إذا تأمّل المتأمّل سيجد عمق العلاقة بين حسيننا ونصرنا ومرجعيتنا، فانتبهنا وعلمنا أنّنا كنّا نتدرّب سيراً على الأقدام لمئات الكيلو مترات من البحر إلى النحر لنكسب المطاولة على سواتر الجهاد، فاجتمعت الأسباب، فصنع نصر العراق.
هذا ممّا جاء في كلمة العتبات المقدّسة التي أُلقيت في ختام فعاليّات مهرجان ربيع الشهادة الثقافي العالمي الرابع عشر والتي ألقاها بالنيابة عنهم مدير إدارة العتبة العسكريّة المقدّسة الشيخ ستار المرشدي(دام توفيقه).
وأضاف: "أقف إجلالاً واعتزازاً للمتولّيين الشرعيَّيْن والأمينَيْن العامّين للعتبتين المقدّستين، وإلى اللّجنة المنظّمة لهذا المهرجان ولجميع خدّام العتبات المقدّسة ومن ساهم وساند في إنجاح هذا الموسم الرابع عشر من المفكّرين والعلماء والأعلام ودور النشر وغيرهم".
مبيّناً: "إنّ للعتبات المقدّسة في العراق دوراً كبيراً وفاعلاً في تجسيد أعمق الأهداف وأنبل القيم وأكبر التضحيات، ورسم سبل الأمان والإيمان لعموم الإنسانيّة، لا لخصوص الأديان التوحيديّة أو دين الإسلام، وقد انبرت العتبتان المقدّستان وحازت قصب السبق في مدّ جسور التعارف والتلاقح والتلاقي بين عموم بلدان هذه المعمورة، وقد أخذ الصفوة منهم، وما نراه اليوم إنّما هو خطوة في مسير طويل وليس بعيد المنال".
وأضاف: "إنّ لشعب العراق همّةً وسؤدداً وكرماً، أبهر ولفت الأنظار، وحير كّل ذي لبّ ونُهى، فقد جسّد مُثل إفلاطون وفضيلة الفارابي بل جسّد قيم الأنبياء وصفات الأصفياء، وجعلها وقفاً في طريق الإمام الحسين(عليه السلام)، فقابل الجود بالجود، والتضحية بالتضحية، ولم يدّخر شيئاً إلّا قدّمه إجلالاً وشكراً وأجراً لنداءٍ علا منذ سنين طوال، وعهدٍ قديم جديد، نساه الكثير وأغفله البعض، وحرم منه الآخرون، ففرشوا طريق الأربعين بالمحبّة والترحاب والكرم والنبل والمساواة، فلا يسألون من أنت؟ ومن أين أنت؟ فقد اختلطت الهويات بهويّة واحدة وهي الخدمة بكلّ تواضع وفخر، ولا يتمايز في ذلك اليوم تاجرٌ مشهور أو فقيرٌ مغمور، أو طبيب حاذق أو كاسب في الطريق، مليارات الأموال تُبذل في الطرقات مجاناً، وإنّه ليس بجنون فنحن لا نقدّم هذه الأموال التي جاءت بها تلك الصناديق الصغيرة التي خرجت من بيوت الفقراء ويجمعونها على طوال عام وينتظرون موسم الحصاد ليقدّموها في طريق الحسين(عليه السلام)".
وبيّن المرشدي: "إنّ هذا البذل والعطاء ليس ببذل فوضويّ بل هو بذل متقن هادف، نشيّد به معالم الدين الذي اختطفه قاطعو الرؤوس وسابو النساء وخانقو الرضّع، ومن العجيب أن ينعق ناعق جاهل ليبخل بما ليس له وينتقد ما لا يعرفه، وليس هذا إلّا الجهل بعد المعرفة، والضلال بعد الهدى، ومرت سنون طوال إلى أن يخيم الشرّ واقتطعت من بلدنا الموصل ومن ثمّ تلتها بلدات أخرى، وفاجعة هنا وفاجعة هناك، فمن سبي سنجار إلى تعليق الحرائر في البشير ومن مذبحة سبايكر إلى نكبة الصقلاوية، دماء تسيل ونحيب يعلو، ثكلى وأيتام، أرامل، ومحزونون ومهجّرون فخيّم الظلام ودبّ الخوف وارتعدت الفرائص".
وتابع قائلاً: "لكنّ ربيعنا في العراق دائم فثُرنا بالإمام الحسين(عليه السلام) وبفتوى النجف الأشرف انتصرنا، كلماتٌ قصيرات من منبر كربلاء عادلت الموازين، وانجلى بها الظلام، وإذا تأمّل المتأمّل سيجد عمق العلاقة بين حسيننا ونصرنا ومرجعيتنا، فانتبهنا وعلمنا أنّنا كنّا نتدرّب سيراً على الأقدام لمئات الكيلو مترات من البحر إلى النحر لنكسب المطاولة على سواتر الجهاد، فاجتمعت الأسباب، فصنع نصرُ العراق".
موضّحاً: "سامرّاء أرض ضمّت إمامين من الأئمّة الاثني عشر(عليهم السلام)، وكانت مولداً لخاتمهم، وهو القائل: (وإنّها لأحبّ البقاع إليّ لولا الطرد) فغيّبه الظالمون وعاد نازحاً مهجّراً طريداً، وبقي ذلك الضريح الواقع في قلب مدينة سامراء القديمة المسوّرة عامراً بشيعتهم ومحبّيهم، وأبنائهم الذين لازالت إلى هذا اليوم آثارهم ومعالمهم".
وتابع: "ودارت رحى الزمن على شذّاذ الأرض، وطالبي الفتن والشقاق، ليمتدّوا بأيديهم الآثمة في عامي (2006 و2007) ليفجّروا القبّة ومنارتي الإمامين العسكريّين(عليهما السلام)، وإنّه لحدثٌ مفجع ومصاب فادح عظيم، واستطعنا أن نخرج من براثن الفتنة والاقتتال بين أبناء الدين الواحد والبلد الواحد بفضل المرجعيّة الدينيّة في النجف الأشرف، بحكمتها واعتدالها، وحبّها لأبناء وطنها جميعاً، بلا تمييز على أساس الهويّة أو العرق أو الدين، ونهض الشرفاء لبناء المرقد المقدّس في زمن محفوف بالمخاطر والخوف إلى أن خيّم داعش عام (2014م) واقترب من سامراء، فهاجت الشجعان وشمّرت عن سواعدها فقُتل من قُتل وجُرح من جُرح، وعادت سامراء آمنة مزدهرة بالزوّار متواصلة بالإعمار، ونعيش علاقة حسن الجوار ومحبّة الأنفس والأخوّة، شيعة وسنّة، من عربٍ وتركمان وكرد، وليس هذا إلّا ذاك الشعار الذي رفعه الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) بقوله: (قبري في سرّ من رأى أمانٌ لأهل الجانبين) بل ولجميع من في العراق".