أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-12-2014
7329
التاريخ: 13-5-2016
2987
التاريخ: 7-2-2019
2360
التاريخ: 7-2-2019
2332
|
الحيلولة دون كتابة الوصية :
ورغم ثقل الحمى وألم المرض خرج النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) مستندا على علي ( عليه السّلام ) والفضل بن العباس ليصلي بالناس وليقطع بذلك الطريق على الوصوليين الذين خطّطوا لمصادرة الخلافة والزعامة التي طمحوا لها من قبل حيث تمرّدوا على أوامر الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) بالخروج مع جيش اسامة بكل بساطة والتفت النبيّ - بعد الصلاة - إلى الناس فقال : « أيها الناس سعّرت النار وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، وإني واللّه ما تمسكون عليّ بشيء ، إني لم أحلّ إلا ما أحلّ اللّه ، ولم احرّم إلا ما حرّم اللّه »[1] فأطلق بقوله هذا تحذيرا آخر أن لا يعصوه وإن لاحت في الأفق النوايا السيئة التي ستجلب الويلات للأمة حين يتزعّمها جهّالها .
واشتد مرض النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) واجتمع الصحابة في داره ولحق بهم من تخلّف عن جيش اسامة فلامهم النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) على تخلّفهم واعتذروا بأعذار واهية . وحاول النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) بطريقة أخرى أن يصون الأمة من التردّي والسقوط فقال لهم : ايتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده ، فقال عمر ابن الخطاب : إنّ رسول اللّه قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب اللّه[2] ، وهكذا وقع التنازع والاختلاف وقالت النسوة من وراء الحجاب : إئتوا رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) بحاجته . فقال عمر : اسكتن فإنكن صويحبات يوسف إذا مرض عصرتنّ أعينكن وإذا صحّ أخذتنّ بعنقه ، فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : هن خير منكم [3].
ثم قال ( صلّى اللّه عليه واله ) : قوموا عني لا ينبغي عندي التنازع .
وكم كانت الأمة بحاجة ماسة إلى كتاب الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) هذا ، حتى أن ابن عباس كان يأسف كلما يذكر ذلك ويقول : الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول اللّه [4].
ولم يصرّ نبي الرحمة على كتابة الكتاب بعد اختلافهم عنده خوفا من تماديهم في الإساءة وإنكارهم لما هو أكبر ، فقد علم ( صلّى اللّه عليه واله ) بما في نفوسهم ، وحين راجعوه ثانية بشأن الكتاب قال ( صلّى اللّه عليه واله ) : « أبعد الذي قلتم[5] ؟ ! » وأوصاهم ثلاث وصايا ، لكن كتب التأريخ لم تذكر سوى اثنتين منها وهما : اخراج المشركين من جزيرة العرب وإجازة الوفد كما كان يجيزهم .
وعلّق السيد محسن الأمين العاملي على ذلك قائلا : والمتأمل لا يكاد يشكّ في أن الثالثة سكت عنها المحدّثون عمدا لا نسيانا وأنّ السياسة قد اضطرتهم إلى السكوت عنها وتناسيها وأنّها هي طلب الدواة والكتف ليكتبها لهم[6].
الزهراء ( عليها السّلام ) تزور أباها ( صلّى اللّه عليه واله ) :
أقبلت الزهراء ( عليها السّلام ) وهي تجر أذيال الحزن وتتطلع إلى أبيها وهو على وشك الالتحاق بربّه فجلست عنده منكسرة القلب دامعة العين وهي تردد :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
وفي هذه اللحظات فتح النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) عينيه وقال بصوت خافت : يا بنية هذا قول عمك أبي طالب لا تقوليه ولكن قولي : {مَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].
وكأنّ النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) كان يريد بذلك أن يهيّىء ابنته فاطمة ( عليها السّلام ) لما سيجري من أحداث مؤسفة فإن ذلك كان هو الأنسب لتلك من قول أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه وأرضاه .
ثم إنّ النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) أومأ إلى حبيبته الزهراء ( عليها السّلام ) أن تدنو منه ليحدثها فانحنت عليه فسارّها بشيء فبكت ثم سارّها ثانية فضحكت . وقد أثارت هذه الظاهرة فضول بعض الحاضرين فسألوها عن سرّ ذلك فقالت ( عليها السّلام ) : ما كنت لأفشي سرّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) .
ولكنّها سئلت بعد وفاة أبيها ( صلّى اللّه عليه واله ) عن ذلك فقالت : أخبرني رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) أنه قد حضر أجله وأنه يقبض في وجعه هذا ، فبكيت ثم أخبرني أني أول أهله لحوقا به فضحكت[7].
اللحظات الأخيرة من عمر النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) :
وكان علي ( عليه السّلام ) ملازما للرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) ملازمة ذي الظل لظلّه حتى آخر لحظات حياته الشريفة وهو يوصيه ويعلّمه ويضع سرّه عنده . وفي الساعة الأخيرة قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : ادعوا لي أخي - وكان ( صلّى اللّه عليه واله ) قد بعثه في حاجة فجاءه بعض المسلمين فلم يعبأ بهم الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) حتى جاء علي ( عليه السّلام ) فقال ( صلّى اللّه عليه واله ) له :
ادن مني . فدنا علي ( عليه السّلام ) فاستند إليه فلم يزل مستندا إليه يكلّمه حتى بدت عليه ( صلّى اللّه عليه واله ) علامات الاحتضار[8] ، وتوفّي رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وهو في حجر علي ( عليه السّلام ) . كما قد صرّح بذلك علي ( عليه السّلام ) نفسه في إحدى خطبه[9] الشهيرة .
