اللّهمَّ إِنِّي أَسأَلكَ مِنْ مَشيئَتكَ بِأَمضاهَا ، وَكُلُّ مَشيئَتِكَ ماضِيةٌ , اللّهمَّ إِنِّي أَسأَلكَ بِمشيئَتكَ كُلِّهَا |
![]() ![]() |
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-06-04
![]()
التاريخ: 2023-05-18
![]()
التاريخ: 2025-03-02
![]()
التاريخ: 2024-09-17
![]() |
لا أراك ممّن يحتاج إلى مزيد توضيح أو كثرة تشريح أو تلويح وتصريح لمقام المشيئة ، بعد الرجوع إلى ما سبق والتدبّر فيما مرّ بما استحقّ ؛ ولكنّ البيان لا يغني من العيان ؛ لقصور العبارة وفتور الإشارة ، وكَلّ البيان ولَكَن اللسان ، ولا يمكن الوصول بهذه الحقائق إلّا مع العبور على ملابس الرقائق ؛ ولا يتيسّر إلّا بسلب العلائق الدنيوية وشدّ الرحال إلى باب أبواب الإنسانية ، والخروج عن جميع مراتب الأنانية وترك الشهوات النفسانية ؛ فإنّ شهود مقام الإطلاق لا يمكن إلّا بترك القيود ، والوصول إلى باب الإِرسال لا يتيسّر إلّا بإلقاء الحدود .
فاجتهد يا حبيبي لأن تكون شهيداً لمقامك ؛ فإنّ الشهيد يكون سعيداً ، وتعشّق وجه حبيبك ؛ فإنّ من مات من العشق فقد مات شهيداً ([1]) .
فهل يمكن الوصول إلى طور القرب إلّا بخلع نعلي الشهوة والغضب ، وترك الهوى والانقطاع إلى حضرة المولى ؛ فإنّه الوادي المقدّس والمقام الشامخ الأقدس ؛ والمتلبّس بالألبسة الجسمانية والمتردّي برداء الهيولى الظلمانية لا يمكنه شهود مقام المشيئة الإِلهية وكيفية سريانها ومضيّها وبسطها وإطلاقها .
فليعلم - بتوفيق اللَّه - أنّ سلسلة الوجود من عوالم الغيب والشهود ، من تعيّنات المشيئة ومظاهرها ، ونسبتها إلى جميعها نسبة واحدة ، وإن كانت نسبة المتعيّنات إليها مختلفة . وهي أوّل الصوادر على طريقة العرفاء الشامخين رضوان اللَّه عليهم ([2]) ، وسائر المراتب موجودة بتوسّطها ؛ كما في رواية « الكافي » عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « خلق اللَّه المشيئة بنفسها ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة » ([3]) .
بل التدقيق في مضمون الرواية الشريفة والتحقيق عند أصحاب السرّ والحقيقة وأرباب السلوك والطريقة [ هو ] أن لا موجود في المراتب الخلقية إلّا المشيئة المطلقة الإِلهية . وهي الموجودة بالذات والمجرّدة عن كلّ التعيّنات والتعلّقات ، ولها الوحدة الحقّة الظلّية ظلُّ الوحدة الحقّة الحقيقية . وأمّا التعيّنات فلم تستشمّ رائحة الوجود ، بل كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً ([4]) ، إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ([5]) و كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ([6]).
فهذا القرطاس الذي أكتب عليه ، والقلم الذي أسطر معه ، والعضلة المسخّرة لهما ، والقوّة المنبثّة فيها ، والإرادة المنبعثة عن الشوق المنبعث عن العلم القائم بالنفس ، كلُّها من شؤون المشيئة الإِلهية وظهوراتها ؛ والتعيّنات اعتبارية خيالية ؛ كما قال الشيخ الكبير : « العالم خيال في خيال » ([7]) فلا ظهور إلّا ظهورها ولا شأن إلّا شأنها ، وهذا معنى شمول المشيئة وسريان الوجود وإطلاق الهويّة الإلهية وبسط الرحمة ومقام الإلهية .
