أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-10-2017
4646
التاريخ: 10-10-2017
5921
التاريخ: 9-10-2017
49648
التاريخ: 11-10-2017
4830
|
قال تعالى : {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُويَرَى (35) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى } [النجم: 33 - 41]
{أفرأيت الذي تولى} أي أدبر عن الحق {وأعطى قليلا وأكدى} أي أمسك عن العطية وقطع عن الفراء وقيل منع منعا شديدا عن المبرد {أ عنده علم الغيب} أي ما غاب عنه من أمر العذاب {فهويرى} أي يعلم أن صاحبه يتحمل عنه عذابه {أم لم ينبأ بما في صحف موسى} أي بل أ لم يخبر ولم يحدث بما في أسفار التوراة {وإبراهيم} أي وفي صحف إبراهيم {الذي وفى} أي تمم وأكمل ما أمر به وقيل بلغ قومه وأدى ما أمر به إليهم وقيل أكمل ما أوجب الله عليه من كل ما أمر وامتحن به.
ثم بين ما في صحفهما فقال {ألا تزر وازرة وزر أخرى} أي لا تحمل نفس حاملة حمل أخرى والمعنى لا تؤخذ نفس بإثم غيرها {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} عطف على قوله {ألا تزر} وهذا أيضا ما في صحف إبراهيم وموسى أي ليس له من الجزاء إلا جزاء ما عمله دون ما عمله غيره ومتى دعا غيره إلى الإيمان فأجابه إليه فهو محمود على ذلك على طريق التبع وكأنه من أجل عمله صار له الحمد على هذا ولولم يعمل شيئا لما استحق جزاء لا ثوابا ولا عقابا(2) عن ابن عباس في رواية الوالبي قال إن هذا منسوخ الحكم في شريعتنا لأنه سبحانه يقول ألحقنا بهم ذرياتهم رفع درجة الذرية وإن لم يستحقوها بأعمالهم ونحو هذا قال عكرمة إن ذلك لقوم إبراهيم وموسى فأما هذه الأمة فلهم ما سعى غيرهم نيابة عنهم ومن قال إنه غير منسوخ الحكم قال الآية تدل على منع النيابة في الطاعات إلا ما قام عليه الدليل كالحج وهو أن امرأة قالت يا رسول الله إن أبي لم يحج قال فحجي عنه.
{وأن سعيه سوف يرى} يعني أن ما يفعله الإنسان ويسعى فيه لا بد أن يرى فيما بعد بمعنى أنه يجازي عليه وبين ذلك بقوله {ثم يجزاه الجزاء الأوفى} أي يجازي على الطاعات بأوفى ما يستحقه من الثواب الدائم والهاء في يجزاه عائدة إلى السعي والمعنى أنه يرى العبد سعيه يوم القيامة ثم يجزي سعيه أوفى الجزاء .
______________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص300-301.
2- وفي نسخة : وعن ابن عباس .
{ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وأَعْطى قَلِيلًا وأَكْدى } أي منع ، والمعنى أخبرني يا محمد عن الرجل الذي أعرض عن ذكر اللَّه ، وكان قد بذل شيئا يسيرا من ماله أو نفسه في سبيل الخير ، ثم منع وأمسك عن البذل ! . . هذا ما دل عليه ظاهر كلامه تعالى . . ويأتي السؤال : هل أراد سبحانه رجلا خاصا يعرفه النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) أو أراد مثلا عاما لكل من يصدق عليه هذا الوصف ؟ قال بعض المفسرين : نزلت هذه الآية في الوليد بن المغيرة . وقال آخر : انها نزلت في عثمان بن عفان . . وكل من القولين يفتقر إلى الدليل . . إذن ، فالآية على دلالتها من الشمول والإطلاق .
{أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُو يَرى} ؟ هل علم هذا المعرض الممسك انه في أمان من عذاب يوم القيامة حتى أعرض وأمسك ؟ وانّى له هذا العلم مع ان اللَّه سبحانه قد أنزل في كتبه ما يكذّب زعمه ان ادّعى ذلك { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى وإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى} . ألم يسمع هذا المعرض الممسك بما أنزل اللَّه في التوراة وفي صحف إبراهيم الذي وفى بعهد اللَّه وميثاقه على أكمل وجه ، ألم يسمع أو يخبره مخبر بأن اللَّه قد أنزل في هذين الكتابين {أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} أي ان
كل إنسان يؤخذ بذنبه ، ولا أحد يحمل عنه أوزاره وأثقاله . وتكررت هذه الآية في سورة الأنعام 164 ، وفي سورة الاسراء الآية 95 ، وفي سورة فاطر الآية 18 ، وفي سورة الزمر الآية 7 .
{وأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى} . المراد بالسعي هنا العمل والحركة في هذه الحياة . وتدل الآية على ان الإسلام هو دين الحياة لأنها تنص بصراحة على أن اللَّه ينظر إلى عباده من خلال أعمالهم في الحياة الدنيا ، ويعاملهم بموجبها ، ومعنى هذا ان الإنسان كلما عاش الحياة بأبعادها وفي أعماقها ، وعمل لخيرها وحل مشاكلها - فقد اقترب من اللَّه ودين اللَّه ، واستحق منه الرحمة والكرامة ، وانه كلما تهرب من الحياة وابتعد عن همومها ومشاكلها مكتفيا بالتكبير والتهليل والصوم والصلاة - فقد ابتعد عن اللَّه ودينه ورحمته .
{وأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى} أي سوف يحاسبه اللَّه على عمله يوم القيامة ، فالمراد بالرؤيا هنا الحساب وإلا فإن اللَّه سبحانه يعلم كل شيء حتى خطرات الوساوس { ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الأَوْفى} . واضح لا يحتاج إلى تفسير تماما كقوله تعالى :
{أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَو أُنْثى} - 195 آل عمران .
_________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص182-183.
سياق التسع آيات الواقعة في صدر هذا الفصل يصدق ما ورد في أسباب النزول أن رجلا من المسلمين كان ينفق من ماله في سبيل الله فلامه بعض الناس على كثرة الإنفاق وحذره وخوفه بنفاد المال والفقر وضمن حمل خطاياه وذنوبه فأمسك عن الإنفاق فنزلت الآيات.
أشار سبحانه بالتعرض لهذه القصة ونقل ما نقل من صحف إبراهيم وموسى (عليهما السلام) إلى بيان وجه الحق فيها، وإلى ما هو الحق الصريح فيما تعرض له الفصل السابق من أباطيل المشركين من أنهم إنما يعبدون الأصنام لأنها تماثيل الملائكة الذين هم بنات الله يعبدونهم ليشفعوا لهم عند الله سبحانه وقد أبطلتها الآيات السابقة أوضح الإبطال.
وقد أوضحت هذه الآيات ما هو وجه الحق في الربوبية والألوهية وهو أن الخلق والتدبير لله سبحانه، إليه ينتهي كل ذلك، وأنه خلق ما خلق ودبر ما دبر خلقا وتدبيرا يستعقب نشأة أخرى فيها جزاء الكافر والمؤمن والمجرم والمتقي ومن لوازمه تشريع الدين وتوجيه التكاليف وقد فعل، ومن شواهده إهلاك من أهلك من الأمم الدارجة الطاغية كقوم نوح وعاد وثمود والمؤتفكة.
ثم عقب سبحانه هذا الذي نقله عن صحف النبيين الكريمين بالتنبيه على أن هذا النذير من النذر الأولى الخالية وأن الساعة قريبة، وخاطبهم بالأمر بالسجود لله والعبادة، وبذلك تختتم السورة.
قوله تعالى: {أ فرأيت الذي تولى وأعطى قليلا وأكدى{ التولي هو الإعراض والمراد به بقرينة الآية التالية الإعراض عن الإنفاق في سبيل الله، والإعطاء الإنفاق والإكداء قطع العطاء، والتفريع الذي في قوله: {أ فرأيت} مبنى على ما قدمنا من تفرع مضمون هذه الآيات على ما قبلها.
