أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-8-2016
654
التاريخ: 1-8-2016
766
التاريخ: 23-8-2016
876
التاريخ: 23-8-2016
751
|
إعلم أنّه لا فرق في جريان الاستصحاب بين ما إذا كان المستصحب مشكوك الارتفاع من رأس، وبين ما إذا كان أصل الارتفاع معلوما وكان المشكوك تقدّمه وتأخّره، فكلا القسمان مشتركان في أنّه يجري الاستصحاب إلى آخر أزمنة الشكّ، فلو علم انقلاب العدم بالوجود ولم يعلم متى انقلب فالعدم المحرز في الزمان السابق مجرور بالاستصحاب الى أن يتيقّن بالانقلاب.
نعم هذا مختصّ بما إذا كان الأثر ثابتا لذات العدم، وأمّا الأثر المترتّب على عنوان الحدوث فلا يترتّب بهذا الاستصحاب، لكونه مثبتا إلّا على تقدير كون الحدوث عبارة عن نفس العدم السابق والوجود اللاحق.
وهكذا الحال في جانب الوجود إذا احرز في زمان سابق وشكّ في أنّه في هذا الزمان انقلب أو في الزمان البعد مع مفروغيّة أصل الانقلاب، فإنّه لا شبهة في الاستصحاب في الزمان المشكوك بالنسبة إلى أثر أصل الوجود، هذا هو الكلام في ما لو اريد الاستصحاب بالقياس إلى ذات الأمر الحادث، وأمّا بالقياس إلى حادث آخر كما اذا كان هنا حادثان فلو كان الأثر لتأخّر أحد الحادثين عن الآخر فلا إشكال في عدم إثبات عنوان التأخّر بالاستصحاب، ولو كان لعدم كلّ منهما في زمان وجود الآخر، فهذا يتصوّر له ثلاث حالات.
الاولى: أن يعلم تاريخ حدوث كليهما، الثانية: أن يجهل تاريخ كليهما، الثالثة: أن يعلم تاريخ أحد الحادثين ويجهل الآخر، فالاولى لا كلام فيها، لعدم الشكّ فيبقي الكلام في الاخريين.
أمّا صورة الجهل بالتاريخين فذهب شيخنا المرتضى قدّس سرّه الشريف إلى أنّ أصالة العدم في كلّ منهما جارية ذاتا، ولكنّهما يتساقطان بالمعارضة، مثاله ما إذا علمنا بملاقاة اليد النجسة لهذا الماء وعلمنا بقلّة الماء سابقا وصيرورته كرّا في بعض الأزمنة اللاحقة إجمالا، ولكن يحتمل كون الكريّة قبل الملاقاة والعكس وكونهما متقارنين، فاستصحاب القلّة المعلومة إلى حال حدوث الملاقاة يفيد كون الملاقاة الوجدانيّة لهذا الماء بمنزلة الملاقاة للقليل، واستصحاب عدم الملاقاة المعلومة إلى حال حدوث الكريّة يفيد كون الملاقاة الوجدانية لهذا الماء بمنزلة الملاقاة للكرّ، وأثر الأوّل التنجّس والثاني عدمه، فيتعارضان.
[الاستصحاب فى صورة الجهل بتاريخ أحدهما والعلم بالآخر]
وأمّا صورة الجهل بأحدهما والعلم بالآخر فالاستصحاب في المعلوم التاريخ غير جار؛ لعدم الشكّ في الأجزاء الخارجيّة؛ إذ ما قبل ذلك التاريخ نقطع بعدمه، وبعده بوجوده، فيبقي استصحاب العدم في الطرف المجهول إلى حال الحدوث المعلوم للآخر جاريا بلا معارض.
قال شيخنا الاستاد دام أيّام إفاداته الشريفة: ما ذكره قدّس سرّه في المجهول تاريخ أحدهما متين، وأمّا حديث المعارضة في مجهولي التاريخ فمخدوش بعدم جريان الاستصحاب رأسا، لا أنّه جار ويسقط بالمعارضة، وذلك لأنّ كلّا من الموردين شبهة مصداقيّة لنقض اليقين بالشكّ.