هداية : تحقيق في المشيئة الإلهية
وإذ تحقّق لك أنّ الموجودات على مراتبها العالية والسافلة وتخالفها في الشرف والخسّة ، وتغايرها في الأفعال والذوات وتباينها في الآثار والصفات ، يجمعها حقيقة واحدة إلهية هي المشيئة المطلقة الإِلهية ، والموجودات بدرجاتها المختلفة وطبقاتها المتفاوتة مستهلكة في عين المشيئة ، وهي مع غاية بساطتها وكمال وحدتها وأحديتها كلّ الأشياء ، وبالتكثّر الاعتباري لا ينثلم وحدتها بل يؤكّدها ، وينفذ نورها في الأرضين السفلى والسماوات العليا ، ولا شأن لحقيقة من الحقائق إلّا شأنها ولا طور إلّا طورها ؛ وتحقّق لك أن لا عصيان في الأمر التكويني ، وإن من شيء إلّا وهو مسخّر تحت كبريائه ، وإذا أراد اللَّه لشيء أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ([8]) بلا تأبٍّ عن الوجود وقدرة على التخطّي والعصيان ، وكلّ الماهيات مؤتمرات بأمره ، مخذولات تحت سلطنته : ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها ([9]) ؛ وتدبّرت في خلق السماوات والأرض وآمنت بصنوف الملائكة السماوية والأرضية وصفوفها وطوائف جيوش اللَّه - كلّ ذلك بشرط الخلوص التامّ عن الأنانية ، وكسر أصنام كعبة القلب بتجلّي الولاية العلوية ، وخرق الحجب الظلمانية : « تو خود حجاب خودى حافظ از ميان برخيز » ([10]) ، ينكشف لك حقيقة نفوذ المشيئة الإلهية ومضيّها وبسطها وإحاطتها ، ويتحقّق لك حقيقة خلق اللَّه الأشياء بالمشيئة ، وأنْ لا واسطة بين المخلوقات وخالقها ، وأنّ فعلَه مشيئتُه وقولَه وقدرته وإرادته إيجادُه ، وبالمشيئة ظهر الوجود ، وهي اسم اللَّه الأعظم ؛ كما قال محيي الدين : « ظهر الوجود ببسم اللَّه الرحمن الرحيم » ([11])، وهي الحبل المتين بين السماء الإِلهية والأراضي الخلقية ، والعروة الوثقى المتدلّية من سماء الواحدية . والمتحقّق بمقامها والذي أفقه أفقها ، هو السبب المتّصل بين السماء والأرض وبه فتح اللَّه وبه يختم ، وهو الحقيقة المحمّدية والعلوية - صلوات اللَّه عليهما - وهي خليفة اللَّه على أعيان المهيات ، ومقام الولاية المطلقة والإضافة الإشراقية التي بها شروق الأراضي المظلمة ، والفيض المقدّس الذي به الإفاضة على المستعدّات الغاسقة ، وماء الحياة الساري : وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ([12]) ، والماء الطهور الذي لا ينجّسه شيء من الأرجاس الطبيعية والأنجاس الظلمانية والقذارات الإمكانية . وهو نور السماوات والأرض : اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ([13]) ؛ ولها المقام الإِلهية : وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ([14]) ؛ وهي الهيولى الأولى ومع السماء سماء ومع الأرض أرض ؛ وهي المقام القيّومية المطلقة على الأشياء : ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها ([15])؛ ونفس الرحماني : وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ([16]) ؛ والفيض المنبسط ، والوجود المطلق ، ومقام قاب قوسين ومقام التدلّي ، والأفق الأعلى ، والتجلّي الساري ، والنور المرشوش ، والرقّ المنشور ، والكلام المذكور ، والكتاب المسطور ، وكلمة « كن » الوجودي ، ووجه اللَّه الباقي : كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ * وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ([17])؛ إلى غير ذلك من الألقاب والإشارات : عباراتنا شتّى وحسنك واحد * وكلٌّ إلى ذاك الجمال يشير ([18])، ونعم ما قيل : ألا إنّ ثوباً خيط من نسجِ تسعة * وعشرين حرفاً من مَعاليه قاصر ([19]).
