أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-05
364
التاريخ: 9-11-2014
3554
التاريخ: 25-11-2015
2425
التاريخ: 2023-11-07
1748
|
القرآن الكريم بتذكيره لبني إسرائيل بنعمة خلاصهم من هيمنة فرعون واستبداده إنما يرمي، في الواقع، إلى إلقاء فكرة في أذهانهم ألا وهي: اعلموا أن الباقي، في نهاية المطاف هو الحق فحسب وما غير الحق، كائناً ما كان، إلا أحدوثة وحلماً ليس غير إذ أن ما يدوم وما يتمتع بالاتصال والبقاء هو اليقظة. فالأحلام منقطعة عن بعضها وهي عابرة، والظالم كالنائم، وإن سلسلة الظالمين منفصلة عن بعضها (1)، وستتحول جميعها إلى أحاديث. ففرعون وآله قد ولّوا، وبخت النصر الذي تسلط على رقاب بني إسرائيل من بعده قد اندرس بين طيات التاريخ، والباطل - عموماً زائل كما يزول الزبد من على سطح الماء، وإن ما يصمد ويصل إلى مقصده هو الحق {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: 17]، فالغلبة النهائية هي للسنة الإلهية: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة: 33] ، والعالم في نهاية الأمر يؤول إلى ما يوافق أمنية أهل الحق والتقوى ورغبتهم: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128].
فسيل الحق الصاخب العرم لا يتبخر، بل سيصب في البحر وإن طفا سطحه بعض المهملات والأشواك. القرآن الكريم يشبه الظلم والظالمين بالمُهمل والشوك الذي يعتلي سيل رحمة الحق، وإن دأب السنة الإلهية القطعية - على أساس {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 180]، و {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ} [الأعراف: 128]، و {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ} [القصص: 5]، و {الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49] هو إزالة كل ما هو غريب عن الماء المتدفق ووصل السيل العرم للحق، من دون أي مانع ولا رادع بالمحيط غير المتناهي للوجود الخالد.
من النقاط المهمة الملفتة للنظر في نقل قصص الأنبياء والأمم السابقة في القرآن هي أن الله عزّ وجلّ في الوقت الذي يتحدث فيه عن سيرته العملية وسنته الجارية بالنسبة للظلمة يقول: من كان يُقال له إنه "موجود" لفترة من الزمن قد جعلناه الآن ضمن عنوان "كان" (2)، لكنه بخصوص أولئك المتمرسين في الظلم فهو تعالى يقول: لقد فرقناهم كل تفرقة وأبدناهم من على وجه الأرض حتى صار يُقال في حقهم: "كان" في الروم قيصر، لا أنه "موجود"، وكان في الحبشة النجاشي، وفي اليمن تبع، وفي بلاد الترك خاقان، وفي فارس مملكة كسرى؛ أي إنّهم أبيدوا وقُضي عليهم بطريقة لم يبق منهم غير الأحدوثة والقصة: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ: 19].
ويقول في موطن آخر لقد أرسلنا رسلنا يتبع بعضهم بعضاً فكلما جاء رسول لهداية قوم ما قام طغاتهم بتكذيبه، بيد أننا أفنينا الأمم المتمردة الواحدة تلو الأخرى بحيث لم يبق منهم إلا الاسم والأحاديث (3): {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} [المؤمنون: 44].
وتوضيحاً لذلك نقول: إن أصل نظام الخلقة هو التوحيد، وما الإلحاد، والشرك والكفر، والنفاق إلا زوائد لهذا النظام؛ فالأصل يبقى ويحكم ويثمر أما الزوائد فتزول. فليس الأمر أن التوحيد يحكم تارة، والشرك تارة أخرى بحيث يكون أي واحد منهما ليس هو الأصل.
وفقاً للثقافة القرآنية فإن المجتمعات الإنسانية هي بمنزلة البستان والله هو بستانيها؛ حيث: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح: 17]. وفي هذا البستان تنبت الأعشاب الضارة كذلك ولابد من اقتلاعها، وتنمو الأغصان الزائدة أيضاً حيث يتعيّن تشذيبها من أجل ذلك فهو عزّ وجل يقول من ناحية: {وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [الأعراف: 72]، أو: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 45]، أي إننا نجتث النباتات الضارة ونقطع الأغصان الزائدة من أمثال السلاطين والأكاسرة والقياصرة كي لا يشكلوا عائقاً لإثمار شجرة طوبى الحق. ويقول عزّ من قائل في تعبير آخر لقد جعلناهم مثل جذوع النخل الفارغة التي هوت على الأرض بريح عاتية فلم يبق لها أثر: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة: 7،8]
ومن ناحية أخرى فهو يقول: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [القصص: 51]، أي إننا جعلنا الأنبياء حلقات متصلة وأوصلنا أقوال هؤلاء المتحدثين الإلهيين إلى الأمم بشكل متصل ومتتابع حتى بات كل حق أو فضيلة في مشارق الأرض ومغاربها مأخوذاً من مدرسة الأنبياء وتعاليمهم. كما أنه قد تمت الإشارة إلى الثمرة النهائية لبستان الحقيقة في الآية: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33] بمعنى أنه عندما ينظر الإنسان من قمة عالم الوجود بعين إلهيّة إلى مجموع نظام الوجود فسيدرك أن لهذا النظام تصميماً رائعاً وهو يسير صوب عاقبة مطلوبة ومناسبة؛ أي إن نظام العالم هو النظام الأحسن وهو عار عن الاعوجاج والذنوب وما المعصية والظلم إلا أمران عارضان عليه. من هذا المنطلق لا يصح القول: "لماذا لا تتحقق أهداف الأنبياء؟!" أو "لماذا كل هذا السفك للدماء؟!"؛ فالسفاحون معدودون وأغلب الناس هم بين مظلوم وبين صالح وشريف. وببيان آخر فعلى الرغم من كثرة الفساد والقتل وأن المظلومين والمضطهدين لا يُحصون ولا يُعدون، بيد أن المفسدين من أمثال كسری وقيصر وخاقان قلة إذا ما قورنوا بعامة الناس المحرومين أو المتوسطين.
