المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
النقل البحري
2024-11-06
النظام الإقليمي العربي
2024-11-06
تربية الماشية في جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية
2024-11-06
تقييم الموارد المائية في الوطن العربي
2024-11-06
تقسيم الامطار في الوطن العربي
2024-11-06
تربية الماشية في الهند
2024-11-06



ثقافة الناقد  
  
5552   11:52 صباحاً   التاريخ: 23-3-2018
المؤلف : د. عبد الرسول الغفاري
الكتاب أو المصدر : النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق
الجزء والصفحة : ص :155-159
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد القديم /

 

عندما نتحدث عن ثقافة الناقد لا نعني بالثقافة عنوانها العام وانما نعني بها المبادئ والمستلزمات الكافية في المجال الذي يمارسه الناقد وبمعنى آخر تعني بها الكفاءة الأدبية. Literary Competence

 والكفاءة الادبية هي مجموعة من القواعد والمعلومات والانشطة التي لابد للناقد أن يمارسها في حقل تخصصه، على ان تلك المجموعة من القواعد لا يمكن ان نحدّدها برقم معين أو بفقرات خاصة بل الكثير من تلك المبادئ والمفاهيم لها جانب من الحركية والتداخل، اذاً ليس هي مبادئ ثابتة، نعم لابدّ أن نمتلك جملة منها كالنصوص، والمقاييس، والاعراف، ومعايير الاحكام.

فيفترض على الناقد أن يكون خبيراً ولديه مؤهلات خاصة يستطيع بها أن يبيّن مزايا وعيوب أي عمل أدبي..

فالناقد لا بد أن يكون ذا طبع موهوب وذكاء حادٍ ومدارسةٍ للنصوص، يقول ابن سلام:

(إن كثرة المدارسة تعين على العلم) (1).

ويقول أيضاً:

والصناعات منها ما تثقفه العين، ومنها ما تثقفه الأذن، ومنها ما تثقفه اليد، ومنها ما يَثقفه اللسان. من ذلك اللؤلؤ والياقوت لا يُعرف بصفة ولا وزن دون المعاينة ممّن يبصره. ومن ذلك الجهبذة بالدينار والدرهم، لا تعرف جودتها بلون ولا مسٍّ ولا طِراز، ولا حِسٍّ ولا صفة، ويعرفها الناقد عند المعاينة..0 (2)

قال رجل لخلف الاحمر: اذا سمعت أنا بالشعر واستحسنته فما اُبالي ما قلت فيه انت واصحابك.

فقال له خلف: اذا أخذت انت درهماً فاستحسنته، فقال لك الصرّاف انه رديء هل ينفعك استحسانك له؟!

اذاً النقد الذوقي لا يمكن أن يمارسه كل فرد، بل هو نقد ذوي البصيرة والمعرفة بالشعر، المنصرفين اليه.

وبمثل ذلك لابد على الناقد من التثبّت من النصوص وصحة نسبتها الى اصحابها، وهذا من ركائز العمل النقدي ومن اسسه.

وليس عليك بعيد ما تسمعه من الانتحال في الشعر الجاهلي، فقد تعرّض لهذا الموضوع الدكتور طه حسين وآخرون، اما سبب ازدياد الشعر المنحول والمنسوب الى شعراء تلك الفترة انما هو نتيجة طبيعيّة للخصومات والنزاعات بين الشعراء والقبائل وما أثارته العصبيّة القبلية في غضون الحكم الاموي.

وعندما ندرس التيارات النقدية نجد هناك ثقافات عديدة حاكمة على اسلوب الناقد العربي، وبالخصوص في غضون القرن العشرين، والمتفحّص يجد ان الثقافة الاجنبية اثّرت بشكل واضح على طائفة من الادباء والنقاد الذين وفدوا على الثقافة الغربية، مما ظهر لنا ان ثقافة الناقد المعاصر يمكن حصرها في الأقسام التالية:

1- ثقافة عربية بحتة مستمدة اصولها من التراث العربي القديم.

2 ثقافة اجنبيّة بحتة مستمدة اصولها من التيارات الأدبية الغربية.

3 ثقافة حصيلتها نظريات اجنبية ومناهج دخيلة ممزوجة بثقافة عربية.

3 ثقافة جديدة كوّنها الناقد لنفسه من خلال المحيط الأدبي الذي هو فيه بعيداً عن الغزو الثقافي الاوربي.

