أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-5-2022
2294
التاريخ: 12-1-2022
3371
التاريخ: 21-1-2022
1424
التاريخ: 22-1-2022
1247
|
ارتبطت الأفكار الجيوبوليتيكية القديمة عامة بالظروف الجغرافية المحيطة بشعب او مملكة أو مفكر. ويبدو أن السياسات القديمة: عشائرية أو على مستوى القبيلة بالنسبة للرعاة و امثالهم من المتحركين، أو الإمارات او الدول التي كونت الحضارات العليا القديمة في الشرق الأوسط وحوض البحر المتوسط - هذه السياسات كانت تقودها و تسيطر عليها فكرة الوحدات الجغرافية المتكاملة مثل الأودية النهرية - وادي النيل الأدنى الذي تحولت فيه الدولة المصرية القديمة وما بين النهرين الذي تحولت فيه دول سومر و اكاد وبابل و اشور، ووادي الأردن الذي اختاره لوط وقومه حينما انفصلوا عن ابراهيم الخليل وقد فضل الأخير أن يقيم حياة أساسها التجوال في التلال و الهضاب.
وفي عهود هذه الدول القديمة طلت المداري و الجبال مناطق متميزة بوضوح خارج الدولة أو داخل نفوذها السياسي غير المباشر، وقد كلف هذا تلك الدول أن تقيم حدودا ومعسكرات لأجنادها في اقاليم الحركة المستمرة للرعاة لإجبارهم على احترام الدولة واقامة علاقات تجارية فقط، أو لإخماد ثوراتهم وحركاتهم الغازية التي قلما تهدأ، وبرغم ذلك اجتاح الرعاة بابل وممالك العراق القديم مرات، واجتاحوا مصر في صورة الهكسوس.
ولا شك أن الكفاح المستمر بين الأخضر والأصغر قد أدى الى تغيرات مستمرة في التركيب السياسي والعسكري لدول الشرق الأوسط. ولكن ذلك لم يكن كل اشكال الصراع. فقد ظهرت دول قوية في الهضاب المحيطة، وخاصة في هضبة ايران (ميديا والأخمينيين) وهضبة الأناضول (الحيثيين). وعلى سبيل المثال انتهي الصراع بين العراق والغرس بسقوط دولة بابل الثانية وامتداد الامبراطورية الفارسية على كل انحاء الشرق الأوسط، أما الصراع بين مصر والحيثيين فقد الجا المصريين على تقرير سياسة جيوبوليتيكية اساسها فرض الصراع على ارض بعيدة عن مصر. ولهذا يحتل المصريون ساحل اللفانت حتى اقدام جبال طوروس ويؤمنون المنطقة كلها حتى حدود المملكة الحوثية في هامش الهضبة. وبذلك أصبحت جيوبوليتيكية الفراعنة في الدولة الحديثة تشمل الامتداد الأرضي الخصب على طول ساحل البحر المتوسط، بينما كانت سياساتهم فيما قبل ذلك تجعل لهم حدودا حتى سيناء فقط.
أما الفكر الجيوبوليتيكي الإغريقي فقد انبني على فكر نظري في مجموعة عكس الأفكار السياسية العملية لدول الشرق الأوسط، ولعل ذلك مرتبط بالصراع المستمر لهذه الدول بينها وبين بعضها، وبينها وبين قوى الرعاة في الصحاري والهضاب المحيطة. أما الإغريق فلم يكونوا دولة بالمعنى المفهوم، إنما دويلات تلتئم في تركيب حضاري شامل اساسه الاقتصادي التجارة البحرية الواسعة من البحر الأسود الى البحر المتوسط الغربي والشرقي.
لهذا فالجيوبوليتيكيا الإغريقية مرتبط بأقاليم مناخية عامة و عالمية عكس الأفكار الإقليمية البيئية المحددة لدول الشرق الأوسط.. وأقدم ما وصل الينا خريطة هيكاتيوس Hecateus السادس ق. م.* التي قسمت العالم اقليمين مناخيين : البارد ويشتمل على اوروبا وشمال أسيا، والدافئ المشتمل على اسيا وأفريقيا. وفي رأيه أن الإقليم الدافئ اكثر ملائمة للسكن وتكوين القوى الدولية. وفي القرن الخامس ق. م. نجد بارمينيدس Parmenides يقسم العالم إلى خمسة اقاليم مناخية: إقليم شديدة الحرارة و إقليمين شديدي البرودة و إقليمين معتدلين. وقد بنى ارسطو سياسته على تقسيمات بارمينيدس وقال أن الإقليم المعتدل الذي يسكنه الإغريق هو الإقليم الذي يحمل في طياته بذور القوة.
