أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-3-2017
6510
التاريخ: 14-2-2017
3742
التاريخ: 25-11-2016
11979
التاريخ: 14-2-2017
3814
|
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 172، 173].
خاطب سبحانه المؤمنين وذكر نعمه الظاهرة عليهم وإحسانه المبين إليهم فقال {يا أيها الذين آمنوا كلوا} ظاهره الأمر والمراد به الإباحة لأن تناول المشتهى لا يدخل في التعبد وقيل أنه أمر من وجهين .
(أحدهما) بأكل الحلال (والآخر) بالأكل وقت الحاجة دفعا للضرر عن النفس قال القاضي وهذا مما يعرض في بعض الأوقات والآية غير مقصورة عليه فيحمل على الإباحة {من طيبات ما رزقناكم} أي مما تستلذونه وتستطيبونه من الرزق وفيه دلالة على النهي عن أكل الخبيث في قول البلخي وغيره كأنه قيل كلوا من الطيب غير الخبيث كما أنه لو قال كلوا من الحلال لكان ذلك دالا على حظر الحرام وهذا صحيح فيما له ضد قبيح مفهوم فأما غير ذلك فلا يدل على قبح ضده لأن قول القائل كل من مال زيد لا يدل على أنه أراد تحريم ما عداه لأنه قد يكون الغرض البيان لهذا خاصة وما عداه موقوف على بيان آخر وليس كذلك ما ضده قبيح لأنه قد يكون من البيان تقبيح ضده.
{واشكروا لله} لما نبه سبحانه على إنعامه علينا بما جعله لنا من لذيذ الرزق أمرنا بالشكر لأن الإنعام يقتضي الشكر وقوله {إن كنتم إياه تعبدون} أي إن كنتم تعبدونه عن علم بكونه منعما عليكم وقيل إن كنتم مخلصين له في العبادة وذكر الشرط هنا إنما هو على وجه المظاهرة في الحجاج ولما فيه من حسن البيان وتلخيص الكلام أن كانت العبادة لله سبحانه واجبة عليكم بأنه إلهكم فالشكر له واجب عليكم بأنه منعم محسن إليكم .
وقوله تعالى : {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
لما ذكر سبحانه إباحة الطيبات عقبه بتحريم المحرمات فقال {إنما حرم عليكم الميتة} وهوما يموت من الحيوان {والدم ولحم الخنزير} خص اللحم لأنه المعظم والمقصود وإلا فجملته محرمة {وما أهل به لغير الله} قيل فيه قولان .
(أحدهما) أنه ما ذكر غير اسم الله عليه عن الربيع وجماعة من المفسرين والآخر أنه ما ذبح لغير الله عن مجاهد وقتادة والأول أوجه .
{فمن اضطر} إلى أكل هذه الأشياء ضرورة مجاعة عن أكثر المفسرين وقيل ضرورة إكراه عن مجاهد وتقديره فمن خاف على النفس من الجوع ولا يجد مأكولا يسد به الرمق وقوله {غير باغ ولا عاد} قيل فيه ثلاثة أقوال (أحدها) غير باغ اللذة ،سد الجوعة ، عن الحسن وقتادة ومجاهد (وثانيها) غير باغ في الإفراط ولا عاد في التقصير عن الزجاج (وثالثها) غير باغ على إمام المسلمين ولا عاد بالمعصية طريق المحقين وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله وعن مجاهد وسعيد بن جبير.
واعترض علي بن عيسى على هذا القول بأن قال أن الله لم يبح لأحد قتل نفسه والتعرض للقتل قتل في حكم الدين ولأن الرخصة لأجل المجاعة لا لأجل سفر الطاعة وهذا فاسد لأن الباغي على الإمام معرض نفسه للقتل فلا يجوز لذلك استباحة ما حرم الله كما لا يجوز له أن يستبقي نفسه بقتل غيره من المسلمين وقوله أن الرخصة لأجل المجاعة غير مسلم على الإطلاق بل هو مخصوص بمن لم يعرض نفسه لها.
{فلا إثم عليه} أي لا حرج عليه وإنما ذكر هذا اللفظ ليبين أنه ليس بمباح في الأصل وإنما رفع الحرج لأجل الضرورة {إن الله غفور رحيم} وإنما ذكر المغفرة لأحد الأمرين أما ليبين أنه إذا كان يغفر المعصية فإنه لا يؤاخذ بما رخص فيه وأما لأنه وعد بالمغفرة عند الإنابة إلى طاعة الله مما كانوا عليه من تحريم ما لم يحرمه الله من السائبة وغيرها .