بيان ذلك أنّا لو فرضنا العلم في أوّل الزوال بوجود كليهما، ولكن احتملنا حدوث كلّ واحد فيه وفي ما قبله، فاستصحاب عدم كلّ إلى زمان حدوث الآخر بعد احتمال كون زمان حدوث الآخر هو أوّل الزوال الذي فرض العلم فيه بانتقاض ذلك العدم بالوجود يكون من الشبهة المصداقيّة لنقض اليقين بالشكّ؛ لاحتمال كونه نقضا لليقين باليقين.
توضيح المقام أنّ المقصود تارة إثبات أو نفي حقيقة الوجود لكلّ من الحادثين في الأزمنة المشكوكة، واخرى مع قيد زائد على أصل الوجود، كالوجود المتّصف بصفة المقارنة للحادث الآخر أو التقدّم أو التأخّر.
لا إشكال في كون الثاني مسبوقا بالعدم بنحو مفاد كان التامّة، سواء في معلوم التاريخ أم مجهوله، وليس له حالة سابقة بنحو مفاد كان الناقصة، من غير فرق بينهما أيضا، فالكلام كلّه في ما إذا اريد إيراد النفي والإثبات على أصل وجود كلّ من الحادثين، بدون إضافة قيد إليه أصلا.
[الفرق بين ما اذا كان أحد الحادثين معلوم التاريخ وبين مجهولى التاريخ]
وحينئذ يفترق الحال في ما كان أحد الحادثين معلوم التاريخ والآخر مجهوله، وفي ما كان كلاهما مجهوله، ففي الأوّل لا استصحاب في المعلوم التاريخ، إذ الفرض أنّ حدوث الملاقاة مثلا في أوّل طلوع الخميس معلوم، فلا شكّ في عدم الملاقاة قبله، ولا شكّ في انتقاض عدمها بالوجود بعده.
وهذا بخلاف الحال في المجهول التاريخ، فإنّ أصل انتقاض عدم الكريّة مثلا بالوجود وإن كان معلوما، لكن زمانه مردّد بين ما قبل طلوع الخميس ونفسه وما بعده، فلا يجرى استصحاب عدمه في الجزء الأخير المعلوم فيه انتقاض العدم إمّا فيه أو في سابقه، ولكن لا مانع من استصحاب عدمه في ما قبله، الذي منه زمان الطلوع الذي حدث فيه الملاقاة.
هذا هو الحال في مجهول تاريخ أحدهما، فيكون عدم الكريّة محرزا بالأصل والملاقاة التي هي جزء آخر للموضوع محرزة بالوجدان، فيكون الماء قد لاقي النجس بالوجدان، وهو ليس بكرّ في حال حدوث الملاقاة بالأصل.
[الاستصحاب فى مجهولى التاريخ]
وأمّا المجهول تاريخ كليهما فالمقصود فيهما أيضا استصحاب أصل الوجود إثباتا أو نفيا، لا الوجود المضاف بأحد الاعتبارين، فإشكال عدم الحالة السابقة على تقدير وعدم الفرق بينهما وبين المجهول أحد التاريخين وإن كان مدفوعا، ولكن هنا شبهة اخرى وهي أنّ قيد زمان الحادث الآخر في قولنا: نشكّ في وجود أحد الحادثين وانتقاض عدمه في زمان الحادث الآخر ليس جزوا من المستصحب حتّى يكون هو الوجود الخاص بأحد الاعتبارين، بل المستصحب نفس العدم الأزلي في كلّ منهما بلا أخذ شيء فيه.
وحينئذ لا محالة يصير قيد زمان الآخر إشارة صرفة إلى الأجزاء الخارجيّة من الصبح والعصر والظهر وغير ذلك، فلا بدّ أن يكون الشكّ متحقّقا في نفس الزمان الخارجي المشار إليه بهذا العنوان.
ونحن إذا راجعنا الخارج رأينا من جملة قطعات الزمان الخارجي الذي يحتمل كون عنوان زمان الآخر منطبقا عليه وإشارة إليه زمانا نقطع باجتماع كلا الحادثين فيه، ونحتمل كونه ظرفا لحدوث كليهما، ونحتمل حدوث كليهما أو أحدهما في ما قبله، والمفروض أنّه لا شكّ لنا في هذا الجزء الخارجي، وقد كان المعتبر وجود الشكّ في انتقاض العدم الأزلي في أيّ زمان خارجي فرض تطبيق ذلك العنوان عليه.
