المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8120 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

سموم مناعية Immunotoxins
15-9-2018
المثنى بن حارث ومعركة الجسر
9-8-2020
المدرسة الوضعية
16-8-2020
تقسيم المحاصيل الحقلية نباتيا
11-7-2022
دولة الغساسنة
الترحيل الكهربائي
5-11-2020


المعاني الحرفية  
  
2315   08:36 صباحاً   التاريخ: 30-8-2016
المؤلف : الشيخ ضياء الدين العراقي
الكتاب أو المصدر : مقالات الاصول
الجزء والصفحة : ج1 ص 83.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-8-2016 2061
التاريخ: 8-8-2016 4344
التاريخ: 8-8-2016 6719
التاريخ: 29-8-2016 1343

...لا اشكال في ثبوت عموم الوضع والموضوع له كما في أسماء الأجناس، بل وفي ثبوت خصوص الوضع والموضوع له كما في الأعلام الشخصية. وإنما الكلام في ثبوت عموم الوضع وخصوص الموضوع له. قيل بأن من مصاديقه وضع الحروف والهيئات وما يشابهها من الأسماء. وتوضيح ذلك يقتضي أولا بيان سنخ معاني الامور المزبورة كي به ينكشف الحال في المرام فهنا مقامات:

المقام الاول: في بيان المعاني الحرفية فنقول أولا إنهم أطبقوا على كونها غير مستقلة بالمفهومية. وربما ارجع عدم الاستقلال بالمفهومية إلى عدم استقلالها في مقام لحاظها بجعلها آلة لملاحظة حال الغير قبال مفاهيم الأسماء الملحوظة بالاستقلال، والى ذلك نظر من قال بأن معانيها آلية ومرآتية. والمشهور (1) ان المعنى والملحوظ مفاهيم غير مستقلة بذاتها في عالم الذهن نظير النسب الخارجية القائمة بالوجودات الخارجية المتقومة بغيرها في الخارج مع كون اللحاظ المتوجه إليها استقلاليا بمعنى عدم كونها مرآة لغيرها الموجب لعدم الالتفات إليها، بل [تكون] مثل هذه النسب القائمة بالغير المعبر [عنها] بتقيدات معان اخرى (2) مما يلتفت إليها بحيث يوجه طلبه نحو الذات المتقيدة بقيد كذا، على وجه يكون [التقيد] جزء للمطلوب والقيد خارجا. وبديهي انه لولا الالتفات إلى [تقيدات] المعاني في حيز الخطاب فما معنى توجيه الطلب نحوها؟. نعم [لا تكون] مثل هذه [التقيدات] مما يلتفت إليها بالأصالة، بل يكون اللحاظ والالتفات المتوجه إليها تبعيا، ولذلك لا يقع مبتدءا ولا خبرا ولا فاعلا ولا مفعولا، [بل هذا] شأن الأسماء الملتفت إليها اصالة، ولكن ذلك المقدار لا يقتضي مرآتيتها لغيرها - بحيث لا يلتفت إليها أصلا، بل تمام الالتفات كان متوجها إلى غيرها -، وحينئذ هذا المسلك في تمام المعاكسة مع المسلك السابق، بل على المسلك السابق لا يعقل أخذ الاستقلالية وعدمها في مفاهيم الأسماء والحروف، بل لا محيص من تجريد المعنى منهما. وحينئذ، وان قيل لازمه اتحاد [معاني] الأسماء والحروف، وانما الاختلاف في كيفية استعمالهما، - والا يلزم الاشكالات الثلاثة المعروفة في أخذ هذه القيود في الموضوع له (3) -، ولكن [يمكن] الالتزام ايضا باختلاف المفهومين مع عدم [أخذ] اللحاظ في [الموضوع له] (4) بدعوى وضع الحرف لما تعلق به اللحاظ الاستقلالي بنحو المشيرية إلى ما تعلق لا بنحو التقييد (5)، إذ حينئذ معنى الأسماء مرتبة من المعنى التوأم مع الاستقلال والحروف كذلك في المرآتية من دون أخذ اللحاظ [فيها] أبدا كي [ترد] الاشكالات، و[بمثل] هذا المعنى [يمكن] بيان مراد الفصول بلا لزوم تهافت في كلماته فراجع (6).

هذا كله على شرح التبعية في عالم اللحاظ - كما هو لازم المسلك الأول - وهذا بخلاف المسلك الأخير حيث انه في مقام اللحاظ الاستقلالي الملازم للالتفات الي الشيء هما سيان وانما الاختلاف بين المفهومين في أصل ذات المعنى وسنخه، حيث إن مفاهيم الأسماء غير قائمة بغيرها بل هي في عالم الذهن مستقلات في الوجود بخلاف المعاني الحرفية حيث انها قائمة بغيرها ومتقومة بالغير كتقوم العرض بجوهره، بل وليس سنخ المعاني الحرفية لدى المشهور من سنخ المحمولات بالضميمة كالكيف والكم وأمثالهما بل هي من سنخ النسب والاضافات القائمة بالطرفين فهي في الأذهان من سنخ الوجودات الرابطية الخارجية لا الوجود الرابط - على ما [اصطلحه] صدر المتألهين رضي الله عنه - في أسفاره (7).

ولقد اشتبه الأمر على بعض وجعلها من سنخ مطلق الأعراض القائمة بالجوهر في عالم الذهن كخارجه، ولعل منشأ اشتباهه تعبيرهم أن (من) للابتداء و(إلى) للانتهاء و(لعل) للترجي و(ليت) للتمني و(لام الأمر) للطلب، إذ هذه كلها من غير مقولة الاضافة، وجعل الفرق بين الاسم والحرف بحسب قيام هذه المعاني بغيرها في الحرف، واستقلال وجودها في الذهن في الاسماء (8). ولكن فيه غفلة وذهول، كيف ; ولازمه عدم احتياج المعاني الحرفية إلى الطرفين بل [يكفيها] طرف واحد هي قائمة به وهو كما ترى ينادي الوجدان بفساده، فلا محيص من جعل سنخ معانيها على هذا المسلك (9) من سنخ النسب والارتباطات المعبر عنها بتقيدات المعاني الاسمية. وأما تعبيراتهم المزبورة (10) فانما هي في مقام شرح اللفظ وصرف الاشارة إلى سنخ النسب الملازمة لهذه المعاني، وان دلالة الحروف عليها لمحض الملازمة لا أنها بنفسها مأخوذة في مفاهيم الحروف. وأوهن من ذلك توهم انكار المعنى للحروف رأسا وجعل الحروف من قبيل الرفع الذي هو علامة الفاعلية، فالحروف أيضا علامة خصوصيات معاني [طرفيها] من [كونها] بنحو مخصوص بأحد انحاء التقيدات، ومثل بأن (في) علامة لكون الدار [موجودا] في الذهن بنحو الأينية. [لا كونه] بنحو العينية (11). وتوضيح فساده: بأن الخصوصيات الزائدة عن ذات الطرف من أنحاء وجوده، خارجة عن مدلول لفظ الطرف ومحفوظة في الذهن [قائمة] بغيرها وحيث إن لفظ الطرف غير حاك عنها فيحتاج إلى مبرز آخر وحينئذ: فتارة يكون لفظ (من) قرينة على ارادة الخصوصية المزبورة من لفظ طرفه فيلزم كونه مجازا فيه، وإلا فما هو في [قبالها] هو هذه الكلمة (12) ولا نعني من معناها إلا هذا. وأعجب من أصل المختار تمثيله بالرفع للفاعلية إذ جهة الفاعلية - وهو كونه طرف اضافة المادة صدورا [أو] قياما - أيضا جهة زائدة عن أصل المعنى، ومن المعلوم أن الدال عليه ولو بالملازمة لابد وأن يكون هيئة الكلام، فهي أيضا من حيث المعنى من سنخ الاضافات والارتباطات القائمة بالطرفين ...

