أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-10-2015
3592
التاريخ: 28-3-2016
3646
التاريخ: 29-3-2016
6475
التاريخ: 18-10-2015
3908
|
انتهى خبر هانئ إلى اُسرته فاندفعت بتثاقل كالحشرات فقاد جموعها الانتهازي الجبان عمرو بن الحجّاج الذي لا عهد له بالشرف والمروءة فأقبل ومعه مذحج وهو يرفع عقيرته لتسمع السلطة مقالتهم قائلاً : أنا عمرو بن الحجّاج وهذه فرسان مذحج ووجوهها لمْ نخلع طاعة ولمْ نفارق جماعة , وحفل كلامه بالخنوع والمسالمة للسلطة وليس فيه اندفاع لإنقاذ هانئ ؛ ولذا لمْ يحفل به ابن زياد فالتفت إلى شريح القاضي فقال له : ادخل على صاحبهم فانظر إليه ثمّ اخرج إليهم فأعلمهم أنّه حيّ , وخرج شريح فدخل على هانئ فلمّا بصر به صاح مستجيراً : يا للمسلمين! أهلكت عشيرتي؟! أين أهل الدين أين أهل المصر؟! أيُحذرونني عدوّهم , وكان قد سمع الأصوات وضجيج الناس فالتفت إلى شريح قائلاً : يا شريح إنّي لأظنها أصوات مذحج وشيعتي مِن المسلمين إنّه إنْ دخل عليّ عشرة أنفر أنقذوني , وخرج شريح وكان عليه عين لابن زياد ؛ مخافة أنْ يدلي بشيء على خلاف رغبات السلطة فيفسد عليها أمرها فقال لهم : قد نظرت إلى صاحبكم وإنه حيّ لمْ يُقتل , وبادر عمرو بن الحجّاج فقال : إذا لمْ يُقتل فالحمد لله , وولّوا منهزمين كأنّما اُتيح لهم الخلاص مِن السجن وهم يصحبون العار والخزي وظلّوا مثالاً للخيانة والجبن على امتداد التاريخ , وفيما أحسب أنّ هزيمة مذحج بهذه السرعة وعدم تأكدها مِنْ سلامة زعيمها جاءت نتيجة اتّفاق سرّيٍّ بين زعماء مذحج وبين ابن زياد للقضاء على هانئ ؛ ولولا ذلك لنفرت مذحج حينما أخرج هانئ مِن السجن في وضح النهار ونفّذ فيه حكم الإعدام في سوق الحذّائين , وعلى أيّ حالٍ فقد خلدت مذحج للذلّ ورضيت بالهوان وانبرى شاعر مجهول أخفى اسمه ؛ حذراً مِنْ نقمة الاُمويِّين وبطشهم فرثى هانئاً وندّد باُسرته ؛ محاولاً بذلك أنْ يثير في نفوسهم روح العصبية القبلية ليثأروا لقتيلهم يقول :
فإنْ كنتِ لا تدرينَ ما الموتُ فانظري إلى هانئٍ في السوقِ وابنِ عقيلِ
إلى بطلٍ قدْ هشّمَ السيفُ وجهَهُ وآخر يهوي مِنْ طمارِ قتيلِ
أصابهما أمرُ الأميرِ فأصبحا أحاديثَ مَنْ يسري بكلّ سبيلِ
ترى جسداً قدْ غيّرَ الموتُ لونَهُ ونضْحَ دمٍ قدْ سالَ كلّ مسيلِ
فتىً كان أحيا مِنْ فتاةٍ حييّةٍ وأقطعَ مِن ذي شفرتينِ صقيل
أيركبُ أسماء الهماليج آمناً وقد طلبَتْهُ مذحجٌ بذحولِ
تطوفُ حوالَيْهِ (مرادٌ) وكلّهم على رقيةٍ مِنْ سائلٍ ومسولِ
فإنْ أنتمُ لمْ تثأروا بأخيكمُ فكونوا بغايا اُرْضِيَتْ بقليلِ
وعلّق الدكتور يوسف خليف على هذه الأبيات يقول : واللحن هنا تأثر عنيف والتعبير فيه قوّي صريح بل تصل فيه الصراحة إلى درجة الجرأة وشجّع الشاعر على هذه الجرأة أنّه كان في مأمنٍ مِنْ بطش الاُمويِّين ؛ لأنّه استطاع أنْ يُخفي اسمه حتّى أصبح شخصاً مختلفاً فيه عند بعض الرواة ومجهولاً تماماً عند بعضهم , وهو في هذا اللحن لا يتحدّث عن الحُسين ولا عن السياسة وإنّما كلّ حرصه أنْ يُثير روح العصبية القبلية في نفوس اليمنية ؛ ليثأروا لقتيلهم وهو مِنْ أجل هذا أغفل متعمّداً مِنْ غير شكّ ذكر محمّد بن الأشعث اليمني ولمْ يذكر إلاّ أسماء بن خارجة الفزاري على أنّه هو المسؤول عن دمِ هانئ مع أنّ كليهما كان رسول ابن زياد إليه ولكنّ الشاعر حرص على أنْ يغفل ذكر ابن الأشعث ؛ حتّى لا يثير فتنة أو انقساماً بين اليمنية وهو في أشدّ الحاجة إلى أنْ يوحّد صفوفهم حتّى يُدركوا ثأرهم , واعتمد الشاعر في قصيدته على هذه الصورة المفزعة التي رسمها للقتيلين اللذين هشّم السيف وجه أحدهما واُلقي بالآخر مِنْ أعلى القصر واللذين أصبحا أحاديث للناس في كلّ مكان , وهو حريص في هذه الصورة على أنْ يعرض للناس منظرين رهيبين يثيران في نفوسهم كلّ عواطف الحزن والسخط والانتقام , منظر هذين الجسدين وقد غيّر الموتُ مِنْ لونهما وهذا الدم الذي ينضخ منهما ويسيل كلّ مسيل ثمّ منظر أسماء بن خارجة وهو يحتال في طُرقات الكوفة على دوابّه التي تتبختر به آمنا مطمئناً , ويسأل إلى متى سيظل هذا الرجل في أمنه وخيلائه ومِنْ حوله قبيلة القتيل تطالبه بالثار؟ فلا يجد أشدّ مِنْ طعنها في كرامتها فيقول لهم : إنْ لمْ تثأروا بقتيلكم فكونوا بغايا ببغي شرفهنَّ بثمنٍ بخس دراهم معدودات , لقد تنكّرت مذحج لزعيمها الكبير فلمْ تفِ له حقوقه ؛ فتركته أسيراً بيد ابن مرجانة يمعن في إرهاقه مِنْ دون أنْ تحرّك ساكناً في حين أنّها كانت لها السيادة والسيطرة على الكوفة كما يرى ذلك فلهوزن , وعلى أيّ حالٍ فقد كان لاعتقال هانئ الأثر الكبير في ذيوع الفزع والخوف في نفوس الكوفيين ممّا أدّى إلى تفرّق الناس عن مسلم وإخفاق الثورة .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|