أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-12-20
821
التاريخ: 2024-01-18
816
التاريخ: 2024-01-22
1056
التاريخ: 8-11-2016
8509
|
الجزيرة العربية (1):
تشغل جزيرة العرب الجنوب الغربي لآسيا، وقد سماها أهلها جزيرة لأن الماء يدور بها من ثلاث جهات في جنوبيها وغربيها وشرقيها؛ فهي شبة جزيرة، وليس في الأرض شبه جزيرة تضاهيها في المساحة. ويرى علماء الجيولوجيا أنها كانت متصلة بإفريقية في الزمن المتعمق في القدم، ثم فصلهما منخفض البحر الأحمر الذي يمتد في غربيها، كما يرون أنه كان يعطي جزءًا منها في العصر الجليدي مروج خضراء، وكانت تجري بها بعض أنهار، ولا تزال تشهد عليها أودية جافة عميقة. ويطل عليها في الجنوب المحيط الهندي وفي الشرق بحر عمان وخليج العرب، وتترامى متوغلة في الشمال على حدود فلسطين وسوريا غربًا والعراق وبلاد الجزيرة شرقًا.
وكان جغرافيو اليونان والرومان يقولون إنها ثلاثة أقسام: العربية الصحراوية والعربية الصخرية أو الحجرية والعربية السعيدة، أما العربية الصحراوية: فلم يعيِّنوا حدودها ولكن يفهم من كلامهم أنهم كانوا يطلقونها على البادية الشمالية التي تصاقب بلاد الشام غربًا وتمتد شرقًا إلى العراق والحيرة. وكانت تقع في شماليها مملكة تدمر التي حكمتها أسرة الزبَّاء المشهورة. وأما العربية الصخرية: فكانوا يطلقونها على شبه جزيرة سيناء والمرتفعات الجبلية المتصلة بها في شمالي الحجاز وجنوبي البحر الميت، وهي التي أقام فيها النبط مملكتهم واتخذوا مدينة سلع "بطرا" حاضرة لهم، وامتدت هذه المملكة في عهد الحارث الرابع أوائل القرن الأول للميلاد إلى دمشق؛ غير أن الرومان استولوا عليها سنة 106م. أما العربية السعيدة: فكانت تشمل وسط الجزيرة وجنوبيها، أو بعبارة أخرى كل ما وراء القسمين الأول والثاني. وربما دل ذلك من بعض الوجوه على أن هذا القسم الثالث كان يدين بالولاء للدول الجنوبية مثل معين وسبأ.
ويقسم جغرافيو العرب الجزيرة إلى خمسة أقسام، هي: تهامة والحجاز ونجد والعروض واليمن، وتهامة هي المنطقة المطلة على بحر القُلْزُم أو البحر الأحمر. وتسمى في الجنوب باسم تهامة اليمن، وقد يبلغ عرضها في بعض الأمكنة خمسين ميلًا، وكان العرب القدماء يسمونها الغَوْر لانخفاض أرضها، وهي أرض رملية شديدة الحرارة، وقد قامت بها بعض المرافئ والثغور مثل الحديدة في اليمن، ومثل جدة وينبع في الحجاز. ويقع في شماليهما ثغر صغير يعرف باسم الوجه، ويظن أنه كان ثغر مدينة الحِجْر المعروفة الآن باسم مدائن صالح. في جنوبي الوجه قرية الحوراء، وربما كانت هي الموضع الذي أرسى فيه "إليوس جالوس" القائد الروماني بجيوشه سنة 24ق.م وهي الغزوة التي أراد بها أن يفتح بلاد اليمن وباءت بالفشل الذريع.
