أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-01-22
1068
التاريخ: 2023-08-06
1002
التاريخ: 2023-12-23
958
التاريخ: 6-11-2016
21296
|
قبل البدء بالكلام عن أحوال العرب نريد أن نشير إلى أن أخبار القرون الماضية الغابرة يمتنع اطلاعنا عليها لتطاول الأحقاب ودروسها، إلا ما يقصه علينا الكتاب العزيز، ويؤثر عن الأنبياء بوحي الله إليهم، وما سوى ذلك من الأخبار الأزلية فمنقطع الإسناد. ولذلك كان المعتمد عند الإثبات في أخبارهم ما تنطق به آيات القرآن في قصص الأنبياء، أو ما ينقله زعماء المفسرين في تفسيرها وذكر أخبارهم ودولهم وحروبهم، ينقلون ذلك عن السلف من التابعين الذين أخذوا عن الأئمة (عليهم السلام) والصحابة، أو سمعوه ممن هاجر إلى الإسلام من أحبار اليهود وعلمائهم أهل التوراة أقدم الصحف المنزلة.
فالعرب العاربة هي أقدم أمة من الأمم من بعد قوم نوح، وأعظمهم قدرة، وأشدهم قوة وآثاراً في الأرض، وأول أجيال العرب من الخليقة. وكان لهم ملوك ودول. فملوك جزيرة العرب ـ وهي الأرض التي يحدها بحر الهند جنوباً، وخليج الحبشة غرباً، وخليج فارس شرقاً، وفيها اليمن والشخر وحضرموت ـ امتد ملكهم إلى الشام ومصر. ويقال: إنهم انتقلوا إلى جزيرة العرب من بابل لما زاحمهم فيها بنو حام، فسكنوا جزيرة العرب بادية مخيمين ثم كان لكل فرقة منهم ملوك وقصور، إلى ان غلب عليهم بنو يعرب بن قحطان. وهؤلاء العرب العاربة شعوب كثيرة وهم: عاد، وثمود، وطسم وجديس، وأميم، وعبيل وعبد ضخم، وجرهم، وحضرموت، وحضوراً، والسلفات.
وسمي أهل هذا الجيل العرب العاربة، إما بمعنى الراسخة في العروبية، أو بمعنى الفاعلة للعروبية والمبتدعة لها بما كانت هي أول أجيالها. وقد تسمى العرب البائدة بمعنى الهالكة، لأنه لم يبق على وجه الأرض أحد من نسلهم.
عـاد:
اماعاد بن عوص بن إرم بن سام فكانت مواطنهم الأولى بأحقاف الرمل بين اليمن وعمان إلى حضرموت والشحر. وكان أبوهم عاد أول من ملك من العرب وطال عمره وكثر ولده. وملك بعده بنوه الثلاثة شديد وشداد وإرم. قال الزمخشري: إن شداد هو الذي بنى مدينة إرم في صحاري عدن، وشيدها بصخور الذهب وأساطين الياقوت والزبرجد، يحاكي بها الجنة لما سمع وصفها طغياناً منه وعتواً. ويقال: إن باني إرم هذه هو إرم بن عاد. ويقول ابن خلدون في تاريخه: الصحيح أنه ليس هناك مدينة اسمها إرم، وإرم المذكورة ي قوله تعالى: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر: 7] هي قبيلة وليست مدينة.
(وذكر المسعودي: أن جيرون بن سعد بن عاد كان من ملوكهم وإنه الذي اختط مدينة دمشق ومصرها، وجمع عمد الرخام والمرمر إليها وسماها إرم، ومن أبواب مدينة دمشق إلى هذا العهد باب جيرون).
