن عرض النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكرامته كانت تلوكها ألسنتهم ، وأن الغرض منها الطعن بعرضه لترثه قريش دون عترته !
ويسهل عليك أن تجد أصابع قريش في قول عائشة : « فقال أهل الإفك والزور : من حاجته إلى الولد ادعى ولد غيره » !
ومعناها أنهم كانوا يرون أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بحاجة إلى ابن ليرثه ويرأس دولته ، فيجعله في وصاية أحد حتى يكبر ! والحل أن ينفوه عنه ، ويرثوا ملكه !
وعندما لم ينفع ذلك وأنزل الله براءة مارية ، فالحل قتل هذا الطفل المرشح لخلافة أبيه ، ومن يدرى فقد يكون إبراهيم ( عليه السلام ) قتل بالسم !
هذا ، وقد بحث صاحب الصحيح قصة الإفك في مجلد كامل ، وخلاصة ما قاله في ختامه : 13 / 386 : « إن الافتراء على مارية واتهامها بمابور مما أجمعت الأمة على حصوله . ذكر ذلك كل من ترجم لمارية وإبراهيم بن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فقصة الإفك عليها أمر لا ريب فيه ، وفيها نزلت آيات سورة النور ولا يصح ذلك في عائشة ! ومن الأدلة والشواهد عليها أن مارية لم يكن لها أحد يدافع عنها فحرفت عائشة اتهامها وبراءتها لتنطبق عليها » !
راجع : رسالة حول خبر مارية للمفيد ، وأمالي المرتض : 1 / 54 ، وسيرة ابن إسحاق : 5 / 252 ، أنساب الأشراف / 362 ، الطبقات : 1 / 137 ، اليعقوبي : 2 / 87 ، حلية الأولياء : 3 / 177 ، صفة الصفوة : 2 / 78 ، الأحاديث المختارة : 2 / 353 ، مسند البزار : 2 / 237 ، غوامض الأسماء : 1 / 498 ، مجمع الزوائد : 4 / 329 ، الآحاد والمثاني : 5 / 450 ، الفائق : 1 / 287 ، تاريخ دمشق : 3 / 236 ، النهاية : 5 / 325 ، سيرة ابن كثير : 4 / 600 ، سبل الهدي : 11 / 219 وكنز العمال : 5 / 454 .
وأخيراً ، في منهج الرشاد : 3 / 265 : « سأل جميل بن دراج الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن أطفال الأنبياء « عليهم السلام » فقال : ليسوا كأطفال الناس . وسأله عن إبراهيم بن رسول الله فقال : لو بقي كان صديقاً نبياً ؟ لو بقي كان على منهاج أبيه ( صلى الله عليه وآله ) » .
وسأل رجلٌ علياً ( عليه السلام ) : « أرأيت لو كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ترك ولداً ذكراً قد بلغ الحلم ، أكانت العرب تسلم إليه أمرها ؟ قال : لا ، بل كانت تقتله إن لم يفعل ما فعلتُ ! ولولا أن قريشاً جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة ، وسلَّماً إلى العز والأمرة لما عبدت الله بعد موته يوماً واحداً ، ولارتدت في حافرتها ، وعاد قارحها جذعاً ، وبازلها بكراً . ثم فتح الله عليها الفتوح فأثْرت بعد الفاقة ، وتمولت بعد الجَهد والمخمصة ، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجاً ، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرباً ، وقالت : لولا أنه حق لما كان كذا ! ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها وحسن تدبير الأمراء » . شرح النهج : 20 / 298 .
5 - إبراهيم بن رسول الله « صلى الله عليه وآله »
1 . كان إبراهيم ( عليه السلام ) أبيض حنطياً مشرباً بحمرة ، شبيهاً بأبيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وعاش سنة ونصفاً ، وروي : سنة وعشرة أشهر . وفى الإستيعاب ملخصا : ً 1 / 54 : « ولدته أمه مارية في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة ، بالعالية في مشربة أم إبراهيم وكانت قابلتها سلمى امرأة أبى رافع ، فبشر أبو رافع به النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فوهب له عبداً ، فلما كان يوم سابعه عقَّ عنه بكبش وحلق رأسه ، وسماه يومئذ ، وتصدق بوزن شعره ورقاً على المساكين ، ودفن شعره في الأرض . ودفعه إلى أم بردة ، بنت المنذر من بنى النجار لترضعه ، وكانت لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قطعة من الضأن ، فكانت تؤتى بلبنها كل ليلة فتشرب منه وتسقى ابنها » .
وقد توفيت مارية سنة 16 هجرية ، ودفنت قرب ابنها « عليهما السلام » بالبقيع . الطبقات : 8 / 216 .