وبالجملة نقول: إن ما هو طرف الترديد في المعاني الحرفية لدى المحققين الصورتان السابقتان، وبعد ذلك نقول: إن لازم المسلك الأول أن المعاني الحرفية آلة لملاحظة حال الغير، ولازم المسلك الثاني كون المعاني الحرفية بنفسها حالة للغير فالجمع بين كونها آلة وحالة لا يخلو عن خلط بين المسلكين (13). وكيف كان الذي يقتضيه التحقيق اختيار المسلك الثاني، وذلك لا لما توهم من أن لازم المسلك الأول صحة استعمال (من) في مفهوم الابتداء وعكسه بعد الجزم بعدم نفوذ شرط الواضع لكيفية الاستعمال بعد الفراغ من وضعهما لمعنى واحد، للجزم (14) بخروج أنحاء اللحاظات الاستعمالية عن الموضوع له، لأنه يقال، إن كيفية الاستعمال وان لم [تكن] شرطا من الواضع مع عدم وجه لنفوذ هذا الشرط ولكن نقول: إن غرض الواضع بعد تعلقه - في وضع الأسماء والحروف لسنخ واحد من المعنى - بتفهيم المخاطب كيفية لحاظ المعنى حين استعماله بنحو الاستقلال أو المرآتية فلا جرم يصير نحو استعماله بنحو مخصوص من أغراض الوضع على وجه لا يمكنه الأخذ في الموضوع له فلازمه قهرا ضيق دائرة الوضع والترخيص بمقدار ضيق غرضه فيصير حينئذ الموضوع له: المعنى في حال كونه مرآة لا بشرط المرآتية ولا لا بشرطه، كما أفاده المحقق القمي بالنسبة إلى حال الانفراد (15)، فكان ما نحن فيه من تلك الجهة حال الأوامر العبادية بالضافة إلى نحو امتثالها القربي، فكما أن خصوصية هذا النحو من الإمتثال [مأخوذة] في الغرض الداعي على الأمر بالذات من دون كونه قيدا للمأمور به لاستحالته ومع ذلك صار موجبا لضيق دائرة الأمر بنحو لم يتعلق إلا بالذات التوأمة مع التقرب في عالم الوجود لا ب‍ (شرط التقرب) ولا (لا بشرطه)، فكذلك في المقام ولازم ذلك حينئذ قصور ترخيص الواضع من وضعه على أي نحو من الاستعمال، بلا احتياج فيه إلى شرط خارجي في متن عقد لازم (16)، وحينئذ يكون استعمال كل واحد بغير ما يوافق غرضه الداعي على وضعه غلطا كما لا يخفى. بل العمدة في وجه الاشكال أنه بعد الجزم بحسب الوجدان ان في موارد استعمال الحروف [تنسبق] إلى الذهن النسب المخصوصة أو الابتداء الخاص مثلا بخصوصياتها التفصيلية، لا مجال لاستفادة ذلك من مفهوم النسبة أو الابتداء الملحوظ مرأة، إذ يستحيل مرآتية نفس الكلي عن مصاديقه بنحو التفصيل ولا استفادة الفرد الخاص المشتمل [على الجهة] المشتركة الضمنية [من] المفهوم المشترك المخزون بنحو الاستقلال في الذهن ولو بضميمة دال آخر، وحينئذ فلا محيص من انكار مفهوم آخر بين اللفظ وهذه الخصوصيات التفصيلية، فلا يبقى بأزاء اللفظ الا هذه [الصورة التفصيلية] ولا يتبادر منها إلا هذا. فلا وجه للالتزام بمعنى آخر غير ملتفت إليه [آب] عن إراءة هذه الخصوصيات أيضا بنحو التفصيل المنسبق إلى الذهن ولو بدال آخر بشهادة الوجدان كما عرفت.

ولعمري: ان عمدة ما دعاهم إلى هذا التصوير شهادة وجدانهم على كون معنى (من) و(إلى) و(على) في موارد استعمالها سنخ واحد، وان استفادة الخصوصيات بدال آخر، فالتزموا لحفظ الوحدة السنخية بمعنى كلي مستقل وجعل ذلك مرآة إلى الحالة الطارئة على السير والبصرة، وغفلوا عن ان المفهوم الكلي [المعرى] عن الخصوصية يستحيل ان يري الخصوصية التفصيلية ولو بضميمة ألف دال آخر، بل لا ينسبق من المفهوم العام المعرى عن الخصوصية إلا ما بأزائه من الوجود السعي [المعرى بلا انتقال] منه إلى الخصوصيات بصورة انضمامها [إلى] الجهة المشتركة المطابقة لنحو وجودها خارجا. وحينئذ التحقيق في حقيقة المعاني الحرفية، كونها عبارة عن: النسب والارتباطات القائمة بالمعاني [المستقلة ب‍] المفهومية، على اختلاف النسب والارتباطات من النسب الابتدائية [و] الاستعلائية والظرفية وغيرها.

فحينئذ معنى عدم استقلالها بالمفهومية: عدم استقلال ذات المفهوم المجامع مع الاستقلال في عالم اللحاظ، كما أشرنا. ولقد أجاد من قال في تعريفها: بان الحرف ما دل على معنى في غيره: يعني معناه قائم بمعنى آخر لا انه تحت لفظ آخر كما توهم (17).

نتائج ولوازم: منها: انه بعد ما كانت حقيقة هذه من سنخ أشخاص النسب القائمة بأشخاص الصور الذهنية كلية أم جزئية فلا محيص الا من الالتزام بكونها في الذهن كخارجه من متكثرات الوجود ; حتى جعل بعض المحققين هذه الجهة من عيوب المعاني الحرفية بنحو يأبى عن كونها من متحد المعنى فالتزم فيها بعموم الوضع وخصوص الموضوع له. ولكن قد أسلفنا سابقا في تصور عموم الموضوع له نحوا لا ينافي تكثرها في الوجود ذهنا وان الموضوع له هي الحيثية السنخية المحفوظة في ضمن أنحاء النسب الشخصية من الابتدائية والانتهائية والظرفية وغيرها. ولقد أجاد من التزم بوحدة مفهومها نظرا إلى تبادر جهة وحدة سنخية من كل حرف، غاية الأمر [انه] أخطأ في تشخيص هذا المفهوم الواحد وجعله من المفاهيم الكلية المتصورة في الذهن معراة عن الخصوصيات ثم جعل ذلك مرآة إلى الخصوصيات الطارئة على الطرفين ولقد عرفت ما فيه. فالأولى في حفظ الوحدة السنخية ومجيء المتكثرات في الأذهان هو الالتزام بعموم الموضوع له بنحو نحن حققناه في قبال العام المشهوري فتدبر فيه فانه دقيق.