ألا ترى أنّه لو اريد استصحاب الفرد الواقعي في ما إذا تردّد فرد الكلّي بين البقّ المقطوع الزوال والفيل المقطوع البقاء، بحيث جعل عنوان الفرد الواقعي عبرة وحكاية عن نفس الجزئي الواقعي لا يصحّ الاستصحاب؛ إذا المعتبر حينئذ تحقّق الشكّ في البقاء في كلّ شخص خارجى محتمل انطباق هذا العنوان عليه، وليس في شيء من الخارجيين شك في البقاء.
وهنا أيضا لنا قطعتان خارجيّتان من الزمان، إحداهما طلوع الخميس، وهي ظرف الشكّ في انتقاض كلّ من العدمين بالوجود، والاخرى زواله، وهى ظرف القطع بالوجود وانتقاض العدم، فإذا لوحظ عنوان زمان حدوث الآخر واشير به إلى نفس حقيقة الزمان الخارجى من الطلوع والزوال، واريد استصحاب نفس العدم الغير المقيّد بشيء إلى هذا الزمان فلا بدّ من تحقّق الشكّ في أيّ زمان خارجى فرض مصداقا لهذا العنوان، والمفروض تحقّق القطع في الزوال، مع كونه محتمل المصداقيّة لهذا العنوان.
فإن قلت: زمان حدوث الآخر وإن كان إشارة، لكنّه مع ذلك مفترق عن الصورة التفصيليّة المشار إليها، فإنّها بين المشكوك انتقاض العدم فيها والمعلوم، ولكن هذه الصورة الإجماليّة الحاكية حيث إنّها ذات تقديرين، بأحدهما يكون مقطوعه؛ لأنّها إن انطبقت على قطعه الزوال كانت ظرفا للقطع، وإن انطبقت على الطلوع كانت ظرفا للشكّ، كان المتحصّل من اجتماع التقديرين هو الشكّ.
قلت: نعم الحاصل فعلا من اجتماعهما هو الشكّ، لكن لا في الانتقاض وعدمه، بل في الشكّ والقطع، يعني أنّه لا يدري هل هو شاكّ في هذا الزمان، أو هو قاطع، ولا يضرّ شكّ الإنسان في حالته الوجدانيّة إذا كان الملحوظ وجه المطلوب، لا هو بصورته التفصيلية، والممتنع هو الثاني.
ألا ترى أنّك لو علمت بأنّ زيدا عادل، وشككت في عدالة عمرو، فعنوان أحدهما بما هو هذا العنوان وإنّ كان لا محالة مشكوك العدالة، ولكنّ العنوان المشير إلى الفردين مثل «كلّ منهما» أو «أيّ منهما» ليس مشكوكا، بل محتمل الانطباق على المشكوك والمعلوم، ومن هنا نقول في استصحاب الحيوان المردّد بين الفرد القصير والطويل: إنّه إنّما يجري لو جعل الحيوان موضوعا، وأمّا لو جعل عبرة ومعرّفا للفردين فلا مجرى للاستصحاب فيه؛ لعدم الشكّ في البقاء في شيء من الفردين.
فإن قلت: لا نجعل زمان حدوث الآخر جزء المستصحب، بل هو نفس العدم، ولكن لا نجعله عبرة وإشارة أيضا، بل ملحوظا على وجه الموضوعيّة والاستقلال، وقد اعترفت بحصول الشكّ فيه على هذا التقدير.
قلت: إذا اعترفت بكون المستصحب نفس العدم فلا يجدي حصول الشكّ فيه بملاحظة اقترانه بأمر خارجي كطيران الغراب ونحوه، بل لا بدّ من لحوق الشكّ في قطعة الزمان المتأخّر الذي يراد استصحابه إليه بنفس المستصحب، والمفروض أنّ نفس العدم بلا لحاظ شيء معه أصلا إذا اريد جرّه إلى زمان الحدوث الواقعي الخارجي للآخر، يكون أمره متردّدا بين الجرّ إلى زمان الشكّ في انتقاضه، وبين الجرّ إلى زمان القطع بانتقاضه، وإن كان انتقاضه بملاحظة انضمام بعض العناوين الخارجة مشكوكا فيه، وهذا واضح لا سترة عليه.