والمعنى: فأخبرني عمن أعرض عن الإنفاق وأعطى قليلا من المال وأمسك بعد ذلك أشد الإمساك.
قوله تعالى: {أ عنده علم الغيب فهو يرى} الضمائر لمن تولى والاستفهام للإنكار والمعنى: أ يعلم الغيب فيترتب عليه أن يعلم أن صاحبه يتحمل عنه ذنوبه ويعذب مكانه يوم القيامة لو استحق العذاب.
كذا فسروا.
والظاهر أن المراد نفي علمه بما غاب عنه من مستقبل حاله في الدنيا والمعنى: أ يعلم الغيب فهو يعلم أنه لو أنفق ودام على الإنفاق نفد ماله وابتلي بالفقر وأما تحمل الذنوب والعذاب فالمتعرض له قوله الآتي: {ألا تزر وازرة وزر أخرى}.
قوله تعالى: {أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى} صحف موسى التوراة، وصحف إبراهيم.
ما نزل عليه من الكتاب والجمع للإشارة إلى كثرته بكثرة أجزائه.
والتوفية تأدية الحق بتمامه وكماله، وتوفيته (عليه السلام) تأديته ما عليه من الحق في العبودية أتم التأدية وأبلغها قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } [البقرة: 124].
وما نقله الله سبحانه في الآيات التالية من صحف إبراهيم وموسى (عليهما السلام) وإن لم يذكر في القرآن بعنوان أنه من صحفهما قبل هذه الآيات لكنه مذكور بعنوان الحكم والمواعظ والقصص والعبر فمعنى الآيتين: أم لم ينبأ بهذه الأمور وهي في صحف إبراهيم وموسى.
قوله تعالى: {ألا تزر وازرة وزر أخرى} الوزر الثقل وكثر استعماله في الإثم، والوازرة النفس التي من شأنها أن تحمل الإثم، والآية بيان ما في صحف إبراهيم وموسى (عليهما السلام)، وكذا سائر الآيات المصدرة بأن وأن إلى تمام سبع عشرة آية.
والمعنى: ما في صحفهما هو أنه لا تحمل نفس إثم نفس أخرى أي لا تتأثم نفس بما لنفس أخرى من الإثم فلا تؤاخذ نفس بإثم نفس أخرى.
قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} قال الراغب: السعي المشي السريع وهو دون العدو، ويستعمل للجد في الأمر خيرا كان أوشرا قال تعالى: {وسعى في خرابها}.
انتهى واستعماله في الجد في الفعل استعمال استعاري.
ومعنى اللام في قوله: {للإنسان} الملك الحقيقي الذي يقوم بصاحبه قياما باقيا ببقائه يلازمه ولا يفارقه بالطبع وهو الذي يكتسبه الإنسان بصالح العمل أو طالحه من خير أوشر، وأما ما يراه الإنسان مملوكا لنفسه وهو في ظرف الاجتماع من مال وبنين وجاه وغير ذلك من زخارف الحياة الدنيا وزينتها فكل ذلك من الملك الاعتباري الوهمي الذي يصاحب الإنسان ما دام في دار الغرور ويودعه عند ما أراد الانتقال إلى دار الخلود وعالم الآخرة.
فالمعنى: وأنه لا يملك الإنسان ملكا يعود إليه أثره من خير أوشر أو نفع أوضر حقيقة إلا ما جد فيه من عمل فله ما قام بفعله بنفسه وأما ما قام به غيره من عمل فلا يلحق بالإنسان أثره خيرا أوشرا.
وأما الانتفاع من شفاعة الشفعاء يوم القيامة لأهل الكبائر فلهم في ذلك سعي جميل حيث دخلوا في حضيرة الإيمان بالله وآياته، وكذا استفادة المؤمن بعد موته من استغفار المؤمنين له، والأعمال الصالحة التي تهدي إليه مثوباتها هي مرتبطة بسعيه في الدخول في زمرة المؤمنين وتكثير سوادهم وتأييد إيمانهم الذي من آثاره ما يأتون به من الأعمال الصالحة.