وأخذ أخرون يفسرون التغيرات السياسية بين المدن والدول على ضوء اشكال السطح المختلفة، فإقليم اتيكا - الذي برز على سطح السياسة الإغريقية فترة طويلة - فقد نمى سياسيا وازدهر حضاريا نتيجة الطروف الطبيعية التي جعلته أمنا من الغزو، وعلى هذا أصبحت اتيكا مكانا يلتجئ اليه لفقره الطبيعي في مواردة المحلية، ويرى لثيوسيدوس Thucydides أن هذه الطروف عكس غنى اقليم هيلاس الذي جعله مسرحا للصراع. وقد رأى الجغرافي الروماني سترابو Strabo أن القوى العالمية مركزة في الأقاليم القارية الكبيرة - وليس الهوامش البحرية – وأن أوروبا هي مركز هذه القوي، ويرى سترابو ان الجزء المسكون من العالم يتكون من ثلاث كتل قارية هي أوروبا وليبيا و آسيا، وان اذرع المحيط وخلجانه وبحاره تشكل هذه القارات، وأن أوروبا هي أكثر الثلاثة ملائمة للنمو والازدهار الفكري والاجتماعي.
ولعل سترابو كان أول من أشار في تقسيمة الى العالم ذو الأهمية" الذي حدده بامتداد من " أعمدة هرقل" (جبل طارق) الى خليج المحيط الشرقي (البنغال) ومن أيرنا (إيرلندا) إلى سينامون (سيلان: سيريلانكا) .. لما الأراضي التي تقع على حدود ذلك الإقليم غير مسكونة.... ولا تهم الجغرافي.... فالعلم بها لا يعطي أية معلومات يمكن الإفادة منها سياسيا، خاصة إذا كانت جررا لا يستطيع سكانها أعاقتنا او افادتنا تجاريا.
وفكرة وجود أكثر من عالم واحد مسكون بالناس، ومن ثم إمكان وجود أكثر من نواة للقوى العالمية، فكرة لم يلق إليها بالا الإغريق او الرومان حتى سترابو. لكن بذور الفكرة نجدها في أفكار شائعة عن القارة المفقودة " أتلانتس" كما ورد ذكرها في جمهورية افلاطون على أنها كانت الدولة المثالية القوية القادرة على رد أي دولة أخرى من قارة أخرى.
ولكن الروماني ميلا Mel يوكد أن الإقليم المعتدل الجنوبي مسكون، وكذلك شاعت باستمرار فكرة وجود ارض جنوبية عظيمة (Terra Australia) وبرغم ذلك كله فان أفكار سيادة اوروبا القارية لم تتزعزع, وقد رفض الجغرافي بطليموس فكرة أن هناك محيط كامل من البحار حول الجزيرة الأرضية وجعل الأرض تمتد شمالا وجنوبا وشرقا في أراضي مجهولة، وكان الجغرافيون القدماء عامة يتخذون مظهرا طبيعيا واحدا على انه حد لإقليم من الأقاليم، فقد قسم هيرودوت اسيا إلى أشباه جزر Actae واستخدم الخلجان حدودا . وفضل استرابو أن يستخدم الفواصل الأرضية حدودا كبرزخ السويس بين اسيا وليبيا، وطوروس بين اسيا واروبا.
لكن الجغرافي الروماني بليلي Pliny (الكبير) رسم صورة جيوبوليتيكية فريدة للإمبراطورية الرومانية، متخذ طرق الحركة البرية والبحرية لتحديد الإمبراطورية. وأوضح أن روما تمد نفوذها الإقليمي في اتجاهات مختلفة حول البحر المتوسط في صورة اتفاق متكامل مع امتداد الطرق الرومانية. وفي بعض الأحيان تنتهي هذه الطرق الى عائق نهري مثل نهر الراين او الدانوب او الفرات والليل، وعلى هذا النحو تصبح نهايات نظام الطرق الرومانية إطارا يحدد الدولة من أطرافها القصوى، بينما هنالك إطار آخر داخلي متمثل في طرق الملاحة في البحر المتوسط التي سيطرت عليها روما تمام السيطرة طوال مجدها.