ثم لما اتصل ملك عاد، وعظم طغيانهم وعتوهم، انتحلوا عبادة الأصنام والأوثان من الحجارة والخشب، فبعث الله إليهم أخاهم هوداً مبشراً ومنذراً، واسمه فيما ذكره المسعودي والطبري: هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد. وكان ملوكهم آنذاك: الخلجان، ولقمان بن عاد ن عاديا بن صدا بن عاد، فآمن به لقمان وقوم، وكفر به الخلجان. وحبس اله عنهم المطر ثلاث سنين، وبعثوا الوفود من قومهم إلى مكة يستسقون لهم، ويهم لقمان بن عاد ومرثد بن سعد بن عنز، وكانا من الذين آمنوا بهود واتبعاه، فتخلفا عن الوفود فدعوا في استسقائهم وتضرعوا، وأنشأ الله السحب، ونودي بهم أن اختاروا، فاختاروا السوداء من السحب، وأنذروا بعذابها فمضت إلى قومهم وهلكوا كما قصه القرآن. وفي خبر الطبري: (إن الوفد لما رجعوا مروا بمعاوية بن بكر، فلقيهم خبر مهلك قومهم هنالك، وأن هوداً بساحل البحر، وأن الخلجان ملكهم قد هلك بالريح فيمن هلك، وأن الريح كانت تدخل تحت الرجل فتحمله، حتى تقطعوا في الجبال، وتقلع الشجر وترفع البيوت حتى هلكوا أجمعون).
قال المسعودي: أما عبيل وهم إخوان عاد بن عوص كانت ديارهم بالجحفة بين مكة والمدينة، واهلكهم السيل. وكان الذي اختط يثرب منهم هو: يثرب بن بائلة بن مهلهل بن عبيل. وقال السهيلي: إن الذي اختط يثرب من العماليق وهو: يثرب بن مهلايل بن عوص بن عمليق. وأما عبد ضخم بن إرم قال الطبري: كانوا يسكنون الطائف وهلكوا فيمن هلك من ذلك الجيل. وقال غيره: إنهم أول من كتب بالخط العربي.
ثمـود:
واما ثمود وهم: بنو ثمود بن كاثر بن إرم، فكانت ديارهم بالحجر ووادي القرى فيما بين الحجاز والشام. وكانوا ينحتون بيوتهم في الجبال. ويقال: ان أعمارهم كانت طويلة، وكانت بيوتهم تتعرض للبلاء والخراب، فلذلك نحتوها في الصخر، وفي بعض الروايات أن النبي مر على بيوتهم في غزوة تبوك ونهى عن دخولها. وقال المسعودي: إن أهل تلك الأجيال كانت أجسامهم مفرطة في الطول والعظم، والبيوت المشار عنها في كلام الرسول (صلى الله عليه وآله) تشهد بذلك.
وقيل: إن أقدم ملوكهم كان عابر بن إرم بن ثمود. فبعث الله النبي صالح (عليه السلام) مبشراً ونذيراً، واسمه: صالح بن عبيل بن أسف بن شالخ بن عبيل بن كاثر بن ثمود. فدعاهم إلى الدين والتوحيد، وكانوا أهل كفر وبغي، وكانوا يأخذون الأصنام أرباباً من دون اله، فلما دعاهم إلى الإيمان جحدوا وطلبوا الآيات، فخرج بهم إلى هضبة من الأرض فتمخضت عن ناقة ـ وهي المعروفة بناقة صالح ـ ونهام أن يتعرضوا لها بعقر أو أذية، ثم أخبرهم بعلم الغيب بأنهم سيفعون بها ما نهاهم عنه. ولما طال النذير عليهم من صالح سئموا منه وهموا قتله، وكان يخرج إلى خارج البلة حيث يوجد مسجد هناك، فكمن له جماعة تحت صخرة في طريقه ليقتلوه، فوقعت الصخرة عليهم وهلكوا، فعلم بذلك أهلم، فمضوا إلى الناقة ورماها أحدهم بسهم في ضرعها وقتلها. فلجأ فصيلها إلى جبل فلم يدركوه، حتى رأى صالحاً، فأقبل عليه ورغا ثلاث رغاآت، فتخوف عليهم العذاب وأنذرهم صالح ثلاثاً، وفي صبح اليوم الرابع صعقوا بصيحة من السماء تقطعت بها قلوبهم فأصبحوا في ديارهم جاثمين، وهلكوا أجمعين.