______________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج 1 ، ص474-477.
بعد أن خاطب اللَّه سبحانه الجميع بقوله : {يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ} أعاد الخطاب ثانية لخصوص المؤمنين بقوله : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ} ليبين لهم ان الايمان الصحيح لا يكون بحرمان النفس ، والامتناع عن الطيبات ، كما يفعل بعض الرهبان والقسيسين وغيرهم فإنه سبحانه قد أحل لنا التمتع بالحياة ، والنعم الجسدية ، وأمرنا بالشكر عليها ، ومعنى شكرها أن نستعملها في الوجه الذي ينبغي استعمالها فيه . قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (أقلّ ما يلزمكم للَّه ان لا تستعينوا بنعمه على معاصيه) . وعسى أن يتعظ بهذه الحكمة البالغة أهل الجاه والثراء ، ولا يستغلوهما في الملذات المحرمة ، وفي الكبر والطغيان .
{إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ والدَّمَ ولَحْمَ الْخِنْزِيرِ وما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} . وليس من شك ان المراد بالحرمة هنا حرمة الفعل ، وهو الأكل ، لا حرمة الأعيان ، لأن الأعيان لا يمكن وصفها بحل ولا بحرمة .
وبعد ان ذكر اللَّه سبحانه في الآية السابقة الحلال مما يؤكل ذكر في هذه الآية أربعة أنواع مما يحرم أكله . . الأول : الميتة ، وهي كل حيوان مات من غير تذكية شرعية . الثاني : الدم ، والمراد به الدم المسفوح أي المتميز عن اللحم ، لأن ما يختلط باللحم معفو عنه . الثالث : الخنزير لحمه وشحمه وجميع أجزائه خلافا لداود الظاهري الذي قال : يحرم لحم الخنزير دون شحمه عملا بظاهر اللفظ ، وانما ذكر اللحم بالخصوص ، لأنه أظهر الأجزاء التي ينتفع بها .
الرابع : ما أهلّ به لغير اللَّه ، وهوما ذكر عليه حين الذبح غير اسم اللَّه تعالى ، سواء أذبح للأصنام ، أو لغيرها .
والحكمة في تحريم الأنواع الثلاثة الأولى صحية محض يعرفها الأطباء ، وأهل الاختصاص ، أما حكمة المنع عمّا ذكر غير اسم اللَّه عليه فدينية صرف تهدف إلى صيانة التوحيد والتنزيه عن الشرك .
وتسأل : ان ظاهر الآية يدل على انه لا يحرم من المأكولات سوى هذه الأربعة ، لأن (انما) تفيد الحصر ، وكل حصر يتضمن جملتين : الأولى تفيد اثبات ما يتناوله الخطاب ، وهو هنا تحريم الأشياء الأربعة ، والثانية تفيد النفي ، وهو هنا عدم تحريم ما عدا الأربعة ، مع العلم بأن هناك مأكولات أخرى محرمة ، كالكلاب ، والحيوانات المفترسة ، والحشرات ، وبعض أنواع السمك ، ومحرمات الذبيحة ، والتفصيل في كتب الفقه ، ومنها الجزء الرابع من كتابنا فقه الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) .
الجواب : أجل ، ان الظاهر يدل على ذلك ، ولكنه متروك في العمل بعد قيام الإجماع ، وثبوت السنة النبوية . . وليست هذه هي الآية الوحيدة التي يترك ظاهرها بالإجماع .
وتجمل الإشارة إلى انه يجب ذكر اللَّه تعالى حين الذبح ، فمن تركه عامدا حرمت الذبيحة ، سواء أكان الترك عن علم بالوجوب أو جهل به . . أجل لو نسي الذابح ذكر اللَّه لم تحرم الذبيحة . . ويكفي من الذكر قول : اللَّه أكبر ، أو الحمد للَّه ، أو بسم اللَّه ، أولا إله الا اللَّه ، وما أشبه .
المضطر وحكمه :
{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ ولا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} . المضطر هو الذي يخاف التلف على نفسه لولم يتناول المحرم ، أو يخشى حدوث مرض ، أو زيادته ، أو يخاف الضرر والأذى على نفس محترمة ، كالحامل تخاف على حملها ، والمرضعة على رضيعها ، أو أكرهه قوي على أكل أو شرب المحرم ، بحيث إذا لم يفعل أوذي في نفسه ، أوفي ماله ، أوفي عرضه - كل هذه ، وما إليها من المسوغات لتناول المحرم ولكن بمقدار ما يرتفع به الضرر . ومن هنا اشتهر بين الفقهاء الضرورة تقدر بقدرها ، ويدل عليه قوله تعالى : {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ ولا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} . فالباغي من يرتكب الحرام من غير ضرورة ، والعادي من يتجاوز مقدار الحاجة .