نور مشرقي
واعلم ، هداك اللَّه إلى الطريق المستقيم وجعلك من المؤمنين والموقنين ، أنّ المشيئة وإن كانت مقام ظهور حقيقة الوجود وهي مشهودة لكلّ عين وبصيرة بل لكلّ مدرك من المدارك ، ولا مدرك ومشهود إلّاهي ولا ظهور إلّا ظهورها ، فهي مع ذلك محجوبة في ملابس التعيّنات ، مجهول كنهها مخفيّة حقيقتها ، حتّى أنّ ظهور الحقائق العلمية في مدارك العلماء بها ؛ وهي نفسها غير معلومة لهم ، ولا منكشفة عندهم بحسب الحقيقة والكنه ؛ وإن كانت مشهودة بحسب الهويّة والوجود ، ولم تكن مشهودة لكلّ أحد بإطلاقها وسريانها وبسطها وفيضانها ، بل الشهود بقدر الوجود ، والمعرفة بقدر مقام العارف .
فما لم يخرج السالك عن حبّ الشهوات الدنيوية وسجن الطبيعة الموحشة الهيولانية ، ولم يطهّر قلبه بماء الحياة من العلوم الروحانية ، و [ كان ] لنفسه بقيّة من الأنانية ، لم يمكنه شهود جمال المحبوب بلا حجاب وعلى حدّ الإطلاق .
فالقاطنون في هذا المنزل الأدنى والدرك الأسفل والأرض السفلى ، والساكنون في هذه القرية الظالم أهلها والبلد الميّت سكّانها لا يتجلّى لهم الحقّ إلّا من وراء ألف ألف حجاب من الظلمة والنور ، متراكمة بعضها فوق بعض ؛ « فإنّ اللَّه تعالى خلق ألف ألف عالم وألف ألف آدم وأنتم في آخر العوالم وأسفلها » ([20]) ؛ وأنّ له سبعين ألف حجاب من نور ، وسبعين ألف حجاب من ظلمة ([21]) .
والمستخلصون عن هذه السجون وقيودها والطبيعة وحدودها ، والمتنزّهون عن قذارة الهيولى الجسمانية وهيئاتها ، وظلمة عالم المادّة وطبقاتها ، الواصلون إلى عالم الملكوت يشاهدون من وجهه وجماله وبهائه أكثر من هؤلاء ألف ألف مرّة ؛ ولكنّهم أيضاً في حجب نورانية وظلمانية.
والمتجرّدون عن هيئات عالم الملكوت وتعلّقاته وضيق عوالم المثال والخيال ، والقاطنون في البلد الطيّب ومقام القدس والطهارة ، يشاهدون من البهاء والجمال والوجه الباقي لذي الجلال ما لا عين رأت ولا اذُن سمعت ، ولا وهم أحاط به ، ولا فكر حام حوله ، ولا عقل بلغ إليه ، من الأسرار والأنوار والتجلّيات والكرامات ، ولكنّهم أيضاً في حجب التعيّنات والمهيّات .
والواصل إلى باب الأبواب والمشاهد لجمال المحبوب بلا حجاب ، والمتحقّق بمقام الولاية المطلقة هم الذين خرجوا عن الدنيا والآخرة وتجرّدوا عن الغيب والشهادة ، ولم يخلطوا العمل الصالح بالسّيّء .
چون دم وحدت زنى « حافظ » شوريده حال * خامهء توحيد كش بر ورق انس وجان ([22]) بيني وبينك إنّي ينازعني * فارفع بلطفك إنّي من البين ([23]) وهو مقام استهلاك جهة الخلقي في وجه الربّي ، وخلع نعلي الإمكان والتعيّن .
