أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-30
928
التاريخ: 18-8-2020
2319
التاريخ: 16-8-2020
6974
التاريخ: 15-4-2021
1613
|
كان اهتمام جنكيز ينصب على مطاردة السلطان محمد خوارزمشاه واستئصال شأفته؛ إلا أن الاستيلاء على عاصمة الخوارز مشاهيين والنيل من تركان خاتون أم السلطان وسائر أمرائه كانت أموراً حتمية في نظر خان المغول. وكانت مدينة جرجانية أو أور كنج أو كركانج عاصمة خوارزم في ذلك الوقت واحدة من أكثر المدن الإسلامية عمراناً واكتظاظاً بالسكان وكانت مركزاً للعلوم والآداب والبحث والدرس، وكانت تضم مكتبات كبرى وصارت منذ عهد اتسز خوارزمشاه مركزاً للشعراء والأدباء والعلماء ومقصداً لأهل العلم والأدب من خراسان وما وراء النهر والعراق. إضافة إلى ذلك كانت جرجانية تقع من ناحية على رأس طريق تجاري بين جرجان وممالك طائفة الخزر وصحراء قبچاق وجنوب روسيا الحالية ومن ناحية أخرى كانت تتصل بما وراء النهر وكاشغر والصين، وكان التجار يترددون عليها ويبعثون الروح في أسواقها. وكانت جرجانية في عهد أتسز وخلفائه تنافس مرو عاصمة السلطان سنجر. وكان من المقيمين بها حينذاك الإمام العلامة جار الله أبا القاسم محمود بن عمر الخوارزمي الزمخشري (467-538هـ) الملقب بفخر خوارزم، والأمير رشيد الدين محمد العمري البلخي الكاتب المعروف بوطواط (توفي 573 هـ) وبهاء الدين محمد بن المؤيد البغدادي (1) وشقيقه الشيخ مجد الدين شرف بن المؤيد البغدادي، والإمام شهاب الدين أبا سعد بن عمر الخيوقي (2)، والشيخ نجم الدين أحمد بن عمر خيوقي المعروف بكبري، والإمام فخر الدين محمد بن عمر الرازي، وكانوا جميعاً من حاملي مشاعل العلم والأدب في جرجانية. كانت خوارزم، أي المملكة الأصلية للخوارزمشاهيين تخضع لحكم تركان خاتون والدة السلطان وأتراك القنقلي، وهي طائفة كانت تستطيع أن تنزل بالجيش المغولي الفاتح ضربات موجعة في موقعها هذا في قلب الممالك الخوارزمشاهية. إلا أن شيخوخة تركان خاتون ونكبتها من ناحية، والشقاق بين الأمراء وفي الجيش من ناحية أخرى حالا دون ذلك. وحين كان جنكيز خان في ما وراء النهر أوفد دانشمند الحاجب في سفارة إلى تركان خاتون ومعه رسالة فحواها أن حربه مع خوارزمشاه وحده وأنه لا يفكر مطلقاً في التعرض للممالك الخاضعة لإدارة تركان خاتون، وطلب منها أن توفد أحد ثقاتها إليه لكي يسلم خان المغول أمر السلطة في خوارزم وخراسان وأعمالهما للملكة. ولم تثق تركان خاتون في عرض جنكيز حيث بلغها أن خوارزمشاه عبر نهر جيحون وحرر ما وراء النهر كلها، فأخذت حريمه وأطفاله الصغار ونفائس خزائنه وأمرت بسجن جماعة من الأعيان والأمراء كان خوارزمشاه قد ألقي القبض عليهم في حياته قبل أن تغادرها بدعوى أن فتنة المغول سرعان ما تخمد ويعود الاستقرار للمملكة الخوارزمية، وألقت بهم في مياه نهر جيحون حتى لا يختصم الخوارزمشاهيون من بعد. (3) وبعد تحرك تركان خاتون من خوارزم بقي بجرجانية جمع من الأمراء وقادة الجيش ووقع زمام شؤون البلاد في يد شخص يدعى سپهسالار علي ويلقب بكوه دروغان (4) أو دروغيني ولا يتمتع بأية خبرة أو كفاءة. لذا فقد ازدادت الأوضاع اختلالاً ووقع الاضطراب بين الناس وأصبحت الأموال الديوانية نهباً للمختلسين إلى أن جاء إلى خوارزم اثنان من نواب ديوان خوارزمشاه وهما عماد الدين المشرف وشرف الدين الوكيل وتوليا إدارة شؤون ديوان خوارزم باسم خوارزمشاه. وبعد وصولهما بقليل جاء كل من جلال الدين وأوزلاغ شاه وآق شاه أبناء السلطان محمد بعد دفن أبيهم بجزيرة آبسكون إلى خوارزم عن طريق بحر