فإذا نظر شخص إلى الكون بهذه الرؤية الإيجابية فلن يرى إلا ما هو محمود من النظم، لا ما هو مذموم من الهرج والمرج؛ وذلك لأن عدد المظلومين من خلال هذه الرؤية لا يوضع في حساب الظالمين. فعلى مدار التاريخ ترى أن الخط المستقيم للصفوة وسبيل النخبة من أمثال ران، وآل إبراهيم وآل موسى وآل هارون، وآل يعقوب موجود على الدوام وأن فكرهم ودينهم وكتبهم باقية وثابتة، وما عدا ذلك فأيّ خط آخر فهو إلى فناء، وإن أتباعه يُجتنّون من فوق الأرض فيبيتون أحاديث وأحدوثات.
فبما أن الأنبياء المتعاقبين يصدق بعضهم بعضاً: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [البقرة: 97] وهم متحدون وعلى مسير واحد فهم دائمون وباقون، أما الظلمة والجبابرة فبما أنهم متكالبون، متنازعون متهارشون، متطاردون ولا يجتمعون في طريق واحد فلا دوام لهم وهم يجتنون من جذورهم فيؤولون إلى الزوال والفناء؛ نظير النباتات الضارة التي تقتلع من جذورها فلا يكون العشب الضارّ الذي ينبت بعدها حاصلاً منها ولا استمراراً لها. بناءً على ما تقدم فلما كان فساد كل ظالم محصوراً ضمن حدوده وأن التشتت والاختلاف موجودان دائماً بين الظالمين؛ {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة: 64]، فإن أي نار توقد من قبل أي ظالم فهي لا تدوم بل تُطْفاً {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المائدة: 64]؛ فمَثَلهم كمثل الشجرة التي اقتلعت من الأرض، فهي قد تبقى على اخضرارها لبضعة أيام لكن لما كانت تفتقر إلى الجذور المغروسة في التربة فهي لا ثبات لها: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} [إبراهيم: 26]، على خلاف الحق الذي هو كالشجرة الطيبة، متجذر وثابت: {أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: 24-25] وإن إرادة الله قد تعلّقت بإحقاق الحق وإثباته واستمراره: {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} [الأنفال: 7] وإن ما يريد الله ثباته، فهو لن يزول بأي عامل من العوامل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. الممكن أن يكون ما ينجز في أثناء اليقظة متصلاً ومتعلقاً بعضه ببعض؛ فدرس اليوم يكون مثلاً استمراراً لدرس الأمس، لكن منام هذه الليلة منفصل عن منام الليلة البارحة، وليس لرؤيا الماضي علاقة برؤيا المستقبل، بل إن ما يُرى من أضغاث الأحلام في الليلة الواحدة تكون أحداثه منفصلة عن بعضها، ولا يكون هناك أي ارتباط بين أجزائه أحياناً.
2. قد يُشكل بأن الله سبحانه وتعالى يعبر عن الأنبياء أيضاً بتعبير "كان"؛ فمثلاً هو يقول في إبراهيم الخليل : إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةٌ فَانتا﴾ (سورة النحل، الآية 120). والجواب هو أن كان في هذه الجملة كما هو حال كان في جملة كَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيما منسلخة عن الزمان والمكان ومشرفة على التاريخ وهي تفيد الاستمرار. ولنفس السبب نرى أن الله قد حفظ سنة إبراهيم التوحيدية في أعقابه وجعلها "كلمة باقية" و"بقيّة الله": ﴿وَجَعَلَهَا كَلَمَةٌ بَاقِيَةً في عَقبه ﴾ (سورة الزخرف، الآية (28) ودعانا نحن إلى اتباع ملة إبراهيم الخالدة: ﴿فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ﴾ (سورة آل عمران، الآية 95)؛ وذلك لأن إبراهيم هو وجه الله وهو وجيه عند الله وأنه على أساس كُلُّ شَيْءٍ هَالِك إلا وَجْهَهُ ﴾ (سورة القصص الآية (88 فإن وجه الله لا يقبل المحو والزوال.
3. "أحاديث" . حديث أو أحدوثة. فالمعنى في الصورة الأولى هو ذات ما قيل أعلاه؛ أي إنهم أبيدوا عن آخرهم بحيث لم يبق منهم غير الأحاديث، أما الصورة الثانية فلها معنى مشابه أيضاً؛ لأن الأحدوثة تعطي معنى فكاهياً؛ أي إنّنا قد أبدناهم ودفناهم بشكل صاروا معه لا يُذكرون إلا بصورة الفكاهة والتلهي.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|