أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-3-2017
5442
التاريخ: 2-3-2017
10800
التاريخ: 1-3-2017
6765
التاريخ: 15-2-2017
14879
|
قال تعالى : {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُورَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَونَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 139 - 141].
أمر الله سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) في هذه الآية أن يقول لهؤلاء اليهود وغيرهم {أ تحاجوننا في الله} ومعناه في دين الله أي أ تخاصموننا وتجادلوننا فيه وهو سبحانه خالقنا والمنعم علينا وخالقكم والمنعم عليكم واختلف في محاجتهم كيف كان فقيل كانت محاجتهم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنهم يزعمون أنهم أولى بالحق لتقدم النبوة فيهم والكتاب وقيل بل كانت محاجتهم أنهم قالوا نحن أحق بالإيمان من العرب الذين عبدوا الأوثان وقيل كانت محاجتهم أنهم قالوا يا محمد إن الأنبياء كانوا منا ولم يكن من العرب نبي فلو كنت نبيا لكنت منا وقال الحسن كانت محاجتهم أن قالوا نحن أولى بالله منكم وقالوا نحن أبناء الله وأحباؤه وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى وكان غرضهم بذلك أن الدين يلتمس من جهتهم وأن النبوة أولى أن تكون فيهم .
فبين سبحانه أنه أعلم بتدبير خلقه بقوله {وهوربنا وربكم} أي خالقنا وخالقكم فهو أعلم حيث يجعل رسالته ومن الذي يقوم بأعبائها(2) ويتحملها على وجه يكون أصلح للخلق وأولى بتدبيرهم وقوله {ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم} أي لنا ديننا ولكم دينكم وقيل معناه ما علينا مضرة من أعمالكم وما لكم منفعة من أعمالنا فضرر أعمالكم عليكم ونفع أعمالنا لنا وقيل إنه إنكار لقولهم إن العرب تعبد الأوثان وبيان لأن لا حجة فيه إذ كل مأخوذ بما كسبت يداه ولا يؤخذ أحد بجرم غيره وقوله {ونحن له مخلصون} أي موحدون والمراد بذلك أن المخلص أولى بالحق من المشرك وقيل معناه الرد عليهم ما احتجوا به من عبادة العرب للأوثان فكأنه قال لا عيب علينا في ذلك إذا كنا موحدين كما لا عيب عليكم بفعل من عبد العجل من أسلافكم إذا اعتقدتم الإنكار عليهم في ذلك .
وقد ذكرنا الفرق في المعنى بين قوله {أم تقولون} على المخاطبة وقوله أم يقولون بالياء على أن يكون المعنى لليهود والنصارى وهم غيب وفي هذا احتجاج عليهم في قولهم {لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى} من وجوه ( أحدها ) ما أخبر به نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) مع ظهور المعجز الدال على صدقه ( والثاني ) ما في التوراة والإنجيل من أن هؤلاء الأنبياء كانوا على الحنيفية ( والثالث ) أن عندهم إنما يقع اسم اليهودية على من تمسك بشريعة التوراة واسم النصرانية على من تمسك بشريعة الإنجيل والكتابان أنزلا بعدهم كما قال سبحانه وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده ( والرابع ) أنهم ادعوا ذلك من غير برهان فوبخهم الله سبحانه بهذه الوجوه.
وقوله {قل أ أنتم أعلم أم الله} صورته صورة الاستفهام والمراد به التوبيخ ومثله قوله أ أنتم أشد خلقا أم السماء بناها ومعناه قل يا محمد لهم أ أنتم أعلم أم الله وقد أخبر سبحانه أنهم كانوا على الحنيفية وزعمتم أنهم كانوا هودا أو نصارى فيلزمكم أن تدعوا أنكم أعلم من الله وهذا غاية الخزي.