فإن قلت: كما أنّه في مورد العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإنائين مثلا يكون عنوان الأحد معرّفا، ومع ذلك هو معروض العلم، وكلّ من الإنائين مشكوك ولا يلزم اجتماع الضدّين بواسطة عدم سراية العلم من الصورة الإجماليّة إلى التفصيليّة وهما صورتان منحازتان، كذلك نقول بعينه في المقام أنّ قطعة الزوال بهذه الصورة التفصيلية معروض القطع، ولا ينافي كون العنوان المجعول عبرة إلى إحدى القطعتين منها ومن قطعة الطلوع معروضا للشكّ؛ لاختلاف الصورتين.
قلت: ما ذكرته في مورد العلم الإجمالي أيضا في محلّ المنع، وكيف يكون العنوان عبرة واللازم منه اجتماع الضدّين، بل متعلّق العلم هناك عنوان الأحد بنحو الاستقلال والموضوعيّة وعدم سراية النجاسة إلى كلا الفردين منه؛ لأجل أنّ النجاسة المعلومة ليست متعلّقة بعنوان الأحد ابتداء، بل في ضمن الخاصّ، فالمعلوم لنا بالحقيقة ليس إلّا الأحد النجس، وقولنا: الأحد النجس، يكون الموضوع فيه ذا تضيّق ملازم مع عنوان النجس، وليس مطلقا مرسلا.
والشاهد الآخر على هذا أنّه لو فرض نجاسة كلا الإنائين واقعا فلا مفرّ لك عن القول بعدم الميز الواقعي للمعلوم إجمالا، وأنّه أمر متساوي النسبة إلى الطرفين، ولا ميز له واقعا، والفرق بينه وبين صورة نجاسة أحدهما، فيه ما لا يخفي من عدم اختلاف متعلّق العلم حسب الاختلاف في الواقع ونفس الأمر.
[ملخّص الكلام في مجهولي التاريخ]
وملخّص الكلام في مجهولي التاريخ أنّا إذا قطعنا تفصيلا بأصل وجود كلا الحادثين في أوّل الزوال مع التردّد في كونه زمان الحدوث أو قبله، فاستصحاب العدم الأزلي لكلّ منهما إلى الآن المتّصل بالزوال قبله لا إشكال في تحقّق أركانه، لفرض كونه ظرف الشكّ في البقاء، ولكنّ الموضوع بمجرّد هذا لا يتمّ بواسطة عدم إحراز جزئه الآخر وهو حدوث الآخر في هذا الآن.
كما لا إشكال في أنّ استصحاب العدم إلى نفس الزوال الذي فرض القطع التفصيلي فيه بالانتقاض لا مجرى له، لعدم الشكّ.
فيبقي استصحاب العدم إلى الزمان الواقعي لحدوث الآخر، وهو مردّد بين آن قبل الزوال الذي قلنا بتحقّق المجرى للاستصحاب، ونفس الزوال الذي قلنا بعدم تحقّق المجري له، وهذا معنى كونه شبهة مصداقيّة.
ثمّ إنّ المحقّق الخراساني قدّس سرّه حاول في الكفاية عدم جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ ببيان آخر، وهو عدم إحراز اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين.
قال شيخنا الاستاد دام أيّام إفاداته الشريفة: ليس مقامنا محلّا لهذا الكلام؛ إذ المفروض أنّ أزمنة الشك في بقاء العدم الأزلي متّصلة بزمان اليقين به، وإنّما محلّة ما إذا كان الحادثان اللذان تكلّمنا في استصحاب عدمهما الأزلي بحيث وجود كلّ منهما كان ناقضا للآخر، مثل الطهارة والحدث في ما اريد استصحاب وجودهما، حيث إنّه لو علم المكلّف بتعاقب حالتي الطهارة والحدث عليه في ساعتين ولم يعلم بأنّ أيّهما مقدّم وأيّهما مؤخّر، فهو لا محالة في الساعة الثالثة شاكّ في بقاء كلّ من الحالتين مع علمه بأصل حدوثهما في إحدى الساعتين، فتارة يقال بجريان الاستصحاب في الطرفين والتساقط بالمعارضة.
