أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-5-2017
1789
التاريخ: 27-8-2020
1673
التاريخ: 9-5-2017
1580
التاريخ: 16-8-2020
4619
|
التاريخ بين الرحمة واللارحمة
قيل: إنّ التاريخ لا يرحم، والتاريخ لا يلاحظ الحياة الخاصّة بما هي خاصّة للشخص أو الحياة العامة بما هي عامّة للشخص بل إنّما يذكر التاريخ هذه الحياة وتلك الحياة على حدٍّ سواء، وربّما كان إنساناً حاكماً وهو على درجة كبيرة من الاستقامة في حياته الخاصّة بينما تنطوي على شيء كثير في ظلّ سفك الدماء، ونهب الأموال، وتعذيب الناس في السجون حتّى يغرس هذه النزعة في قلوب الرعيّة على نحو ما ادّعاه مؤسّس الدولة العبّاسيّة، أبو عباس السفّاح(1)، والمنصور الدوانيقي(2)، وهكذا من أسّس لهم أبو مسلم الخراساني، فقد رأينا أبا مسلم الخراساني والسفّاح والمنصور في حياتهم الشخصية، يكون لهم أو يتصور أن لهم من الديانة والأخلاق بل وحتّى الزهد الشيء الكثير، لكنّهم لا يتورّعون عن سفك الدماء، وبناء السجون، وقتل الناس بغير حقّ إلاّ أن يقولوا ربّنا الله. حتّى إنّ أحداً قال لأبي مسلم: لماذا اتّخذت السواد شعاراً؟ فأمر أبو مسلم بضرب عنقه حتّى لا يتجرّأ أحد أن يقول له مثل هذا الكلام. والقصص في هذا الباب كثيرة، فلماذا يتواضع المؤرّخون ويحجبون عن إصدار أحكام أخلاقية، وأحكام دينية، على ما ذهبوا؟ ولماذا اتّهم ذاك الرجل الغربي الذي نقلنا كلامه(3) مَن يفعل ذلك منهم بأنّه تجرّد عن الحماسة التاريخية إلاّ أنّه كما قال الإمام علي (عليه السلام): (قُلِبَ قلبه فجعل أعلاه أسفله)(4).
محاكمة الديكتاتور ومؤازريه في التاريخ
مسألة: على المؤرّخ أن يتناول الديكتاتور ومن آزروه في الديكتاتورية، في كتبه، ولهذا قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} [القصص: 8] (5)، ولأنّ العذاب إذا نزل إنما ينزل على الكلّ، كما قال سبحانه وتعالى: ((أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً))(6). لوضـوح أنّ هتـلر وحـده مـا كـان يتمكّن من إقامة هذه الحـرب التـي أفسـدت البلاد وأهلكت العباد إلاّ بسبب الجنرالات الذين كانوا حولـه يؤازرونـه، وكذلـك يكـون حـال الذيـن يؤازرون المصلحين، فنجد في دعـاء الصحيفـة السجّاديـة كذلـك بالنسبـة إلـى أصحـاب رسـول الله (صلى الله عليه وآله) حيث قـال (عليه السلام): (اللّهُـم وأصحـابُ محمـّد خاصـّةً الّذيـنَ أحسنُـوا الصحابَةَ والّذين أَبلـَوا البـلاءَ الحسـنَ فـي نَصـرِهِ وكانَفُوه(7) وأَسرَعُوا إلى وفادتِهِ وسَابَقُوا إلى دَعـوتِهِ واسْتَجَابـُوا لـَهُ حيـثُ أسْمَعـَهُم حُجـّةَ رسَالاتـِه وفَارَقـُوا الأزواجَ والأولادَ فـي إظهـارِ كلمتـِهِ وقاتَلـُوا الآبـاءَ والأبنـاءَ فـي تثبيـتِ نبوّتـِهِ وانتصَـرُوا بِهِ ومَنْ كَانـُوا مُنطـويِن عَلَـى مَحَبّتـِهِ يَرجُـونَ تجـَارَةً لـَنْ تَبـُورَ فـي مَوَدتـِهِ والّذيـن هَجَرتْـهُم العَشَائـِرُ إذْ تَعَلّقـُوا بِعروَتـهِ وانْتَفـَتْ مِنْهـُم القرابـَات إذْ سَكَنـُوا فـي ظـِلّ قَرَابَتـهِ. فَلا تَنْسَ لَهُم الّلهُم مَا تَركُوا لَكَ وفيكَ وأَرضِهِمْ مِنْ رِضوانِكَ وبما حَاشوا(8) الخلقَ عَليكَ وَكَانُوا مَع رَسُولِكَ دعاةً لَكَ إليكَ واشكُرهُم عَلَى هَجرهم فيكَ ديـارَ قَومهـم وخُروجهـم مـنْ سعـة المَعَاش إلـى ضيقه ومـنْ كثرت في إعزازِ دينكَ منْ مَظلُومِهم)(9).
والقرآن الحكيم قال قبل ذلك: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} [التوبة: 100] (10)، فالنبي هو المحسن الأعظم، وهؤلاء الصحابة هم المحسنون حوله، ولذا فليس للمؤرّخ أن يذكر الطاغية وحده، ولا أن يذكر المصلح وحده بل يجب أن يعطي كل واحد ومؤازريه حقه.