فإن قيل لم قال أ أنتم أعلم أم الله وقد كانوا يعلمونه فكتموه وإنما ظاهر هذا الخطاب لمن لا يعلم فالجواب أن من قال إنهم كانوا على ظن وتوهم فوجه الكلام على قوله واضح ومن قال أنهم كانوا يعلمون ذلك وإنما كانوا يجحدونه فمعناه أن منزلتكم منزلة المعترض على ما يعلم أن الله أخبر به فما ينفعه ذلك مع إقراره بأن الله أعلم منه وأنه لا يخفى عليه شيء لأن ما دل على أنه أعلم هو الدال على أنه لا يخفى عليه شيء وهو أنه عالم لذاته يعلم جميع المعلومات وقوله {ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله} فيه أقوال (أحدها) أن من في قوله من الله لابتداء الغاية وهو متصل بالشهادة لا بالكتمان ومعناه وما أحد أظلم ممن يكون عنده شهادة من الله فيكتمها والمراد بهذه الشهادة أن الله تعالى بين في كتابهم صحة نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) والبشارة به عن الحسن وقتادة وقيل المراد بها أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وأولاده كانوا حنفاء مسلمين فكتموا هذه الشهادة وادعوا أنهم كانوا على دينهم عن مجاهد فهذه شهادة من الله عندهم كتموها (والثاني) أن من متصل بالكتمان أي من أظلم ممن كتم ما في التوراة من الله أي من عبادة الله أو كتم شهادة أن يؤديها إلى الله (والثالث) أن المراد من أظلم في كتمان الشهادة من الله لو كتمها وذلك نحو قولهم من أظلم ممن يجور على الفقير الضعيف من السلطان الغني القوي.
والمعنى أنه يلزمكم أنه لا أحد أظلم من الله إذا كتم شهادة عنده ليوقع عباده في الضلال وهو الغني عن ذلك المتعالي أي لو كانوا هودا أو نصارى لأخبر بذلك وهذا المعنى قول البلخي وأبي مسلم وقوله {وما الله بغافل عما تعملون} أوعدهم سبحانه بما يجمع كل وعيد أي ليس الله بساه عن كتمان الشهادة التي لزمكم القيام بها لله وقيل هو على عمومه أي لا يخفى على الله شيء من المعلومات فكونوا على حذر من الجزاء على أعمالكم بما تستحقونه من العقاب .
وقد مضى تفسير الآية الثالثة وقيل في وجه تكراره إنه عنى بالأول إبراهيم ومن ذكر معه من الأنبياء (عليهم السلام) وبالثاني أسلاف اليهود وقيل إنه إذا اختلفت الأوقات والمواطن لم يكن التكرير معيبا ووجه اتصال الآية بما قبلها أنه يقول إذا سلم لكم ما ادعيتم من أن الأنبياء كانوا على دين اليهودية أو النصرانية فليس لكم فيه حجة لأنه لا يمتنع اختلاف الشرائع بالمصالح فلله سبحانه أن ينسخ من الشرائع ما شاء ويقر منها ما شاء على حسب ما تقتضيه الحكمة وقيل إن ذلك ورد مورد الوعظ لهم والزجر حتى لا يتكلموا على فضل الآباء والأجداد فإن ذلك لا ينفعهم إذا خالفوا أمر الله .
______________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج1 ، ص409-413.
2- الاعباء جمع العبء : الثقل والحمل.
{ قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ } . سبق في تفسير الآية 92 - 96 فقرة (المصلحة هي السبب ، لا الجنسية) ان اليهود عارضوا النبي حرصا على مصالحهم ، وعلى المال الذي كانوا يجمعونه من بذل العرض وإباحته ، ومن الربا والغش ، والخمر والميسر ، وما إليه مما حرمه الإسلام ، وقد برروا المعارضة بأسباب لا تمت إلى الواقع بشبه . من تلك الأسباب ما قاله المفسرون في تفسير هذه الآية من ان اليهود قالوا للنبي ( صلى الله عليه واله ) : انك لست نبيا ، لأن اللَّه لا يرسل الأنبياء الا من اليهود . وبالمناسبة يزعم اليهود ان اللَّه لهم وحدهم وانه إله قبيلة ، وليس إله العالم .