2 . في الكافي : 3 / 463 والمحاسن : 2 / 313 عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) قال : « لما قبض إبراهيم ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جرت فيه ثلاث سُنن . أما واحدة فإنه لما مات انكسفت الشمس فقال الناس انكسفت الشمس لفقد ابن رسول الله ، فصعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تجريان بأمره مطيعان له ، لا تنكسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلوا ، ثم نزل فصلى بالناس صلاة الكسوف . فلما سلم قال : يا علي قم فجهز ابني قال : فقام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فغسل إبراهيم وكفنه وحنطه ومضي ، فمضى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى انتهى به إلى قبره فقال الناس : إن رسول الله نسي أن يصلى على ابنه لما دخله من الجزع عليه ، فانتصب قائماً ثم قال : إن جبرئيل ( عليه السلام ) أتاني فأخبرني بما قلتم ، زعمتم أنى نسيت أن أصلى على ابني لما دخلني من الجزع ، ألا وإنه ليس كما ظننتم ، ولكن اللطيف الخبير فرض عليكم خمس صلوات ، وجعل لموتاكم من كل صلاة تكبيرة ، وأمرني أن لا أصلى إلا على من صلي .
ثم قال : يا علي إنزل والحد ابني ، فنزل على فألحد إبراهيم في لحده ، فقال الناس إنه لا ينبغي لأحد أن ينزل في قبر ولده ، إذ لم يفعل رسول الله بابنه ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا أيها الناس إنه ليس عليكم بحرام أن تنزلوا في قبور أولادكم ، ولكن لست آمن إذا حل أحدكم الكفن عن ولده أن يلعب به الشيطان ، فيدخله عن ذلك من الجزع ما يحبط أجره » .
أقول : ورد عندنا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) صلى على ابنه إبراهيم ( عليه السلام ) وكبر عليه خمساً . « المعتبر : 2 / 348 » ومشهور فقه مذهبنا أنه لا تجب صلاة الميت على الأطفال حتى يبلغوا ست سنين ، وقيل تستحب الصلاة على من هم أصغر سناً .
3 . في كشف اليقين / 321 ، عن ابن عباس : « كنت عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعلى فخذه الأيسرابنه إبراهيم وعلى فخذه الأيمن الحسين بن علي « عليهما السلام » ، وهو يقبل هذا تارة وذلك أخري ، إذ هبط جبريل ( عليه السلام ) فقال : يا محمد إن الله تعالى يقرأ عليك السلام ويقول لك : لست أجمعهما لك فافد أحدهما بصاحبه ! فنظر النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى إبراهيم وبكي ، ونظر إلى الحسين وبكي ، وقال : إن إبراهيم متى مات لم يحزن عليه غيري ، وأما الحسين متى مات حزنت عليه ابنتي وحزن ابن عمى وحزنت أنا ، وأنا أؤثر حزنى على حزنهما . يا جبرئيل يقبض إبراهيم فقد فديت الحسين به . قال : فقبض بعد ثلاثة ، فكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) إذا رأى الحسين مقبلاً ، قبَّله وضمه إلى صدره ورشف ثناياه وقال : فديتُ من فديته بابنى إبراهيم « عليهم السلام » » . وتاريخ بغداد : 2 / 200 ، تاريخ دمشق : 52 / 324 والطرائف / 202 .
4 . لما مات إبراهيم ( عليه السلام ) قال ( صلى الله عليه وآله ) : أدفنوه في البقيع فإن له مرضعاً في الجنة . . بعث علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) إلى أمه مارية القبطية وهى في مشربة ، فحمله على في سفط وجعله بين يديه على الفرس ثم جاء به إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فغسله وكفنه وخرج به وخرج الناس معه ، وقال لا تدرجوه في أكفانه حتى أنظر إليه ، فأتاه فانكب عليه وبكي ، وقال : تدمع العين ويحزن القلب ، ولا نقول إلا مايرضى الرب وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون .
ودفنه في الزقاق الذي يلي دار محمد بن زيد ، فدخل على ( عليه السلام ) في قبره وسواه عليه ودفنه ، ثم خرج ورش على قبره الماء ، وأدخل رسول الله يده في قبره وبكى وبكى المسلمون حتى ارتفع الصوت . ثم رأى النبي ( صلى الله عليه وآله ) في قبره خللاً فسواه بيده ، ثم قال : إذا عمل أحدكم عملاً فليتقن ، ثم قال : إلحق بسلفك الصالح عثمان بن مظعون . وقال الواقدي : مات إبراهيم يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من ربيع الأول سنة عشر ، وهو ابن ثمانية عشر شهراً » . الكافي : 3 / 262 ، الصحيح : 26 / 28 وحياة النبي لقوام : 3 / 243 .