تذييل فيه تنقيح:

وهو ان النسب ان كانت قائمة بالشخصين فلا تقبل [الصدق] على الكثيرين نظرا إلى عدم صدق الطرفين على الكثيرين، وان كانت قائمة [بالكليين]، يستتبع صدق الطرفين على الكثيرين [صدق] النسبة المفهومية أيضا على نسب متكثرة خارجية. وهذا معنى قولهم بأن كلية المعاني الحرفية [وجزئيتها تابعة] كلية الطرفين [وجزئيتهما] فتدبر. ومنها: انه بعد ما ظهر سنخ المعاني الحرفية يبقى الكلام في ان الحروف هل هي دالة على مثل [هذه المعاني] ومنبئة عنها كإنباء الأسماء عن معانيها أو أنها موجدة لها وكانت من قبيل الوسائط في الثبوت لها كي يكون كيفية استعمالها على خلاف استعمال الأسماء. اختار ذلك بعض الأعاظم من المعاصرين (18) ولعل نظره - كما استفدناه من بعض تقريرات بحثه - ان مفاهيم الأسماء بعد ما لم يوجد فيها جهة الارتباط إلى الغير فلا جرم كانت عارية عن الارتباط المزبور في عالم الذهن وحينئذ أين الارتباط في البين كي يكون اللفظ حاكيا عنه؟ فلا محيص إلا من الالتزام بكون اللفظ موجدا للارتباط بين المفهومين. اقول: ما افيد كذلك لو كانت المعاني الاسمية الموضوعة للماهية المهملة موجودة في الذهن بوصف إراءتها عن التقييد والتجرد المساوق للإطلاق، وإلا فبناء على التحقيق من استحالة تحقق المعنى اللابشرط المقسمي في الذهن إلا بشكل التجرد أو بشكل [التقيد] فعند ارادة المقيد لابد وأن يكون المعنى الحاضر في ذهن المتكلم [واجدا] للتقييد وبعد ذا يحكي المتكلم عن ذات المهية المحفوظة في المقيد بالاسم وعن [تقيدها] بالحرف، كما يحكي عن [تجردها] المساوق [لإطلاقها] المسمى باللابشرط القسمي بدال آخر ولو مثل مقدمات الحكمة، وإلا فجهة الاطلاق كجهة التقييد زائدة عن ذات المعنى الاسمي فيلزم أن [تكون] مقدمات الحكمة ايضا موجدة لإطلاق المعنى [لا حاكية] عنه ولا اظن [ان] يلتزمه أحد، فنحن حينئذ نقول: إن الحاكي عن التقييد كالحاكي عن الاطلاق بدال آخر لا بأسباب موجدة اخرى كما لا يخفى. نعم هنا توهم آخر (19) [هو] التفصيل في موجدية المعنى بين بعض الحروف [و] بعض. نظرا إلى توهم كون بعض الحروف موجدة للنسب الخاصة ك‍ (لام الأمر) و(اداة النداء والتمني والترجي) وأمثالها في قبال سائر الحروف الحاكية [عن] نسب ثابتة.

وفيه: انه على فرض تسليم ايقاعية مفاهيم هذه الألفاظ - كما سيأتي توضيحها - لا يقتضي ذلك ايضا كون اللفظ موجدا بل اللفظ ايضا حاك [عن] ايقاع هذه النسب وحينئذ: لنا ان ندعي ان الحروف بقول مطلق حاكيات عن النسب [ثبوتا] ام اثباتا (20) كما صرح به في النص المحكي بأن الحرف ما أنبأ عن معنى لا هذا ولا ذاك، نعم في رواية اخرى: الحرف ما أوجد معنى في غيره. و[يمكن] توجيهه بأن غالب الحروف حاكية عن نسبة محدثة للهيئة المخصوصة بين طرفيها في الذهن كاحداثها [بينهما] خارجا وان نسبة الموجدية إلى اللفظ بملاحظة شدة [علاقته] مع المعنى وقوة [ارتباطه] معه تراهما شيئا واحدا بحيث تضاف صفات المعنى إلى اللفظ وبالعكس - كما أسلفناه -. ومن التأمل فيما ذكرنا ظهر معنى الهيئات الطارئة على الكلمة أو الكلام بعد ما كان سنخ معانيها سنخ الحروف من كونها من سنخ النسب والارتباطات، وان كان بينهما فرق من حيث إن معاني الحروف من سنخ الاضافة بين الشيئين القائمة بهما ومعاني [الهيئات] ربما تكون من سنخ قيام العرض بمعروضه ومنها قيام الاضافة بطرفيها، فهذه النسبة ربما تكون معنى الهيئة، ونفس الاضافة القائمة بالطرفين معنى حرفي كما لا يخفى (21). ثم ان ذلك ايضا هو الفارق بين الهيئة [في] المركبات الناقصة والحروف، والا فالفرق بين الحروف ومعاني الجمل - اسمية أو فعلية - في غاية الظهور، إذ لمفاد الجمل نحو إراءة [لواقعية النسب] في موقعه كما هو شأن التصديق بشيء قبال تصوره ولذا [تسمى] هذه النسب بنسب تصديقية بخلاف معاني الحروف ومفاد الجمل الناقصة إذ ليس فيها هذه بل هي شبيه بالتصور القابل لواقعية متصوره وعدمه، بل في النسبة التصديقية - انشائية أم خبرية - امتياز آخر عنها حيث [ان] مفادها ليس الا كنفس التصديق من كون ظرف عروضها ذهنا وانما الخارج ظرف اتصافها بخلاف النسبة التصورية فانها ربما [يكون] ظرف عروضها واتصافها خارجيا وأن الصور الموجودة في الذهن منتزعة عن خارجها كما لا يخفى. ولقد أشرنا في مبحث المشتق أيضا إلى ذلك فراجع. وحيث [ظهرت] لك هذه الجهات نقول ايضا في معاني الهيئات: فانها ايضا قد تحكي عن نسب ثابتة كهيئة المركبات التقييدية (22) ومنه الأوصاف الاشتقاقية، ومنها ما يحكي عن ايقاع النسبة كالجمل التامة - حملية [أم] شرطية. فعلية أم اسمية - بشهادة الوجدان من انه فيها ترى الموضوعات عارية عن النسبة فيوقع المتكلم - حين استعماله محمولاتها أو مباديها - نسبة حملية أو صدورية وأمثالهما بمعنى انه يلاحظ مفاهيمها بنظر ايقاع النسبة [بينهما] وبين المسند إليه فكان شأن المتكلم اسناد أحدهما إلى الآخر فيصير بهذا الاسناد أحدهما مسندا والآخر مسند إليه، وحيث ان في ايقاع النسبة بين المبدأ وفاعله يرى خروج المبدأ عن فاعله ماضيا أو مستقبلا، واخراج المبدأ عن فاعله [تسبيبا] كما في الأمر - حاضرا أم غائبا - فبالنظر المزبور يرى حركة المبدأ، والى ذلك أشار في النص بأن الفعل ما دل على حركة المسمى لا أن المراد من الحركة: الحركة من كتم العدم إلى الوجود كيف! ولا معنى له في مثل استحال وامتنع وعدم إذ لا يتصور لها وجود كما لا يخفى. بل لنا اعتبار آخر في اطلاق الحركة بلحاظ دلالة الفعل على حركة المادة من القابلية إلى الفعلية.