إن ثقافة الناقد لها دور مهم في تقويم النص الادبي وتطوير الحياة الادبية للامّة، إلاّ أن هذه الثقافة الاسلامية لابدّ أن تكون نابعة من صميم الواقع الذي يعيشه الأديب والناقد على السواء، لا أن تكودن أجنبية عليه، وبالتالي ستطبق قواعد واسس ونظريات ليست من سنخ النتاج الأدبي، فيعود الأمر بدلاً من تقويم النتاج الأدبي الى هدم التراث والقضاء عليه وعلى كل ابداع وابتكار.

فمن الملاحظ أن لفيفاً من النقاد العرب المصريّين تحكّمت فيهم الثقافة الأجنبية وأوغلوا فيها حتى اصابهم الاعجاب والاندهاش بكل ما كتب هناك من نظريات ومقاييس نقدية.

وهذا الافراط عكس لنا صورة مظلمة عن الموازنة التي عقدها بين أدبنا العربي والاَداب الغربيّة.

أقول: لو كان هناك اتفاق على أصل من الاصول النقدية عند الغرب لكان من السهل تطبيقه عندنا والأخذ به، والاحتكام إليه، باعتباره يمثل درجة من درجات النضج الفكري الذي تحاول الشعوب الاُخرى الوصول إليه، ولكان تطبيقه على جميع الآداب الاخرى فيه ما يسوغ ذلك..! ولكن الأمر ليس كذلك؛ حيث أن اختلاف المقاييس النقدية من حضارة الى اخرى، ومن شعر الى آخر، ومن بلدٍ الى بلد ادى الى تعدد وجهات النظر الى الاعمال الأدبية وبالتالي تعددت المدارس، وتباينت المناهج والمقاييس من شعب الى آخر، ومن زمن الى زمن.

والادهى من ذلك نجد البعض يقوم بمحاولة يائسة في تحكيم بعض المقاييس الأجنبية والقديمة على الأدب العربي الحديث كأنْ يحكم آراء ارسطو في كتابيه (الشعر والخطابة) على الأدب العربي ثم يوازن بين هذا الأدب والأدب اليوناني! (3)

هكذا خطوات لا تعود بنفع على التراث الأدبي بل هي خطوات فاشلة يُعد صاحبها سمجاً في عالم النقد والتقويم.

ثم لا ننسى ان المشاكل الأدبية التي عندنا تختلف عن المشاكل الادبية عند الغرب، فمثلاً عند أدبائنا المعاصرين مشكلة الأخطاء النحوية واللغوية في القصيدة العربية، فعلى الناقد العربي أن يتتبع تلك السقطات ومنشأها، بينما في الأدب الغربي لم تكن هذه المشكلة موقع اثارة، أو موضع اهتمام نقادهم، وبالتالي فإن جملة من المشاكل قد نجدها عند أدبائنا ولم نجدها عند غيرهم من ادباء الغرب، وبالعكس.

اذاً من الضروري أن نقول ان لكل امة أدبها الخاص ومقوماتها الأدبية، كما ان لكل ادب خصائصه وتقاليده المنتزعة من تقاليد الامّة وخصائصها في التفكير والبناء، وهكذا قل ان للظروف الخاصة والذوق الفني اثرهما الواضح في كل فن، واذا سلّمنا بهذا الامر نقول: لا يمكن أن نقيس ادبنا بمعايير الغير، ولا يمكن أن نحكّم في نقد الادب العربي مقاييس غربية لما هناك من اختلاف في العادات والتقاليد، ولما هناك من فروقات فردية وعوامل مؤثرة، ولما يطالعنا من اختلاف البيئات وتباين الثقافات، أضف الى ذلك ان العوامل السياسية والتغيرات الاقتصادية والحركات الدينية والتطورات الاجتماعية لها الدور الكبير في طبيعة الأدب والوانه المتعددة، ومن ثمة ان جميع تلك العوامل لها القسط الأكبر في صياغة المبادئ والاسس النقدية التي يعتمدها الناقد.

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)    طبقات الشعراء ص 3.

(2)    طبقات الشعراء ص3. الجهبذة: نقد الزائف والصحيح من الدينار والدرهم.

(3)    انظر التيارات المعاصرة ص 41.

 

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.