أقول : يتعجب الإنسان من تعبير النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن عثمان بن مظعون الجمحي بأنه سلفه ( صلى الله عليه وآله ) ، مع أن سلفه آباؤه الطاهرون « عليهم السلام » . لكنه يدل على أن ابن مظعون له مكانة خاصة ، وانه جزء من سلفه الصالح العظماء سلام الله عليهم ، وهو أخو النبي ( صلى الله عليه وآله ) من الرضاعة ، وكان مستقيماً في الجاهلية .
5 . في مسكن الفؤاد للشهيد الثاني / 93 : « عن أسماء ابنة زيد قالت : لما توفى ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إبراهيم ( عليه السلام ) بكى رسول الله فقال له المعزي : أنت أحق من عظم الله عز وجل حقه ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب ، لولا أنه وعد حق وموعود جامع وأن الآخر تابع للأول ، لوجدنا عليك يا إبراهيم أفضل مما وجدناه ، وإنا بك لمحزونون .
فقال له عبد الرحمن بن عوف : يا رسول الله تبكي ، أوَلم تُنه عن البكاء ؟ فقال : إنما نهيت عن النوح ، عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند نغمة لعب ولهو ومزامير شيطان ، وصوت عند مصيبة ، خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان .
إنما هذه رحمة ، ومن لا يرحم لا يرحم ، ولولا أنه أمر حق ووعد صدق وسبيل نأتيه وأن آخرنا سيلحق أولنا ، لحزنا عليك حزناً أشد من هذا ، وإنا بك لمحزونون ، تبكى العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب عز وجل . وعن أبي أمامة قال : جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) حين توفى ابنه وعيناه تدمعان فقال : يا نبي الله تبكى على هذا السخل ؟ والذي بعثك بالحق لقد دفنت اثنى عشر ولداً في الجاهلية كلهم أشب منه أدسه في التراب ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : فماذا ، إن كانت الرحمة ذهبت منك ، يحزن القلب وتدمع العين ولا نقول ما يسخط الرب ، وإنا على إبراهيم لمحزونون . قال : ريحانة وهبها الله لي وكنت أشمها » .
6 - ساءت علاقة النبي « صلى الله عليه وآله » بزوجاته فهجرهن !
تضمنت سورة التحريم تهديداً لزوجات النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالطلاق ! ثم ازداد سوءاً في أوائل السنة التاسعة فهجرهن واعتزل منزله ، وسكن على بعد كيلو مترات عنهن وعن المسجد ، في بيت مارية القبطية في ضاحية المدينة ، وبقى هناك شهراً ، وشاع خبر غضبه وطلاقه لهن ! مغنى المحتاج : 3 / 343 .
وزعم شخصيات قريش أنها حادثة شخصية سببها طلبات نساء النبي المعيشية ! ولا ربط لها بالقضية التي كانت تشغل الساحة بعد حجة الوداع وهى خلافة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! لكن أي حادثة شخصية هذه التي نزلت فيها سورة التحريم والتهديد ؟ ولماذا أمر الله نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن يهجر نساءه وبيته ومسجده ، ويعلن غضبه عليهن حتى شاع أنه طلقهن !
7 - ملاحظات حول سورة التحريم وهجر النبي « صلى الله عليه وآله » لأزواجه
1 - تعمد القرشيون أن يخلطوا خَمْس مسائل لتضييع الحقيقة ! مع أنها مختلفة موضوعاً وزماناً ! فآيات الإيلاء نزلت في سورة البقرة ، في أول الهجرة .
وتهمة عائشة كانت في السنة الخامسة ، في غزوة المريسيع أو بنى المصطلق !
وتهمة مارية كانت في أوائل السنة الثامنة ، بعد حملها بإبراهيم ( عليه السلام ) !
ونزول سورة التحريم كان بعد فتح مكة ، واتجاه قريش لإعلان الردة !
وهجْر النبي ( صلى الله عليه وآله ) لزوجاته كان في السنة التاسعة ، قبيل غزوة تبوك .
قال الصدوق « رحمه الله » في الفقيه : 3 / 517 : « قال أبى رضي الله عنه في رسالته إلي : إعلم يا بنى أن أصل التخيير « تخيير أزواج النبي ( صلى الله عليه وآله ) بين الطلاق والبقاء » هو أن الله تبارك وتعالى أنفَ لنبيه ( صلى الله عليه وآله ) من مقالة قالتها بعض نسائه : أيرى محمد أنه لو طلقنا لا نجد أكفاءنا من قريش يتزوجونا ؟ ! فأمر الله نبيه أن يعتزل نساءه تسعاً وعشرين ليلة ، فاعتزلهن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في مشربة أم إبراهيم ، ثم نزلت هذه الآية : يا أَيهَا النَّبِى قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَينَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً . وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً ، فاخترن الله ورسوله فلم يقع الطلاق ، ولو اخترن أنفسهن لَبِنَّ » .