وفاة النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) ومراسم دفنه :
ولم يكن حول النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) في اللحظات الأخيرة إلّا علي بن أبي طالب وبنو هاشم ونساؤه . وقد علم الناس بوفاته ( صلّى اللّه عليه واله ) من الضجيج والصراخ الذي علا من بيت الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) حزنا على فراق الحبيب ، وخفقت القلوب هلعة لرحيل أشرف خلق اللّه . وانتشر خبر الوفاة في المدينة انتشار النار في الهشيم ودخل الناس في حزن وذهول رغم أنه ( صلّى اللّه عليه واله ) كان قد مهّد لذلك ونعى نفسه الشريفة عدّة مرات وأوصى الأمة بما يلزمها من طاعة وليّها وخليفته من بعده علي ابن أبي طالب . لقد كانت وفاته صدمة عنيفة هزّت وجدان المسلمين ، فهاجت المدينة بسكانها وازدادت حيرة المجتمعين حول دار الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) أمام كلمة عمر بن الخطاب التي قالها وهو يهدد بالسيف : إنّ رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) قد مات ، إنه واللّه ما مات ولكنّه قد ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران[10].
ورغم أنّه لا تشابه بين غياب موسى ( عليه السّلام ) ووفاة النبي محمد ( صلّى اللّه عليه واله ) ، لكن مواقف عمر التالية لعلّها تكشف النقاب عن إصراره على هذه المقارنة .
نعم لم يهدأ عمر حتى قدم أبو بكر من السنح ودخل إلى بيت رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) فكشف عن وجه النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) وخرج مسرعا وقال : أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد اللّه فإن اللّه حيّ لا يموت وتلا قوله تعالى : وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وهنا هدأت فورة عمر وزعم أنه لم يلتفت إلى وجود مثل هذه الآية في القرآن الكريم[11].
وأسرع أبو بكر وعمر بن الخطاب مع بعض أصحابهما إلى سقيفة بني ساعدة بعد أن عرفا أنّ اجتماعا طارئا قد حصل في السقيفة فيما يخصّ الخلافة بعد وفاة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) . متناسين نصب عليّ بن أبي طالب وكذا بيعتهم إيّاه بالخلافة وغير مدركين أنّ تصرفهم هذا يعدّ استخفافا بحرمة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وجسده المسجّى .
وأمّا عليّ بن أبي طالب ( عليه السّلام ) وأهل بيته فقد انشغلوا بتجهيز الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) ودفنه فقد غسّله عليّ من دون أن ينزع قميصه وأعانه على ذلك العباس بن عبد المطلب ابنه والفضل وكان يقول : بأبي أنت وأمي ما أطيبك حيّا وميّتا[12].
ثم وضعوا جسد الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) على سرير وقال علي ( عليه السّلام ) : إن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) إمامنا حيا وميتا فليدخل عليه فوج بعد فوج فيصلّون عليه بغير إمام وينصرفون .
وأوّل من صلى على النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) علي ( عليه السّلام ) وبنو هاشم ثم صلّت الأنصار من بعدهم[13].
ووقف علي ( عليه السّلام ) بحيال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وهو يقول : سلام عليك أيها النبي ورحمة اللّه وبركاته اللهم إنّا نشهد أن قد بلّغ ما انزل اليه ونصح لامته وجاهد في سبيل اللّه حتى أعزّ اللّه دينه وتمّت كلمته ، اللهم فاجعلنا ممن يتّبع ما أنزل اللّه إليه وثبّتنا بعده واجمع بيننا وبينه ، فيقول الناس : آمين ، حتى صلّى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان[14].
وحفر قبر للنبي ( صلّى اللّه عليه واله ) في الحجرة التي توفي فيها . وحين أراد علي ( عليه السّلام ) أن ينزله في القبر نادت الأنصار من خلف الجدار : يا علي نذكرك اللّه وحقّنا اليوم من رسول اللّه أن يذهب ، أدخل منا رجلا يكون لنا به حظّ من مواراة رسول اللّه . فقال ( عليه السّلام ) ليدخل أوس بن خولي ، وكان بدريا فاضلا من بني عوف .
ونزل عليّ ( عليه السّلام ) إلى القبر فكشف عن وجه رسول اللّه ووضع خدّه على التراب ، ثم أهال عليه التراب .
ولم يحضر دفن النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) والصلاة عليه أحد من الصحابة الذين ذهبوا إلى السقيفة .
فسلام عليك يا رسول اللّه يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حيا .
[1] السيرة النبوية : 2 / 954 ، الطبقات الكبرى : 2 / 215 .
[2] صحيح البخاري كتاب العلم باب كتابة العلم وكتاب الجهاد باب جوائز الوفد .
[3] الطبقات الكبرى : 2 / 244 ، كنز العمال : 3 / 138 .
[4] صحيح البخاري كتاب العلم : 1 / 22 و 2 / 14 ، الملل والنحل : 1 / 22 ، الطبقات الكبرى : 2 / 244 .
[5] بحار الأنوار : 22 / 469 .
[6] أعيان الشيعة : 1 / 294 . راجع صحيح البخاري : باب مرض النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) .
[7] الطبقات الكبرى : 2 / 247 ، الكامل في التأريخ : 2 / 219 .
[8] الطبقات الكبرى : 2 / 263 .
[9] نهج البلاغة : خطبة 197 .
[10] الكامل في التأريخ : 2 / 323 ، الطبقات الكبرى : 2 / 266 ، السيرة النبوية لزيني دحلان : 2 / 306 .
[11] الطبقات الكبرى : 2 / القسم الثاني : 53 - 56 .
[12] السيرة النبوية لابن كثير : 4 / 518 .
[13] الارشاد : 1 / 187 وأعيان الشيعة : 1 / 295 .
[14] الطبقات الكبرى : 2 / 291 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|