أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-05-2015
3840
التاريخ: 2023-04-01
1219
التاريخ: 21-05-2015
3023
التاريخ: 2023-03-29
1651
|
محمّد الأمين : نزعاته وسياسته
لم تكن في الأمين أيّة صفة كريمة يستحق بها هذا المنصب الخطير في الإسلام ، فقد أجمع المترجمون له على انّه لم يتّصف بأيّة نزعة شريفة ، وانّما قلّده الرشيد منصب الخلافة نظرا لتأثير زوجته السيدة زبيدة عليه وفيما يلي بعض صفاته :
1 - كراهيته للعلم : كان الأمين ينفر من العلم ، ويحتقر العلماء ، وكان امّيا لا يقرأ ولا يكتب[1] وإذا كان بهذه الصفة كيف قلّده الرشيد الخلافة الاسلامية ؟
2 - ضعف الرأي : وكان الأمين ضعيف الرأي ، وقد أعطي الملك العريض ولم يحسن سياسته ، وقد وصفه المسعودي بقوله : كان قبيح السيرة ضعيف الرأي يركب هواه ، ويهمل أمره ، ويتّكل في جليلات الخطوب على غيره ، ويثق بمن لا ينصحه[2]. ووصفه الكتبي بقوله : وكان قد هان عليه القبيح فاتّبع هواه ، ولم ينظر في شيء من عقباه .
وكان من أبخل الناس على الطعام ، وكان لا يبالي أين قعد ، ولا مع من شرب[3].
وممّا لا شبهة فيه أنّ أصالة الفكر والرأي من أهم الشروط التي يجب أن تتوفر فيمن يلي أمور المسلمين .
3 - احتجابه عن الرعيّة : واحتجب الأمين عن الرعية كما احتجب عن أهل بيته وأمرائه وعمّاله واستخفّ بهم[4] وانصرف إلى اللهو والطرب ، وقد عهد إلى الفضل بن الربيع أمور دولته ، فجعل يتصرف فيها حسب رغباته وميوله ، وقد خفّ إلى الأمين إسماعيل بن صبيح ، وكان أثيرا عنده ، فقال له : يا أمير المؤمنين أنّ قوّادك وجندك وعامة رعيتك ، قد خبثت نفوسهم ، وساءت ظنونهم وكبر عندهم ما يرون من احتجابك عنهم ، فلو جلست لهم ساعة من نهار فدخلوا عليك فإنّ في ذلك تسكينا لهم ، ومراجعة لآمالهم .
واستجاب له الأمين فجلس في بلاطه ودخل عليه الشعراء فأنشدوه قصائدهم ، ثمّ انصرف فركب الحرّاقة إلى الشماسية ، واصطفّت له الخيل وعليها الرجال ، وقد اصطفّوا على ضفاف دجلة ، وحملت معه المطابخ والخزائن ، أمّا الحرّاقة التي ركبها فكانت سفينة على مثال أسد وما رأى الناس منظرا كان أبهى من ذلك المنظر .
لقد كان الأمين انسانا تافها قد اتجه إلى ملذّاته وشهواته ولم يعن بأيّ شأن من شؤون الدولة الاسلامية .
4 - خلعه للمأمون : وتقلّد الأمين الخلافة يوم توفّي الرشيد ، وقد ورد عليه خاتم الخلافة والبردة والقضيب التي يتسلّمها كلّ من يتقلّد الخلافة من ملوك العباسيين وحينما استقرت له الأمور خلع أخاه المأمون ، وجعل العهد لولده موسى وهو طفل صغير في المهد وسمّاه الناطق بالحق ، وأرسل إلى الكعبة من جاءه بكتاب العهد الذي علّقه فيها الرشيد ، وقد جعل فيه ولاية العهد للمأمون بعد الأمين ، وحينما أتى به مزّقه .
