المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



الشعر السياسي في العصر الأموي  
  
35849   02:31 صباحاً   التاريخ: 25-12-2015
المؤلف : عمر فرّوخ
الكتاب أو المصدر : تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة : ج1، ص360-363
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الاسلامي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-12-2015 4003
التاريخ: 8-6-2021 2841
التاريخ: 25-12-2015 25584
التاريخ: 22-03-2015 4649

الشعر السياسي هو الشعر الذي قاله الشعراء المناصرون للأحزاب السياسية المتنازعة على الخلافة في العصر الأموي. وكان الشعر المستمر بين الشعراء المتهاجين يدعى (النقائض). وبما ان النقائض كانت فنّا خاصا بالعصر الامويّ وبارزا في الشعر جدّا فإنّ القول فيها محتاج إلى شيء من البسط:

النقائض:

«النقيضة» قصيدة يرد بها شاعر على قصيدة لخصم له فينقض معانيها عليه: يقلب فخر خصمه هجاء، وينسب الفخر الصحيح إلى نفسه هو. وتكون النقيضة عادة من بحر قصيدة الخصم وعلى رويّها.

قال الاخطل (من البحر البسيط على رويّ «الراء المضمومة»):

خفّ القطين فراحوا منك أو بكروا... وأزعجتهم نوى في صرفها غير

فأجابه جرير (من البحر نفسه وعلى الرويّ نفسه):

قل للديار: سقى أطلالك المطر... قد هجت شوقا؛ وما ذا تنفع الذكر

وقد تختلف أحيانا حركة الرويّ في النقائض كقول الفرزدق (من البحر الكامل على اللام المضمومة):

إنّ الذي سمك السماء بنى لنا... بيتا دعائمه أعزّ وأطول

فأجابه جرير (من البحر نفسه ولكن على اللام المكسورة):

لمن الديار كأنها لم تحلل... بين الكناس وبين طلح الأعزل

فاذا قال أحد الخصمين قصيدة جديدة (ولو كانت استمرارا لمهاجاة قديمة) فانه ينظمها عادة من بحر جديد وعلى رويّ جديد. إلاّ أن خصمه إذا ردّ على هذه القصيدة الجديدة تقيّد ببحرها ورويّها.

وربما اشترك في «المناقضة» بضعة شعراء؛ فمن ذلك مثلا قول الفرزدق يخاطب جريرا:

يا ابن المراغة، والهجاء إذا التقت... أعناقه وتماحك الخصمان

فقال جرير يردّ على الفرزدق:

لمن الديار ببرقة الروحان... إذ لا نبيع زماننا بزمان

وقال الاخطل يرد على جرير أيضا:

بكر العواذل يبتدرن ملامتي... والعالمون، فكلهم يلحاني

والمختار في «النقائض» ان تكون طوالا، وفيها يفتخر الشاعر بنفسه وبقومه، وبفضائل نفسه كالشعر والكرم والشجاعة، ثم بأحساب قومه كالحروب التي انتصروا فيها والعهود التي وفوا بها والمحاسن التي أتوها من الكرم والدفاع عن الاعراض والقيام بشأن القبيلة وما إلى ذلك.

بعدئذ ينقّب الشاعر عن معائب خصمه وقوم خصمه فيذكرهم جميعا بالعيّ والبخل والجبن، حقا أو باطلا. ويذكر أيضا الحروب التي هزموا فيها والعهود التي نقضوها والمخازي التي عرضت لهم. وإذا أعوزته المخازي أو أعوزه شيء منها لم يتأخر عن اختلاقه.

وفي النقائض إقذاع شديد وفحش وبذاءة، إلاّ أن المتناقضين قد تعرّضوا دائما للعيوب الخلقية النفسية كالبخل والجبن والغدر والزنا، ولم يتعرضوا للعيوب الخلقية الجسدية (1) كالعرج والعور والاحديداب إلاّ نادرا (كالتعيير بالفقر وضعف الجسد عامة والعور مرة واحدة فيما اذكر؛ ولم يكن ذلك عند النقاد محمودا).

وقد يمدح الشاعر خليفة أو أميرا بقصيدة يعرض فيها أيضا لهجاء خصمه أو للرد عليه فتكون نقيضة، قال الاخطل يمدح عبد الملك ويهجو جريرا:

إليك، أمير المؤمنين، رحلتها... على الطائر الميمون والمنزل الرّحب

وفي كل عام منك للروم غزوة... بعيدة آثار السّنابك والسّرب (2)

لحا الدهر قوما من كليب كأنهم... جداء حجاز لاجئات إلى زرب (3)

وقد يرثي الشاعر امرأته ثم يهجو خصومه كما فعل جرير:

لو لا الحياء لعادني استعبار... ولزرت قبرك، والحبيب يزار

أ فأمّ حزرة، يا فرزدق، عبتم... غضب المليك عليكم القهّار

كذب الفرزدق، ان عود مجاشع... قصف وإن صليبهم خوّار (4)

قد يؤسرون فما يفكّ أسيرهم... ويقتّلون فتسلم الأوتار

وقد يتغزل الشاعر في قصيدة طويلة تم يعطف على خصمه يهجوه كما فعل جرير أيضا. والغزل في هذه القصيدة هو القسم الأوفر منها:

بان الخليط، ولو طوّعت ما بانا...وقطّعوا من حبال الوصل أقرانا

ما يدّري شعراء الناس، ويحهم...من صولة المخدر العادي بخفّانا (5)

جهلا تمنّى (6) حدائي من ضلالتهم... فقد حدوتهم (7) مثنى ووحدانا

غادرتهم من حسير مات في قرن... وآخرين نسوا التّهدار خصيانا (8)

نشوء النقائض

كانت النقائض في العصر الأمويّ استمرارا للهجاء القبليّ في الجاهلية؛ وكان يبعثها عادة خلاف بين قبيلتين أو أسرتين فينتصر شاعر لقومه أو لأحلاف قومه، فيرد عليه شاعر من هؤلاء، فيعود الأول إلى الرد عليه؛ ثم يلتحم الهجاء ويستطير. ولقد أذكى هذه النزعة في الشعراء قيام الاحزاب وتقرّب هؤلاء الشعراء إلى الخلفاء والأمراء بهجاء خصومهم تكسبا للمال.

_____________________

1) راجع العمدة 2:166.

2) السنابك: حوافر الخيل. السرب: المسلك، الطريق. -تبعد في غزواتك.

3) في النقائض (ص 108) صرما (قطعة)، مكان قوم. الزرب: الزريبة، الحظيرة.

4) قصف: سريع الانقصاف، الانكسار. الصليب: القاسي القوي. خوار: ضعيف.

5) المخدر: الأسد المختفي في اجمته. خفان: مأسدة (مكان فيه اسود) على طريق مكة-الكوفة. العادي: الذي يهاجم الناس.

6) كذا في الاصل. ولعلها: تمنوا.

7) سقتهم كالإبل.

8) الحسير: الذي ضعف بصره. قرن: حبل تربط به الحيوانات. التهدار: خوار الثيران (أصواتها).

 

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.