وبهذه العناية ربما يحسب من منافع الأعيان - قبال النظر إلى فراغها عن الفعلية - فانها لا تحسب من تبعات شيء آخر [يحسب] منفعته وبذلك أجبنا عن شبهة اجارة الاراضي والبساتين بلحاظ كلائها وأثمارها كما لا يخفى. ثم بعد دلالة الهيئة على هذا الايقاع لا شبهة في أنه يتصف المركب بالكلامية ويمتاز عن المركبات التقييدية الحاكية عن النسبة الثابتة وربما تكون مفاهيمها في رتبة متأخرة عن مفاهيم الجمل تأخر الثبوت عن الاثبات. واليه ايضا [تشير] كلماتهم من أن الاخبار بعد العلم بها أوصاف والأوصاف قبل العلم بها أخبار، وان احتمل فيه معنى آخر أيضا. وبالجملة نقول: بعد امتياز الجمل التامة عن المركبات الناقصة تخرج الناقصة عن التقسيم [إلى الانشائية] والإخبارية، كيف ; وهو من شؤون الجمل والا فالمركبات الناقصة غير صالحة للإخبارية فلا يصلح للإنشائية أيضا إذ العنوانان طاريان على ما يصح السكوت عليه وما هذا شأنه ليس الا الجمل التامة. وبعد ذا نقول: في مقدار دلالة الكلام على ايقاعية النسبة جهة مشتركة بين الإخبار والانشاء فامتيازهما لابد وان يكون بجهة زائدة عن هذا المقدار فقد يتوهم حينئذ ان الفارق بينهما هو قصد الحكاية عن الواقع أو قصد موجوديته لمضمونه.

وفيه: ان جهة الموجدية مأخوذة في أطواره لا في نفسه، كيف ; وفي صورة الجد بإنشائه لابد من قصد موجودية الانشاء لمضمونه. ولو كان هذا القصد واللحاظ مأخوذا في قوام الانشائية أيضا للزم لحاظ الموجدية مرتين ولو في طول الآخر وهو خلاف الوجدان فلا محيص من تعرية الانشاء عن قصد الموجدية وحينئذ فالفارق يكون بكيفية الملحوظ في محكي كل منهما من انه تارة يحكي بالكلام المستعمل في معناه عن مبدء ثابت فارغا عن ثبوته، واخرى يحكى عن ايقاع المبدء الملازم لعدم وجود نسبة خارجية [تطابقها] النسبة الكلامية أو [لا تطابقها] بخلاف الصورة السابقة إذ لنسبة الكلام خارج تطابقه أو لا تطابقه. ثم انه بعد اتصاف الكلام بهذا اللحاظ بالإنشائية لو [انضمت] إليه جهة الجد يتصف بالموجدية أيضا وإلا [يبقى] على صرف انشائيته المحفوظ مع الهزل تارة ومع السخرية اخرى كما ان الإخبار أيضا ان انضم إليه الجد بالحكاية يتصف بصفة المبرزية للواقع والا فلا يكون مبرزا ويبقى على صرف اخباريته [المجتمعة] مع الهزل والسخرية وغيرهما.

ثم ان الانشاء في غاية خفة المؤونة كالإخبار ففي كل شيء يصح الاخبار به يصح انشاؤه. نعم في اتصافه بالموجدية [يحتاج] إلى قابلية ترتب مضمونه بإنشائه، وهذه الجهة انما [تتصور] في الامور الاعتبارية لا في سائر الامور من الجواهر والأعراض ففي مثلها يستحيل اتصاف إنشائها بالموجدية. ومن هذه الجهة ربما يفرق بين الانشاء بمادة الطلب وبين الانشاءات في أبواب المعاملات حيث ان مضامينها لما كانت بحقائقها من الاعتبارات فصلح ترتبها بإنشائها فيصح الجد بإنشائها في مقام ايجادها فيتصف هذا الانشاء بصفة الموجدية ويكون من وسائط الثبوت لها، وهذا بخلاف الانشاء في الطلب إذ الطلب سواء كان عين الارادة أو التحريك الناشيء منها غير [صالح] لأن يترتب بالإنشاء بلا واسطة اما الأول فواضح وأما الثاني فلأن التحريك ناش عن ابراز الارادة بإنشائه فالطلب الذي هو مضمون انشائه ما نشأ عن انشاء هذا المضمون، بل انما نشأ من مبرزيته لمضمون آخر ومن هذه الجهة قلنا بأن الانشاء في باب الاحكام التكليفية ليس الا من وسائط اثبات الارادة المترتب على هذا الاثبات عناوين اعتبارية أو غائية [ادعائية] من الوجوب أو البعث أو التحريك وأمثالها بخلاف الإنشاءات في باب المعاملات فانها من وسائط الثبوت لمضامينها بلا واسطة. نعم بواسطة ترتب التحريك على مبرزيتها قد تتصف الانشاءات المزبورة أيضا بصفة الموجدية لمضمونها من الطلب على فرض [كونه] غير الارادة بتوسيط موجداتها لمضمون آخر من ابراز الارادة ولكن أين هذا [من] موجدية [الانشاءات المعاملية] لمضامينها بلا واسطة كما لا يخفى (23). ثم انه قد تبرز الارادة بواسطة الهيئة كهيئة الأمر أو بواسطة الحرف ك‍ (لام الامر) كقوله: اضرب أو لتضرب ففي مثلها لا مجال لصيرورة الفعل والجملة اخبارية. والنكتة فيه ان الهيئة المزبورة وضعت لإلقاء الفاعل على المبدأ المستتبع لإخراجه المبدأ [من] قبله وايقاع هذه النسبة بينهما. [وهذا] المعنى من لوازم طلب الامر للمادة إذ يرجع طلبه إما إلى الارادة فيصير الالقاء المزبور من [شؤونها] أو إلى التحريك الذي هو من شؤون الارادة، لأنفسها، فلا شبهة في أن من شؤون التحريك أيضا احداث هذه النسبة بين المبدأ وفاعله. وعلى أي حال لا يبقى مجال وجود نسبة ثابتة في الخارج كي تصلح هذه النسبة الكلامية للتطابق معها بل النسبة المتصورة منه في الخارج أيضا ليس الا النسبة المزبورة الايقاعية التي هي من شؤون التحريك ومن هذه الجهة كان الانشاء بالهيئة متوغلا في الانشائية كما لا يخفى. ومما ذكرنا ظهر حال لام الأمر [فانها] أيضا وضعت لإيقاع النسبة المزبورة التي هي من شؤون تحريك الغائب قبال الحاضر وليس لمثل هذا المعنى خارج [يطابقه]. نعم من جهة كون مثل هذا التحريك من شؤون الطلب والارادة تدل هذه الصيغ عليه (24) لا أنها موضوعة لنفس الطلب خارجيا أم ذهنيا لإباء اللفظ - مادة وهيئة - عن هذه الجهة، بل ولا يكون التحريك الخارجي أيضا مأخوذا فيه بل النسبة المفهومية المزبورة من تبعات التحريك الايقاعي المفهومي وانما التحريك الخارجي من دواعي استعمالها في معناها وعليه فكم فرق بين الانشاء بهيئة الأمر أو بحرفه وبين الانشاء بمادة الطلب والارادة فانهما من حيث دلالتهما على الطلب والتحريك في طرفي المعاكسة كما لا يخفى.

