أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-5-2020
1185
التاريخ: 23-8-2016
767
التاريخ: 23-8-2016
620
التاريخ: 24-5-2020
760
|
إعلم أنّ شيخنا المرتضى قدّس سرّه الشريف جعل التصرّف في لفظ «اليقين» في قوله عليه السلام: لا تنقض اليقين بالشكّ» بإرادة المتيقّن منه مفروغا عنه، نظرا إلى أنّ النقض الاختياري القابل لورود النهي عليه لا يتعلّق بنفس اليقين على كلّ تقدير، وحيث إنّ النقض اخذ في حقيقته الإبرام والتصاق الأجزاء كان الأنسب بهذا المعنى عند تعذّره بحسب الانس الذهني رفع الأمر الثابت، يعني ما له مقتضي الثبوت، دون مطلق رفع اليد عن الشيء بعد الأخذ به، فيكون الخبر مختصّا بالشكّ في الرافع دون المقتضي.
واستشكل عليه تلميذه سيّد الأساتيد العظام الميرزا الشيرازي قدّس نفسه الزكيّة بأنّه لا داعي إلى صرف اليقين عن ظاهره بإرادة المتيقّن منه؛ إذ كما أنّ النقض الاختياري بالنسبة إلى نفس اليقين غير متحقّق وإنّما هو قهري الانتقاض، كذلك الحال بعينه في المتيقّن الذي يشكّ المكلّف في بقائه وارتفاعه، فإنّه أيضا إن كان باقيا فبغير اختياره، وإن كان منتقضا، فكذلك، فالتصرّف في النقض بإرادة رفع اليد عملا محتاج إليه على كلّ حال، ومعه يكون التصرّف في اليقين بلا جهة، ومن المعلوم أنّ نفس صفة اليقين كالعهد والبيعة واليمين ممّا يصحّ استعارة النقض لها، لما فيها من الاستحكام، فيتخيّل كونها ذات أجزاء متداخلة مستحكمة، فيكون الخبر شاملا لكلّ من الشكّين.
فإن قلت: على هذا يكون عدم النقض بمعنى إبقاء اليقين عملا بلحاظ آثار نفس اليقين، وهو خلاف المراد؛ لأنّه إبقاء عمل المتيقّن.
قلت: لمفهوم اليقين قسمان من المصاديق في الخارج، أحدهما ما شأنه شأن المعنى الحرفي في عدم الوجود الاستقلالي في نظر صاحبه، بحيث لا يمكن الحكم عليه وبه، ولكن ليس على حدّ الخروج عن الالتفات والشعور إليه، كيف والمستعمل للحرف ملتفت إلى استعماله وليس خارجا عن اختياره.
والقسم الثاني ما كان موجودا استقلاليّا قابلا للحكم عليه وبه من حيث كونه واحدا من الصفات النفسانيّة، فظاهر هذا المفهوم عند الإطلاق هو القسم الأوّل، ولا شكّ أنّ صاحب هذا القسم يرى المتيقّن ويرى يقينه محرّكا إيّاه نحو متيقّنه، فالعمل مستند ذاتا وبالطبع إلى اليقين، ولا ينافي هذا مع عدم استقلاله كما عرفت.
والحاصل أنّ المتيقّن بخطاب لا تشرب الخمر وكون هذا المائع خمرا يقينه الطريقي مؤثّر طبعا، وفاعل وذو عمل ذاتا في جوارحه بإمساكها عن شرب الخمر، ولو فرض أنّ لهذا اليقين ولو بحيث طريقيّته أثر خاصّ به مثل التصدّق بدرهم، فهذا العمل ليس عملا لهذا اليقين طبعا، وإنّما حاله بالنسبة إليه حال الخمر بالنسبة إلى خطاب «لا تشرب»، بل العمل الطبعي حينئذ ليقين آخر بذاك الخطاب الذي موضوعه اليقين الأوّل.
وبالجملة، فرق بين العمل الطبعي والأثر الشرعي، فالثاني عبارة عن حكم الحرمة في «لا تشرب الخمر» مثلا، وهو مرتّب شرعا على الخمر، والأوّل عبارة عن الكفّ والإمساك الخارجي عن الشرب، وهو مرتّب طبعا على اليقين المرآتي، بحيث لو كان جهلا مركّبا أيضا لكان العمل بحاله، غاية الأمر اليقين المعتبر في الاستصحاب هو اليقين المطابق للمواقع، وليس معنى «لا تنقض» جعل الأثر، بل معناه كما تقدّم إيجاب معاملة المكلّف في حال الشكّ معاملته التي كان يعملها في حال اليقين، وبعبارة اخرى: إيجاب إبقاء اليقين عملا، ولهذا قلنا خلافا لشيخنا المرتضى ومن تبعه قدّس أسرارهم بجريان الاستصحاب في العدم الأزلي كما تقدّم بيانه.
