أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-7-2016
27727
التاريخ: 23-7-2016
34545
التاريخ: 22-3-2018
41248
التاريخ: 18-1-2020
1938
|
تنقسم المحاكاة أصلا إلى ما يحاكي في نفسه بالوصف، وما يحاكي في غيره بالتشبيه، وليس ثمة فارق بينهما إلا في كون الوصف مباشراً، والتشبيه غير مباشر، أو في كون الوصف يتناول الشيء بغير واسطة، والتشبيه يتناوله من خلال مقارنته بشيء آخر(1)، واذا كان حازم لا يوضح لنا ايهما يفضل فأنه يبدو متأثراً بالفارابي في كلامه على التمثال والمرآة، حيث تكون صورة التمثال في المرآة محاكاة لمحاكاة(2) ولكنه يفصل كعادته ما أجمله الفارابي او ابن سينا فيقول: (كما ان المحاكى باليد قد يمثل صورة الشيء نحتا أو خطأ، فتعرف المصور بالصورة وهو يتخذ مرآة بيدي لك بها تمثال تلك الصورة، فتعرف المصور ايضاً بتمثال الصورة المتشكل في المرآة، فكذلك الشاعر تارة يخيل لك صورة الشيء بصفاته نفسه، وتارة يخيلها لك بصفات شيء آخر هي مماثلة لصفات ذلك الشيء)(3) على اننا بعد ذلك نلاحظ ضرباً من الخلاف بين المصنف والشارح، فعلى حين ان الفارابي آثر محاكاة المحاكاة لما فيها من إيحاء، فقد ذهب حازم إلى ان في "ترادف" المحاكاة بعداً عن الحقيقة وان هذا البعد قد يفضي إلى الاستحالة، فيفضل لذلك عدم بناء الاستعارات بعضها على بعض بما يبعدها عن الحقيقة: ( وربما ترادفت المحاكاة وبني بعضها على بعض فتبعد الكلام عن الحقيقة بحسب ترادف المحاكاة، وادى ذلك إلى الاستحالة، ولذلك لا يستحسن بناء بعض الاستعارات على بعض حتى تبعد عن الحقيقة برتب كثيرة لأنها راجعة إلى هذا الباب) (4) وعلى الرغم من ذلك، فإن حازماً ــ فيما يبدو ــ لم يكن مخلصاً لهذا الرأي على الدوام، فقد فضل في مواضع أخرى ــ كما سنرى ــ ما افضى إلى التعجيب والاغراب بالنادر المستطرف والخفي اللطيف(5) وهو ما تفضي إليه ايضاً محاكاة المحاكاة.
ويبدو ان حازماً
يرجع في انكاره لترادف المحاكاة، إلى اعتقاده بحسية التشبيه، وها هنا بيت القصيد ،
لنه لم يتخلص من الاعتقاد السائد في هذا الامر، بل لعله كان اشد حرصاً على ذلك من
خلال وضع قانون واضح لهذه الحسية على سبيل الشرط، ومن شأن ترادف المحاكاة ان يضعف
قليلاً من هذه الحسية، لأن صورة التمثال في المرآة اقل حسية في الحقيقة من صورة
التمثال ذاته، وصورته في مرآة ثانية، أو ثالثة، تكاد تجعله معنى بما تثيره من
أخيلة متعددة تبعد به عن الاصل شيئاً فشيئاً، وواضح ان النقاد الحريص على التشبيه،
وقربه، لا يستطيع الاطمئنان كثيراً إلى هذا الاسراف في تحويل الشيء إلى معنى لأنه
يخشى ان يفقد وضوح الرؤية الحسية من خلال تعدد صور هه الرؤية، وان يختلط عليه
الامر بين الحقيقة والخيال، وهو الذي لا يرضى عن الحقيقة بديلاً لما يعتقده من
ضلال الخيال.
