المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4876 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
مرحلـة خلـق الرغبـة علـى الشـراء فـي سلـوك المـستهـلك 2
2024-11-22
مراحل سلوك المستهلك كمحدد لقرار الشراء (مرحلة خلق الرغبة على الشراء1)
2024-11-22
عمليات خدمة الثوم بعد الزراعة
2024-11-22
زراعة الثوم
2024-11-22
تكاثر وطرق زراعة الثوم
2024-11-22
تخزين الثوم
2024-11-22

امرأة ولدت إنسانا له رأسان وقصة الدنانير المودعة
13-4-2016
كواكب جديدة
24-1-2020
Multiplicatively Closed
17-11-2019
الحث على الزواج
2024-01-30
المنظمات الحكومية الاقليمية – المنظمات الأفريقية - مبادئ منظمة الوحدة الأفريقية
24-1-2022
معنى كلمة مدن‌
28-12-2015


مذهب الفلاسفة في كيفية علمه تعالى  
  
1018   04:34 مساءاً   التاريخ: 5-08-2015
المؤلف : محمد جعفر الاسترآبادي المعروف بــ(شريعتمدار)
الكتاب أو المصدر : البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة
الجزء والصفحة : ص166-175/ج2
القسم : العقائد الاسلامية / التوحيد / صفات الله تعالى / الصفات الثبوتية / العلم و الحكمة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-08-2015 1019
التاريخ: 5-08-2015 1207
التاريخ: 24-10-2014 847
التاريخ: 24-10-2014 6854

قال[ابو علي ابن سينا] في شرح الإشارات : العاقل كما لا يحتاج في إدراك ذاته إلى صورة غير صورة ذاته التي بها هو هو ، فلا يحتاج أيضا في إدراك ما يصدر عن ذاته لذاته إلى صورة غير صورة ذلك الصادر ، التي بها هو هو ، واعتبر من نفسك أنّك تعقل شيئا بصورة تتصوّرها ، أو تستحضرها فهي صادرة عنك لا بانفرادك مطلقا ، بل بمشاركة ما من غيرك ، ومع ذلك فأنت لا تعقل تلك الصورة بغيرها ، بل كما تعقل ذلك الشيء بها كذلك تعقلها أيضا بنفسها من غير أن تتضاعف الصور فيك ، بل ربما تتضاعف اعتباراتك المتعلّقة بذاتك أو بتلك الصورة على سبيل التركّب ، وإذا كان حالك مع ما يصدر عنك بمشاركة غيرك هذه الحال ، فما ظنّك بحال العاقل مع ما يصدر عنه لذاته من غير مداخلة غيره فيه؟

ولا تظنّنّ أنّ كونك محلاّ لتلك الصورة شرط في تعقّلك إيّاها ؛ فإنّك تعقل ذاتك مع أنّك لست بمحلّ لها ، بل إنّما كان كونك محلاّ لتلك الصورة شرطا في حصول تلك الصورة لك ، الذي هو شرط في تعقّلك إيّاها ، فإن حصلت تلك الصورة لك بوجه آخر غير الحلول فيك ، حصل التعقّل من غير حلول فيك ، ومعلوم أنّ حصول الشيء لفاعله في كونه حصولا لغيره ليس دون حصول الشيء لقابله ، فإذن المعلولات الذاتيّة للعاقل الفاعل لذاته حاصلة له من غير أن تحلّ فيه ، فهو عاقل إيّاها من غير أن تكون هي حالّة فيه (1).

ثمّ قال : وقد علمت أنّ الأوّل عاقل لذاته من غير تغاير بين ذاته وبين عقله لذاته في الوجود إلاّ في اعتبار المعتبرين ... وحكمت أنّ عقله لذاته علّة لعقله لمعلوله الأوّل ، فإذن حكمت بكون العلّتين ـ أعني ذاته وعقله لذاته ـ شيئا واحدا في الوجود من غير تغاير يقتضي كون أحدهما مباينا للأوّل والثاني متقرّرا فيه ، فكما حكمت بكون التغاير في العلّتين اعتباريا محضا ، فاحكم بكونه في المعلولين كذلك ، فإذن وجود المعلول الأوّل هو نفس تعقّل الأوّل إيّاه من غير احتياج إلى صورة مستأنفة تحلّ ذات الأوّل ، تعالى عن ذلك.