الحروب الطاحنة :
وبعد ما خلع الأمين أخاه المأمون عن ولاية العهد ، وأبلغه ذلك رسميا ندب إلى حربه علي بن عيسى ، ودفع إليه قيدا من ذهب ، وقال له : أوثق المأمون ، ولا تقتله حتى تقدم به إليّ وأعطاه مليوني دينار سوى الأثاث والكراع ، ولمّا علم المأمون ذلك سمّى نفسه أمير المؤمنين ، وقطع عنه الخراج ، وألغى اسمه من الطراز والدراهم والدنانير ، وأعلن الخروج عن طاعته ، وندب طاهر بن الحسين ، وهرثمة بن أعين إلى حربه ، والتقى الجيشان بالري ، وقد إلتحما في معركة رهيبة جرت فيها أنهار من الدماء وأخيرا انتصر جيش المأمون على جيش الأمين ، وقتل القائد العام للقوات المسلحة في جيش الأمين ، وانتهبت جميع أمتعته وأسلحته ، وكتب طاهر بن الحسين إلى الفضل بن سهل وزير المأمون يخبره بهذا الانتصار الباهر وقد جاء في رسالته : « كتبت إليك ، ورأس علي بن عيسى في حجري ، وخاتمه في يدي والحمد للّه ربّ العالمين » ودخل الفضل على المأمون فسلّم عليه بالخلافة ، وأخبره بالأمر ، وأيقن المأمون بالنصر فبعث إلى طاهر القائد العام في جيشه بالهدايا والأموال ، وشكره شكرا جزيلا على ذلك ، وقد سمّاه ذا اليمينين ، وصاحب خيل اليدين ، وأمره بالتوجه إلى احتلال العراق والقضاء على أخيه الأمين .
وخفّت جيوش المأمون إلى احتلال بغداد بقيادة طاهر بن الحسين ، فحاصرت بغداد ، وقد دام الحصار مدة طويلة تخرّبت فيها معالم الحضارة في بغداد ، وعمّ الفقر والبؤس جميع سكانها وكثر العابثون ، والشذّاذ فقاموا باغتيال الأبرياء ، ونهبوا الأموال وطاردوا النساء حتى تهيأت جماعة من خيار الناس تحت قيادة رجل يقال له سهل بن سلامة فمنعوا العابثين وتصدوا لهم بقوة السلاح حتى أخرجوهم من بغداد[5].
وقد زحفت جيوش المأمون إلى قصر الأمين وطوّقته وألحقت الهزائم بجيشه ، فلم تتمكّن قوّات الأمين من الصمود أمام جيش المأمون الذي كان يتمتّع بروح معنوية عالية بالإضافة إلى ما كان يملكه من العتاد والسلاح .
قتل الأمين :
وكان الأمين في تلك المحنة مشغولا بلهوه ، إذ كان يصطاد سمكا مع جماعة من الخدم وكان فيهم ( كوثر ) الذي كان مغرما به فكان يوافيه الأنباء بهزيمة جنوده ، ومحاصرة قصره فلم يعن بذلك ، وكان يقول : اصطاد كوثر ثلاث سمكات وما اصطدت إلّا سمكتين ! ! وهجمت عليه طلائع جيش المأمون فأجهزت عليه ، وحمل رأسه إلى طاهر بن الحسين فنصبه على رمح وتلا قوله تعالى : اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ[6].
خلافة إبراهيم الخليع :
سمّي إبراهيم بالخليع لأنه لم يترك لونا من ألوان المجون إلّا ارتكبه ، وكان مدمنا على الخمر في أكثر أوقاته ، وقد نصّبه العبّاسيون خليفة عليهم ، وذلك لحقدهم على المأمون وكراهيّتهم له ، وقد بايعه الغوغاء ، وأهل الطرب من الناس ، ومن الطرايف أنّ الغوغاء ، أرادوا منه المال فجعل يسوّفهم ، وطال عليهم الأمر فأحاطوا بقصره فخرج إليهم رسوله فأخبرهم أنّه لا مال عنده ، فقام بعض ظرفاء بغداد فنادى : « أخرجوا إلينا خليفتنا ليغنّي لأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات ، ولأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات فتكون عطاءا لهم . . . »[7].