ولا مقام فوق هذا إلّا مقام الاستقرار والتمكين والرجوع إلى الكثرة مع حفظ الوحدة ؛ فإنّه أخيرة منازل الإنسانية ، و « ليس وراء عبّادان قرية » ([24]) . وللإشارة إلى هذا المقام ورد : « أنّ لنا مع اللَّه حالات هو نحن ونحن هو وهو هو ونحن نحن » ([25]) . فالوحدة في عين الكثرة والكثرة في عين الوحدة . ونسب إلى النبي - صلّى اللَّه عليه وآله - أنّه قال : « كان أخي موسى عينه اليمنى عمياء ؛ وكان أخي عيسى عينه اليسرى عمياء ؛ وأنا ذو العينين » ([26]) .
تحصيل إشراقي : في حقيقة الأمر بين الأمرين فإذا بلغ السالك إلى اللَّه والمجاهد في سبيله إلى ذاك المقام ، وتجلّى عليه الحقّ في مظاهر الخلق مع عدم الاحتجاب عن الحقّ والخلق ؛ بل بنحو الوحدة في ملابس الكثرة والكثرة في عين الوحدة ، ينفتح عليه أبواب من المعرفة والعلوم والأسرار الإلهية من وراء الرسوم ؛ منها حقيقة الأمر بين الأمرين التي وردت من لدن حكيم عليم على لسان الرسول الكريم وأهل بيته - عليهم السلام - من الربّ الرحيم ، فإنّ فَهمَ هذه الحقيقة ودَرك سرّها وحقيقتها لا يتيسّر إلّا لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ([27]) ، فإنّه يرى بعين البصيرة والتحقيق ، بلا غشاوة التقليد وحجاب العصبية ، أنّ كلّ موجود من الموجودات بذواتها وقواها الظاهرية والباطنية من شؤون الحقّ وأطواره وظهوراته وتجلّياته .
وهو - تعالى وتقدّس - مع علوّ شأنه وتقدّسه عن مجانسة مخلوقاته وتنزّهه عن ملابسة التعيّنات ، وأ نّه في المظاهر الخلقية ظاهر في مرآة العباد و هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ ([28]) كذلك الأفعال والحركات والتأثيرات كلّها منه في مظاهر الخلق ، فالحقّ فاعل بفعل العبد ، وقوّةُ العبد ظهور قوّة الحقّ :
وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى ([29]) ، فجميع الذوات والصفات والمشيئات والإرادات والآثار والحركات من شؤون ذاته وصفته وظلُّ مشيئته وإرادته وبروزُ نوره وتجلّيه ؛ وكلٌّ جنوده ودرجات قدرته ؛ والحقّ حقّ والخلق خلق ؛ وهو تعالى ظاهر فيها وهي مرتبة ظهوره.
ظهور تو ، به من است ووجود من ، از تو * ولستَ تَظهر لولاي ، لم أكن لولاك ([30])
فمن نسب الفعل إلى الخلق وعزل الحقّ عنه ([31]) بزعم التنزيه والتقديس ، فهو قاصر وظالم لنفسه وحقّه ، محجوب عن الحقّ ، مطرود عن الربّ ؛ تنزيهه وتقديسه تقصير وتحديد وتقييد ؛ فهو داخل في قوله : الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ عاكف في الكثرات بلا توحيد .
ومن نسبه إلى الحقّ مع عدم حفظ الكثرة ([32]) فهو ضالّ بتجاوزه عن الاعتدال ، داخل في [ قوله ] : الضَّالِّينَ .
والصراط المستقيم والطريق المستبين ، الخروج عن التعطيل والتشبيه ، وحفظُ مقام التوحيد والتكثير وإعطاء حقّ الحقّ والعبد .
فعند ذلك ينكشف للعبد أنّ ما أصابه من حسنة فمن اللَّه ، وما أصابه من سيّئة فمن نفسه ([33]) ؛ فإنّ السيّئة من سوء الاستعداد ونقصان الوجود وهما قسط العبد .