ثمّ لمّا كانت الجواهر العقليّة تعقل ما ليس بمعلولات لها بحصول صور فيها وهي تعقل الأوّل الواجب ، ولا موجود إلاّ وهو معلول للأوّل الواجب ، كانت جميع صور الموجودات الكلّيّة والجزئيّة على ما عليه الوجود حاصلة فيها ، والأوّل الواجب يعقل تلك الجواهر مع تلك الصور لا بصور غيرها ، بل بأعيان تلك الجواهر والصور وكذلك الوجود على ما هو عليه ، فإذن لا يعزب عنه مثقال ذرّة من غير لزوم محال من المحالات المذكورة (2). انتهى كلام شرح الإشارات.

وفيه وجوه من البحث ؛ فإنّ قياس الوجود الصادر عن العاقل لذاته في عدم الحاجة إلى صورة زائدة ، على العاقل لذاته في ذلك قياس مع الفارق ؛ فإنّ العاقل إنّما لا يحتاج في إدراك ذاته إلى صورة زائدة ؛ لمكان الاتّحاد. وأمّا الصادر المباين ، فليس بهذه المثابة ، وكذا قياس الصادر عن العاقل بالاستقلال على الصورة الحاصلة في النفس بالمشاركة ؛ فإنّ الصورة الحاصلة إنّما لا تحتاج إلى صورة أخرى ؛ لأنّ الحصول هناك متحقّق بالقيام ، وهو كاف في العلم ، بخلاف الصادر المباين.

والحاصل : أنّ الحصول الذي يكفي في تحقّق العلم ـ على ما هو المسلّم ـ إنّما هو الحصول المتحقّق في ضمن الاتّحاد أو القيام ، وأمّا كفاية مطلق الحصول على أيّ نحو كان في ذلك ، فممنوعة ، وعلى من يدّعيه الإثبات. وسيأتي ما يتّضح به حقيقة ذلك.

وممّا ذكرنا يظهر ما في قوله : ولا تظنّنّ ... إلى آخره ، أيضا إلى غير ذلك.

وأمّا مذهب انكسمانس ، فهو من فلاسفة الإسلام مختار معلّمهم أبي نصر و رئيسهم ابن سينا وهو مختار أرسطو ، بل أفلاطن أيضا كما صرّح به الفارابيّ في كتاب الجمع بين الرأيين (3)، وأوّل كلامه في المثل إلى ذلك.

أمّا الشيخ الرئيس ، فقال في إلهيّات الشفاء في فصل نسبة المعقولات إليه تعالى لبيان كون علمه تعالى بالأشياء بصورها العقليّة لا بأعيانها الخارجيّة بهذه العبارة : ولا يظنّ أنّ الإضافة العقليّة إليها إضافة إليها كيف وجدت ، وإلاّ لكان كلّ مبدأ صورة في مادّة ـ من شأن تلك الصورة أن تعقل بتدبير ما من تجريد وغيره ـ يكون هو عقلا بالفعل ، بل هذه الإضافة له إليها ـ وهي بحال ـ معقولة ، ولو كانت من حيث وجودها في الأعيان ، لكان إنّما يعقل ما يوجد في كلّ وقت ، ولا يعقل المعدوم منها في الأعيان إلى أن يوجد ، فيكون لا يعقل من نفسه أنّه مبدأ ذلك الشيء على ترتيب إلاّ عند ما يصير مبدأ ، فلا يعقل ذاته ؛ لأنّ ذاته من شأنها أن يفيض عنها كلّ وجود ، وإدراكها من حيث شأنها أنّها كذا يوجب إدراك الآخر وإن لم يوجد ، فيكون العالم الربوبيّ محيطا بالوجود الحاصل ، والممكن يكون لذاته إضافة إليها من حيث هي معقولة لا من حيث هي لها وجود في الأعيان (4).

ثمّ أشار إلى كون علمه تعالى بالأشياء بالصور الحاصلة في ذاته ؛ حيث قال ما ملخّصه : فبقي لك النظر في حال وجودها معقولة أنّها تكون موجودة في ذات الأوّل على أنّها أجزاء ذاته، أوعلى أنّها كاللوازم التي تلحقه ، أو يكون لها وجود مفارق لذاته وذات غيره ، أو من حيث هي موجودة في عقل أو نفس ، إذا عقل الأوّل هذه الصور ، ارتسمت في أيّها كان ، فيكون ذلك العقل ، أو النفس كالموضوعة لتلك الصور المعقولة ، وتكون معقولة له على أنّها فيه ، ومعقولة للأوّل على أنّها عنه ، ويعقل الأوّل من ذاته أنّه مبدأ لها.

