أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-11-2016
648
التاريخ: 15-11-2016
643
التاريخ: 15-11-2016
688
التاريخ: 15-11-2016
788
|
قالوا : لو عَلِم سبحانه ما يجري في الكون من الجزئيات لزم تغيُّرُ علمه بتغيّر المعلوم وإلاَّ لانتفت المطابقة. وحيث إنَّ الجزئيات الزمانية متغيرة ، فلو كانت معلومة لله تعالى لزم تغيّر علمه ، وهو محال.
وأوضحها العلاَّمة ابن ميثم البحراني بقوله : « ومنهم من أنكر كونَه عالماً بالجزئيات على الوجه الجزئي المتغيّر ، وإنما يعلمها من حيث هي ماهيات معقولة. و حجتهم أنه لو علم كون زيد جالساً في هذه الدار ، فبعد خروجه منها ، إنْ بقي علمُه الأول ، كان جهلا ، وإن زال لزم التغير » (1).
تحليل الشبهة :
إنَّ الشبهة واهية جداً ، و الجواب عنها :
أولا: بالنقض بالقدرة ، وذلك أنَّه لو استلزم تعلق العِلْم بالجزئيات تغيّره عند تغيّر المعلوم ، فإنه يلزم أيضاً تغيّر قدرتِه بتعلُّقِها بالجزئيات ، والقدرة من صفات الذات ، فما هو الجواب في جانب القدرة والجواب في جانب العلم؟
وثانياً : بالحلّ. إِنَّ عِلْمَنا بالحوادث الموجودة في أزمنة مختلفة علم زماني و أمَّا علمه تعالى فليس بزماني أصلا. فلا يكون ثمة حالٌ وماض و مُسْتَقْبَلٌ. فإن هذه صفات عارضة للزمان بالقياس إلى الموجود الزماني الذي يعيش فيه ، و يسمى ما يزاوله من الزمان حالا ، وما مضى بالنسبة إليه ماضياً ، وما سيوافيه ، مستَقْبَلا. وأما الموجود الخارج عن إطار الزمان والمحيط به وبكل مكان فلا يتصور في حقه ماض وحاضر ومستقبل. فالله سبحانه عالم بجميع الحوادث الجزئية دفعة واحدة لا من حيث أنَّ بعضَها واقع في الحاضر و بعضَها في الماضي و بعضَها في المستقبل. بل يعلمها علماً شاملا متعالياً عن الدخول تحت الأزمنة.
وبعبارة أخرى : إنَّه تعالى لمَّا لم يكن مكانياً أيضاً (كما أنَّه لم يكن زمانياً) كانت نسبته إلى جميع الأمكنة على السواء فليس بالقياس إليه قريب و بعيد و متوسط. و على ذلك تكون نسبته إلى جميع الأشياء في جميع الأزمنة على السواء. فالموجودات من الأزل إلى الأبد معلومة له وليس في علمه « كان » و « كائن » و « سيكون » ، بل هي حاضرة عنده بكل خصوصياتها لكن لا من حيث دخول الزمان فيها بحسب أوصافها الثلاثة ، إذ لا تحقق لها بالنسبة إليه تعالى. و مثل هذا العلم لا يكون متغيراً بل مستمراً كالعلم بالكليات.
ولتقريب الذهن نأتي بمثال : إذا كان الشارع حافلا بالسيّارات العابرة واحدة تلو الأخرى و كان هناك إنسان ينظر إليه من نافذة ضَيّقة. فإنه يرى في كل لحظة سيارة واحدة. فالسيارات حينئذ بالنسبة إليه على أقسام ثلاثة سيارة مرّت ، و سيارة تمرّ ، وسيارة لم تمرّ بعد. وهذا التقسيم صحيح بالنسبة إليه في هذا الموضع.
ولكن لو كان هذا الإِنسان ينظر إلى هذا الشارع من أُفُق عال ، فإِنه يرى مجموع السيارات دفعة واحدة و لا يصح هذا التقسيم بالنسبة إليه عندئِذ.
وعلى ذلك الأصل فالموجود المنزَّه عن قيود الزمان و حدود المكان يقف على جميع الأشياء مرة واحدة ، و تنصبغ الموجودات المتغيرة بصبغة الثَّبات بالنسبة إليه.
فالعِلْمُ في المثال الذي ذُكِر في بيان الشبهة من كون زيد جالساً في الدار ساعة ثم خروجه منها في ساعة أخرى ، يتعلق بالجلوس و الخروج مرة واحدة و لا معنى للتقدم و التأخر.
حل الشّبهة بوجه آخر :
إنَّ الشبهة قائمة على فرض كون علمه سبحانه بالأشياء علماً حصولياً عن طريق الصور المرتسمة القائمة بذاته سبحانه وعند ذلك يكون التغير في المعلوم ملازماً لتغير الصُّوَر القائمة به ويلزم على ذلك كون ذاته محلا للتغير و التبدّل.
وأما لو قلنا بأنَّ علمه سبحانه بالجزئيات علمٌ حضوريٌ بمعنى أنَّ الأشياء بهُويّاتها الخارجية و حقائقها العينية ، فعلُه سبحانه وفي الوقت نفسه عِلمه ، فلا مانع من القول بطروء التغير على عِلْمِه سبحانه إِثْرَ طروء التغير على الموجودات العينية. فإنَّ التغير الممتنع على عِلْمه إنما هو العلم الموصوف بالعلم الذاتي و أما العلم الفعلي ، أي العلم في مقام الفعل ، فلا مانع من تغيره كتغيّر فعله. فإنَّ العلم في مقام الفعل لا يعدو عن كون نفسِ الفعل علمَه لا غير. وإلى ذلك يشير المحقق الطوسي بقوله : « وتغير الإِضافات ممكن » (2).
أي إنَّ التغير إنَّما هو في الإِضافات لا في الذات. والمقصود من الإِضافات هو فعله الذي هو علمُه ، ولا مانع من حدوث التغير في الإِضافات و المتعلَّقات من دون حدوث تغيّر في الذات.
____________
1 ـ قواعد المرام ، ص 98.
2 ـ تجريد الاعتقاد ، ص 176.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|