المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8200 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24



تعارض الاستصحابين  
  
652   10:24 صباحاً   التاريخ: 23-8-2016
المؤلف : ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : أنوَار الاُصُول
الجزء والصفحة : ج 3 ص 430.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / الاصول العملية / الاستصحاب /

قد قسّمه المحقّق الخراساني(رحمه الله) إلى قسمين، فإنّها تارةً يكونان من قبيل المتزاحمين (وقد مرّ في مبحث اجتماع الأمر والنهي أنّ التزاحم عبارة عن كون كلا الدليلين ذا مصلحة واقعيّة ولكن المكلّف لا يقدر على إتيانهما معاً) كما في غريقين نحتمل حياة كلّ منهما، فمقتضى استصحاب حياتهما وجوب إنقاذ كليهما ولكن المكلّف لا يقدر إلاّ على إنقاذ واحد منهما.

واُخرى يكونان من قبيل المتعارضين كما إذا علمنا بطهارة أحد الإنائين اللذين كانا نجسين سابقاً فيجري استصحاب نجاسة كلّ واحد منهما مع العلم بمخالفة أحدهما للواقع، وكذلك العكس وهو ما إذا كان الإناءان طاهرين سابقاً ثمّ علمنا بنجاسة أحدهما من غير تعيّن، فاستصحاب طهارة كلّ واحد منهما يعارض استصحاب طهارة الآخر للعلم بكذب أحدهما.

أمّا القسم الأوّل: فقد ذهب المحقّق الخراساني(رحمه الله) في هامش الكفاية إلى أنّ حكمه التخيير إلاّ أن يكون أحدهما أهمّ من الآخر فيقدّم، كما إذا دار الأمر بين إنقاذ النبي وغيره، أو دار الأمر بين انقاذ مسلم وذمّي (بقاءً على وجوب إنقاذ الذمّي أيضاً).

لكن الصحيح أنّه على أقسام أربعة:

فتارةً تكون النسبة بينهما التساوي ولا ترجيح لأحدهما على الآخر لا من ناحية المحتمل ولا من ناحية الاحتمال، فالحكم حينئذ التخيير بلا إشكال.

واُخرى يكون أحدهما أكثر احتمالا من الآخر مع تساويهما في جانب المحتمل، كما إذا كانت درجة احتمال نجاة أحدهما ثمانين في المائة ودرجة احتمال نجاة الآخر عشرين في المائة مع عدم ترجيح بينهما فيقدّم الأوّل على الثاني طبقاً لقاعدة الأهمّ والمهمّ.

وثالثة يكون أحدهما أهمّ في جانب المحتمل مع تساويهما في جانب الاحتمال، ومثاله يظهر ممّا ذكرنا فيقدّم الأهمّ أيضاً على المهمّ.

ورابعة يكون أحدهما أكثر احتمالا والآخر أهمّ محتملا، فلابدّ حينئذ من الكسر والانكسار وتشخيص ما يكون أهمّ في المجموع وتقديمه على الآخر.

وأمّا القسم الثاني: (وهو المتعارضان) فهو بنفسه على قسمين:

فتارةً يكون الاستصحابان طوليين بأن كان الشكّ في أحدهما مسبّباً عن الشكّ في الآخرعلى نحو لو ارتفع الشكّ في السبب ارتفع الشكّ في المسبّب، أي يكونان من قبيل أصلي السببي والمسبّبي، كما إذا شككنا في بقاء نجاسة الثوب المغسول بماء شكّ في بقاء طهارته.

واُخرى يكونان عرضيين كالمثال المذكور آنفاً (استصحاب طهارة الإنائين مع العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما بملاقاته للنجس أو العكس).

أمّا القسم الأوّل فلابدّ من التكلّم فيه أوّلا: في ميزان كون أحد الأصلين سببيّاً والآخر مسبّبياً، وثانياً: في وجه تقديم الأصل السببي على المسبّبي.