فإن جعلت هذه المعقولات أجزاء ذاته ، عرض الكثرة في ذاته تعالى ، وإن جعلتها لواحق ذاته، عرض لذاته أن لا يكون من جهتها واجب الوجود ؛ لملاصقته ممكن الوجود.

وإن جعلتها أمورا مفارقة لكلّ ذات ، عرضت الصور الأفلاطونيّة ، وإن جعلتها موجودة في عقل ما أو نفس ما ، عرض أنّه لما كانت تلك الأشياء المرتسمة في ذلك الشيء من معلولات الأوّل ، فيدخل في جملة ما الأوّل يعقل ذاته مبدأ له ، فيكون صدورها عنه لا على أنّه إذا عقله خيرا وجد ؛ لأنّها نفس عقله للخير ، أو يتسلسل الأمر ؛ لأنّه يحتاج أن يعقل أنّها عقلت وكذلك إلى ما لا نهاية له ، وذلك محال ، فهي نفس عقله للخير ، فإذا قلنا لما عقلها : وجدت ولم يكن معها عقل آخر ولم يكن وجودها إلاّ أنّها تعقّلات ، فإنّا نكون كأنّا قلنا : لأنّه عقلها عقلها ، أو لأنّه وجدت عنه وجدت عنه ، فينبغي أن تجتهد جهدك في التخلّص عن هذه الشبهة ، وتتحفّظ أن لا يتكثّر ذاته ، ولا تبالي بأن تكون ذاته مأخوذة مع إضافة ما ممكنة الوجود ؛ فإنّها من حيث هي علّة لوجود زيد ليست بواجبة الوجود ، بل من حيث ذاتها ، وتعلم أنّ العالم الربوبيّ عظيم جدّا (5). انتهى.

فقوله : « ولا تبالي » صريح في اختيار هذا الشقّ. وأمّا بيان عدم المبالاة بلزوم كون ذاته تعالى من هذه الجهة ممكنة الوجود ، فسيأتي ، فتأمّل ليظهر لك أنّ ما قيل نظرا إلى هذا الكلام ـ من أنّ الشيخ في الشفاء متحيّر شاكّ في أمر هذه الصورة (6) ـ توهّم محض.

وقال أيضا : اعلم أنّ المعنى المعقول قد يؤخذ من الشيء الموجود ، كما عرض أن أخذنا عن الفلك بالرصد والحسّ صورته المعقولة ، وقد يكون الصورة المعقولة غير مأخوذة من الموجود، بل بالعكس ، كما أنّا نعقل صورة بنائيّة نخترعها ، ثمّ يكون تلك الصورة المعقولة محرّكة لأعضائنا إلى أن نوجدها ، فلا تكون وجدت ، فعقلناها ، ولكن عقلناها فوجدت ، ونسبة الكلّ إلى العقل الأوّل الواجب الوجود هو هذا ؛ فإنّه يعقل ذاته وما يوجبه ذاته ، ويعلم من ذاته كيفيّة كون الخير في الكلّ ، فيتبع صورته المعقولة صورة الموجودات على النظام المعقول عنده ، لا على أنّها تابعة اتّباع الضوء للمضيء والإسخان للحارّ ، بل هو عالم بكيفيّة نظام الخير في الوجود ، وأنّه منه ، وعالم بأنّ هذه العالميّة يفيض عنها الوجود على الترتيب الذي يعقله خيرا ونظاما (7).

ثمّ قال : ولا يظنّ أنّه لو كانت للمعقولات عنده صور وكثرة ، كانت كثرة الصور التي يعقلها أجزاء لذاته ، وكيف؟ وهي تكون بعد ذاته ؛ لأنّ عقله لذاته ذاته ، ومنه يعقل كلّ ما بعده ؛ فعقله لذاته علّة عقله ما بعد ذاته ؛ فعقله ما بعد ذاته معلول عقله لذاته ، على أنّ المعقولات والصور ـ التي له بعد ذاته ـ إنّما هي معقولة على نحو المعقولات العقليّة لا النفسانيّة ، وأنّ له إليها إضافة المبدأ الذي يكون عنه لا فيه ، بل إضافات على الترتيب بعضها قبل بعض ، وإن كانت معا لا تتقدّم ولا تتأخّر في الزمان ، فلا يكون هناك انتقال في المعقولات (8).