ومن التأمل في ما ذكرنا ظهر حال حروف التمني والترجي بأنها أيضا لم توضع لإيجاد حقيقة هذه الصفات خارجا لعدم كونها ايجادية علاوة عما ترى تبادر مفهوم مصداق التمني والترجي منها عند استعمالها مع الجزم بعدم كون المتكلم في مقام التمني أو الترجي حقيقة مضافا إلى ان حرفيتها [تأبى] عن أخذ هذه المفاهيم كلية أم جزئية في مدلولها، كيف ; وشأن الحروف ليس الا حكايتها عن النسب المفهومية وعليه فليس مفادها الا حيث قيام صور مصاديق هذه المعاني بالنسب الايقاعية في الجمل [الداخلة] عليها هذه الحروف فكأنها حينئذ موقعة بعين ايقاع النسبة الكلامية حيث إنها في الحقيقة من شؤونها وحينئذ فدلالتها على مثل هذه الصفات ليس الا بالملازمة كدلالة (من للابتداء) و(إلى للانتهاء). كما أن النظر إلى هذه المصاديق لما [كان] [مرآتيا] للخارجيات [فيراها] الانسان خارجية مع انها في الواقع [لا تكون] كذلك الا عند الجد بإظهارها. ولعمري ان مثل هذه الجهة ربما [أوقعت] في وهم من توهم بأنها موضوعة لإيقاع حقائق هذه الامور في الخارج كتوهمهم بأن الأعلام الشخصية موضوعة للخارجيات وهو وهم محض واشتباه صرف من ناحية مرآتية الصور المفهومية [للخارجيات] كما هو ظاهر لمن تعمق في النظر وفتح البصر.

تذييل واستنتاج:

وهو: ان من نتائج نسبية المعاني الحرفية والهيئات قابلية اناطتها في عالم اللحاظ بشيء قبال اطلاقها نظرا إلى ان المعاني النسبية قابلة لتعلق اللحاظ بها مستقلا فلا قصور في جعلها منوطة بشيء تارة ومطلقة اخرى. ولازمه كون الجزاء المشتمل على [نسبة] كلامية [بنسبته] (25) المخصوصة منوطا بشرطه، ولازمه ارجاع الشرط إلى تمام مضمون الكلام المشتمل على الإسناد، ومرجعه إلى اناطة الاسناد المزبور أيضا [بالشرط]، لا اناطة ذات المسند أو المسند إليه فقط.

ومن هذه الجهة نقول: ان الظاهر من أدوات الشرط في الجمل الشرطية رجوع القيد إلى الهيئة والمادة، لا خصوص المادة محضا. ويترتب على هذه النتيجة ظهور [رجوع] القيد فيما كان (26) هيئة أمر أو نهي أو [حرفاهما] إلى الجملة بتمام مدلولها ومرجعه [إلى] اناطة الجملة - هيئة ومادة - [بشرطها] لا خصوص مادتها محضا [ولذلك] نقول: ان مقتضى ظواهر أمثال هذه الجمل الشرطية كون الطلب مشروطا لا ان الطلب مطلق تعلق بالمشروط.

نعم لو بنينا على كون مفاد الهيئة أو الحروف ملحوظات آلية بحيث لا يلتفت الا إلى ما قامت الهيئة [به] مثلا، قيل: بانه حينئذ يستحيل ارجاع القيد إليها فلا محيص من ارجاع القيد إلى المادة فينتج ظهور الجمل الشرطية في كون الطلب المطلق متعلقا بالمقيد. وقد يقال بأن المعنى لوحظ مقيدا مرآة إلى متعلقه (27) فلا نتيجة بن المرآتية والاستقلالية، ولكن الانصاف كونه خلاف الوجدان كما عرفته آنفا. وقد يتوهم ابتناؤها أيضا على عموم الموضوع له في الحروف أو خصوصه، وأنه على الثاني لا معنى لإرجاع القيد إليه لعدم قابلية التكثر بخلاف الأول، كما أنه لا معنى لتعليق السنخ في مثلها في باب المفاهيم لأن شخص الارتباط المنسبق إلى الذهن لا سنخ له في هذا النظر (28) وان كان له سنخ بنظر آخر ثانوي ولكن مثل هذا المعقول الثانوي غير ملتفت [إليه] في مقام الاناطة على شرط أو غاية مثلا. بل ولئن [دققت] النظر ترى جريان هذا الاشكال (29) ولو بنينا على رجوع القيد - بالتقريب السابق - إلى الهيئة، وأجبنا له عن الاشكال بأن مثل هذه القيود [مضيقة] لإطلاق الشخص حالا وهو لا ينافي شخصية مفاده كما هو شأن كل شخص بالنسبة إلى حالاته بخلاف اعتبار السنخ في باب المفاهيم حيث ان اطلاقها لابد وان يكون بلحاظ افراده كي يفيد حصر الطبيعة في فرد موجبا لنفيها في غيره ومعلوم حينئذ ان الاطلاق الفردي لا يناسب الشخصية وحينئذ [فتسجل] هذا الاشكال في مفاد الهيئات أوضح من الاشكال الأول.

فحل هذا الاشكال أيضا بأن يقال: انه مبني على توهم كون الغرض من خصوصية الموضوع له هي الخصوصية الخارجية وهو بمعزل عن التحقيق كيف وصريحهم ان الحروف قابلة للكلية تبعا لكلية طرفيها، فالمقصود من خصوصيتها هي الخصوصية الناشئة عن خصوص المفاهيم المرتبطة إذ في ربط كل مفهوم غير مرتبط بربط، مفهوم آخر (30). [وبذلك] لا [يتنافى] مع [كليتها] تبعا لكلية طرفيها وحينئذ لا قصور في سنخ مادته المنتسبة ويناط بشرط أو غاية إذ لمثله اطلاق أفرادي أيضا. ولقد أجاد بعض الأعاظم (31) في مقام ارجاع القيد إلى الهيئة بمثل هذا التعبير ولكن يا ليته [اقتصر] في تعبيره هذا بالنسبة إلى مقام أخذ السنخ في باب المفاهيم لا في مقام ارجاع القيد إلى الهيئة إذ في هذا المقام الهيئة بنفسها [مقيدة] بلا تقييد في المادة وان [ضاقت] قهرا تبعا لضيق [حكمها] كما هو الشأن في طرف العكس فتدبر. وأعجب منه أن [الذي] دعاه إلى هذا التعبير في هذا المقام توهم مفغولية المعاني الحرفية، إذ مع المغفولية كيف [تلاحظ] المادة المنتسبة كي يرجع القيد إليها بل حينئذ لا يلتفت إلا إلى نفس المادة. فتدبر.

بقي الكلام في أسماء الاشارة وبقية المبهمات فنقول:

انه قد يتوهم أيضا وضع أسماء الاشارة لنفس الاشارة الخارجية إلى مدلول مدخولها، وزاد بعض آخر: دلالتها على معنى متخصص بهذه الاشارة (32) والتزم بكونها من باب الوضع العام والموضوع له الخاص الناشئة خصوصياته من قبل الاشارة الحاصلة بنفس اللفظ وجعل ذلك فارقا (33) بينها وبين سائر ما كان [الموضوع له] خاصا بوضعه العام، ولكن يمكن رفض القولين بنحو [ما أشرنا] في أداة التمني والترجي من ان لازم أخذ الاشارة الخارجية في وضعها عدم صدق استعمالها على وفق وضعها في غير صورة ارادة الاشارة الحقيقية بها ويلزمه كون استعمالها في مثل مورد التمثيل وغيره لقلقة لسان وهو كما ترى (34).