ولكنّ الحقّ عدم الجريان، والمانع هنا من طرف الأوّل، كما كان في استصحاب العدميين من طرف الآخر.
بيانه أنّ من المعتبر في الاستصحاب أن يكون زمان الشكّ عند جرّه بطريق القهقرى متّصلا بزمان تكون فيه الحالة السابقة المتيقّنة، وفي المقام لا يحرز ذلك؛ إذ لا يحرز اتّصال أزمنة الشكّ في الطهارة مثلا بزمان الطهارة المتيقّنة، لاحتمال اتّصالها بزمان الحدث المتيقّن، فهذا الاستصحاب شبهة مصداقيّة من طرف الأوّل لكبرى الاتّصال، كما كان في المقام المتقدّم شبهة مصداقيّة من طرف الآخر لكبرى نقض اليقين بالشكّ.
وأمّا البرهان على اعتبار الاتّصال وجهان:
أحدهما: أنّ مفاد الاستصحاب جرّ المستصحب، يعني أن نضيف إلى العمر المتيقّن للمستصحب عمرا آخر ونجعل عمره مطوّلا، وفي ما نحن فيه لا نضيف عمرا إلى عمره، بل على فرض الجريان يطبّق مطوّل العمر الذي فرغ عنه على المستصحب.
مثلا نفرض أنّ أيّا من الطهارة والحدث كان متقدّما كان مدّة بقائه ساعة، وأيّا منهما كان متأخّرا، فهو إلى الآن الذي هو زمان الاستصحاب باق، ونفرض أنّ الساعات المتوسّطة بين الساعة الاولى وزمان الاستصحاب ستّ ساعات، فحينئذ لسنا بشاكّين في أنّ عمر كلّ منهما على فرض التأخّر ستّ ساعات لا أزيد منها.
إنّما الكلام في أنّ المتأخّر هو الطهارة حتى يكون هو واجد هذه الست الساعات، أو الحدث حتى يكون هو كذلك، فالاستصحاب يفيد على فرض الجريان تعيين هذه المدّة المطوّلة المحدودة التي لا تزيد ولا تنقص في الطهارة أو في الحدث، وقد فرضنا أنّ شأن الاستصحاب إعطاء البقاء للمستصحب، لا تعيين البقاء المفروغ عنه في المستصحب.
والحاصل أنّ عدم النقض الاستصحابي متعلّق باليقين بملاحظة استمرارها الجائي من قبل استمرار متعلّقه، وإلّا كان قاعدة الشك الساري، وحينئذ فمفاد الاستصحاب تحصيل عدم النقض فى مقام الدوران بين أصل حصول هذا العدم ونقيضه، فلسانه جعل العدم في هذا التقدير مضافا إلى اليقين، ولازم ذلك أطوليّة عمر اليقين وانجرار استمراره.
وأمّا لو كان هذا العدم حاصلا، يعنى نعلم بأنّ في البين عدم نقض محقّقا، ونشك في إضافته إلى اليقين أو إلى أمر آخر، فليس تحصيل هذه الإضافة من وظيفة الاستصحاب، ففي المثال السابق وإن كان لنا يقين بالحدوث وشكّ في البقاء بالنسبة إلى كلّ من الطهارة والحدث في الساعة الأخيرة، ولكنّ الشرط المذكور وهو كون التعبّد في أصل حصول عدم النقض في قبال نقيضه مفقود، وإنّما يكون موجودا لو كنّا نحتمل كون مدّة كلّ من الأمرين سبع ساعات، وليس هذا بمحتمل.