إذاً: فاللازم على المؤرّخ ألاّ يوجّه التحسين أو الانتقاد إلى شخص الحاكم أو الزعيم فقط فيحمّله مسؤولية هذه الشرور أو يذكره بكلّ الخيرات بل يذكر من عاونه وآزره في ذلك، مثلاً شرور الحرب العالمية الثانية، والكوارث التي حاقت بألمانيا، والبلاد التي كانت تحت لواء المحور قد ألقت تبعاتها على هتلر، وموسليني، وهيروهيتو(11)، بينما قد شارك في صنع الآلة العسكرية كلّ من ساهم في هذه الحرب وتحوّل إلى وقود لها، وكلّ من دعا إلى العنصرية قد ساهم أيضاً في هذه الحرب؛ لأنّه كان قد هيأ مقدمات الحرب، وكان ضمن دعاة العنصرية الشعراء، والمفكّرون، والفلاسفة. لذا قال سبحانه في قضيّة الإفك: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [النور: 11] (12)، وهناك من تولّى كبره من الصحابة، وهناك جماعات حوله يتحمّلون شطراً من الإثم حيث لكلّ امرئ منهم ما اكتسب من الإثم.
ومن الواضح: أنّ الاستعمار والاستغلال حصيلة عدّة قوى اقتصادية، وسياسيـة، واجتماعيـة، وفكريـة، فهل يمكن أن تلقى تبعتهم علـى فرد، أو بضعة أفراد؟، وهكذا فإن حسن تحرير العبيد على الأسلوب الغربي ـ والعبيد في الأسلوب الإسلامي غير العبيد في الأسلوب الغربي كما ذكرناه في كتاب العتق من الفقه ـ(13)، لا يكون من نصيب إبراهام لنكولن(14) وحده بل من نصيب (بيهو) والذين احتفوا به وأيّدوه ودعوا إليه
_____________
(1) أبو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، أول خلفاء بني العباس، ولد سنة 104ه (722م) ومات بمرض الجدري في مدينة الأنبار ـ الهاشمية ـ التي أسسها سنة 136ه (754م) وحكم أربع سنوات وتسعة أشهر من سنة 132ه (750م) وإلى سنة 136ه (754م) وعاش 32سنة، عرف بالبطش والقتل وأطلق على نفسه لقب السفاح في أول خطبة ألقاها في مسجد الكوفة بعد استلامه للحكم.
(2) عبد الله بن محمد بن علي، ثاني خلفاء بني العباس وأخو أبي العباس السفاح، ولد سنة 95ه (714م) ومات سنة 158ه (775م)، حكم أكثر من عشرين سنة من سنة 136ه (754م) وإلى سنة 158ه (775م) وعاش 63 سنة، عرف بظلمه وقتله للناس ؛ فقد قمع ثورة العلويين وسجن أولاد رسول الله(ص) من أبناء الإمام الحسن(ع) في المدينة أربع سنوات من 140ه وإلى 144ه وكان عددهم عشرين شخصاً، ثم نقلهم إلى الكوفة ثم الأنبار وعلى رأسهم عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب(ع) وحبسهم في سجون لا يميزون الليل من النهار وكانوا يحددون أوقات صلاتهم بقراءة خمسة أجزاء من القرآن وإذا مات أحدهم في السجن كان المنصور الدوانيقي يتركه معهم ويبقي جسده مربوطاً بالأغلال والأصفاد، وعندما ماتوا جميعاً هدم عليهم السجن، كما أنه ضيّق على الإمام الصادق(ع) مراراً وتكراراً وحمله إلى العراق وأخيراً قتله بالسم سنة 148ه، وقد ذكر الصدوق في عيون أخبار الرضا أن المنصور لما بنى الأبنية في بغداد ودام ذلك البناء أربع سنوات، جعل يطلب العلوي طلباً شديداً ويجعل من ظفر به منهم في إسطوانات، مجوفة، مبنية من الجص والآجر. للمزيد راجع (منتهى الآمال( للشيخ عباس القمي وأعيان الشيعة : ج1 ص 28 لمحسن الأمين.
(3) في ص350 تحت عنوان إشكال وجواب.
(4) نهج البلاغة : قصار الحكم : الحكمة 375، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج19 ص312 ب381، مستدرك الوسائل : ج12 ص194 ب4 ح13859، ونص الحديث : (أن أول ما تغلبون عليه من الجهاد، الجهاد بأيديكم ثم بألسنتكم ثم بقلوبكم، فمن لم يعرف بقلبه معروفاً ولم ينكر منكراً قلب قلبه فجعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه).
(5) سورة القصص : الآية 8.
(6) سورة نوح : الآية 25.
(7) كانفوه : أي أعانوه.
(8) حاشوا : أي جمعوا.
(9) الصحيفة السجادية : ص 39.
(10) سورة التوبة : الآية 100.
(11) هيروهيتو إمبراطور اليابان، ولد في طوكيو سنة 1901م، حكم سنة 1926م، حاول كبح جماح العسكريين في محاولة لتجنيب اليابان التورط في الحرب العالمية الثانية، أصبح بعد هزيمة اليابان عسكرياً عاهلاً دستورياً بموجب الدستور الذي أملته السطات الأمريكية عليه، مات سنة 1989م.
(12) سورة النور : الآية 11.
(13) للمزيد راجع موسوعة الفقه : ج 72 كتاب العتق للإمام المؤلف.
(14) إبراهام لنكولن، ولد سنة 1809م، سياسي أمريكي تزعم الحزب الجمهوري وقاتل الولايات الجنوبية في الحرب الأهلية فانتصر عليها، أصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية سنة 1860م، ألغى الاسترقاق وأعلن حق الأمريكيين المسترقين في الحرية وكان ذلك سنة 1863م، اغتيل من قبل ممثل مسرحي فيما كان يشهد إحدى الحفلات في مسرح بواشنطن سنة 1865 م.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|