ويؤيده انسباق صورة الاشارة الذهنية من سماع هذا اللفظ من النائم والساهي مع الجزم بعدم اشارتهما خارجا ولو كان اللفظ موضوعا للإشارة الخارجية فلا معنى لانسباق مفهومها في الذهن لأنه اجنبي عن الموضوع له، والمفروض انه لا موجب لهذا الانسباق أيضا الا الوضع فذلك [أقوى] دليل وشاهد على عدم وضعها كأمثالها من [أدوات] التمني والترجي لمعانيها بما هي حقائق خارجية، وبعد ذلك نقول: انه لا معنى لوضعها لصرف الاشارة إلى معنى لفظ آخر كيف! ولازمه كون معانيها من النسب والروابط وهو لا يناسب اسميتها، وصيرورتها مبتدأ تارة وخبرا اخرى، بل لابد من وضعها لمعنى مستقل متعلق للإشارة لا نفس الاشارة وهذا المعنى أيضا لا يعقل أن يكون من المفاهيم التفصيلية من مثل مفهوم الانسان في مثل (هذا الانسان) إذ لا يكاد ينسبق في الذهن الا مفهوم واحد وهذا المفهوم الواحد يستحيل أن يكون معنى كل واحد من اللفظين للزوم اجتماع اللحاظين في شيء واحد (35) فلا محيص من جعله من المفاهيم الاجمالية والمبهمات المحضة القابلة لانطباقها على أي مفهوم تفصيلي بحيث تكون المفاهيم التفصيلية الواقعية في ذيلها بيانا لإجمالها. ولقد أجاد النحويون حيث جعلوا هذه المفاهيم التفصيلية المتصلة بها عطف بيان لأسماء الاشارة وجعلوا أسماء الاشارة والضمائر من المبهمات ولقد أسلفنا في مقام شرح المفاهيم اشارة إلى ذلك ايضا. ثم بعد ذلك نقول: انه من الممكن دعوى وضعها لما هو معروض الاشارة المستلزم لخروج نفس الاشارة والتقييد بها عن الموضوع له وان الموضوع له حصة من العنوان المبهم التوأم مع الاشارة لا المقيد بها ولا المطلق فالموضوع له المعنى في حال الاشارة لا بشرطها ولا لا بشرطها.

وعليه يكون الوضع فيها والموضوع له عامين مع استفادة الاشارة الشخصية منها بالملازمة (36) بلا احتياج إلى الالتزام بكونها من باب عموم الوضع وخصوص الموضوع له. وعلى فرض الالتزام به أيضا لا وجه للالتزام بكون الاشارة مدلول نفس لفظه، بل هو أمر خارج عن مدلول اللفظ، بل المأخوذ فيه التقيدات بالصور الحاكية (37) عن الاشارات الشخصية الموجبة لتخصص المعنى بهذه الخصوصية [الحاكي] عنها لفظه لا أن اللفظ موجدها. بل ولو فرض أخذ صور الاشارات الخاصة أيضا في المدلول لا يكون أيضا الا منبئا لا موجدا. وتوهم ان الاشارة الخارجية لابد وأن [تكون] بآلة من يد أو لفظ، والمفروض أن آلة الاشارة في موردها ليس الا لفظه، وحينئذ كيف يحكي هذا اللفظ عن نفسه؟ فلا محيص من كون اللفظ موجدا لها (38) مدفوع (39) بان حقيقة الاشارة [ليست] إلا نحوا من توجه النفس إلى شيء معين وهذا التعيين تارة يكون بواسطة قرينة خارجية من حركة يد أو بواسطة بيان تفصيلي بلفظه من مثل الانسان في هذا الانسان ففي الحقيقة في موقع الاشارة باليد ليست اليد آلة للإشارة بل قرينة على تعيين المشار إليه، وإلا فحقيقة الاشارة ليس إلا توجه نفسه إلى المعين باليد وإذا فرض تعيين المشار إليه في موضع الاشارة باللفظ بواسطة ما جيء به في ذيله من عطف البيان بعنوان آخر تفصيلي فلا تحتاج الاشارة المزبورة إلا إلى منبئ ومبرز وليس ذلك إلا لفظ هذا مثلا بلا احتياج إلى آلة كما لا يخفى.

ومن التأمل في ما ذكرنا ظهر حال الضمائر إذ هي أيضا موضوعة للمفاهيم المبهمة الشبحية المنطبقة مع مراجعها بنحو انطباق المجمل مع المبين من دون فرق بين غائبها وحاضرها، كما ان الموصولات أيضا كذلك، غاية الأمر اخذ فيها جهة معهودية ليست في الموصوفة وهي الملاك لتعريفها لا حيث التقيد بصلاتها إذ هذا التقيد من مداليل هيئة الكلام كما هو الشأن في الموصوفة، ومرجع الفرق بين الموصولة والموصوفة إلى قولنا بالفارسية (كس) و(آنكس) الراجع في الحقيقة إلى إشراب جهة معهودية في الموصولة دون الموصوفة كما لا يخفى.

________________

(1) والحاصل ان هنا رأيين. الأول: ان المعاني الحرفية كالمعاني الاسمية مستقلة في ذاتها، فالابتداء هو الموضوع له مثلا، وانما الفرق في اللحاظ فقط، بمعنى ان الابتداء لوحظ آلة (رابطا بين طرفين) فوضع له الحرف (من)، ولوحظ مستقلا فوضع له الاسم. الثاني (المنسوب إلى المشهور): ان المعاني الحرفية بذاتها غير مستقلة أي انها عين الربط بين الطرفين، ويلحظ هذا الربط بلحاظ مستقل تبعا للحاظ الطرفين فيوضع له لفظ الحرف، بينما تكون المعاني الاسمية مستقلة في ذاتها وتلحظ بلحاظ مستقل بالأصالة.

(2) بيان لكيفية الالتفات إلى المعاني الحرفية وحاصله: ان المعاني الحرفية لا يتوجه إليها اللحاظ منعزلة عن اطرافها بل يكون الالتفات إليها في ضمن الالتفات إلى اطرافها، فمثلا في (سر من البصرة) يكون المأمور به هو (السير المتصف بالابتداء من البصرة) فيكون (الابتداء) الحرفي ملحوظا ضمن لحاظ (السير).

(3) الاشكال الأول: ان اللحاظ الآلي لو كان جزء من المعني الموضوع له للزم لحاظ هذا اللحاظ الآلي حين الاستعمال لتوقف الاستعمال على لحاظ المعنى الموضوع له. واللحاظ تشخص ذهني للماهية ولا تتشخص الماهية مرتين في الذهن. ثم ان الذي يتشخص باللحاظ في الذهن انما هو الماهية الفاقدة للتشخيص بنفسها واما اللحاظ نفسه فهو عين التشخص الذهني فلا يقبل اللحاظ عروض اللحاظ عليه.

الاشكال الثاني: ان لازم كون اللحاظ جزء من الموضوع له هو أن يكون الموضع له أمرا ذهنيا صرفا فلا يمكن امتثاله خارجا.

الاشكال الثالث: لو جاز ان يكون اللحاظ الآلي جزء من الموضوع له في الحروف لجاز ان يكون اللحاظ الاستقلالي جزء من الموضوع له في الاسماء. وحيث ان الاسماء تستعمل في نفس معانيها المجردة عن قيد اللحاظ الاستقلالي فاللحاظ غير مأخوذة في معانيها حين الوضع. وليكن هذا شأن الحروف ايضا.

(4) والظاهر ان الصحيح هو ما ادرجناه بين القوسين.

 (5) يحاول المصنف دفع الاشكالات الثلاثة على المسلك الأول وذلك بعدم اخذ اللحاظ قيدا في المعنى الموضوع له بل بأخذ اللحاظ مشيرا إلى المعنى في الأسماء والحروف معا، فيكون الابتداء - مثلا - معنى ذا مرتبتين: مرتبة الابتداء الاستقلالي ومرتبة الابتداء الآلي (المرآتي)، وقد لوحظ في وضع (من معنى الابتداء الملحوظ مرآتا على ان يكون هذا اللحاظ مشيرا إلى تلك المرتبة. بينما الملحوظ في وضع الاسم معنى الابتداء الملحوظ استقلالا على ان يكون هذا اللحاظ مشيرا إلى تلك المرتبة ايضا.