ليس غريباً اذن ان
يطالعنا حازم في بحثه عن أحكام المحاكاة التشبيهية بإيثاره منذ البداية ان تكون
هذه المحاكاة متعلقة بأمر موجود غير مفروض من جهة، ومحسوس من جهة اخرى: (وينبغي ان
ينظر في المحاكاة التشبيهية من جهات، فمن ذلك جهة الوجود والفرض، وينبغي أن تكون
المحاكاة على الوجه المختار بأمر موجود لا مفروض ومن ذلك جهة الادراك، وينبغي ان
تكون المحاكاة في الامور المحسوسة حيث تساعد المكنة من الوجوه المختارة بالأمور
المحسوسة وبها يحسن بأن تحاكى الامور غير المحسوسة حيث يتأنى ذلك ويكون بين
المعنيين انتساب، ومحاكاة المحسوس بغير المحسوس قبيحة)(6) والحق ان من
شأن هذا الكلام ان يذكرنا بما سبق من أقوال النفاد جميعاً دون ان يدعنا ننقب عما
يمكن ان يكون جديداً في مفهوم المحاكاة أو التشبيه، فلا ندري لماذا ينبغي ان تكون
المحاكاة في امر موجود، ولا تكون في امر مفروض، او تكون في امر كائن، وليس في امر ممكن، والامر الكائن هو سبيل التاريخ،
والامر الممكن هو سبيل الفلسفة، غير اننا اذا ذكرنا مفهوم المحاكاة التشبيهية
ادركنا دائماً علة كل الآراء النقدية التي كانت سبباً في اضعاف عنصر الخيال.
وحازم يصرح بغير
حرج ان التخييل تابع للحس، وان مدركات الحواس هي مدار الاحوال المستطابة في الشعر
مثل ذكر العناق واللثم في الملموسات والماء والخضرة في المبصرات(7)، بل
هو يرى ان التخييل اصلاً صورة ذهنية لشيء مرئي، فالإنسان انما يتخلى ما يراه، وما
لا يراه فإنما يلتمس ما يطيف به مما يرى ، فالرؤية شرط لازم: (ان الاشياء ما يدرك
بالحس، ومنها ما ليس ادراكه بالحس، والذي يدركه الإنسان بالحس فهو الذي تتخيله
نفسه، لأن التخييل تابع للحس، وكل ما ادركته بغير الحس، فإنما يرام تخييله بما
يكون دليلاً على حالة من هيئات الاحوال المطيفة به، واللازمة له، حيث تكون تلك
الاحوال مما يحس ، ويشاهد فيكون تخييل
الشيء من جهة ما يستبينه الحس من آثاره، والأحوال اللازمة له حال وجوده،
والهيئات المشاهدة لما التبس به ووجد عنده)(8)، واضح اذن ان المحاكاة
عند حازم تعني قدرة الذهن على تلقي الصور كما تتلقاها المرآة، ثم تخييلها للسامع،
وهذا قريب من قول افلاطون ان في مقدور المرء ان يشبه الشاعر اذا ما امسك بمرآة،
وراح يلهو بها، ويعكس الصور، فالشاعر ليس صانع صور بقدر ما هو مرآة صور، ولا ريب
ان هذا المفهوم الافلاطوني يجرد الشاعر من ملكة الخيال التي يستخدمها لإعادة ترتيب
الاشياء كما يمكن ان تكون، على غير ما هو مألوف فيها، أي لجعل غير المألوف
مألوفاً، لأن الشاعر اذا كان مجرد حامل مرآة، فان الصانع اولى منه بالفن حقاً، وهو
ما ذهب إليه افلاطون حين وضع شعراء المحاكاة في الدرجة السادسة بعد العراف، وقبل
المزارع ومحترف السفسطة(9)، أو حين وضع الفنان عامة بعد الصانع في
نظرية المثل(10)، وظاهر ان محاكاة افلاطون، ومحاكاة من قلده من النقاد
العرب تتجه إلى مظاهر الاشياء، ومن ثم فلا بد ان يغلب عليها الطابع الحسي، وما
يتعلق به من القرب والوضوح.