وأيضا أنكر زعماء النصارى ، وصناديد قريش نبوة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) خوفا على مكانتهم ومصالحهم ، وتذرعوا بالأباطيل كما تذرع اليهود ، حيث قال النصارى
- كما جاء في التفاسير - : لو أرسل اللَّه نبيا لكان منا لا من العرب ، أما صناديد قريش فقالوا : لو أرسله من العرب لاختاره من الطبقة الثرية القوية ، كما أشارت الآية 31 من الزخرف : {لَولا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (2) . والآية 8 من الفرقان : {أَو يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ ، أَو تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها} .
وكل شيء يقبل الخصام والحجاج ، حتى وجود اللَّه الا شيئا واحدا فإنه لا يقبل النقاش أبدا عند المعترفين بوجود اللَّه ، ألا وهو تخصيص رحمة اللَّه وانعامه على فرد دون فرد : {أم يقسمون رحمة ربك} . . ولذا أمر اللَّه نبيه محمدا ( صلى الله عليه واله وسلم ) أن يقول للذين استنكروا انعام اللَّه عليه بالنبوة أن يقول لهم : أتحاجوننا في اللَّه ، وأنتم تعلمون انه تعالى أعلم بمن يصلح للرسالة ، وبمن لا يصلح لها ، فلا تعترضوا على ربكم . . وان علينا وعليكم التسليم لحكمه ، لا المجادلة في إرادته واختياره ، وهذا معنى قوله تعالى : {هُورَبُّنا ورَبُّكُمْ} .
{ لَنا أَعْمالُنا ولَكُمْ أَعْمالُكُمْ }. هذا تماما كقوله سبحانه : {لَكُمْ دِينُكُمْ ولِيَ دِينِ} . أي ان خصامكم في اختيار اللَّه وإنعامه عليّ تعود آثاره عليكم وحدكم ، تماما كما يعود ضرر الكفر على الكافر ، ونفع الايمان على المؤمن . {ونَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ } من دونكم ، لأنكم تتحكمون على اللَّه ، وتريدونه أن ينزل على رغبتكم ، أما نحن فنفوّض الأمر كلَّه إليه ، ونستسلم لحكمه .
{أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ وإِسْحاقَ ويَعْقُوبَ والأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَو نَصارى } . هذا عطف على أتحاجوننا في اللَّه ، والمعنى بأي الأمرين تتشبثون ؟ .
أفي قولكم بأن اللَّه لا يرسل من العرب نبيا ، أم بدين إبراهيم وبنيه وحفدته ؟ .
فان تشبثتم بالأول فان اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته ، وان تشبثتم بالثاني فان إبراهيم كان حنيفا مسلما لا يهوديا ولا نصرانيا ، لأن اليهودية والنصرانية حدثتا بعده وبعد بنيه والأسباط . . فعلى كلا التقديرين قولكم باطل لا مبرر له . . ويرشدنا القرآن في هذه المحاورة إلى الأسلوب الذي ينبغي أن نتبعه مع الخصم ، وان نعتمد في حصاره وافحامه على منطق العقل الذي يقتنع به ويتسالم عليه جميع العقلاء .
{قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} . قدمنا ان كلا من اليهود والنصارى قالوا : نحن أولى بالنبوة . . فأمر اللَّه نبيه الكريم أن يرد عليهم بقوله : أأنتم أعلم حيث يجعل رسالته ، أم هو؟ . . ان الرسول للَّه ومن اللَّه ، ومع هذا تريدون أنتم أن تختاروه ؟
وهل أنتم أوصياء عليه ؟ تعالى اللَّه علوا كبيرا . . وهل أجهل وأسخف ممن يقول لك : أنا أعلم منك بما يعجبك ويرضيك ، وبما يغضبك ويؤذيك ؟ وهل أكثر حمقا من جاهل لا يعرف شيئا يقول لمن اخترع سفينة الفضاء - مثلا - أنا أعرف بها منك ؟ . . ولست أعرف قولا أبلغ في التجهيل والتقريع من قوله تعالى :
{أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} . . نستغفره ونعوذ به مما يقول ويفعل المبطلون .
( ومَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ ) . من اللَّه متعلق بشهادة ، أو بمحذوف صفة للشهادة ، تقديره شهادة كائنة من اللَّه . . ومعنى الكلام ان عندكم يا معشر اليهود والنصارى شهادة من اللَّه قرأتموها في التوراة والإنجيل ، وهي ان اللَّه سبحانه سيبعث نبيا عربيا من أبناء إسماعيل ( عليه السلام ) ، ومع ذلك كتمتم الشهادة ، وتجرأتم على اللَّه بتحريف كتابه تعصبا للباطل ، وعنادا للحق ، فاستوجبتم اللعنة والعذاب .
{ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ ولَكُمْ ما كَسَبْتُمْ} . هذه الآية تقدم ذكرها بالحرف الواحد برقم 134 . . وردت هناك لبيان ان اخلاص إبراهيم ( صلى الله عليه واله وسلم ) وعظمته لا تجدي اليهود والنصارى شيئا ، وجاءت هذه الآية هنا لبيان ان أعمال اليهود والنصارى تباين عقيدة إبراهيم وعمله . . إذن دعواهم بأنهم على ملة إبراهيم كذب وافتراء ، وتكلمنا عند تفسير الآية 48 عن التكرار في القرآن .
__________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص214-216.
2- المراد بالقريتين مكة والطائف ، والرجل الذي عنوه في مكة الوليد بن المغيرة ، وفي الطائف عروة بن مسعود.
قوله تعالى: {قل أ تحاجوننا في الله}، إنكار لمحاجة أهل الكتاب، المسلمين في الله سبحانه وقد بين وجه الإنكار، وكون محاجتهم لغوا وباطلا، بقوله وهوربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون، وبيانه: أن محاجة كل تابعين في متبوعهما ومخاصمتهما فيه إنما تكون لأحد أمور ثلاثة: إما لاختصاص كل من التابعين بمتبوع دون متبوع الآخر، فيريدان بالمحاجة كل تفضيل متبوعه وربه على الآخر، كالمحاجة بين وثني ومسلم، وإما لكون كل واحد منهما أو أحدهما ويريد مزيد الاختصاص به، وإبطال نسبة رفيقه، أو قربه أو ما يشبه ذلك، بعد كون المتبوع واحدا، وإما لكون أحدهما ذا خصائص وخصال لا ينبغي أن ينتسب إلى هذا المتبوع وفعاله ذاك الفعال، وخصاله تلك الخصال لكونه موجبا، لهتكه أو سقوطه أو غير، ذلك فهذه علل المحاجة والمخاصمة بين كل تابعين، والمسلمون وأهل الكتاب إنما يعبدون إلها واحدا، وأعمال كل من الطائفتين لا تزاحم الأخرى شيئا والمسلمون مخلصون في دينهم لله، فلا سبب يمكن أن يتشبث به أهل الكتاب في محاجتهم، ولذلك أنكر عليهم محاجتهم أولا ثم نفى واحدا واحدا من أسبابها الثلاثة، ثانيا.
قوله تعالى: {أم تقولون إن إبراهيم} إلى قوله {كانوا هودا أو نصارى}، وهو قول كل من الفريقين، أن إبراهيم ومن ذكر بعده منهم، ولازم ذلك كونهم هودا أو نصارى أو قولهم صريحا أنهم كانوا هودا أو نصارى، كما يفيده ظاهر قوله تعالى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [آل عمران: 65].
قوله تعالى: {قل أأنتم أعلم أم الله}، فإن الله أخبرنا وأخبركم في الكتاب أن موسى وعيسى وكتابيهما بعد إبراهيم ومن ذكر معه.