وأما جديس وطسم، فقال الطبري: إن طسماً وجديساً كانوا من ساكني اليمامة، وهي إذ ذاك من أخصب البلاد وأعمرها وأكثرها خيراً وثماراُ وحدائق وصوراُ. وكان ملك طسم ظالماً جباراً لا ينهاه شيء عن هواه، يقال له: عملوق. وكان مضراً لجديس مستذلاً لهم، حتى كانت البكرُ من جديس لا تهدى إلى زوجها حتى تدخل على عملوق هذا فيفترعها.
وكان السبب في ذلك: أن امرأة منهم كان اسمها هزيلة طلقها زوجها وأخذ ولدها منها، فأمر عملوق ببيعها، فبيعت وأخذ زوجها خمس ثمنها، فقالت شعراً تتظلم منه، فأمر أن لا تزوج منهم امرأة حتى يفض بكارتها. فامتثلت جديس لأوامر عملوق، ودامت هذه الحالة حتى تزوجت الشموس وهي: عفيرة ابنة غفر بن جديس، أخت الأسود، فافتضها عملوق، فقال الأسود بن غفار لرؤساء جديس: قد ترون ما نحن فيه من الذل والعار الذي ينبغي للكلاب ان تعافه، فأطيعوني أدعكم إلى عز الدهر. فقالوا: وما ذاك؟ قال: أصنع للملك وقومه دعوة فإذا جاؤوا ـ يعني: طسماً وملكهم عملوق ـ نهضنا إليهم بأسيافنا فنقتلهم. فأجمعوا على ذلك، ودفنوا سيوفهم في الرمل ودعوا عملوقاً وقومه، فلما حضروا قتلوهم فأفنوهم، وقتل الأسود عملوقاً، ولم ينجُ منهم إلا رباح بن مرة بن طسم.
فأتى رباح حسان بن تبع مستغيثاً، فنهض حسان في قبيلته حمير لنجدته، حتى كان من اليمامة على ثلاث مراحل فقال لهم رباح: إن لي أختاً مزوجة في جديس اسمها اليمامة ليس على وجه الأرض أبصر منها، وأنها لتبصر الراكب على ثلاث مراحل، وأخاف أن ترانا فتخبر اقوم. فأمر كل رجل أن يقلع شجرة يجعلها في يده ويسير كأنه خلفها، ففعلوا، وبصرت بهم اليمامة فقالت لجديس: لقد سارت إليكم حمير، وإني أرى رجلاً من وراء شجرة بيده كتف يتعرقها أو نعل يخصفها، واستبعدوا ذلك ولم يحفلوا به، فما أحسوا إلا وحمير مصبحين بينهم شاهرين سيوفهم، فأباد حسان جديس وخرب حصونهم وبلادهم، وهرب الأسود بن غفار إلى جبلي طيء فأقام بهما. ودعا تبع ـ أبو حسان ـ باليمامة أخت رباح التي أبصرتهم فقلع علينها. ويقال: إنه وجد بها عروقاً سوداً زعمت أن ذلك من اكتحالها بالإثمد. وكانت البلد تسمى (جو) فسميت بـ(اليمامة) على اسم تلك المرأة.
وأما العمالقة فهم: بنو عمليق بن لاوذ. وبهم يضرب المثل في الطول والجثمان. قال الطبري: عمليق أبو العمالقة كلهم أمم تفرقت البلاد، فكان أهل المشرق وأهل عمان والحبرين وأهل الحجاز منهم، وكانت الفراعنة بمصر منهم، وكانت الجبابرة بالشام ـ الذي يقال لهم: الكنعانيون ـ منهم. فالذين بالبحرين وعمان والمدينة يسمون (جاسم). وكان بالمدينة من (جاسم) هؤلاء: بنو لف، وبنو سعد بن هزال، وبنو مطر، وبنو الأزرق. وكان بنجد منهم: بديل، وراحل، وغفر. وبالحجاز منهم إلى تيما: بنو الأرقم، ويسكنوا مع ذلك نجداً. وكان ملكهم يسمى (الأرقم).