ولكن، هل كان حازم
يؤثر قرب المحاكاة، ووضوحها ايضاً؟ يلوح انه كان يولي لطف الكلام، وغرابته
اهتماماً خاصاً، ولا سيما انه جعل اقتران الاغراب بالمحاكاة مما يلائم النفس،
وأورد ذلك في تعريفه للشعر(11)، وحقاً انه انكر ترادف المحاكاة التي
تعتمد فيها الاستعدادات بعضها على بعض بيد انه كان يعني غالباً ذلك الترادف المفضي
إلى التعقيد، ولعله كان يخشى ــ ان هو اباح الترادف ــ استعارة تشبه استعارة ابو
نواس في قوله: بح صوت المال، وهو ما انكره اغلب النقاد، ولكنه فيما عدا ذلك، كان
يصرح بإيثار ما هو غير مألوف، أو قريب من التشبيه، وهو اصلاً كان يقسم التشبيه
بهذا الاعتبار قسمين: المتداول، والمخترع وبصف المخترع بقوله: (وهذا اشد تحريكا
للنفوس، اذا قدرنا تساوي قوة التخييل في المعنيين، لأنها انست بالمعتاد، فربما قل
تأثرها له، وغير المعتاد يفجؤها بما لم يكن به لها استئناس قط، فيزعجها إلى
الانفعال بديها بالميل إلى الشيء، والانقياد إليه، او النفرة عنه والاستعصاء عليه، واما المعنى نفسه فحقيقة
واحدة)(12) وعلى الرغم من ان ها هنا دليلاً آخر على ان الميل إلى
الفعل، أو النفور عنه، هو من اغراض التشبيه عند حازم فإن ما يعنينا هنا هو انه
يعجب بالمخترع من التشبيه لأنه يفجأ النفس بما هو غير مألوف ، ولعله يعجب بغير
المألوف اصلاً بالنظر إلى انه يؤدي الغرض الذي كان يشغل ذهنه كثيراً، وهو ان تكون
غاية الشعر متجهة إلى الفعل حضاً عليه، او نهيا عنه، وطبعاً فإن غير المألوف اكثر
حظاً في تحقيق ذلك من المألوف، لما يحدثه من هرة الانفعال في النفس، ومهما يكن فإن
هذا الرأي قد يخلص التشبيه من ان يكون لعبا "محضا(13)، وقد انتهى
به الامر إلى قسمة المحاكاة بحسب الالفة قسمين ايضاً (محاكاة الشيء نفسه على حسب
ما ألف ، واعنى بغير المألوف ان تكون حالة مستغربة، ومن محاكاة الشيء بغيره على
غير ما ألف فيه قول ابي عمر بن دراج:
وسلافة الأعناب
تشعل نارها تهدى إليّ بيانع
العناب
فالمألوف ان يذوي
النبات الناعم بمجاورة النار، لا ان يونع فأغرب في هذه المحاكاة كما ترى) (14).
وواضح ان محاكاة الاغراب تجعل للخيال سبيلاً
ميسورا للخلاص من تقاليد النقد الصارمة والنار المجازية هنا ــ نار السلافة ــ
تذكر بنضرة العنب، لا بذبوله وان كان المألوف ان يذبل العنب إلى جوار النار، لأن
الامر هنا يرجع إلى احساس الشاعر، وهو ينظر إلى الخمر المشتعلة في الكأس: هذا
الاحساس الذي يبدو انه يأت دائماً بمثل هذا البيت الذي جلا فكرته، لكان قد اوضح
كثيراً من نظراته النقدية بما يكشف عن اصالتها، ولكن وضع النظرية قد شغله عن
التمثيل لها، او لعله لم يكن يجد من الامثلة ما يسعفه دائماً.
والحق ان امر
الاغراب هذا قد استحوذ على حازم، فأولع به، وكأنه احس بما يخلفه في النفس من أثر
خفي ممتع، ولقد اطلق عليه ايضاً "التعجيب" وجعله من اسباب حسن موقع
المحاكاة في النفس (ويحسن موقع التخييل من النفس ان يترامى بالكلام إلى انحاء من
التعجيب، فيقوى بذلك تأثر النفس لمقتضى الكلام، والتعجيب يكون باستيداع ما يثيره
الشاعر من لطائف الكلام التي يقل التهدي إلى مثلها، فورودها مستندر مستطرف لذلك،
كالتهدي إلى ما يقل التهدي إليه من سبب للشيء تخفى سببيته، او غاية له او شاهد
عليه، او شبيه له، او معاند، وكالجمع بين مفترقين من جهة لطيفة قد انتسب بها
احدهما إلى الآخر، وغير لك من الوجوه التي من شأن النفس ان تستغربها)(15)
على ان حازماً لم
يطلق امر الاغراب في الشبه دون قيد، فهو يرى ايضاً ان من المحاكاة ما ينبغي ان
يكون قريباً إذا كان يقصد به الوضوح اصلا: (وينبغي ان تكون المحاكاة التي يقصد بها
وضوح الشبه متصرفة إلى جنس الشيء الأقرب، كتشبيه ايطل الفرس بأيطل الظبي،
والمحاكاة التي يقصد بها التوسع، والراحة، والقناعة بما تيسر من الشبه منصرفة إلى
الجنس الابعد كتشبيه متن الفرس بالصفاة) (16). وإذا كنا لا نعرف وجه
القصد هنا، أو علته، فإننا نعرف ان الأغراب اذن ليس امراً ينبغي إلا يحيد عنه
الشاعر، وان كان الشاعر إذا اراد ان يجمع الوضوح، والحذق عمد إلى ما هو أكثر دقة
من تشبيه الشيء بمثله، فيشبه (الاشياء الحيوانية، بالأشياء النباتية، نحو تشبيه قلوب
الطير رطبة بالعناب، ويابسة بالحشف، وتشبيه ابرة الروق بالقلم المستمد) (17).