الخزر وابلغوا الناس بوفاة السلطان. كان خوارزمشاه طوال حياته خاضعاً لرأي تركان خاتون وكان قد أعطى ولاية عهده لابنه قطب الدين أوزلاغ شاه نزولاً عند رغبة أمه. إلا أنه بعد أن بلغه نبأ أسـر تـركـان خاتون وهو بجزيرة آبسكون وأحس بدنو أجله استدعى جلال الدين وأخويه ونصب جلال الدين ولياً للعهد وأمر ولديه الآخرين بطاعته ومبايعته. وبعد وصول ولدي خوارزمشاه إلى خوارزم وإعلان ولاية عهد جلال الدين وخلع أوزلاغ شاه = لم يذعن أمراء الترك لهذا الأمر، وقام أحدهم ويلقب بقتلغ خان ومعه سبعة آلاف جندي بإعلان معارضتهم لجلال الدين وصمموا على سجنه أو قتله. وقام إينانج خان بإبلاغ جلال الدين بالأم فخرج ومعه ثلاثمئة فارس وتيمور ملك أمير خجند السابق الذي كان قد أتى لتوه إلى خوارز وأنزل هزيمة ببعض جنود التتار وفر بعدها إلى خراسان. وبعد ثلاثة أيام من فرار جلال الدین رحل كل من أوزلاغ شاه وآق شاه عن جرجانية وأسرعا إلى خراسان. وبقي أمراء جيش خوارزمشاه ومعهم ما يقرب من تسعين ألف جندي من أتراك القنقلي وبعد مغادرة أبناء خوارزمشاه ولوا السلطة لأحد أقرباء تركان خاتون ويدعى خمارتيكن وقبل الجميع طاعته. وكان جنكيز خان يعرف أهمية موقع خوارزم وعمرانها وقوة أتراك القنقلي، فحشد معظم جيشه وقصد خوارزم من عدة اتجاهات. فمن الجنوب الشرقي، أي من ناحية بخاري، كلف جيش جغتاي وأقطاي بالتحرك نحو جرجانية؛ ومن ناحية أخرى أمر جوجي الذي كان على مشارف جند بإرسال قواته لمعاونة جيش جغتاي وأقطاي وأن يرسل قواته الخاصة من خلفهم إلى جرجانية، فبلغ عدد الجنود بخلاف قوات جوجي الخاصة مئة ألف جندي. وعندما اقتربت طلائع جيش جنكيز خان من بوابات مدينة جرجانية، ظن أهلها أن هذا الجيش المغولي كله فهجموا عليه وتقهقر المغول واستدرجوا أهالي خوارزم معهم؛ وعلى مسافة فرسخ واحد من المدينة حاصر جيش المغول الجرار أهالي خوارزم، وقبل أن تغرب شمس ذلك اليوم كانت أعداد كبيرة من الناس قد قتلوا بينما عاد من نجا منهم إلى المدينة مهزوماً. وفي اليوم التالي، وصل كل من أقطاي وجغتاي وحاصرا المدينة. ودعيا الأهالي في البداية للاستسلام، ولكن لما لم يجبهما أحد نصبا المجانيق وبدآ في رمي الحجارة والأخشاب على رؤوس الأهالي. ولم تكن هناك حجارة كثيرة على أطراف خوارزم فكان جند المغول يقتطعون كتلاً من أشجار التوت التي تكثر في هذه النواحي وتستخدم في تغذية دود القز ويضعونها في الماء حتى تتصلب وتقسو ويقذفون بها المدينة بالمجانيق. وبوصول جيش جوجي، اكتمل حصار المدينة من أطرافها كافة. وأرسل جوجي رسالة لأهل المدينة يعدهم بالأمان إن استسلموا. إلا أن أهالي جرجانية لم ينصاعوا على الرغم من أن السلطان محمد كان قد كتب يدعوهم إلى مسالمة المغول والرفق بهم، وأخذوا يدافعون عن مدينتهم. فكلف المغول الأسرى، أي جزء من حشود شباب المدن المفتوحة بردم خندق مياه المدينة في مدة عشرة أيام وبتدمير قلاع المدينة. وأدخلت هذه العمليات الرعب في قلب خمارتكين، فكف عن الجدال وخرج من المدينة وأعلن استسلامه للتتار. وكان لهذه الخيانة تأثير فت في عضد أهالي جرجانية؛ ومع ذلك فإنهم لم يستسلموا للمغول. واضطر جيش جنكيز إلى التدرج في الاستيلاء على عاصمة خوارزمشاه من حي إلى حي ومن حارة إلى حارة من أيدي الأهالي وبمشقة بالغة بحيث كان بعض الجنود يقاتلون الأهالي بالسهام والأقواس بينما أخذ البعض الآخر في إضرام النيران في البيوت بإلقاء الزجاجات المملوءة بالنفط عليها. واستمر الحال لعدة أيام دون أن تستسلم المدينة. ففكر المغول في حيلة أخرى، وهي تدمير سد