وكذا من سن سنة حسنة فله ثوابها وثواب من عمل بها، ومن سن سنة سيئة كان له وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة فإن له سعيا في عملهم حيث سن السنة وتوسل بها إلى أعمالهم كما تقدم في تفسير قوله تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: 12] ، وقد تقدم في تفسير قوله: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ } [النساء: 9] ، وتفسير قوله: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } [الأنفال: 37] ، كلام نافع في هذا المقام.
قوله تعالى: {وأن سعيه سوف يرى} المراد بالسعي ما سعى فيه من العمل وبالرؤية المشاهدة، وظرف المشاهدة يوم القيامة بدليل تعقيبه بالجزاء فالآية قريبة المعنى من قوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ } [آل عمران: 30] ، وقوله: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 4 - 8].
وإتيان قوله: {سوف يرى} مبنيا للمفعول لا يخلو من إشعار بأن هناك من يشاهد العمل غير عامله.
قوله تعالى: {ثم يجزاه الجزاء الأوفى} الوفاء بمعنى التمام لأن الشيء التام يفي بجميع ما يطلب من صفاته، والجزاء الأوفى الجزاء الأتم.
وضمير {يجزاه} للسعي الذي هو العمل والمعنى: ثم يجزي الإنسان عمله أي بعمله أتم الجزاء.
_______________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج19 ، ص39-41.
كلّ يتحمّل مسؤولية أعماله:
كان الكلام في الآيات السابقة في أن يجزي الله تعالى من أساء بإساءته ويثيب المحسنين بإحسانهم .. وبما أنّه من الممكن أن يتصوّر أن يعذّب أحد بذنب غيره أو أن يتحمّل أحد وزر غيره، فقد جاءت هذه الآيات لتنفي هذا التوهّم في المقام، وبيّنت هذا الأصل الإسلامي المهمّ أنّ كلاًّ يرى نتيجة عمله، فقالت أوّلا: {أفرأيت الذي تولّى} أي تولّى من الإسلام أو الإنفاق!؟ {وأعطى قليلا وأكدى}(2) بمعنى أنّه أنفق القليل ثمّ إمتنع وأمسك وهو يظنّ أنّ غيره سيحمل وزره يوم القيامة ..
فأيّ رجل جاءهم من الغيب و«القيامة» فأخبرهم بأنّه يمكن أخذ الرشوة وتحمّل آثام الآخرين؟ أومن جاءهم من قبل الله فأخبرهم بأنّ الله راض عن هذا التعامل إلاّ ما تدور في أذهانهم من أوهام؟ فهم يتّبعون ما يتوهّمون فراراً من تحمّل المسؤولية.
وبعد هذا تأتي الآية الاُخرى لتبيّن إعتراض القرآن الشديد على ذلك، وبيان لأصل كلّي مطّرد في الأديان السماوية كلّها فتقول: تُرى أهذا الذي إمتنع عن الإنفاق أو الإيمان بالوعود الخيالية. ويريد أن يخلص نفسه من عذاب الله بإنفاقه اليسير والزهيد من أمواله، أتغنيه هذه الخيالات والتصوّرات: {أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفّى}(3).
«إبراهيم»: هو ذلك النّبي العظيم الذي أدّى حقّ رسالة الله، وبلّغ ما أمره به ووفى بجميع عهوده ومواثيقه، ولم يخش تهديد قومه وطاغوت زمانه، ذلك الإنسان الذي امتُحن بمختلف الإمتحانات حتّى بلغ به أن يقدّم ولده ليذبحه بأمر الله، وخرج منتصراً مرفوع الرأس من جميع هذه الإمتحانات ونال المقام السامي لقيادة الاُمّة .. كما نقرأ هذا المعنى في الآية (124) من سورة البقرة إذ تقول: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124].
وقال بعض المفسّرين في توضيح معنى الآية: أنّه بذل نفسه للنيران وقلبه للرحمن وولده للقربان وماله للاُخوان(4).
ثمّ تأتي الآية الاُخرى لتقول: {ألاّ تزرُ وازرة وزر اُخرى}.