وزحف المأمون بجيوشه نحو بغداد للقضاء على تمرّد إبراهيم ، فلمّا علم ذلك هرب ، وهرب من كان يعتمد على نصرته ، وظلّ إبراهيم مختفيا في بغداد يطارده الرعب والخوف ، وقد ظفر به المأمون فعفا عنه لأنّه لم يكن له أي وزن سياسي حتى يخشى منه .
ثورة أبي السرايا :
من أعظم الثورات الشعبية التي حدثت في عصر الإمام أبي جعفر ( عليه السّلام ) ثورة أبي السرايا التي استهدفت القضايا المصيرية لجميع الشعوب الإسلامية ، فقد رفعت شعار الدعوة إلى ( الرضا من آل محمّد ( عليه السّلام ) ) الذين كانوا هم الأمل الكبير للمضطهدين والمحرومين ، وكادت أن تعصف هذه الثورة بالدولة العبّاسية ، فقد استجاب لها معظم الأقطار الإسلامية ، فقد كان قائدها الملهم أبو السرايا ممّن هذّبته الأيام ، وحنّكته التجارب ، وقام على تكوينه عقل كبير ، فقد استطاع بمهارته أن يجلب الكثير من أبناء الإمام موسى بن جعفر ( عليه السّلام ) ويجعلهم قادة في جيشه ، ممّا أوجب اندفاع الجماهير بحماس بالغ إلى تأييد ثورته والانضمام إليها إلّا أنّ المأمون قد استطاع بمهارة سياسية فائقة أن يقضي على هذه الحركة ، ويقبرها في مهدها ، فقد جلب الإمام الرضا ( عليه السّلام ) إلى خراسان ، وأرغمه على قبول ولاية العهد ، وأظهر للمجتمع الإسلامي أنّه علوي الرأي ، فقد رفق بالعلويّين ، وأوعز إلى جميع أجهزة حكومته بانتقاص معاوية والحطّ من شأنه ، وتفضيل الإمام أمير المؤمنين على جميع صحابة النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) فاعتقد الجمهور أنّه من الشيعة واستطاع بهذا الأسلوب الماكر أن يتغلّب على الأحداث ويخمد نار الثورة[8].
لقد عاش الإمام أبو جعفر محمّد الجواد ( عليه السّلام ) معظم حياته في عهد المأمون ، ولم يلبث بعده إلّا قليلا حتى وافاه الأجل المحتوم . . ويرى بعض المؤرّخين أنّ المأمون كان يكنّ له أعظم الودّ وخالص الحبّ ، فزوّجه من ابنته امّ الفضل ، ووفّر له العطاء الجزيل ، وكان يحوطه ، ويحميه ويخشى عليه عوادي الدهر ، ويضنّ به على المكروه ، وكان يصرّح أنّه يبغي بذلك الأجر من اللّه ، وصلة الرحم التي قطعها آباؤه ، وفيما أحسب أنّ ذلك التكريم لم يكن عن إيمان بالإمام أو إخلاص له ، وإنّما كان لدوافع سياسية نعرض لها في المباحث الآتية .
وعلى أيّة حال فلا بدّ لنا من وقفة قصيرة لدراسة حياة المأمون ، والوقوف على اتّجاهاته الفكرية والعقائدية ، والنظر فيما صدر منه من تكريم للإمام ( عليه السّلام ) فإنّ ذلك ممّا يرتبط ارتباطا موضوعيّا بالبحث عن حياة الإمام أبي جعفر ( عليه السّلام ) .
[1] السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي : 1 / 16 .
[2] التنبيه والاشراف : 302 .
[3] عيون التواريخ : 3 ، ورقة : 212 .
[4] سمط النجوم : 3 / 306 .
[5] اتّجاهات الشعر العربي : 73 .
[6] عيون التواريخ : 3 ، ورقة : 211 / حياة الإمام محمد الجواد : 193 - 197 .
[7] حياة الإمام محمّد الجواد ( عليه السّلام ) : 198 .
[8] راجع حياة الإمام محمد الجواد ( عليه السّلام ) : 198 - 199 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|