وقال في التعليقات :

تعليق : الأوّل تعالى يعرف كلّ شيء من ذاته ، لا على أن يكون الموجودات علّة علمه ، بل علمه علّة لها مثل أن يكون البنّاء يبدع في الذهن صورة بيت ، فيبنيه على ما هو في الذهن ، فلو لا تلك الصورة المتصوّرة من البيت في الذهن ، لم يكن ثمّ للبيت وجود ، فلم يكن صورة البيت علّة لعلم البنّاء ، بل الأمر بالعكس ، وما كان بخلاف ذلك فإنّه كالسماء التي هي علّة لعلمنا بها ؛ فإنّ وجودها علّة لعلمنا ، وقياس الموجودات مع (9) علمه كقياس الموجودات التي نستنبطها بأفكارنا ، ثمّ نوجدها ؛ فإنّ الصور الموجودة من خارج علّتها الصور المبدعة في أذهاننا ، ولكنّ البارئ تعالى لم يكن يحتاج إلى استعمال آلة وإصلاح مادّة ، بل كما يتصوّر يجب وجود الشيء بحسب التصوّر.

وأمّا نحن ، فنحتاج ـ مع التصوّر ـ إلى استعمال آلات ، ونحتاج إلى شوق إلى تحصيل ذلك المتصوّر وطلب لتحصيلها ، فالأوّل غنيّ عن كلّ هذا.

تعليق. شبّه طاعة الموادّ والموجودات لتصوّره سبحانه بأن نتصوّر شيئا ، فإذا حصل منّا الإجماع لطلبه ، انبعثت القوّة التي في العضلات إلى تحريك الآلات من دون استعمال آلة أخرى في تحريك تلك الآلات. وهذا معنى قوله جلّ وعلا : {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 117]. (10)

تعليق. العلم هو حصول صور المعلومات في النفس ، وليس يعنى به أنّ تلك الذوات تحصل في النفس ، بل آثار منها ورسوم ، وصور الموجودات مرتسمة في [ ذات ] (11) البارئ تعالى ؛ إذ هي معلولات ، وعلمه بها سبب وجودها (12).

وقال في رسالة منسوبة إليه : اعلم أنّ المعلوم ليس هو الصورة الموجودة من خارج وجودا عينيّا ؛ لأنّه لو كان كذلك ، لكان كلّ موجود وجودا عينيّا معلوما لنا ، ولكنّا لا نعلم المعدوم : لكنّا نحكم عليه حكما تصديقيّا ، كما نحكم على الخلاء بأنّه غير موجود ، فلو لم يكن متصوّرا لنا ، لم نحكم عليه بشيء.

وأيضا لو كان المعدوم غير متصوّر ، لم يتحقّق الكذب في الأقوال ؛ لأنّ قولنا : هذا الكلام كذب ، معناه أنّه ليس له في الوجود الخارجيّ مطابق ، فلو كان كلّ متصوّر في الذهن معبّر عنه بعبارة أمرا موجودا في الأعيان ، لما كان لقولنا : هذا الكلام كذب ، معنى ، بل كانت الأقوال كلّها صادقة ؛ إذ لها مطابق في الوجود الخارجيّ.

فقد تبيّن بيانا واضحا أنّ المعلوم ليس هو الموجود في الأعيان ، بل ذلك معلوم بالضرورة. والقول في المحسوس أيضا هكذا. ولا أيضا أثر يحصل من حصول المعلوم في الأذهان ، بل هو نفس حصوله في الأذهان.

والدليل عليه أنّه لو كان أثرا يحصل منه لم يخل الأمر إمّا أن يكون لهذا الأثر حصول بنفسه ، أولا ، فإن كان الثاني لم يحصل العلم البتّة ، بل كان الذهن كما كان قبل حصول صورة المعلوم. وإن كان الأوّل فأيّ فرق بين الحصول الأوّل والثاني؟ فإن لم يكن العلم هو حصول الصورة الأولى ، بل أثر يحصل منه ولهذا الأثر أيضا حصول ، فيجب أن لا يكون العلم هو نفس حصول الصورة الأولى ، بل هو أثر يحصل من حصول الصورة الثانية ويتسلسل ، فيبقى أنّ العلم هو حصول الصورة المعلومة وهو مثال مطابق للأمر الموجود دون الذهن. وهذا أمر مطّرد في العلم القديم والعلوم الحادثة.