وفي العهد الإسلامي نجد الجغرافيين العرب يهتمون أساسا بالجغرافيا الوصفية والإقليمية والفلكية ورسم الخرائط. ولكن في إطار الجغرافيا الإقليمية لكل دولة او اقليم على حدة كانت تبرز المعالجات المختلفة القدر لموضوعات الجغرافيا السياسية. وعلى وجه العموم فان النظرة الجيوبوليتيكية العربية والإسلامية كانت تقسم العالم المسكون ( وهو النصف الشمالي من الأرض) الى قسمين رئيسين هما أوروبا في الشمال وافريقيا وآسيا في الجنوب، وهم في الحقيقة لم يميزوا بين أفريقيا وأسيا بل اعتبروها كتلة قارية واحدة. ويفصل بين هذين القسمين البحر المتوسط والأسود، ويقتربان في منطقتي جبل طارق وبحر مرمرة. وقد قوي هذا التقسيم انقسام حضاري مماثل: عالم اسلامي عربي الطابع في معظمة جنوب و شرق هذا البحر، وعالم مسيحي أوروبي في شمال هذا البحر. والاستثناء الوحيد كانت الخلافة الإسلامية في إسبانيا.
وعلى هذا النحو كان الأفكار الجيوبوليتيكية العربية عامة موجهة نحو السيطرة القارية السياسية، والسيطرة التجارية (البحرية والبرية الى المحيط الهندي وشرق أسيا ووسطها وأفريقيا الزنجية) على الهوامش. وبهذا نستطيع أن تقول أن ثمة اختلاف بين الإمبراطورية الإسلامية في أوجها والإمبراطورية الرومانية في اوجها. ولكن هذا الاختلاف يرتبط بموقع القلب والتوجيه القاري فروما كانت ترتكز على القارة الأوروبية والبحر المتوسط، بينما بغداد ترتكز على العالم الأفروآسيوي والمحيط الهندي.
وبذلك كانت القاعدة الإسلامية كبيرة وامتداداتها الأرضية شاملة لمسطح أرضي وبحري واسع بالمقارنة بروما، وفيما عدا هذا الاختلاف فان الطرق البرية والبحرية الإسلامية كانت عصب الامتداد الإمبراطوري في كل اتجاه. وكانت الكرة الأرضية الوسطى في الحلقة التي تكون الإطار الداخلي للإمبراطورية الإسلامية. وحدود هذه الكتلة كان جبال طوروس وهضبة ارمينيا وجبال القوقاز وبحر الخزر (قزوين) في الشمال، وساحل البحر المتوسط الشرقي والجنوبي حتى برقة، ثم الإطار الصحراوي الذي يحف ببرقة ومصر، والبحر الأحمر والقرن الأفريقي والبحر العربي حتي بلوخستان في الغرب والجنوب بينما كانت اطراف السند وخوراسان وما بين النهرين تكون الحدود الشرقية لهذا القلب الداخلي. وإلى جانب ذلك كانت هناك حدودا اخرى تمثل الحلقة الخارجية للعالم الإسلامي تمتد غربا الى اسبانيا وشمال غرب أفريقيا، وجنوبا حتى موريتانيا وسواحل افريقيا الشرقية وشرقا إلى الهند و تركستان حتى حدود الاستبس.
واخيرا نجد النظرة الجيوبوليتيكية القارية التوجيه منذ الحضارات العليا في الشرق الأوسط والبحر المتوسط والعالم الإسلامي قد تغيرت جذريا على اثر الكشوف الجغرافية، وتحول مركز القوى الى اقاليم الهامش الأوروبي الغربي (البرتغال واسبانيا - هولندا - فرنسا - بريطانيا). وذلك بعد أن اتضح سهولة ومرونة الطريق البحري بعيدا عن التصارعات العسكرية والسياسية للدول القارية الإسلامية، وبعيدا عن متاعب النقل البري وعلى هذا نمت السيطرة البحرية وتسلطت على الأفكار الجيوبوليتيكية، بعد نجاحها في تكوين الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية الواسعة منذ ق ١٦.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|