وقال بن سعيد: كانت مواطن العمالقة (تهامة) من أرض الحجاز، فنزلوها أيام خروجهم من العراق أمام النماردة من بن حام، ولم يزالوا كذلك إلى أن جاء إسماعيل (عليه السلام) وآمن به من آمن منهم. واستمر الملك لهم إلى ن كان منهم السميدع بن لاوذ بن عمليق، وفي أيامه خرجت العمالقة من الحرم، أخرجتهم جرهم من قبائل قحطان، فتفرقوا، ونزل بالمدينة منهم: بنو عبيل بن مهلايل بن عوص بن عمليق، فعرفت به. ونزل أرض أيلة ابن هومر بن عمليق واتصل ملكها ي ولده. وكان السميدع اسم يطلق على كل من ملك عليهم، إلى أن كان آخرهم السميدع بن هومر الذي قتله يوشع لما زحف بنو إسرائيل إلى الشام بعد موسى (عليه السلام) فكان معظم حروبهم مع هؤلاء العمالقة هنالك، فغلبه يوشع وأسره، وملك أريحا قاعدة الشام، وهي قرب بيت المقدس. ثم بعث يوشع جيشاً من بني إسرائيل إلى الحجاز فملكوه، وانتزعوه من أيدي العمالقة ملوك، ونزعوا يثرب ـ المدينة ـ وبلادها وخيبر، ومن بقاياهم: يهود قريظة، وبنو النضير وبنو قينقاع، وسائر يهود الحجاز. ثم كان لهم ـ أي للعمالقة ـ ملك بعد ذلك في دولة الروم، فملكوا أذينة بن السميدع على مشارف الشام والجزيرة من ثغورهم، وأنزلوهم في التخوم ما بينهم وبين فارس.
ومن هؤلاء العمالقة فيما يزعمون عمالقة مصر، وأن بعض ملوك القبط استنصر بملك العمالقة بالشام لعهده واسمه الوليد فجاء معه ملك مصر واستعبد القبط. قال الجرجاني: ومن ثم ملك العماليق مصر، ويقال: إن منهم فرعون إبراهيم وهو: سنان بن الأشل بن عبيد بن عولج بن عمليق. وفرعون يوسف منهم أيضاً وهو: الرين بن الوليد بن وران. وفرعون موسى كذلك وهو: الوليد بن مصعب بن أبي أهون الهلوان. وكان الذي ملك مصر بعد الريان بن الوليد، هو: طاشم بن معدان. وقال غيره: إن أطفير كان وزير الريان وهو العزيز، وأنه آمن بيوسف، وأن أرض الفيوم كانت مغايض للمياه فدبرها يوسف بالوحي والحكمة حتى صارت أعز الديار المصرية، وملك بعد الرين ابنه دارم بن الريان، وبعده ابنه معدا نوس فاستعبد بني إسرائيل.
وأما الكنعانيون: فذكر الطبري أنهم من العمالقة. والإسرائيليون يقولون إنهم من كنعان بن حام. وكانوا قد انتشروا ببلاد الشام وملكوها، وكان معهم فيها بنو عيصو، ويقال لهم: بنو يدوم. ومن أيديهم جميعاً ابتزها بنو إسرائيل عند المجيء أيام يوشع بن نون.
وأما اميم فهم إخوان عملاق بن لاوذ. ويذكر أنهم أول من بنى البنيان واتخذ البيوت من الحجارة، وسقفوا بالخشب. وكانت ديارهم أرض فارس. وكان من شعوبهم وبار بن أميم نزلوا رمل عالج بين اليمامة والشحر، وسالت عيهم الريح فهلكوا.