ثم قال : اعلم أنّ العلم ينقسم قسمين :

أحدهما : ما هو حادث من وجود الشيء ، مثل علمنا بالفلك.

وثانيهما : علم حادث منه وجود الشيء ، مثل علم الباني بالبناء قبل وجود البناء ، وعلم البارئ من قبيل القسم الثاني ؛ لأنّه متقدّم على وجود المعلومات ، وقد قلنا : إنّ العلم فهو نفس مثل المعلومات وصورها لا أثر يحصل منها ، وإذا كان كذلك فصور المعلومات حاصلة عنده قبل أن أبدعها وأوجدها ؛ إذ لمّا ثبت تقدّمها على المعلومات ، ولم تكن هي نفس الموجودات الخارجيّة ، ولم يجز أن تكون في موضوع مفارق لذات البارئ عزّ اسمه ؛ لأنّه يحتاج إلى سبب لكونها في ذات الشيء ، فإن كان السبب ذات البارئ تعالى ، كان ذلك المسبّب ـ الذي هو صورة تلك الموجودات ـ قبل كونه في ذلك الموضوع موجودا ؛ إذ قلنا : إنّ مثل ذلك العلم متقدّم على ذوات الموجودات الخارجيّة ، فإن كان ذلك العلم المتقدّم عليه في موضوع مفارق أيضا لذات البارئ ، كان الكلام باقيا ، وهكذا إلى غير النهاية ، فيتسلسل الأمر.

ويلزم التسلسل من وجه آخر أيضا ، وهو أنّ العلم المتقدّم على كون هذه الصورة في موضوع هو وجود تلك الصور ، فيلزم أن يكون علم فعلم ، أو وجد فوجد ، وهذا محال ؛ لأنّه يؤدّي إلى أن لا يكون الشيء معلوما البتّة ، وإمّا أن يكون صور تلك الأشياء أجزاء ذاته تعالى ، وهذا يؤدّي إلى تكثّر في ذات الأحد الحقّ ، تعالى عن ذلك.

فلم يبق قسم إلاّ أن تكون لوازم الذات ؛ إذ لمّا ثبت وجود تلك الصور وتقدّمها ، وثبت أنّها غير الموجودات الخارجيّة وغير موجودة في موضوع آخر ، وبطل أن تكون موجودة مفارقة للموجودات الخارجيّة وللموضوع الآخر ولذات البارئ تعالى ، فتكون في صقع من الربوبيّة على ما عني من المثل الأفلاطونيّة المزيّفة في موضعها ، وثبت أنّها ليست عين الذات الأحد الحقّ ، بل هي غيره ، فبقي أنّها لوازم الذات ؛ إذ بطلت سائر الأقسام ، فلا بدّ من تعيين هذا الباقي.

وأنت إن لم تدرك حقيقة هذا فلا بأس ؛ لأنّ خطر العلم أضيق من أن يكون له إلى مثل ذلك الجناب تعالى مطمح نظر لا سيّما في دار الغربة ، فلا يلتمس من نفسك شيئا عجز عنه الملائكة المقرّبون والأنبياء المرسلون. انتهى ملخّصا.

وقال في الإشارات ما محصوله : إنّ إدراك الشيء مطلقا ـ سواء كان بآلة أو بغير آلة ـ هو أن تكون حقيقته متمثّلة عند المدرك ، حاضرة عند ما به الإدراك سواء كان ذاته أو آلته ، فإن كان تلك الحقيقة نفس حقيقة الشيء الخارج عن المدرك وآلته ، كان حقيقة ما لا وجود له بالفعل في الأعيان ـ مثل كثير من الأشكال الهندسيّة ، بل كثير ممّا لا يمكن وجوده من الأمور الفرضيّة ـ غير متحقّقة أصلا ، فيمتنع تعلّق الإدراك ، هذا خلف ، فبقي أن يكون مثال حقيقة مرتسمة في ذات المدرك أو آلته غير مباين لهما (13).