وهذا يعني ان البعد الذي هو دليل الحذق امر زائد على القرب الي هو أصل المحاكاة
على نحو ما يزيد الوشي على أصل الثوب الذي هو النسيج المحض ولقد ظل حازم وفيا لهذا
الاصل بحيث اشترط مثلاً ان يكون المحاكى معروفاً غير منكم، وان تكون الاوصاف
المشتركة بين المحاكى، والمحاكى من الصفات المشهورة(18).
ولا ريب ان نظر
حازم إلى الاغراب تذكرنا بنظرة عبد القاهر، فعبد القاهر ذهب ايضاً إلى ان غير
المألوف من التشبيه اولى بالبلاغة من المألوف فيما بينه من لذة الوضوح بعد الغموض،
وان ذلك يشبه الجوهر في الصدف (لا يبرز لك إلا ان تشقه)(19) وربما كان
هذا يعني ان مسألة الوضوح في المحاكاة أخذت تضعف شيئاً فشيئاً عند كاب النقاد،
عندما لاحظوا ان الذهن ينفر بطبيعته من المألوف الظاهر، وانه يهتز لما خفي من
التشبيه، وعز نيله إلا بعد لأي، ولعلهم كانوا يريدون إلا تقتصر المحاكاة على
الظاهر المحض، وان كانوا لم يشيروا إلى محاكاة الجوهر، بيد اننا مع ذلك نجد حازماً
يحدثنا عن تخييل "نفوس الامور" ولعله يريد بذلك محاكاة الاشياء،
والافكار بواسطة القصة والحكمة، والمثل، فهو يخرج قليلاً عن الكلام في المألوف من
محاكاة الشيء، ويلاحظ ان المحاكاة قد تتعلق بالمعاني المجردة، وقد تتعلق بالمعاني
الكلية، بما ينم على بصر نافذ بما تنطوي عليه المحاكاة من شمول لا يقتصر على
الاشياء، وانما يجاوزها إلى الافكار وان كان قد دأب على اغفال التمثيل لكلامه بما
يحقق الغاية المرجوة منه. قال: (ولا تخلو ان تخيل نفوس الامور بأقوال دالة على
خواصها، واعراضها اللاحقة التي تقوم بها في الخواطر، هيآت تلك الامور، وتتسق صورها
الخيالية، او تخيل بأن تحاكى بأقوال دالة على خواص اشياء آخر، واعراضها التي بها
تنتظم صورها الخيالية في النفس، فتجعل الصور المرتسمة من هذه الاشياء المحاكى بها
امثلة لصور الاشياء المحاكاة، ويستدل بوجود الحكم في المثال، على وجوده في كالمثل فالقول على هذا ينقسم إلى:
محاكاة قصص وما جرى مجراه، وإلى محاكاة حكمة، وإلى محاكاة قصص بقصص او نحوه، وإلى
محاكاة قصص بحكمة، ومحاكاة حكمة بحكمة)(20) وواضح ان المراد هنا هو
تخييل المعاني "نفوس الامور" بما يتعلق بخواصها أو اعراضها من اخيلة، او
بالقياس التمثيلي الذي ذكر حازم اقسامه، والحق انه مما يلفت النظر انه لم يذكر من
هذه الاقسام محاكاة الحكمة بالقصص على الرغم من ذكره لمحاكاة القصص بالحكمة ،
ومحاكاة الحكمة بالقصص مما افتقر إليه الشعر العربي غالباً، وان كان شائعاً في
الشعر الفارسي مثلاً، وقد كان في التنبه إليه ما يعين على تطوير مفهوم المحاكاة
بما يغني جانب الخيال فيه، ويجعل له غاية فكرية واضحة، على ان حازماً لم يغفله عن
جهل به ولكنه كان يرى له مجالاً محدوداً، وربما كان من دوافعه في ذلك نظرته التي
لا تنطوي على تقدير القصص حق التقدير، اذ يرى ان الحكمة اشرف منه، وكأن القصص لا
يتضمن الحكمة عنده: (ولا تحاكى الحكمة بالقصص إلا حيث تكون جزئية، لأن الحكمة اذا