(6) قال في الفصول: فان التحقيق: ان الواضع لاحظ في وضعها معانيها الكلية ووضعها بازائها باعتبار كونها آلة ومرآة لملاحظة حال متعلقاتها الخاصة فلاحظ في وضع (من) مثلا مفهوم (الابتداء المطلق) ووضعها بأزائه باعتبار كونه آلة ومرآة لملاحظة حال متعلقاتها الخاصة من السير والبصرة مثلا فيكون مداليلها خاصة لا محالة، وكذلك لاحظ في وضع اسماء الاشارة مفهوم (المشار إليه) ووضعها بأزاء ذاته بضميمة الاشارة الخارجة المأخوذة آلة ومرآة لتعرف حال الذات فيكون معانيها جزئيات لا محالة لوضوح ان المهية إذا اخذت مع تشخص لاحق لها كانت جزئية مع احتمال ان يكون قد لاحظ في وضع الحروف معانيها الكلية ووضعها بأزاء كل جزئي جزئي من جزئياتها المأخوذة آلة ومرآة لملاحظة حال متعلقاتها، ولاحظ في وضع اسماء الاشارة مفهوم (الذات المشار إليها) ووضعها بأزاء كل جزئي جزئي من خصوصيات الذات مع الاشارة المأخوذة آلة ومرآة لتعرف حال تلك الذات وعلى هذا القياس. والفرق بين الاعتبارين: ان الخصوصية مأخوذة في أحدهما باعتبارين وفي الآخر باعتبار واحد وهو أقرب لسلامته عن الاعتبار الزائد، هذا على ما هو المختار وفاقا لجماعة من المحققين لأن المتبادر منها ليس الا المعاني الخاصة وانها لا تستعمل الا فيها، ومنهم من أنكر ذلك وجعل الوضع في تلك الالفاظ بأزاء معانيها الكلية... راجع الفصول: 16.

 (7) قسم صدر المتألهين الوجود إلى ثلاثة أقسام. أ - الوجود المستقل كوجود الجواهر وهو ما لا يحتاج في وجوده إلى موضوع. ب - الوجود الرابطي كوجود الأعراض وهو ما يحتاج في وجوده إلى موضوع غير ان الوجود يحمل عليه مستقلا. ج - الوجود الرابط كوجود المعاني الحرفية، وهو ما يكون وجوده قائما بوجود طرفيه ولا يحمل عليه الوجود مستقلا. راجع الأسفار ج 1 ص 78 وص 327 - 331. هذا ما ذكره صدر المتألهين واما المحقق العراقي فيرى ان المعاني الحرفية من سنخ الاعراض النسبية لا من سنخ مطلق الاعراض فرأيه وسط بين رأيين. الأول رأي صدر المتألهين وهو كون معاني الحروف والهيئات مطلقا من سنخ الوجود الرابط. الثاني رأي المحقق النائيني وهو كون معاني الحروف والهيئات مطلقا من سنخ الوجود الرابطي. ويرى المحقق العراقي ان المعاني الحرفية من سنخ الوجود الرابطي أي من سنخ الاعراض لكن لا مطلق الاعراض بل النسبية منها - كمقولة الأين والاضافة والفعل والانفعال - وهي ما تحتاج في تحققها إلى موضوعين يتقوم بهما وجودها. واما مثل مقولتي الكم والكيف فلا تحتاج الا إلى طرف واحد. راجع بدائع الافكار ص 49 - 51.

 (8) جاء في تقريرات المحقق النائيني قدس سره: ان المفاهيم الحرفية. قائمة بالمفاهيم الاسمية نظير قيام الاعراض بموضوعاتها فكما ان الخارجيات لها جواهر واعراض فكذلك المفاهيم، فالمفاهيم الاسمية بأنواعها معان استقلالية جوهرية والمعاني الحرفية معان عرضية قائمة بها فكما ان الاعراض في مقام تحصلها وقوامها لا تحتاج إلى موضوع وان ما به الاشتراك فيها عين ما به الامتياز لبساطتها فهي في كل مرتبة بسيطة فكذلك المفاهيم الحرفية ايضا بسائط في مقام مفهوميتها ويحتاج في مقام وجودها في عالم الاستعمال إلى مفاهيم اسمية حتى تتحقق بها ففرق بين التحصل والتحقق . أجود التقريرات ج 1 ص 28.

 (9) أي مسلك المشهور.

(10) وهي ما أشار إليه بقوله: ولعل منشأ اشتباهه تعبيرهم ان (من) للابتداء...

 (11) أي ان القائل (زيد في الدار) يكون تعبيره ب‍ (في) علامة على ارادة الدار ظرفا لزيد أي (الدار بنحو الأينية)، لا ارادة الدار بما هي أي (بنحو العينية).

 (12) أي وان لم تكن لفظة (من) قرينة على ارادة الخصوصية المزبورة من لفظ الطرف لئلا يكون استعمال لفظ الطرف مجازيا، فاللفظ الذي هو في قبال هذه الخصوصية هو نفس كلمة (من).

(13) الظاهر انه اشارة إلى ما ذكره المحقق الاصفهاني من ان بعض المعاني الاسمية آلة لتعقل حال الغير كالإمكان والوجوب والامتناع. راجع نهاية الدراية الجزء الاول، الطبعة الثانية، المطبعة العلمية بقم.

 (14) تعليل لقوله: (بعد الفراغ...).

(15) ذكر المحقق القمي قدس سره في المقدمة الثانية من المقدمات التي ساقها لبيان مختارة في استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى: ان اللفظ المفرد - أعني ما ليس بتثنية ولا جمع - إذا وضع لمعنى كلي أو جزئي حقيقي فمقتضى الحكمة في الوضع ان يكون المعنى مرادا في الدلالة عليه بذلك اللفظ منفردا، ثم قال: لا اقول ان الواضع يصرح بأني اضع ذلك اللفظ لهذا المعنى بشرط ان لا يراد معه شيء آخر وبشرط الوحدة، ولا يجب ان ينوي ذلك حين الوضع ايضا، بل اقوال: انما صدر الوضع من الواضع مع الانفراد وفي حال الانفراد، لا بشرط الانفراد حتى تكون الوحدة جزء للموضوع له كما ذكره بعضهم، فيكون المعنى الحقيقي للمفرد هو المعنى في حال الوحدة، لا المعنى والوحدة... .

 (16) لعله يريد بذلك: انه لا حاجة هنا إلى شرط خارجي ليقال بأنه غير ملزم الا ان يكون في متن عقد لازم.

(17) يقصد بذلك: ان الرواية انما تفيد تعلقية الحرف بالطرفين من حيث المعنى لا من حيث اللفظ. فالألفاظ الموضوعة للمعاني الحرفية - وهي الحروف - تفيد معانيها افادة مستقلة بالرغم من ان المعاني تعلقية غير قائمة بنفسها، ف‍ (من) معناه سنخ معنى قائم بغيره، لا ان معنى الحرف مستفاد من غير لفظ الحرف.

(18) جاء في تقريرات المحقق النائيني قدس سره في المقدمة الخامسة من مقدمات توضيح مختاره في المعنى الحرفي: ان الحروف بأجمعها معانيها ايجادية نسبية كانت أو غيرها فانها لم توضع الا لأجل إيجاد الربط بين مفهومين لا ربط بينهما كلفظ زيد والدار فكلمة (في) هي الرابطة بينهما في الكلام في مقام الاستعمال فالموجد للربط الكلامي هو الحرف. ولا منافاة بين كون المعاني الحرفية إيجادية وان تكون للنسبة الحقيقية واقعية وخارجية قد تطابق النسبة الكلامية وقد تخالفها.. . أجود التقريرات ج 1 ص 18.