وقال أيضا ـ بعد إبطال اتّحاد العاقل مع المعقول ... في مسألة العلم ـ :

فيظهر لك من هذا أنّ كلّ ما يعقل فإنّه ذات موجودة تتقرّر فيها الجلايا تقرّر شيء في شيء آخر (14).

ثمّ قال : ولعلّك تقول : إن كانت المعقولات لا تتّحد بالعاقل ولا بعضها مع بعض ، ثمّ قد سلّمت أنّ واجب الوجود يعقل كلّ شيء ، فليس واحدا حقّا ، بل هناك كثرة ، فنقول : إنّه لمّا كان يعقل ذاته بذاته ، ثمّ يلزم قيّوميّته عقلا بذاته لذاته أن يعقل الكثرة ، جاءت الكثرة لازمة متأخّرة لا داخلة في الذات مقوّمة ، وجاءت أيضا على ترتيب ، وكثرة اللوازم من الذات ـ مباينة أو غير مباينة ـ لا تثلم الوحدة ، والأوّل تعالى تعرض له كثرة لوازم إضافيّة وغير إضافيّة وكثرة سلوب ، وبسبب ذلك كثرت الأسماء ولكن لا تأثير لذلك في وحدانيّة ذاته تعالى (15). انتهى.

والمراد من الترتيب ما بيّنه في التعليقات حيث قال : الأوّل تعالى هو سبب في لزوم المعلومات له ووجوبها عنه لكن على ترتيب وهو ترتيب السبب والمسبّب ؛ فإنّه مسبّب الأسباب وهو سبب معلوماته ، فيكون بعض الشيء مقدّما علميّته له على بعض ، فيكون بوجه ما علّة لأن عرف الأوّل معلولها ، وبالحقيقة فإنّه علّة كلّ معلوم وسبب لأن علم كلّ شيء.

مثال ذلك أنّه علّة لأن عرف العقل الأوّل ، ثمّ إنّ العقل الأوّل هو علّة لأن عرف لازم العقل الأوّل ، فهو وإن كان سببا لأن عرف العقل الأوّل ولوازمه ، فبوجه ما صار العقل الأوّل علّة لأن عرف [ الأوّل ] (16) لوازم العقل الأوّل (17). انتهى.

ثمّ إنّ المصنّف في شرح الإشارات ردّ على الشيخ ، فقال : لا شكّ في أنّ القول بتقرّر لوازم الأوّل في ذاته قول بكون الشيء فاعلا وقابلا معا ، وقول بكون الأوّل موصوفا بصفات غير إضافيّة ولا سلبيّة ، وقول بكونه محلاّ لمعلولاته الممكنة المتكثّرة ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، وقول بأنّ معلوله الأوّل غير مباين لذاته ، وبأنّه تعالى لا يوجد شيئا ممّا يباينه بذاته ، بل بتوسّط الأمور الحالّة فيه ، إلى غير ذلك ممّا يخالف الظاهر من مذهب الحكماء. والقدماء القائلون بنفي العلم عنه تعالى ، وأفلاطون القائل بقيام الصور المعقولة بذاتها ، والمشّاءون القائلون باتّحاد العاقل والمعقول إنّما ارتكبوا تلك المحالات حذرا من التزام هذه المعاني (18). انتهى.

__________________

(1) « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 304 ـ 305.

(2) « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 306.

(3) « كتاب الجمع بين رأيي الحكيمين » : 105 ـ 109.

(4) « الشفاء » الإلهيّات : 364 ، الفصل السابع من المقالة الثامنة.

(5) « الشفاء » الإلهيّات : 364 ـ 366 ، الفصل السابع من المقالة الثامنة.

(6) انظر « الأسفار الأربعة » 6 : 198.

(7) « الشفاء » الإلهيّات : 363 ، الفصل السابع من المقالة الثامنة.

(8) نفس المصدر : 364.

(9) في « شوارق الإلهام » : « قياس الموجودات إلى علّتها ».

(10) « التعليقات » : 192.

(11) الزيادة أثبتناها من المصدر.

(12) « التعليقات » : 82.

(13) « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 293 ـ 297.

(14) نفس المصدر.

(15) « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 302 ـ 303.

(16) الزيادة أضفناها من المصدر.

(17) « التعليقات » : 153.

(18) « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 304.




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.