جيحون وتحويل مياهه نحو مدينة جرجانية، وهو ما فعلوه فيما بعد، ولكن قبل أن يشرعوا في ذلك، شن الأهالي هجوماً على ثلاثة آلاف من الجند كانوا يرممون جسراً في المدينة وقتلوهم عن آخرهم. وبعث هذا العمل روحاً جديدة في نفوس أهالي جرجانية فازدادوا جلداً في القتال وصبراً على المكاره. وفي النهاية، سوى المغول المدينة بالأرض عدا ثلاثة أحياء لاذ بها من تبقى من الأهالي. وأرسل محتسب المدينة عالي الدين خياطي إلى جوجي وطلب الأمان. ولم يقبل جوجي هذا المطلب بدعوى أن أوان ذلك قد فات وأصدر أمره بترحيل كل من بقي من الأهالي إلى خارج المدينة. وقام بفصل أرباب الحرف والصنائع وكان عددهم يزيد عن مئة ألف وأرسلهم إلى الممالك الشرقية، وأسر قادة المغول النساء والأطفال وقاموا بتقسيم الرجال بين الجنود، فكان نصيب كل جندي مغولي أربعة وعشرين رجلاً ليقتلهم. وبعد أن فرغوا من الأهالي نهب التتار المدينة وهدموا ما لم يهدموه أثناء القتال. وبذلك بادت المدينة التي لم يكن لها مثيل في عصرها من حيث العمران والرقي وكثرة عدد السكان. استمر حصار جرجانية قرابة أربعة أشهر من ذي القعدة 617 هـ حتى صفر 618هـ. وبعد انتهائه، لم يبق أحد من أهلها حياً. فكانت أعداد قتلاهم من الكثرة بحيث أحجم المؤرخون عن تسجيلها لأنهم لم يصدقوها. (5) ومن بين من قتلوا في هذه الموقعة الشيخ نجم الدين كبري العالم والعارف الشهير وسترد سيرته فيما بعد. وكان من أسباب طول أمد حصار جرجانية بالإضافة إلى صمود أهلها أن جوجي بن جنكيز لم يكن يرغب في تخريب هذه المدينة وكان يريد لها أن تدخل ضمن نطاق سيطرته. لذا فإنه لم يتعرض للمدينة طوال مدة الحصار. ودب الخلاف بينه وبين أخيه جغتاي حول هذا الأمر. وحين بلغ نبأ الخلاف إلى جنكيز، وضع جيوش جوجي وجغتاي وأقطاي تحت إمرة الأخير. وبعد فتح خوارزم، تركها لجوجي واستدعى كلاً من جغتاي وأقطاي فذهبا إليه وكان حينذاك مشغولاً بمحاصرة مدينة طالقان. أرسل جنكيز خان كلاً من توشي وجغتاي على رأس جيش جرار إلى خوارزم. ووصل الجيش إلى بوابة المدينة وظل أهل خوارزم يقاتلونهم لمدة أربعة أشهر. وفي النهاية استولوا على المدينة وقتلوا كل أهلها وخربوا عمائرها عدا موضعين، أحدهما قصر واخجك (؟) والآخر قبر السلطان محمد تكش. ويروى أن (جوجي) حين فتح خوارزم وهجر أهلها إلى الصحراء أمر بفصل النساء عن الرجال) (طبقات ناصري، ص378-379)
...............................................
1- الشاعر ورئيس دار إنشاء السلطان علاء الدین تکش خوارزمشاه (568 - 596هـ) والد السلطان محمد خوارزمشاه والذي تعرف مجموعة منشآته بعنوان التوسل إلى الترسل (توفي بعد 588هـ).
2- وكان يعمل بالتدريس في خمس من مدارس خوارزم وأنشأ في إحدى هذه المدارس مكتبة عظيمة يقول النسوي عنها ولم أر قبلها أو بعدها مثيلاً لها وحين فر هارباً من خوارزم حمل معه بعضاً من أقيم كتبها، إلا أن هذه الكتب وقعت في أيدي العوام بعد مقتله، وقام النسوي بجمع بعضها من أيدي الناس (سيرة جلال الدين، ص 49 ــ 48).
3- ومن مشاهير هذه الجماعة التي يبلغ عدد أفرادها اثني عشر من الأمراء والأعيان والسادات ولدا طغرل السلجوقي، وعماد الدين صاحب بلخ وبهرام شاه صاحب، ترمذ، وعلاء الدين صاحب باميان وجمال الدين عمر صاحب وخش، وولدا وبرهان الدين محمد صدر جهان وشقيقه افتخار جهان وولداه ملك الإسلام وعزيز الإسلام وغيرهم (النسوي، ص 39).
4- ومعناه (جبل الأكاذيب) وذلك بسبب دابه على الكذب.
5- جهانگشای جوینی، ج 1، ص 101.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|