_____________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص264-265.
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} ، خطاب خاص بالمؤمنين بعد الخطاب السابق للناس فهومن قبيل انتزاع الخطاب من الخطاب، كأنه انصراف عن خطاب جماعة ممن لا يقبل النصح ولا يصغي إلى القول، والتفات إلى من يستجيب الداعي لإيمانه به، والتفاوت الموجود بين الخطابين ناش من تفاوت المخاطبين، فإن المؤمنين بالله لما كان يتوقع منهم القبول بدل قوله: ما في الأرض حلالا طيبا من قوله: {طيبات ما رزقناكم}، وكان ذلك وسيلة إلى أن يطلب منهم الشكر لله وحده لكونهم موحدين لا يعبدون إلا الله سبحانه، ولذلك بعينه قيل: ما رزقناكم ولم يقل: ما رزقتم أو ما في الأرض ونحوه، لما فيه من الإيماء أو الدلالة على كونه تعالى معروفا لهم قريبا منهم حنينا رؤوفا بهم، والظاهر أن يكون قوله: {من طيبات ما رزقناكم}، من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف لا من قبيل قيام الصفة مقام الموصوف فإن المعنى على الأول كلوا من رزقنا الذي كله طيب، وهو المناسب لمعنى التقرب والتحنن الذي يلوح من المقام، والمعنى على الثاني كلوا من طيب الرزق لا من خبيثه ، وهو بعيد المناسبة عن المقام الذي هو مقام رفع الحظر، والنهي عن الامتناع عن بعض ما رزقهم الله سبحانه تشريعا من عند أنفسهم وقولا بغير علم.
قوله تعالى: {واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} ، لم يقل واشكروا لنا بل اشكروا لله ليكون أدل على الأمر بالتوحيد ولذلك أيضا قيل: إن كنتم إياه تعبدون فدل على الحصر والقصر ولم يقل إن كنتم تعبدونه.
قوله تعالى: {إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله}، الإهلال لغير الله هو الذبح لغيره كالأصنام.
قوله تعالى: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد، أي غير ظالم ولا متجاوز حده} ، وهما حالان عاملهما الاضطرار فيكون المعنى فمن اضطر إلى أكل شيء مما ذكر من المنهيات اضطرارا في حال عدم بغيه وعدم عدوه فلا ذنب له في الأكل، وأما لو اضطر في حال البغي والعدو كأن يكونا هما الموجبين للاضطرار فلا يجوز له ذلك، وقوله تعالى: {إن الله غفور رحيم}، دليل على أن التجوز تخفيف ورخصة منه تعالى للمؤمنين وإلا فمناط النهي موجود في صورة الاضطرار أيضا.
____________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج1 ، ص353-354.
الطّيبات والخبائث
القرآن ينهج أُسلوب التأكيد والتكرار بأشكال مختلفة في معالجته للإِنحرافات المزمنة. وفي هذه الآيات عودة إلى مسألة تحريم المشركين في الجاهلية لبعض الأطعمة دونما دليل. مع فارق هو أن الخطاب يتجه في هذه الآيات إلى المؤمنين، بينما خاطبت الآيات السابقة جميع النّاس.
تقول الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا للهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}.
هذه النعم الطيبة المحللة المتناسبة مع الفطرة الإنسانية السليمة قد خلقت لكم، فلم لا تستفيدون منها؟!
هذه الأطعمة تمنحكم القوة على أداء مهامكم، وتذكركم بشكر خالقكم وعبادته.
لو قارنا هذه الآية بقوله تعالى: {ا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ } [البقرة: 168] لفهمنا نكتتين:
تقول الآية هنا: {مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}، بينما تقول تلك (مِمَّا فِي الْأَرْضِ). ولعل هذا الاختلاف يشير إلى أن النعم الطيبة مخلوقة أصلا للمؤمنين، وغير المؤمنين يتناولون هذه الأطعمة ببركة المؤمنين، كالماء الذي يستعمله البستاني لسقي أشجاره وأغراسه، بينما تستفيد من هذا الماء أيضاً الأعشاب والنباتات الطفيلية.
والاُخرى، أن الآية تقول لعامة النّاس: {كُلُوا ... وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَات الشَّيْطَانِ} وهذه الآية تخاطب المؤمنين وتقول: {كُلُوا ...وَاشْكُرُوا للهِ} أي لا تكتفي هذه الآية بالطلب من المؤمنين أن لا يسيئوا الإستفادة من هذه النعم، بل تحثهم على حسن الإستفادة منها.
فالمتوقع من النّاس العاديين أن لا يذنبوا في استهلاك هذه النعم، بينما المتوقع من المؤمنين أن يستثمروها في أفضل طريق.