والحسنة من الخيرات والجهات الوجودية ، وهي قسط الربّ . وينفتح له سرّ قوله تعالى : قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ([34]) ؛ فإنّ القابل من التجلّي الغيبي ؛ كما قال محيي الدين : « والقابل لا يكون إلّا من فيضه الأقدس » ([35]) . ويصير على بصيرة من الأخبار المتكاثرة في الباب ([36]) .
وليس في هذا المختصر مقام الشرح والتفصيل ؛ ومن أراد أن يتّضح له الأمر على تفصيله فعليه بالرجوع إلى مسفورات أساطين الحكمة وأولياء المعرفة ، سيّما السيّد المحقّق البارع الداماد وتلميذه العظيم صدر الحكماء المتألّهين ، رضوان اللَّه عليهما .
تتميم وتنوير : في أنّ الإرادة منها محدثة ومنها قديمة قد تحقّق ممّا سلف أنّ المشيئة هي مقام ظهور حقيقة الوجود وإطلاقها وسريانها وبسط نورها وسعة رحمتها ؛ وهي بعينها إرادتها في مقام الظهور والتجلّي . كما قد تحقّق أنّ مراتب التعيّنات من العقول المقدّسين والملائكة المقرّبين إلى القوى الطبيعية والملائكة الأرضية المدبّرة كلَّها من مراتب المشيئة وحدود الإرادة في مقام التجلّي والفعل .
وهذا لا ينافي لأن تكون للَّه تعالى إرادة هي عين ذاته المقدّسة وهي صفة قديمة ؛ والإرادة في مقام الفعل باعتبار التعيّنات حادثة زائلة ؛ وإن كانت بمقام إطلاقها أيضاً قديمة ، لاتّحاد الظاهر والمظهر . وبهذا تنحلّ العقدة عمّا روي عن أئمّتنا المعصومين - عليهم صلوات اللَّه ربّ العالمين - من أنّ الإرادة حادثة ومن صفات الفعل لا من صفات الذات .
فمن طريق الشيخ الأجلّ محمّد بن يعقوب الكليني ([37]) في « الكافي » بإسناده عن عاصم بن حميد عن أبي عبداللَّه عليه السلام ، قال : قلت : لم يزل اللَّه تعالى مريداً ؟ قال : « إنّ المريد لا يكون إلّا المراد معه . لم يزل اللَّه تعالى عالماً قادراً ثمّ أراد » ([38]) . وفيه أيضاً عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « المشيئة محدثة » ([39]) .
ومن المستبين أنّ المراد بهذه الإرادة والمشيئة هي الإرادة في مقام الظهور والفعل ؛ كما يشهد به قوله في رواية أخرى : « خلق اللَّه المشيئة بنفسها ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة » ([40]) .
وفي أخرى عن أبي الحسن عليه السلام : « الإرادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل . وأمّا من اللَّه فإرادته إحداثه » ([41]) .
فكما أنّ العلم له مراتب : منها مفهوم مصدري ، ومنها عرض ، ومنها جوهر ، ومنها واجب قائم بذاته موجود لذاته ، كذلك الإرادة .
وأمّا تخصيص المشيئة بأنّها محدثة ومن صفات الفعل ، والعلم والقدرة بأنّهما قديمتان ومن صفات الذات ، مع أنّها من وادٍ واحد ، بعض المراتب منها محدثة وبعضها قديمة ، فباعتبار فهم السائل والمخاطب ؛ فإنّ السؤال في العلم والقدرة عن الصفة الذاتية ؛ لتوجّه الأذهان إليها فيهما بخلاف الإرادة ؛ فإنّ السؤال عن المشيئة المتعلّقة بالأشياء الخارجية ، والجواب على مقدار فهم المخاطب ومقام عرفانه .
[1] كنز العمّال 3 : 372 / 6999 ؛ الحكمة المتعالية 7 : 174 .
[2] راجع مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية ، مطلع 3 - 7 ؛ النصوص : 74 ، نصّ 20 .