فالذي نعلم أنّ لنا موجودين، أحدهما في ساعة واحدة، والآخر في ستّ ساعات، ولا يحتمل في البين موجودا في سبع ساعات، والذي نشكّ هو أنّ الموجود الأطول هل هو الطهارة أو الحدث، وحيث إنّ الاستصحاب حكم ظاهري فهو لا محالة معمول في مورد الشكّ، وهنا بعد التحليل صار المشكوك لنا تعيين الغير المنقوض، وأنّه هذا أو ذاك، لا أنّ المشكوك هو أنّ هذا منقوض أو لا، ومجرى الاستصحاب هو الشكّ الثاني دون الأوّل، هذا.
ولكن يمكن أن يقال: إنّ المعتبر في الاستصحاب ليس إلّا يقينا وشكّا موجودين بالفرض، وعند ذلك يجري حكم «تعبّد بالبقاء» وليس فيه أن يكون منشأ الشكّ في البقاء ما ذا، فقد يتحقّق الشك في بقاء الشيء بواسطة عدم العلم بأنّ المنطبق عليه أيّ من الموجودين الذين أحدهما قصير والآخر طويل.
فالمتحصّل بالأخرة حينئذ هو الشكّ في أنّ هذا الشيء باق أو لا، وهذا المقدار كاف، ولو لا ذلك لما كان مجرى للاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة، فإنّ لنا موجودين، أحدهما منتقض قطعا، والآخر غير منتقض كذلك، فهذا الطرف المعيّن مثلا نشكّ في كونه هو المنتقض أو غير المنتقض، وحينئذ يبقي ما ذكرتم من لزوم أطوليّة عمر المستصحب بالاستصحاب، وهو موجود في أطراف العلم وغير موجود في المقام.
ويمكن جوابه أيضا بأنّه إن كان المقصود أنّ الشارع بالاستصحاب يجعل العمر الواقعي للمستصحب أزيد وأطول، فهذا المعنى مقطوع العدم في جميع المقامات؛ إذ الاستصحاب تعبّد ظاهري مع بقاء المستصحب على ما هو عليه من العمر الواقعي بحدّه الواقعي.
وإن كان المقصود أنّه مع دوران أمره واقعا بين الحدّين الأقلّ والأكثر يتعبّدنا الشارع في الظاهر بالبناء على الأكثر، فهو في المقام موجود؛ إذ من المعلوم أنّ قول الشارع: ابن على بقاء الطهارة في المقام، لا مانع منه في الظاهر أصلا، سواء كان عمره الواقعي ساعة واحدة أو ستّ ساعات، وليس مفاده: ابن على أنّه سبع ساعات، حتّى يقال: إنّه مقطوع الخلاف؛ فإنّ لسانه عدم نقض اليقين بالشكّ في البقاء من دون نظر له بأنّ الواقع ما ذا.
نعم لو علمنا أنّ مبدأ وجود الطهارة أوّل السبع ساعات كان اللازم من هذا الحكم الظاهري مع هذا العلم كونه سبع ساعات، وبالجملة، لا نظر للاستصحاب في تعيين المبدا أو تعيين كمّ الوجود، وإنّما ينظر إلى تعيين المنتهى.
ولكنّه دام أيّام إفاداته الشريفة أجاب بأنّا ولو قلنا بالاستصحاب من باب الأخبار، ولكنّ الموضوع المحكوم عليه في الأخبار متّحد مع ما يقوله القائل بأنّ ما ثبت يدوم، وكما أنّ مجرى هذه القاعدة على فرض ثبوتها ما إذا كان الشكّ في الطول والدوام للشيء الثابت، ويزيد بسببها على مقدار ثبوته المتيقّن زمان آخر مشكوك فيه الثبوت، كذلك الحال في الاستصحاب المأخوذ من الأخبار، فيكون من المعتبر فيه زيادة زمان على أزمنة الثبوت المتيقّن للمستصحب، فلا مجرى له في ما لا مجال لزيادة شيء بواسطة الاستصحاب.
وإن شئت الدليل على أنّ المقام من هذا القبيل فافرض أنّا علمنا بأنّ مدّة ثبوت كلّ من الحدث والطهارة كانت ستّ ساعات وشككنا في المتقدّم والمتأخّر، فهل نشكّ في أنّه بالاستصحاب لا يزداد مدّة الطهارة أو الحدث على الستّ ساعات، وعلى هذا فقس سائر الأمثلة، هذا.