وما العرب البائدة من بني أرفخشد بن يقطن بن عاب بن شالخ بن أرفخشد، فهم: جرهم، وحضورا، وحضرموت، والسلف. فأما حضورا فكانت ديارهم بالرس، وكانوا أهل كفر وعبادة أوثان. وبعث الله إليهم نبياً منهم اسمه شعيب بن ذي مهرع فكذبوه، وهلكوا كما هلك غيرهم من الأمم. وأما جرهم فكانت ديارهم باليمن، وكانوا يتكلمون بالعبرانية. قال البيهقي: إن يعرب بن قحطان لما غلب عاداً على اليمن، وملكه من أيديهم، ولّى إخوته على الأقاليم، فولي جرهم على الحجاز، وولي بلاد عاد الأولى وهي (الشحر) عاد بن قحطان فعرفت به وولي عمان: يقطن بن قحطان.
واما حضرموت فمعدودون في العرب العاربة لقرب أزمانهم، وليسوا من العرب البائدة لأنهم باقون في الأجيال المتأخرة، إلا أن يقال: إن جمهورهم قد ذهب بعد عصورهم الأولى، واندرجوا في (كندة) فصاروا في عدادهم، فم بهذا الاعتبار قد هلكوا وبادوا. والله أعلم.
قال ابن سعيد: إن (جرهم) أمتان: أمة على عهد عاد ـ وهي جرهم البائدة ـ وأمة من ولد جرهم بن قحطان. ولما ملك يعرب بن قحطان اليمن، ملك أخوه جرهم الحجاز. ثم ملك من بعده ابنه عبد ياليل، ثم ابنه عبد المدان بن جرهم، ثم ابنه نفيلة بن عبد المدان، ثم ابنه عبد المسيح، ثم انه مضاض، ثم ابنه الحرث. ثم ملك من بعده جرهم بن عبد ياليل ثم ابنه عمرو بن الحرث، ثم أخوه بشر بن الحرث، ثم مضاض بن عمرو بن مضاض. قال: وهذه الأمة الثانية هم الذين بعث إليهم النبي إسماعيل (عليه السلام)، وتزوج فيهم.
ما بنو سبأ بن يقطن فلم يبيدوا، وكان لهم بعد تلك لأجيال البائدة أجيال باليمن، منهم: حمير .. وكهلان . وملوك التبابعة. وهؤلاء هم العرب المستعرة وسيأتي الكلام عنهم إن شاء الله تعالى.
وفي مسند الإمام أحمد: أن رجلاً ـ قيل: هو فروة بن مسيق المرادي ـ سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن سبأ أرجل هو أم إمرأة أم أرض؟ فقال (صلى الله عليه وآله): بل رجل ولد عشرة، فسكن اليمن منهم ستة، والشام أربعة. فأما اليمانيون: فمذحج .. وكندة .. والأزد .. والأشعر .. وأنمار .. وحمير وأما لشاميون: فلخم .. وجذام.. وعاملة.. وغسان. وثبت أن أباهم قحطان كان يتكلم العربية، وأخذها عن الأجيال قبل، فكانت لغة بنيه، ولذلك سموا العرب المستعربة، ولم يكن من آباء قحطان من لدن نوح (عليه السلام)إليه من يتكلم بالعربية، وكذلك كان أخوه فالغ وبنوه إنما كانوا يتكلمون بالعجمية إلى أن جاء إسماعيل بن إبراهيم (عليه السلام)فتعلم العربية من جرهم فكانت لغة بنيه، وهؤلاء المسمون بالعرب التابعة.
أبو العرب إسماعيل (عليه السلام):
وإسماعيل (عليه السلام)هو ابن إبراهيم بن آزر ـ وهو تارح، وآزر اسم لصنمه لقبه ـ ابن ناحور بن ساروخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح.
وكان أبوه إبراهيم الخليل (عليه السلام)متزوجاً من سارة وكانت عقيماً لا تلد، فوهبت جاريتها (هاجر) إلى إبراهيم وقالت له: لعل الله يرزقك منها ولداً. فتزوجها إبراهيم، وكان قد سأل الله أن يهبه ولداً فوعده ، فولدت هاجر لإبراهيم إسماعيل (عليه السلام)لست وثمانين من عمره وأوحى الله إليه إني قد باركت عليه وكثرته ويكون رئيساً لشعب عظيم. وأدركت سارة الغيرة من هاجر وطلبت منه إخراجها، فهاجر بها إلى مكة ووضعها وابنها بمكان زمزم عند دوحة هنالك وانطلق، فقالت له هاجر: الله أمرك؟ قال: نعم. قالت: إذاً لا يضيعنا. وانطلق إبراهيم، وعطش إسماعيل بعد ذلك عطشاً شديداً، وأقامت هاجر تتردد بين الصفا والمروة إلى أن صعدت عيها سبع مرات لعلها تجد شيئاً، ث أتته فوجدته يفحص برجليه فنبعت زمزم.