كانت كلية اعم من القصص، فلا تحاكى لذلك به إلا على جهة الاستدلال التمثيلي، وربما
منع من ذلك في بعض الموضع كون الحكمة أشرف من القصص، وأجزل موقعا، فلا يفتقر إلى
اعانتها بمحاكاة إذا كانت بالغة، فالحكم على هذا إذا استقصيت اركانها، وأعرب عنها
بلفظ جزل، محكم العبارة، أنيق النظام خفيف على اللسان، مخيل لما دل به عليه، محاكاة،
كانت امثلة لما قبلها او لم تكن) (21)
ولا ندري حقاً كيف
تكون القصة عوناً للحكمة، حتى اذا ما كانت الحكمة بالغة لم تفتقر إلى محاكاتها
بالقصة، فمهمة القصة غالباً ليست توضيح الحكمة، وانما التمثيل لها بما يجعلها اقرب
إلى النفوس، وانفذ في القلوب، لأنها آنذاك تأتي على نحو غير مباشر يجلو فيها طابع
الفن، والحكمة اذا كانت مباشرة لم تجد سبيلها إلى القلب مثلما تجده اذا تسربت إليه
عبر قصص خيالي، فالمسألة ليست في شرف الحكمة، وضعة القصة، وانما في قدرة القصة على
تصوير الحكمة خير تصوير، بحيث لا يجد المرء حرجاً في فهمها، واذا ما نظر المرء في
اثر شعري فذ مثل "مثنوي" جلال الدين الرومي، وجده قائماً على حكم او فكر
دينية صوفية، يحاول الشاعر تخييلها من خلال قصص شعري ممتع(22)،وها هنا
تكمن قيمة الرمز الذي هو عصارة الشعر، والذي يبنى القصص للإشارة إليه عبر اخيلة
تمثيلية، ولو ان حازماً لم يناقش المسألة من خلال الجزئي والكلي، والشريف والوضيع،
لاستطاع ان يوجه النقد إلى الكشف عن هذا الجانب الشعري الذي كان كفيلاً بتوجيه
الشعر وجهة محمودة، وتخليصه من الطواف حول مظاهر الاشياء إلى النفاذ في اعماقها،
فيحفظ جانب الفن دونان يغفل جانب الفكر، ومهما يكن، فقد استطاع حازم حقاً ان ينتبه
إلى ما اغفله غيره، غير ان افتقار الشعر العربي إلى الامثلة التي تعضد هذه النظرات
العميقة كان يحول دائماً دون الافادة منها على خير وجه.
________________
(1) انظر: منهاج
البلغاء: ص94.
(2) مجلة شعر:
ص95.
(3) منهاج البلغاء:
ص94
(4) منهاج
البلغاء: ص94-95.
(5) انظر مثلاً:
ص90.
(6) منهاج
البلغاء: ص112.
(7) المصدر نفسه:
صفحة 357.
(8) المصدر نفسه:
ص98.
(9) انظر: فايدروس
ص75.
(10) انظر:
الجمهورية ص264-265.
(11) انظر: منهاج
البلغاء ص71.
(12) المصدر نفسه:
ص96.
(13) يكرر حازم
هذا الرأي بما ينبئ عن اعتقاد راسخ في ان للنفوس تحركا شديداً للمحاكيات المستغربة
انظر ص96 ويكرر ايضاً ان محاكاة الاغراب لابد ان تفضي إلى الفعل انظر ص96 ايضاً.
(14) منهاج
البلغاء: ص95.
(15) منهاج
البلغاء: ص90.
(16) المصدر نفسه:
ص111.
(17) المصدر نفسه:
ص111.
(18) المصدر نفسه:
ص113.
(19) اسرار
البلاغة: ص119.
(20) منهاج
البلغاء: ص97-98.
(21) منهج
البلغاء: ص98.
(22) انظر مثلاً
شرحه لفكرة القضاء الالهي، خلال قصد الهدهد 1/187 وكيف انتقل من قصة إلى قصة ليؤكد
بها كلها معنى القضاء الالهي النافذ.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|