والوجه الثانى على اعتبار الاتّصال في الاستصحاب أنّا ولو قلنا بأنّا لا ندور في الاستصحاب مدار الشكّ في البقاء والارتفاع، ولهذا قلنا بجريانه في ما ليس له البقاء والارتفاع كالتدريجيّات، ولكنّه من المعتبر فيه بحسب الانصراف تحقّق زمان كان المكلّف شاكّا في الوجود والعدم بملاحظة ذلك الزمان، بحيث احتمل كونه ظرفا للوجود أو للعدم، وليس الحال في زمان الشكّ في المقام على هذا المنوال؛ لأنّ أحد طرفي الاحتمال هو الوجود فيه، والآخر هو العدم، لكن لا فيه، بل من السابق على هذا الزمان، وهذا هو الحال في تمام آنات زمان شكّنا.
فإن قلت: قوله عليه السلام: «بل انقضه بيقين آخر» معناه حصر نقض اليقين باليقين، ولو نقضنا يقيننا في المقام بالطهارة لكنّا نقضناه لا باليقين.
قلت: المدّعى أنّ هذا المورد حسب الانصراف خارج عن طرفي المستثنى منه والمستثنى، فلا تشمله قضيّة انقض ولا لا تنقض.
هذا هو الكلام في اعتبار الاتّصال في الاستصحاب، وقد عرفت تفرّع عدم جريان الاستصحاب في الوجودين الذين أحدهما ناقض الآخر عند العلم بتحقّقهما وعدم العلم بالسبق واللحوق.
ويظهر من المحقّق الخراساني قدّس سرّه أنّه يتفرّع عليه أيضا عدم جريان الاستصحاب في العدمين الأزليين للحادثين المجهولي التاريخ الذي استندنا في منع جريانه بكونه شبهة مصداقيّة لنقض اليقين بالشكّ.
قال في كفايته بعد ذكر عدم المورد للاستصحاب في ما كان المستصحب وما له الأثر هو العدم المضاف، ما لفظه: وكذا «يعنى لا مورد للاستصحاب» في ما كان «أي الأثر» مترتّبا على نفس عدمه في زمان الآخر واقعا وإن كان على يقين منه في آن قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما؛ لعدم إحراز اتّصال زمان شكّه وهو زمان حدوث الآخر بزمان يقينه، لاحتمال انفصاله عنه باتّصال حدوثه به.
وبالجملة، كان بعد ذلك الآن الذي قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما زمانان، أحدهما زمان حدوثه والآخر زمان حدوث الآخر، وثبوته الذي يكون ظرفا للشكّ في أنّه فيه أو قبله، وحيث شكّ في أنّ أيّهما مقدّم وأيّهما مؤخّر لم يحرز اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين، ومعه مجال للاستصحاب، حيث لم يحرز معه كون رفع اليد عن اليقين بعدم حدوثه بهذا الشكّ من نقض اليقين بالشكّ.
لا يقال: لا شبهة في اتّصال مجموع الزمانين بذاك الآن، وهو بتمامه زمان الشكّ في حدوثه، لاحتمال تأخّره عن الآخر، مثلا إذا كان على يقين من عدم حدوث واحد منهما في ساعة، وصار على يقين من حدوث أحدهما بلا تعيين في ساعة اخرى بعدها وحدوث الآخر في ساعة ثالثة كان زمان الشكّ في حدوث كلّ منهما تمام الساعتين، لا خصوص أحدهما كما لا يخفى.
فإنّه يقال: نعم ولكنّه إذا كان بلحاظ إضافته إلى أجزاء الزمان والمفروض أنّه بلحاظ إضافته إلى الآخر، وأنّه حدث في زمان حدوثه وثبوته أو قبله، ولا شبهة أنّ زمان شكّه بهذا اللحاظ إنّما هو خصوص ساعة ثبوت الآخر وحدوثه، لا الساعتين، انتهى كلامه قدّس سرّه.
أقول: إجراء القاعدة المذكورة على الاستصحاب في العدميين في مجهولي التاريخ مبنيّ على القول بكون العلم الإجمالي ناقضا؛ إذ حينئذ نقول: نعلم بانتقاض العدم الأزلي للكرّيّة، غاية الأمر تردّد زمانه بين الساعة الاولى بعد الزوال مثلا، والساعة الثانية.