ثم مرت رفقة من جرهم أو أهل بيت منهم، ونزلوا أسفل مكة، فرأوا الطير حائمة فقالوا: لا نعلم بهذا الوادي ماء، ثم أشرفوا فرأوا المرأة وابنها فنزلوا معهما هنالك. فشب إسماعيل بينهم وتعلم اللغة العربية منهم، وأعجبوا به كثيرا، وتزوج إمرأة منهم وهي: الحنفاء بنت الحارث بن مضاض الجرهمي، فولدت له اثني عشر ذكراً، وهم: قيدار .. ونابت.. وأدبيل .. ومبشام .. ومسمع .. ودوماً.. ومسا.. ومداد.. وتيما.. ويطور .. ونافس .. وقيدما. ولما توفي إسماعيل وليَ البيت الحرام بعده نابت بن إسماعيل.
وافترق ولد إسماعيل يطلبون السعة في البلاد، وحس قوم أنسم على الحرم، فقالوا: لا نبرح من حرم الله. ولما توفي نابت، وليَ البيت المضاض بن عمرو الجرهمي ـ وهو جد ولد إسماعيل ـ وذلك أن من بقي ي الحرم من ولد إسماعيل كانوا صغاراً. وبقي الملك ي ولده إلى ن ملك الحارث بن مضاض بن عمرو فكان آخر ملوك جرهم.
وطغت جرهم، وبغت وظلمت وفسقت في الحرم، فسلط الله عليهم الذرّ، فأهلكوا به عن آخرهم. وكان ولد إسماعيل منتشرين في البلاد يقهرون من ناوأهم، غير أنهم كانوا يسلمون الملك لجرهم للخؤولة، وكانت جرهم تطيعهم في أيامهم، ولم يكن أحد يقوم بأمر الكعبة في أيام جرهم غير ولد إسماعيل تعظيماً منهم لهم، ومعرفة بقدرهم. فقام بأمر الكعبة بعد نابت أمين. ثم يشجب .. ثم الهميسع .. ثم أدد. فعظم شأنه في قومه، وجلّ قدره، وأنكر على جرهم أفعالها، وهلكت جرهم في عصره.
ثم قام بالأمر من بعد أدد، عدنان بن أدد، وكان عدنان أول من وضع الأنصاب وكسا الكعبة. وكان معد بن عدنان أشرف ولد إسماعيل في عصره، وكانت أمه من جرهم، ولم يبرح الحرم، فكان له من الولد عشرة أولاد، وهم: نزرا .. وقضاعة .. وعبيد الرماح .. وقنص .. وقناصة .. وجنادة .. وعوف .. وأؤد .. وسلهم .. وجنب. وكان معد يكنى أبا قضاعة، فانتسب عامة ولد معد في اليمن، وكان لهم عدد كثير. وانتمت قضاعة إلى ملك حمير. وكان معد أول من وضع رجلاً على جمل وناقة، وأول من زمها بالنسع.
وكان نزار بن معد سيد بني أيه وعظيمهم، ومقامه بمكة، وأمه ناعمة بنت جوشم بن عدي بن دب الجرهمية. وكان له من الولد أربعة: مضر .. وإياد .. وربيعة .. وأنمار. وأمهم: سودة بنت عك بن عدنان. ولما حضرت نزار الوفاة قسم ميراث على ولده الأربعة، فأعطى مضر ناقته الحمراء وما أشبهها من الحمرة، فسمي مضر الحمراء، وأعطي ربيعة الفرس وما أشبهها، فسمي ربعية الفرس ـ وهذان هما الصريحان من ولد إسماعيل ـ وأعطى إياداً غنمه وعصاه، وكانت الغنم برقاء، فسمي إياد البرقاء، ويقال أيضاً: إياد العصا، وأعطى أنماراً جارية له تسمى بجيلة فسمي بها. وأمرهم إن تخالفوا ن يتحاكموا إلى الأفعى بن الأفعى الجرهمي، وكان منزله بنجران.