أمّا المقام الأوّل فالصحيح ما اُشير إليه آنفاً من أنّ المعيار كون الشكّ في أحدهما مسبّباً عن الشكّ في الآخر، وإن شئت قلت: كون أحدهما من الآثار الشرعيّة للآخر ففي المثال المزبور تكون طهارة الثوب المغسول من الآثار الشرعيّة لطهارة الماء بخلاف العكس، فليست نجاسة الماء من الآثار الشرعيّة لنجاسة الثوب المغسول بل إنّها من لوازمها العقليّة كما لا يخفى.

والمحقّق النائيني (رحمه الله) ذكر لحكومة كلّ أصل سببي على كلّ أصل مسبّبي شرطين: أحدهما: أن يكون الترتّب بينهما شرعياً لا عقلياً، بأن يكون أحدهما من الآثار الشرعيّة للآخر، فالشكّ في بقاء الكلّي لأجل الشكّ في حدوث الفرد الباقي خارج عن محلّ الكلام، لأنّ بقاء الكلّي ببقاء الفرد عقلي.

ثانيهما: أن يكون الأصل السببي رافعاً للشكّ المسبّبي، فالشكّ في جواز الصّلاة في الثوب لأجل الشكّ في اتّخاذه من الحيوان المحلّل خارج عن محلّ الكلام، فإنّ أصالة الحلّ في الحيوان وإن كانت تجري، إلاّ أنّها لا تقتضي جواز الصّلاة في الثوب، لأنّ أصالة الحلّ لا تثبت كون الثوب متّخذاً من الأنواع المحلّلة (1) (فإنّ جواز الصّلاة مترتّب على كون الثوب متّخذاً من عناوين خاصّة كعنوان الغنم والشاة والإبل ونحوها من سائر الحيوانات المحلّلة).

أقول: إذا عرّفنا الأصل السببي والمسبّبي بكون الشكّ في أحدهما مسبّباً عن الشكّ في الآخر شرعاً فلا حاجة إلى ذكر هذين الشرطين مستقلا لأنّهما مفهومان من نفس التعريف ولا زمان له، أمّا الشرط الأوّل فلأنّه يفهم من قيد «شرعاً» الوارد في ذيل التعريف، وأمّا الشرط الثاني فلأنّه أيضاً من لوازم التسبّب الشرعي التعبّدي الموجود في التعريف، لأنّه إذا إرتفع السبب الذي هو بمنزلة العلّة شرعاً ارتفع المسبّب الذي هو بمنزلة المعلول كذلك، وإلاّ يلزم تخلّف المعلول عن علّته.

وأمّا ما ذكره من المثال، ففيه: أنّ إرتفاع الشكّ في جواز الصّلاة مع ارتفاع الشكّ في الحلّية بجريان أصالة الحلّية فيه، ناش عن عدم كونه مسبّباً عنه شرعاً، لأنّ الشكّ في جواز الصّلاة ليس مسبّباً عن الشكّ في الحلّية حتّى يرتفع بارتفاعه، بل مسبّب عن الشكّ في أنّه من العناوين الخاصّة المحلّلة أو لا؟ وهو لا يرتفع بإجراء أصالة الحلّية كما ذكره.

هذا كلّه في المقام الأوّل.

أمّا المقام الثاني: وهو الوجه في تقديم الأصل السببي على المسبّبي، فإستدلّ المحقّق الخراساني(رحمه الله)لتقديم السببي على المسبّبي بعين ما استدلّ به لتقديم الأمارة على الاستصحاب من الورود، فقال: إنّ رفع اليد عن اليقين السابق بنجاسة الثوب في المثال المذكور مع استصحاب طهارة الماء المغسول به ليس من نقض اليقين بالشكّ بل باليقين، وقال في مقام الجواب عن إشكال عدم وجود مرجّح لتقديم جانب السببي على المسبّبي: إنّ الأخذ بجانب السببي ممّا لا يلزم منه شيء سوى نقض اليقين باليقين وهو ليس بمحذور بخلاف الأخذ بجانب المسبّبي فيلزم منه إمّا التخصيص بلا مخصّص أو التخصيص على وجه دائر.

أقول: يرد عليه عين ما أوردناه عليه هناك فلا نعيده، مضافاً إلى أنّه يمكن أن يقال بالحكومة هنا أيضاً من باب أنّ طهارة الثوب من اللوازم الشرعيّة لطهارة الماء، بخلاف العكس لأنّ نجاسة الماء ليس من اللوازم الشرعيّة لنجاسة الثوب بل إنّها من لوازمها العقليّة.