[3] الكافي 1 : 110 / 4 .
[4] النور ( 24 ) : 39 .
[5] النجم ( 53 ) : 23 .
[6] القصص ( 28 ) : 88 .
[7] فصوص الحكم : 104 ، فصّ يوسفي .
[8] يس ( 36 ) : 82 .
[9] هود ( 11 ) : 56 .
[10] ديوان حافظ : 386 ، غزل 316 .
[11] الفتوحات المكّية 1 : 102 .
[12] الأنبياء ( 21 ) : 30 .
[13] النور ( 24 ) : 35 .
[14] الزخرف ( 43 ) : 84 .
[15] هود ( 11 ) : 56 .
[16] الحجر ( 15 ) : 29 .
[17] الرحمن ( 55 ) : 26 - 27 .
[18] انظر مشارق الدراري : 115 ؛ جامع الأسرار : 75 .
[19] انظر شرح المنظومة 2 : 38 .
[20] التوحيد ، الصدوق : 277 / 2 ؛ بحار الأنوار 8 : 374 / 2 .
[21] عوالي اللآلي 4 : 106 / 158 ؛ بحار الأنوار 73 : 31 / 26 ؛ الفتوحات المكّية 3 :
210 ؛ جامع الأسرار : 163 .
[22] ديوان حافظ : 549 ، غزل 482 .
[23] ديوان الحلّاج : 160 ؛ شرح فصوص الحكم ، القيصري : 397 .
[24] جامع الأسرار : 605 ؛ أسرار الشريعة وأطوار الطريقة : 127 .
[25] كلمات مكنونه : 114 ؛ شرح توحيد الصدوق 3 : 396 .
[26] انظر بيان السعادة في مقامات العبادة 4 : 99 و 127 .
[27] ق ( 50 ) : 37 .
[28] الحديد ( 57 ) : 3 .
[29] الأنفال ( 8 ) : 17 .
[30] ديوان شمس مغربى : 143 ، غزل 118 .
[31] راجع شرح المواقف 8 : 173 ؛ شرح المقاصد 4 : 223 ؛ الحكمة المتعالية 6 : 369 .
[32] شرح المواقف 8 : 173 ؛ شرح المقاصد 4 : 223 ؛ الحكمة المتعالية 6 : 370 .
[33] اقتباس عن الآية 79 من سورة النساء ( 4 ) .
[34] النساء ( 4 ) : 78 .
[35] فصوص الحكم : 49 ، فصّ آدميّ .
[36] الكافي 1 : 155 ، « باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين » ؛ التوحيد ، الصدوق : 359 ، باب نفي الجبر والتفويض .
[37] محمّد بن يعقوب الكليني الرازي ( - 328 أو 329 ق ) المعروف بثقة الإسلام . شيخ مشايخ حديث الإمامية ومن أكابر علمائهم الأقدمين . كان غاية في الحفظ والضبط . ألّف أوّل كتب الشيعة الأربعة وهو كتاب الكافي الذي جمعه من شتات ما كتبه الأوّلون ، ورتّبه في ثلاثة أقسام : الأصول والفروع والروضة . من سائر كتبه : « كتاب الرجال » و « رسائل الأئمّة » .
راجع أعيان الشيعة 10 : 99 ؛ جامع الرواة 2 : 218 - 219 ؛ روضات الجنّات 6 : 101 - 112 .
[38] الكافي 1 : 109 / 1 .
[39] الكافي 1 : 110 / 7 .
[40] تقدّم تخريجه في الصفحة 109 .
[41] الكافي 1 : 109 / 3 .
|
|
مريض يروي تجربة فقدانه البصر بعد تناوله دواءً لإنقاص الوزن
|
|
|
|
|
كارثة تلوح في الأفق بعد تحرك أكبر جبل جليدي في العالم
|
|
|
|
|
قسم التطوير يناقش بحوث تخرج الدفعة الثانية لطلبة أكاديمية التطوير الإداري
|
|
|