فأما أنمار بن نزار فنه تزوج في اليمن، فانتسب ولده إلى الخؤولة، فمنهم: بجيلة وخثعم، ولم يخرج من ولد نزار غيرهم.
وأما ربيعة بن نزار فإنه فارق إخوته، فصار قريباً إلى الفرات، وولد له أولاد منهم: أسد .. وضبيعة .. وأكلب .. ولا ينسبون إلى اليمن. وانتشر ولد ربيعة بن نزار وولد ولده حتى كثروا، وامتلأت منهم البلاد، فجماهير قبائل ربيعة: بهتة بن وهب بن جلي بن أحمس بن ضبيعة بن ربيعة .. وعنزة بن أسد بن ربيعة .. وعبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة .. ويشكر بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى .. وحنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط.. وعجيل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر .. وقيس بن ثعلبة بن عكابة بن علي بن بكر .. وتيم اللات بن ثعلبة بن عكابة.
وما إياد بن نزار فإنه نزل اليمامة، فولد له أولاد انتسبوا في القبائل، فيقول النسابون: إن ثقيفاً قسي بن النبت بن منبه بن منصور بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن إياد، وإنهم انتسبوا إلى قيس. وكانت ديارهم بعد اليمامة الحيرة، ومنازلهم الخورنق والسدير وبارق، ثم أجلاهم كسرى عن ديارهم، فأنزلهم تكريت ـ وهي: مدينة قديمة على شط دجلة ـ ثم أخرجهم إلى بلاد الروم، فنزلوا بأنقرة، ورئيسهم يومئذ كعب بن مامة، ثم خرجوا بعد ذلك، فجماهير قبائل إياد أربعة: مالك .. وحذاقة، ويقدم .. ونزار. وفيهم يقول الأسود بن يعفر التميمي:
أهل الخورنق والسدير وبارقٍ والقصر ذي الشرفات من سنداد
الواطئون على صدور نعالهم يـمشــون في الدفنـي والأبـــــرادِ
عفت الرياح على محل ديارهم فـكـأنمــا كانـــــوا علــى ميعــــاد
وأما مضر بن نزار: فسيد ولد أبيه، وكان كريماً حكيماً، ويروي عنه أنه قال لولده: من يزرع شراً يحصد ندامة، وخير الخير أعجله، فاحملوا أنفسكم على مكروهها فيما أصلحكم، واصرفوها عن هواها فيما أفسدكم، فليس بي الصلاح والفساد إلا صبر ووقاية وري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا تسبوا مضر وربيعة فإنهما كانا على دين إبراهيم.
فولد مضر بن نزار، الياس بن مضر .. وعيلان بن مضر فولد عيلان، قيس بن عيلان بن مضر، فانتشر ولده وكثروا وصار فيه العدد والمنعة، فجماهير قبائل قيس بن عيلان: عدوان بن عمرو بن قيس .. وفيهم بن عمرو بن قيس.. ومحارب بن خصفة بن قيس .. وباهلة بن أعصر بن سعد بن قيس .. وفزارة بن ذبين بن بغيض بن ريث بن غطفن بن سعد بن قيس .. وسليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس .. وعام بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ومازن بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة .. وكلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة .. والبكاء بن عامر بن ربيعة .. وعوف بن عامر بن ربيعة بن عامر .
ولهذا يقال: إن إسماعيل صار أباً للعرب .. إذ ان الأجيال العربية تحدرت كلها من هذه القائل التي ذكرناها آنفاً .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مستشفى العتبة العباسية الميداني في سوريا يقدّم خدماته لنحو 1500 نازح لبناني يوميًا
|
|
|