إن قلت: إنّ الحكومة تتوقّف على تعدّد الدليل ليكون أحد الدليلين ناظراً إلى الآخر ومفسّراً لمدلوله، فلا يعقل أن يكون دليل واحد بالنسبة إلى تطبيقه على فرد منه ناظراً إلى نفسه بالنسبة إلى تطبيقه على فرد آخر كما في ما نحن فيه.

قلنا: قد أجاب عن هذا المحقّق النائيني(رحمه الله) بأنّه «نشأ من خلط الحكومة الواقعيّة بالظاهريّة، فإنّ الحكومة إذا كانت واقعيّة كحكومة أدلّة الغاء شكّ كثير الشكّ بالقياس إلى أدلّة المشكوك فلا مناصّ عن تعدّد الدليل حتّى يكون أحدهما مخصّصاً للآخر لبّاً بعنوان الحكومة، وأين هذا من الحكومة الظاهريّة التي لا يعتبر فيها إلاّ كون الحاكم رافعاً لموضوع الآخر في عالم التشريع؟ فإنّ الدليل الواحد إذا كان له افراد كثيرة بعضها في طول الآخر ومسبّب عنه فلا محالة يكون شمول هذا الدليل للسبب رافعاً لما هو في طوله تشريعاً. وهذه الحكومة هى المدعاة في المقام دون الحكومة الواقعيّة المعتبر فيها نظر أحد الدليلين بمدلوله اللفظي إلى الدليل الآخر»(2).

أقول: الإنصاف أنّه ليس هناك إلاّ قسم واحد من الحكومة، وهو أن يكون أحد الدليلين ناظراً إلى الآخر ومفسّراً له إمّا بمدلوله المطابقي أو التضمّني أو الالتزامي، ولا إشكال في أنّ هذا المعنى قد يحصل في دليل واحد إذ انحلّ إلى أحكام متعدّدة، فإذا كان الماء المشكوك طهارته داخلا في عموم لا تنقض كان معناه ترتيب آثار الماء الطاهر عليه، فإذا سئل من آثاره يمكن أن يقال: إنّ من آثاره رفع النجاسة عن الثوب المغسول به، وهذا معنى النظر إلتزاماً.

والحاصل: أنّه لا يعتبر في حكومة دليل على دليل آخر أن يكون الدليل الحاكم ناظراً إلى الدليل المحكوم بمدلوله المطابقي، بل يكفي فيها النظر بمدلوله الالتزامي، ولا إشكال في أنّ هذا المقدار من النظر لازم انحلال دليل واحد إلى أحكام متعدّدة، حيث إنّ المقصود من النظر (كما اعترف المحقّق النائيني(رحمه الله) نفسه) أن يكون أحدهما رافعاً لموضوع الآخر تعبّداً، وهذا حاصل بعد حصول الانحلال كما لا يخفى.

أمّا القسم الثاني: وهو ما إذا كان أحدهما في عرض الآخر كاستصحاب طهارة الإنائين مع العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما، فله أيضاً صورتان:

الاُولى: ما إذا كانا في أطراف علم إجمالي بتكليف فعلي، فيلزم منهما المخالفة القطعيّة.

الثانية: ما إذا لم يكونا في أطراف علم إجمالي بتكليف فعلي، بحيث إذا جرى الاستصحاب في كليهما لم يلزم مخالفة قطعيّة.

أمّا الصورة الثانية: فالأقوال فيها ثلاثة:

1 ـ ما ذهب إليه الشيخ الأعظم(رحمه الله) من عدم شمول أدلّة الاستصحاب لهما مطلقاً.

2 ـ ما ذهب إليه المحقّق الخراساني(رحمه الله) من أنّها تشمل المقام، أي أنّ المقتضي تامّ والمانع مفقود، وهو المخالفة العمليّة القطعيّة (وما ذكراه يجري في أصالة الحلّية أيضاً).