فتارة نجعل مجموع الزمانين ملحوظا وظرفا للشك، فنقول: كنّا قاطعين بعدم انتقاض العدم الأزلي إلى الزوال، ونشكّ في انتقاضه في هذا الزمان ونشير إلى الزمان الخارجي الذي مبدؤه الساعة الاولى، ومنتهاه الساعة الثانية، باستثناء مقدار من آخرها يحصل فيه العلم بالانتقاض، إمّا فيه وإمّا في ما قبله، فحينئذ لا شبهة في اتّصال زمان الشكّ بزمان العدم المتيقّن، لكن موضوع الاثر لا يحرز بذلك؛ إذ لا يحرز انطباق زمان حدوث الملاقاة على شيء من أجزاء هذا الزمان، وقد كان الموضوع للأثر هو عدم الكريّة في هذا الزمان بالفرض، لا العدم المطلق، فإنّه الفرض الأوّل، أعني ما إذا اريد استصحاب عدم الحادث بالقياس إلى نفس أجزاء الزمان، لا بالقياس الى حادث آخر.
واخرى لا نلاحظ إلّا زمان حدوث الملاقاة، أعني نشير بهذا العنوان إلى زمانه الواقعي الخارجي المردّد عندنا بين الساعة الاولى والثانية، فنقول: في ذلك الزمان الواقعي للملاقاة اجتمع لنا يقين بعدم الكريّة في السابق وشك في انتقاضه في ذلك الزمان بالوجود.
فحينئذ حيث إنّ هذا الزمان الذي ظرف الشكّ مردّد بين الساعة الاولى والثانية، وانتقاض عدم الكريّة الذي قلنا: إنّه معلوم لنا أيضا مردّد بين الساعتين، فيكون إحدى الاحتمالات كون ذلك الانتقاض ثابتا في الساعة الاولى، وكون ذلك الزمان منطبقا على الساعة الثانية، فيكون في هذا التقدير زمان شكّنا إذا جرّ بطريق القهقرى لا يتّصل بزمان العدم المتيقّن الذي هو ما قبل الزوال، بل يتّصل بزمان نقضه الذي علم إجمالا وتردّد زمانه بين الساعتين.
فيكون الحال في هذا التقدير هو الحال في استصحابى الوجوديين لو اتّصل في استصحاب الطهارة مثلا زمان الشكّ فيها بزمان الحدث المتيقّن، غاية الأمر الاشتباه هناك مع زمان الحالة السابقة المتيقّنة وهو الطهارة مع تعيّن زمان الشكّ وعدم اشتباهه، وهنا الأمر بالعكس، فيكون الاشتباه مع زمان الشكّ مع تعيّن زمان الحالة السابقة المتيقّنة وهو العدم الأزلي وعدم اشتباهه، فتكون نتيجة الاشتباه في كلا المقامين عدم إحراز اتّصال زمان الشكّ بزمان الحالة السابقة المتيقّنة.
ومن هنا يعلم عدم جريان هذا الكلام في استصحاب الطهارة في الإنائين المعلوم وقوع نجاسة في أحدهما لا بعينه، فإنّه ليس انتقاض الطهارة في شخص كلّ منهما معلوما بالتفصيل، وكان زمانه مردّدا، بل مشكوك تفصيلى، بخلاف المقام، حيث إنّ الانتقاض معلوم تفصيلي إضافته بشخص كلّ من العدميين، والتردّد إنّما هو في الزمان، فلهذا يكون استصحاب الطهارة في كلّ من الإنائين في حدّ ذاته بلا مانع.
كما أنّه لا مانع منه في مجهول التاريخ من الحادثين إذا كان الآخر معلوم التاريخ، فإنّه لاحتمال تأخّره عن معلوم التاريخ يكون تمام ما بين الزوال وزمان حدوث المعلوم التاريخ ونفس هذا الزمان ظرفا لشكّه، وهذا المجموع متّصل بالزوال الذي هو آخر أزمنة اليقين، ولو كان تاريخ المعلوم هو الزمان المتّصل بالزوال فالأمر أوضح.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|