(19) كما عن صاحب الحاشية، راجع الفائدة الثانية من الفوائد التي ذكرها بعد تعليقته على قول صاحب المعالم: (وان كان بدون المناسبة فهو المرتجل).

(20) أي سواء كانت على نحو الكشف أم الإيجاد.

(21) حاصل مقصوده: ان معنى الحرف هو العرض النسبي أي نفس الإضافة القائمة بالطرفين. وأما معنى الهيئة فهو ربط هذا العرض النسبي بموضوعه وهو الذي عبر عنه بقيام العرض بموضوعه وقيام الإضافة بطرفيها. وبهذا يتطابق ما في المقالات مع ما جاء في تقريرات بحثه صفحة 49 من بدائع الافكار، فما جاء في تقرير بحث السيد الصدر صفحة 275 من عدم التطابق ليس في محله.

 (22) أي المركبات الناقصة ك‍ (قيام زيد)؟.

(23) حاصل مقصوده: ان الطلب إذا كان عين الإرادة فالإنشاء لا يكون موجدا له لأن الإرادة موجودة قبل وجود الإنشاء فلا يعقل وجودها بسبب إنشاء الطلب. وأما إذا كان الطلب هو التحريك الاعتباري الناشئ من الإرادة، فهذا التحريك: يترتب على ابراز الإرادة المتحقق بالإنشاء ولا يترتب على نفس الإنشاء فالإنشاء باعتباره مبرزا للإرادة - لا باعتبار انشاء موجدا لمضمونه - يوجد التحريك الاعتباري، فالإنشاء هنا واسطة لإثبات الإرادة التي يترتب عليها التحريك وليس علة له بخلاف الإنشاء في عقد البيع - مثلا - فان انشاء البيع بنفسه يحقق البيع الاعتباري فهو العلة المباشرة بلا أية واسطة في الاثبات.

(24) أي على الطلب.

(25) أي نسبة الجزاء المخصوصة.

(26) (كان) هنا تامة ويمكن ان تكون ناقصة بتقدير.

(27) أي ان معنى الهيئة الذي يراد لحاظه آلة، يقيد ثم يلاحظ مرآة وآلة.

 (28) أي في النظر الأولي حال التكلم.

 (29) وهذا الاشكال هو: كون المعاني الحرفية جزئية، والجزئي غير قابل للتقييد وهذا الاشكال يجري حتى على القول برجوع القيد إلى الهيئة، بمعنى ان القول بالرجوع إلى الهيئة انما دفع الاشكال الاول على تقييد الهيئة وهو (عدم قابلية الهيئة للحاظ الاستقلالي). وتوضيح ذلك: - انه يتوجه على رجوع القيد إلى الهيئة اشكالان: الأول ان الهيئة باعتبارها معنى حرفيا، فهي لا تقبل تعلق اللحاظ الاستقلالي والتقييد يتوقف على امكان اللحاظ الاستقلالي. وقد أجاب المصنف عن هذا الاشكال بان نسبية المعنى الحرفي لا تستلزم آليته فيمكن  لحاظه مستقلا. الثاني: ان المعاني الحرفية جزئية والجزئي لا يقبل التقييد. وأشار المصنف إلى أن هذا الاشكال يرد حتى لو دفعنا الاشكال الأول. لأن جزئية المعنى الحرفي لا تنافي قابلية لحاظه الاستقلالي. ثم انه لا يندفع هذا الاشكال بادعاء: ان الجزئي وان لم يقبل التقييد الإفرادي لكنه قابل للتقييد الاحوالي وذلك: لان الاطلاق المقيد هنا (في باب المفاهيم) هو الاطلاق الافرادي لأن المفهوم في الحقيقة يتضمن نفي سائر مصاديق الوجوب. ولذلك قال المصنف: فتسجل هذا الاشكال في مفاد (الهيئات) أوضح من الاشكال الأول .

(30) فانك إذا ربطت أي مفهوم غير مرتبط تكون قد اعطيته مفهوما جديدا بسبب هذا الربط.

(31) هو المحقق النائيني رحمه الله، راجع فوائد الاصول الجزء 1: 181.

(32) حاصل الرأيين: أما الأول: فهو ان هذا مثلا موضوع للإشارة الخارجية لا الذهنية المتوجهة نحو مدلول كلمة (الرجل) في قولنا (هذا الرجل). وأما الثاني: فهو ان هذا موضوع لمدلول الرجل المتخصص بالإشارة الخارجية.

(33) يعني ان الفارق بين معاني اسماء الاشارة - على القول الثاني - وسائر ما كان الوضع فيه عاما والموضوع له خاصا هو ان الخصوصية هنا تنشأ من الاشارة الحاصلة باللفظ ولا تنشأ من المعنى نفسه. بخلاف بقية الموارد.

 (34) حاصل الاشكال على القول الأول: ان الاشارة الخارجية إذا كانت دخيلة في المعنى الموضوع له فلازمه اننا حينما نستعمل اسم الاشارة ولم نرد به الاشارة الحقيقية، كما إذا اردنا التمثيل فقلنا: (اسم الاشارة مثل هذا ) فحينئذ لا يكون استعمال (هذا) في المثال استعمالا حقيقيا. ويترتب عليه عدم تطابق المثال والممثل له. فان الممثل له هو اسم الاشارة الحقيقي ولكن المثال هو اسم الاشارة المستعمل في غير المعنى الحقيقي. ولهذا يكون هذا الاستعمال لغوا ولقلقة لسان حسب تعبيره.

 (35) ان معنى (هذا) في (هذا الانسان) لو كان مفهوما تفصيليا يوازي مفهوم الانسان للزم لحاظ هذا المفهوم التفصيلي مشيرا ومشارا إليه في آن واحد. وبهذا يجتمع اللحاظان في شيء واحد.

(36) أي ان القرائن الخارجية الملازمة للاستعمال هي التي تفيد الاشارة الشخصية.

 (37) يقصد انه على فرض ان تكون الاشارة الشخصية مأخوذة في الموضوع فليس معنى ذلك أخذ الاشارة الخارجية بل أخذ الصورة الحاكية عن الاشارة بحيث يكون التقييد داخلا والقيد خارجا عن المفهوم.

 (38) وعلى فرض أخذ الاشارة الخاصة قيدا في الموضوع له قد يتوهم بان لازم ذلك ان يكون معنى اسم الاشارة إيجاديا وذلك: لأن الاشارة مأخوذة قيدا في المعنى والاشارة تحتاج إلى آلة وليست الآلة هنا الا لفظ (هذا). فإذا اعتبرنا (هذا) حاكيا عن الاشارة لزم اتحاد الحاكي والمحكي عنه لأن الحاكي عن الاشارة هو (هذا) إذ الاشارة لم تتحقق الا ب‍ (هذا) فلابد من أخذ لفظ (هذا) موجدا للمعنى الاشاري.

(39) والجواب: ان هذا التوهم ناشئ من تخيل ان الاشارة الخارجية باليد مثلا هي حقيقة الاشارة، في حين ان حقيقة الاشارة هي توجه النفس إلى المعنى المعين، والاشارة الخارجية قرينة لتعيين ما توجهت إليه النفس فلفظة (هذا) تكون مبرزة للإشارة النفسانية وليست آلة لإيجاد الاشارة كي يرد هذا التوهم.

 

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.