3 ـ تفصيل المحقّق النائيني(رحمه الله) بين الاستصحاب وسائر الاُصول العمليّة، فذهب في الاستصحاب إلى نفس ما ذهب إليه الشيخ الأعظم(رحمه الله) وفي غيره إلى مقالة المحقّق الخراساني(رحمه الله).

واستدلّ الشيخ الأعظم(رحمه الله) بأنّ جريان الاستصحاب في ما نحن فيه يلزم منه التناقض في دليل الاستصحاب بين صدره وذيله، لأنّ صدره يقول: «لا تنقض اليقين بالشكّ» وهذا يشمل كلا الطرفين، بينما الذيل يقول: «انقضه بيقين آخر» وهو شامل لأحدهما إجمالا، لأنّ أحدهما معلوم ومتيقّن، كما يلزم هذا في أدلّة بعض الاُصول الاُخر كقاعدة الحلّية، فإنّ الصدر فيها يقول: «كلّ شيء لك حلال» فهو شامل لكلا الطرفين من العلم الإجمالي، والذيل يقول: «حتّى تعلم أنّه حرام» وهو أيضاً شامل لأحدهما المعلوم بالإجمال.

ولكن قد اُجيب عنه بجوابين:

أحدهما: أنّ المناقضة بين الصدر والذيل على فرض كونها مانعة عن اطلاق الخطاب وعن شموله لأطراف العلم الإجمالي فهى موجودة في بعض أخبار الباب ممّا فيه الذيل المذكور، وليست موجودة في جميع الأخبار، وعليه فإطلاق الخطاب وشموله لأطراف العلم الإجمالي في سائر الأخبار محفوظ على حاله.

ويرد عليه: أنّ الوجدان العرفي يحكم بأنّ الروايات المطلقة تقيّد وتفسّر بالروايات المذيّلة بذلك الذيل، حيث إنّا نقطع بأنّ جميع هذه الروايات في مقام بيان حكم واحد على موضوع واحد لا حكمين مختلفين.

الثاني: ما أجاب به بعض الأعلام من «أنّ الظاهر كون المراد من اليقين في قوله(عليه السلام): «ولكن تنقضه بيقين آخر» هو خصوص اليقين التفصيلي لا الأعمّ منه ومن الإجمالي، إذ المراد نقضه بيقين آخر متعلّق بما تعلّق به اليقين الأوّل، وإلاّ لا يكون ناقضاً له، فحاصل المراد هكذا: كنت على يقين من طهارة ثوبك فلا تنقضه بالشكّ في نجاسة الثوب بل انقضه باليقين بنجاسته،

فلا يشمل اليقين الإجمالي لعدم تعلّقه بما تعلّق به اليقين الأوّل، بل تعلّق بعنوان أحدهما»(3).

أقول: بل يمكن أن يقال: إنّ الذيل لا يراد منه إلاّ نفس ما اُريد من الصدر، فهو توضيح وتفسير للصدر، حيث إنّه يفهم من نفس الصدر بقرينة المقابلة.

وإن شئت قلت: كما أنّ الشكّ هنا تفصيلي فالعلم المقابل له أيضاً تفصيلي فالعلم الإجمالي خارج عن نطاقه.

أضف إلى ذلك أنّه يمكن أن يقال: بانصراف أدلّة الاستصحاب عن موارد العلم الإجمالي، فهي مختصّة بموارد الشكّ البدوي الخالص فإنّ الشكّ في أطراف العلم الإجمال ليس شكّاً خالصاً بل شكّاً مشوب بالعلم.

واستدلّ المحقّق النائيني للتفصيل بين الاُصول المحرزة وغير المحرزة وجريان الثاني (الاُصول غير المحرزة) في أطراف العلم الإجمالي دون الأوّل بأنّ المجعول في الاُصول المحرزة (كالاستصحاب وقاعدة الفراغ والتجاوز وأصالة الصحّة) هو البناء العملي على ثبوت الواقع في أحد طرفي الشكّ وتنزيله عملا منزلة الواقع، ولا يخفى أنّ التعبّد ببقاء الواقع في كلّ واحد من أطراف العلم الإجمالي ينافي العلم الوجداني بعدم بقاء الواقع في أحدها، وكيف يعقل الحكم ببقاء النجاسة مثلا في كلّ واحد من الإنائين مع العلم بطهارة أحدهما؟ ومجرّد أنّه لا يلزم من الاستصحابين مخالفة عملية لا يقتضي صحّة التعبّد ببقاء النجاسة في كلّ منهما فإنّ الجمع في التعبّد ببقاء مؤدّى الاستصحابين ينافي ويناقض العلم الوجداني بالخلاف، وهذا بخلاف الاُصول غير المحرزة فإنّه لمّا كان المجعول فيها مجرّد تطبيق العمل على أحد طرفي الشكّ فلا مانع من التعبّد بها في أطراف العلم الإجمالي إذا لم يلزم منها مخالفة عملية(4).