وقد يثير تكرار التأكيد في القرآن الكريم على الإِستفادة من الأطعمة الطيبة تساؤلا عن سبب هذا التكرار. أمّا لوعدنا إلى تاريخ العصر الجاهلي لفهمنا السبب. فالجاهليون قد حرّموا على أنفسهم بعض الأطعمة دونما دليل، وتناقلت أجيالهم هذا التحريم وكأنّه وحي منزل، ونسبوه أحياناً بصراحة إلى الله، والقرآن استهدف إقتلاع جذور هذه الأفكار الخرافية من أذهانهم.
ثم إن التركيز على كلمة «طيب» يتضمن أيضاً دعوة إلى اجتناب ما خبث من الأطعمة، كالميتة والوحوش والحشرات، وكالمسكرات السائدة بين النّاس بشدّة آنذاك.
في تفسير الآية 32 من سورة الأعراف تحدثنا بالتفصيل عن استثمار المؤمنين الأطعمة الطيبة والزينة المعقولة (المجلد الخامس من هذا التّفسير).
الآية التالية تبين بعض ألوان الأطعمة المحرمة، وتقول: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ}.
تذكر الآية ثلاثة أنواع من اللحوم المحرمة إضافة إلى الدم، وهي من أكثر المحرمات انتشاراً في ذلك العصر، في بعضها خبث ظاهر لا يخفى على أحد كالميتة والدم ولحم الخنزير، وفي بعضها خبث معنوي كالتي ذبحت من أجل الأصنام.
الحصر في الآية بكلمة «إنما» هو «حصر إضافي» لا يستهدف منه بيان جميع المحرمات، بل نفي ما ابتدعوه بشأن بعض اللحوم المحللة. بعبارة اُخرى، هؤلاء الجاهليون حرّموا بعض الأطعمة الطيبة استناداً إلى ما توارثوه من خرافات وأوهام، لكنهم بدلا من ذلك كانوا يعمدون عند قلة الطعام إلى أكل الميتة أو الخنزير أو الدم.
القرآن يقول لهؤلاء: إن هذه هي الأطعمة المحرمة لا تلك (وهذا هو معنى الحصر الإِضافي).
ولمّا كانت بعض الضرورات تدفع الإنسان إلى تناول الأطعمة المحرمة حفظاً لحياته، فقد استثنت الآية هذه الحالة وقالت: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغ وَلاَ عَاد فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ}.
ومن أجل أن تقطع الآية الطريق أمام من يتذرع بالإضطرار، أكدت على كون المضطر «غير باغ» و «لا عاد». والباغي هو الطالب، والمراد هنا طالب اللذة والعادي هو المتجاوز للحد، أي المتجاوز حدّ الضرورة، فالرخصة هنا إذن لمن لا يريد اللذة في تناول هذه الأطعمة، ولا يتجاوز حد الضرورة اللازمة لنجاته من الموت.
ولأن معنى البغي الظلم أيضاً ذهب بعض المفسرين إلى أن الرخصة ممنوحة لأُولئك الذين يضطرون خلال سفر محلل، لا خلال سفر المعصية.
فالمسافرون لهدف غير مشروع قد يجب عليهم تناول الأطعمة المحرمة لحفظ النفس من التلف، إلاّ أن هذا العمل يكتب في صحيفة أعماله من الذنوب.
بعبارة اُخرى: هؤلاء العاصون قد يجب عليهم عقلا في أسفارهم المحرمة أن يتناولوا شيئاً من الأطعمة المحرمة لدى الإِضطرار، لكن هذا الوجوب لا يرفع عنهم المسؤوليته ، لأنهم أجبروا على ذلك وهم على مسير خاطيء.
وهناك روايات تذكر أن الآية تشير إلى السائرين على طريق الخروج على إمام المسلمين، فهؤلاء مستثنون من هذه الرخصة. وهذه الروايات تشير في الواقع إلى نفس الحقيقة المذكورة، وهكذا الأمر في أحكام صلاة المسافر، فالمسافر يقصر الصلاة في السفر إلاّ ما كان سفراً حراماً، ولذلك يستدلّ بعبارة {غير باغ ولا عاد} للحكمين معاً، حكم صلاة المسافر، وحكم ضرورة تناول اللحوم المحرمة(1) وفي الختام تقول الآية: {إنّ الله غفورٌ رحيمٌ} فإن الله الذي حرّم تلك الأطعمة أباح تناولها في موارد الضرورة برحمته الخاصة.
_______________________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1، ص399-401.
2ـ روي عن الإمام الصادق(عليه السلام): «أنَّ (الباغي) هُو الذّاهِبُ لِلصَّيْدِ عَلى سَبيلِ التَّنزَّهِ، وَ(الْعَادي) هُو السَّارِقُ، وَهَذانِ مُسْتَثْنَيَانِ مِنْ رُخْصَةِ أكْلِ الْمِيْتَةِ وَقَصْرِ الصَّلاَةِ»،(وسائل الشيعة، ج 5، ص 509)
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|