«الوِزْرُ» في الأصل مأخوذ من «الوَزَرِ» ـ على زنة خطر ـ ومعناه المأوى أو الكهف أو الملجأ الجبلي، ثمّ استعلمت هذه الكلمة في الاعباء الثقيلة! لشباهتها الصخور الجبلية العظيمة، وأطلقت على الذنب أيضاً، لأنّه يترك عبئاً ثقيلا على ظهر الإنسان.
والمراد من «الوازرة» من يتحمّل الوزر(5).
ولمزيد الإيضاح يضيف القرآن قائلا: {وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى}(6).
«السعي» في الأصل معناه السير السريع الذي لا يصل مرحلة الركض، إلاّ أنّه يستعمل غالباً في الجدّ والمثابرة، لأنّ الإنسان يؤدّي حركات سريعة في جدّه ومثابرته سواءً كان ذلك في الخير أو الشرّ!
والذي يسترعي الإنتباه أنّ القرآن لا يقول: وان ليس للإنسان إلاّ ما أدّى من عمل .. بل يقول: إلاّ ما سعى. وهذا التعبير إشارة إلى أنّ على الإنسان أن يجدّ ويثابر فذلك هو المطلوب منه وإن لم يصل إلى هدفه، فالعبرة بالنيّة، فإذا نوى خيراً أعطاه الله ثوابه، لأنّ الله يتقبّل النيّات والمقاصد لا الأعمال المؤدّاة فحسب.
أمّا الآية التالية فتقول: {وأنّ سعيه سوف يُرى} فالإنسان لا يرى غداً نتائج أعماله التي كانت في مسير الخير أو الشرّ فحسب، بل سيرى أعماله نفسها يوم الحساب، كما نجد التصريح بذلك في الآية (30) من سورة آل عمران: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا } [آل عمران: 30].
كما ورد التصريح بمشاهدة الأعمال الصالحة والطالحة عند القيامة في سورة الزلزلة الآيتين (7) و8): {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } [الزلزلة: 7، 8]!
أمّا الآية الأخيرة من الآيات محل البحث فتقول: {ثمّ يجزاه الجزاء الأوفى}(7).
والمراد من «الجزاء الأوفى» هو الجزاء الذي يكون طبقاً للعمل. وبالطبع هذا لا ينافي لطف الله وتفضّله بأن يضاعف الجزاء على الأعمال الصالحة عشرة أضعاف أو عشرات الأضعاف ومئاتها وإلى ما شاء الله! وما فسّره بعضهم بأنّ «الجزاء الأوفى» معناه الجزاء الأكثر في شأن الحسنات، لا يبدو صحيحاً، لأنّ كلام هذه الآية يشمل الذنوب والأعمال الطالحة، بل الكلام فيها أساساً على الوزر والذنب «فلاحظوا بدقّة»!
____________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج113 ، 343-345.
2 ـ أكدى مأخوذ من الكدية ومعناه الصلابة، ثمّ أطلق على من يمسك والبخيل.
3 ـ وفّى مصدره توفية معناه البذل والأداء التامّ ..
4 ـ روح البيان، ج9، ص246.
5 ـ أتت لفظ الوازرة لكونه وصفاً للنفس المحذوفة في الآية ومثلها تأنيث اُخرى.
6 ـ كلمة «ما» في «ما سعى» مصدرية.
7 ـ نائب الفاعل في يُجزاه ضمير يعود على الإنسان والهاء في يجزاه تعود على العمل (مع حذف حرف الجرّ) وتقدير الآية هكذا ثمّ يجزى الإنسان بعمله أو على عمله الجزاء الأوفى .. يقول الزمخشري في الكشّاف: يمكن أن لا يكون هناك حرف مقدّر لأنّه يقال يُجزى العبد سعيه .. إلاّ أنّه ينبغي الإلتفات إلى أنّه يقال مثلا جزاه الله على عمله ويندر أن يقال جزاه الله عمله، والجزاء الأوفى يمكن أن يكون مفعولا ثانياً أو مفعولا مطلقاً.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|