ويرد عليه أوّلا ما مرّ كراراً من أنّا لا نقبل تقسيم الاُصول إلى المحرزة وغير المحرزة ولا نفهم له معنىً محصّلا، فإنّ مفاد الدليل إذا كان هو التنزيل منزلة الواقع فهو أمارة (سواء أخذ الشكّ ظاهراً في موضوعه أم لم يؤخذ) وإن لم يكن مفاده كذلك فهو أصل عملي.

وثانياً: سلّمنا، ولكن المقتضي وهو إطلاقات أدلّة الاستصحاب تامّ في كلا القسمين إذ إنّ المفروض عنده أنّ اليقين في الاستصحاب يقين تعبّدي لا حقيقي، واليقين التعبّدي بكلا طرفي

الشكّ لا ينافي العلم الإجمالي الحقيقي بكذب أحدهما، فهو نظير البيّنتين المتعارضتين أو الخبرين المتعارضين اللذين يجريان كلاهما ثمّ يتساقطان بالتعارض بحسب القاعدة.

فظهر أنّ الصحيح ما ذهب إليه الشيخ الأعظم(رحمه الله) من عدم جريانهما رأساً، ولكن لا لتناقض صدر الحديث مع ذيله كما ذكره، بل من باب الإنصراف كما ذكرنا.

بقي هنا شيء:

وهو بيان الثمرة في هذه المسألة:

إنّ ثمرة هذه المسألة تظهر في الملاقي لأحد الأطراف إذا كان كلّ واحد مسبوقاً بالنجاسة ثمّ علم بطهارة أحدهما إجمالا، فإنّه حينئذ طاهر بناءً على عدم جريان الاستصحاب (وقد ثبت في محلّه أنّ ملاقي بعض أطراف الشبهة المحصورة طاهر وإن كان يجب الإجتناب عن نفس الأطراف لمكان العلم الإجمالي) ولكنّه نجس بناءً على جريان الاستصحاب، لأنّه حينئذ يكون كلّ طرف من الأطراف نجساً بالتعبّد الاستصحابي، والمفروض عدم سقوط الاستصحاب بعد الجريان لعدم لزوم المخالفة العمليّة، وإذا كان الطرف بنفسه نجساً بالتعبّد كان ملاقيه أيضاً نجساً كذلك.

وممّا ذكرنا ظهر الحال فيما إذا كان أحد الاستصحابين ذا أثر شرعي دون الآخر، كما إذا كان الماء في أحد الطرفين كرّاً وفي الآخر قليلا، فيجري الاستصحاب في خصوص الماء القليل بلا معارض وتترتّب عليه آثاره حتّى عند من يقول بعدم جريان الاستصحاب في القسم الأوّل.

هذا كلّه في هو الصورة الثانية، أي ما إذا لم يلزم من جريانهما مخالفة عملية.

وأمّا الصورة الاُولى: أي ما إذا لزم من جريان الاستصحابين المخالفة العمليّة، فالاستصحابان غير جاريين إمّا لعدم المقتضي كما أفاده الشيخ الأعظم(رحمه الله) أو للتعارض كما أفاده صاحب الكفاية.

______________

1. فوائد الاُصول: ج4، ص682، طبعة جماعة المدرّسين.

2. أجود التقريرات: ج2، ص496، طبعة مؤسسة مطبوعات ديني.

3. مصباح الاُصول: ج3، ص259، طبعة مطبعة النجف.

4. راجع فوائد الاُصول: ج4، ص692 و693.

 

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.