والحاصل عمل المتيقّن يكون ليقينه الطريقي، وليس خطاب «لا تنقض اليقين» واردا عليه في هذا الحال حتّى يلزم انقلاب نظره من الطريقيّة إلى الاستقلال، بل يرد عليه في حال الشكّ ويقول: اعمل الآن عمل ذاك اليقين.
ولا يرد أنّ العمل حينئذ لليقين بخطاب «لا تنقض» ولا ارتباط له باليقين السابق، فإنّه يقال: نعم، ولكن المتحرّك إليه لهذا اليقين العمل في حال الشكّ عمل اليقين السابق، فالمكلّف يعمل عمل اليقين السابق لأجل اليقين بهذا الخطاب.
ثمّ إنّ المحقّق الخراساني قدّس سرّه بعد أن ذكر إشكال السيّد الأجلّ الشيرازي على شيخه المرتضى قدّس أسرارهم اختار لدفع هذا الاشكال- أعني لزوم اعتبار النقض بالنسبة إلى آثار اليقين- طريقا آخر وهو جعل مفهوم اليقين حاكيا ومرآتا للمتيقّن، لا كما ذكرنا من كون مصاديقه مرايا للمتيقّنات، قال قدّس سرّه: وذلك لسراية الآليّة والمرآتيّة من اليقين الخارجي إلى مفهومه الكلّي، انتهى.
وما ذكره من السراية وإن كان حقّا، ولهذا كثيرا ما في مقام التعبير عن حكم نفس الشيء يطلق اليقين، كما في موارد دخالته في الموضوع بنحو الجزئيّة أو الاستقلال، فيقال مثلا: إذا رأيت زيدا فبلّغه السلام، فإنّ الرؤية لم يؤخذ في هذا الكلام إلّا طريقا صرفا للمتعلّق، فالموضوع هو الزيد، لا الزيد المرئي، ولكن لا يخفي اتّحاد هذا الطريق مع ما ذكره شيخنا المرتضى قدّس سرّه، غاية الأمر أنّه التزام بالمجاز في كلمة اليقين، حيث اريد به المتيقّن، وعلى هذا لا مجاز مع إمكان إرادة الشيخ أيضا عدم المجازيّة.
وبالجملة، كلا الطريقين شريكان في أنّ المتكلّم قد حمل خطاب «لا تنقض» على نفس المتيقّنات من الطهارة وحياة الزيد وغير ذلك، فيجيء ما ذكره الشيخ من أنّ المناسبة لمادّة النقض مخصوصة بموارد إحراز المقتضي؛ إذ مع فرض كون اليقين في موضوع القضيّة ملحوظا على وجه الطريقيّة، فلا يمكن ملاحظة المناسبة في مادّة النقض معه، لتوقّفه على استقلال النظر، فتحقّق أنّ المحيص منحصر في ما ذكرنا، هذا.
بقي في المقام إشكال آخر وهو أنّه مع تعلّق النقض بنفس اليقين أيضا يكون المناسبة في ما إذا احرز المقتضي أتمّ من صورة الشكّ فيه، ببيان أنّ اليقين في الاستصحاب لم ينتقض بالشكّ؛ لأنّ اليقين متعلّق بالحدوث والشكّ بالبقاء، وحينئذ ففي مورد كون المتيقّن ممّا له شأنيّة البقاء فكأنّ اليقين تعلّق بالبقاء أيضا فانحلّ وانفصم بواسطة الشكّ في البقاء من جهة الشكّ في رافعه، وليس هذا في مورد ليس له شأنيّة البقاء.
والجواب أنّ مصحّح النقض في كلا الموردين أمر واحد مشترك بينهما، وهو كون الحدوث والبقاء للعدالة القائمة بالزيد مثلا ليس في نظر العرف كعدالة زيد وعدالة بكر موضوعين حتّى لا يكون ارتباط لليقين بأحدهما بالشكّ في الآخر، بل هما عندهم أمر واحد، فلا محالة يكون الشكّ ناقضا لليقين بهذا الاعتبار، من غير فرق بين الشكّ في المقتضي والشكّ في الرافع.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية والثقافية يجري اختبارات مسابقة حفظ دعاء أهل الثغور
|
|
|