لكن رواة قريش قالوا إنه ( صلى الله عليه وآله ) آلاهن ، أي حلف أن يهجرهن في المضجع شهراً فعاتبه ربه وأمره بالرجوع ! قال الترمذي : 5 / 95 : « وكان أقسم أن لا يدخل على نسائه شهراً ، فعاتبه الله في ذلك ، فجعل له كفارة اليمين » !
وقال بخاري : 1 / 100 : « وآلى من نسائه شهراً فجلس في مشربة له درجتها من جذوع . . . ونزل لتسع وعشرين فقالوا : يا رسول الله إنك آليت شهراً ، فقال : إن الشهر تسع وعشرون » . انتهي .
فزعموا أن سبب إيلائه وأن غضبه كثرة طلباتهن ! وليس اتهامهن لمارية ، ولا خيانتهن المنصوص عليها في سورة التحريم ! « قال المفسرون : حين غار بعض نساء النبي وآذينه بالغيرة وطلبن زيادة النفقة ، فهجرهن رسول الله شهراً حتى نزلت آية التخيير » . أسباب النزول / 240 .
لكن هجرهن ونزول آية التخيير كان في التاسعة ، ونزول آيات الإيلاء كان قبل سنوات في سورة البقرة . البقرة : 225 - 227 !
2 - نصت سورة التحريم على معصية حفصة وعائشة وهددتهما بالنار ، فهي تدل على أنهما ليستا من أهل البيت المطهرين من الرجس ، ولذا لم تدع أي منهما أن آية التطهير تشملها ، وإنما ادعيت لهما بعد وفاتهما !
قال في بشارة المصطفى / 390 : « ليس يجوز لمن له أدنى علم أن يخلط ذكر فاطمة « عليها السلام » بذكر غيرها ! وكيف يجوز أن يقاس من شهد الله بطهارتها بقوله تعالي : إنما يرِيدُ اللهُ لِيذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيتِ وَيطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً . على من قال الله في حقها : إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ! لكن العمى في القلب والعصبية وبغض أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يحمل بعض الناس على ما لا يليق بالعقل » .
3 - كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) طلق حفصة فوضع عمر التراب على رأسه وقال : « ما يعبأ الله بك يا ابن الخطاب بعدها » فأرجعها النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وقالوا أمره جبرئيل بإرجاعها من أجل عمر ! وقال لها عمر مرة : « طلقك مرة ثم راجعك من أجلي ، والله إن كان طلقك مرة أخرى لا كلمتك أبداً » ! مجمع الزوائد : 4 / 333 .
ويحتمل أن يكون ذلك عند إفشائها لسره ، أو عند تفاقم الأمر بعد ذلك .
4 - استدل أتباع الخلافة على أن عائشة وحفصة مبرأتان من كل عيب ، لقوله تعالي : الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيبَاتُ لِلطَّيبِينَ وَالطَّيبُونَ لِلطَّيبَاتِ . وأفتوا بقتل من اتهم عائشة لأن الله تعالى برأها فيكون اتهامه تكذيباً للقرآن .
أما فقهاؤنا فحرموا تهمة نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخلاقياً ، لكنهم جوزوا عليهن خيانة رسالته والعمل مع أعدائه ضده ، واستحقاق النار ، بدليل سورة التحريم .
أما آية الطيبين للطيبات فهي في الآخرة ، أما في الدنيا فامرأة نوح ولوط خبيثتان كافرتان بنص القرآن ، وقد ضربهما الله مثلاً لعائشة وحفصة .
على أنه قد يكون المقصود به حكم شرعي ، وأنه يحرم أن يتزوج الطيبون من خبيثات . كما استدل به بعض فقهائنا .
5 - لا صحة لقولهم إن سبب هجر النبي ( صلى الله عليه وآله ) لهن النفقة ، فقد كان الوضع المالى للنبي ( صلى الله عليه وآله ) جيداً في السنة التاسعة ، بعد فتح خيبر وحنين وكثرة الغنائم التي أحلها الله لنبيه ( صلى الله عليه وآله ) . بل السبب أن الله أنفَ لنبيه قول بعضهن أنه لو طلقنا سنجدن خيراً منه ، وقد نص الرواة على أن حفصة قالت ذلك !
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|