قوله تعالى: {ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله}، أي كتم ما تحمل شهادة أن الله أخبر بكون تشريع اليهودية أو النصرانية بعد إبراهيم ومن ذكر معه، فالشهادة المذكورة في الآية، شهادة تحمل، أو المعنى كتم شهادة الله على كون هؤلاء قبل التوراة والإنجيل، فالشهادة شهادة أداء، المتعين هو المعنى الأول.
قوله تعالى: {تلك أمة قد خلت}، أي أن الغور في الأشخاص وأنهم ممن كانوا لا ينفع حالكم، ولا يضركم السكوت عن المحاجة والمجادلة فيهم، والواجب عليكم الاشتغال بما تسألون غدا عنه، وتكرار الآية مرتين لكونهم يفرطون في هذه المحاجة التي لا تنفع لحالهم شيئا، وخصوصا مع علمهم بأن إبراهيم كان قبل اليهودية والنصرانية، وإلا فالبحث عن حال الأنبياء، والرسل بما ينفع البحث فيه كمزايا رسالاتهم وفضائل نفوسهم الشريفة مما ندب إليه القرآن حيث يقص قصصهم ويأمر بالتدبر فيها.
_____________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج1 ، ص261-262.
اليهود كانوا يدّعون أحياناً أنهم أبناء الله وأن الجنّة لهم لا لغيرهم.
القرآن يردّ على كلّ هذه الأقاويل ويقول: {أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللهِ وَهُورَبُّنَا وَرَبُّكُمْ}.
فالله سبحانه ليس ربّ شعب أو قبيلة معينة، إنه ربّ العالمين.
واعلموا أيضاً أن لا امتياز لأحد على غيره إلاّ بالأعمال، وكل شخص رهن أعماله {وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ}.
مع فارق، هو إن كثيراً منكم يشركون في توحيدهم: (وَنَحْنُ لَهْ مُخْلِصُونَ).
الآية التالية تجيب على واحد آخر من هذه الإِدعاءات الفارغة وتقول: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالاَْسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَو نَصَارى}؟!
ثم تجيب الآية عن هذا الإِدعاء بشكل رائع فتقول: {قُلْ ءَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ}؟!
فالله أعلم أنهم ما كانوا يهوداً ولا نصارى.
وقد تعلمون أنتم أيضاً أن هؤلاء الأنبياء أدّوا رسالتهم قبل موسى وعيسى. وإن كنتم لا تعلمون فاطلاق مثل هذه الأقوال بدون علم وتثبيت تهمة وذنب، وكتمان للحقيقة {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ}.
اعلموا أنه {وَمَا اللهُ بِغَافِل عَمَّا تَعْلَمُونَ}.
حين ينتهج الإِنسان خط العناد واللجاج فإن إعراضه عن الحقيقة لا حدّ له، ينكر أبسط المسلّمات، ويرفض أوضح الواضحات. والآية تذكر نموذجاً لذلك في هذه المجموعة التي بلغ بها العناد واللجاج أن تعتبر أنبياء الله ـ الذين سبقوا موسى وعيسى من أمثال إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ـ من اليهود أو النصارى. وبذلك يكتمون حقيقة واضحة لها إرتباط بإيمان النّاس ومعتقداتهم، ولذلك يصف القرآن هؤلاء الذين يكتمون الحقائق بأنهم أظلم النّاس، لأنه لا ظلم أكبر من كتمان الحقائق عن النّاس عمداً، وجرّ الآخرين إلى طريق الضلال.
في آخر آية من الآيات التي نحن بصددها يقول سبحانه لهؤلاء القوم العنودين الجدليين: افترضوا أن ادعاءاتكم صحيحة، فهذا لا يعود عليكم بالنفع لأنه {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْئَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
الاُمّة الحية ينبغي أن تعتمد على أعمالها لا على ذكريات تاريخها، والإِنسان يجب أن يستند إلى فضائله، لا أن يجترّ مفاخر الآباء والأجداد.
______________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1 ، ص331-332.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|