وتمتد في شرقي تهامة سلسلة جبال السَّراة من الشمال إلى الجنوب فاصلة بينها وبين هضبة نجد ومؤلفة إقليم الحجاز المعروف، وتكثر في هذا الإقليم الأودية والمناطق البركانية، والحرَّات وهي أراض رملية تعلوها قمم البراكين. وإذا وجدت في هذه الأراضي آبار وعيون آذنت بالخصب وقيام القرى الكبيرة مثل المدينة أو يثرب ووادي القُرى في شماليها وهو يقع بينها وبين العُلا، وكانت تسمى قديمًا دادان. ومن مدن هذا الوادي قُرْح وكانت تقام بها سوق عظيمة في الجاهلية ومدينة الحجر أو مدائن صالح وقومه من ثمود. ونزل اليهود ببعض قرى هذا الوادي مثل خيبر وفدك، وامتدوا إلى تيماء في الشمال ويثرب في الجنوب. وكان ينزل في هذه الجهات قبل الإسلام قبائل عذرة وبلى وجهينة، وقضاعة وكانت تمتد عشائرها إلى شبه جزيرة سيناء. وعثر المنقبون في وادي القرن على نقوش عربية جنوبية وأخرى شمالية كالثمودية واللحيانية. وأهم مدن الحجاز مكة واسمها عند بطليموس مكربا "Macoraba" وكانت قبل الإسلام تمسك بزمام القوافل المصعدة إلى البحر الأبيض والمنحدرة إلى المحيط الهندي، وكان بها الكعبة بيت أصنامهم حينئذ فكان العرب يحجون إليها ويتجرون في أسواقها ويبتاعون ما يحتاجون إليه. وعلى بعد خمسة وسبعين ميلًا إلى الجنوب الشرقي من مكة تقع الطائف، وقد أقيمت على ظهر جبل غَزْوان، وتحف بها أودية وآبار كثيرة أتاحت للمملكة النباتية أن تزدهر هناك من قديم، وقد عثر فيها على نقوش ثمودية.
وينبسط الحجاز شرقًا في هضبة نجد الفسيحة التي تنحدر من الغرب إلى الشرق حتى تتصل بأرض العَروض وهي بلاد اليمامة والبحرين. ويسمي العرب جزءها المرتفع مما يلي الحجاز باسم العالية، أما جزؤها المنخفض مما يلي العراق فيسمونه السافلة؛ بينما يسمون شرقيها إلى اليمامة باسم الوشوم وشماليها إلى جبلي طيء: أجا وسلمى باسم القَصيم، وهو عندهم الرمل الذي ينبت الغضا وهو ضرب من الأثل، وإليه ينسب أهل نجد فيسمون أهل الغضا. وشمالي نجد صحراء النفود وهي تشغل مساحة واسعة؛ إذ تبتدئ من واحة تيماء وتمتد شرقًا نحو 300 ميل وتزخر بكثبان من الرمال الحمراء، تخللها مراع فسيحة. وإذا اقتربت من العراق مدت ذراعًا لها نحو الجنوب، فتفصل بين نجد والبحرين متسمية باسم الدهناء أو رملة عالج وهي منازل قبيلتي تميم وضبة في الجاهلية والإسلام؛ حتى إذا أحاطت باليمامة انبطحت في الربع الخالي وهو صحراء واسعة قاحلة يظن أنها تبلغ نحو خمسين ألف ميل مربع، وهي تفصل بين اليمامة ونجد من جهة وبين عمان ومهرة والشحر وحضرموت من جهة ثانية، وتندمج فيها صحراء الأحقاف التي تمتد إلى الغرب فاصلة اليمن من نجد والحجاز. وهذه الصحارى التي تطوق نجدًا في الشمال والشرق والجنوب قفار متسعة، وخيرها القسم الشمالي؛ إذ تكسوه الأمطار في الشتاء حلة قشيبة من النباتات والمراعي. ووراء هذا القسم في الشمال بادية الشام وهي كثيرة الأودية والواحات وبادية العراق أو بادية السماوة. وواضح أنهما لا تعدان من نجد.
وتشمل العروض اليمامة والبحرين وما والاهما. وعَدَّ ياقوت في معجم البلدان اليمامة من نجد، وكانت عند ظهور الإسلام عامرة بالقرى، مثل حجر وكانت حاضرتها، ومثل سدوس ومنفوحة وبها قبر الأعشى، ويقال إنها كانت موطن قبيلتي طَسْم وجديس البائدتين. وقد عثر فيها على نقوش سبئية متأخرة. وتمتد البحرين من البصرة إلى عُمان، وبها كانت تنزل قبيلة عبد القيس في الجاهلية، وهي تشمل الآن الكويت والأحساء وجزر البحرين وقطر، وتكثر في الإقليم الآثار والمياه وخاصة في الأحساء، ومن مدنه القديمة هَجر وفي أمثالهم "كجالب التمر إلى هجر"، والقَطيف وكانت تسمى أيضًا الخط وإليها تنسب الرماح الخطية. وفي جنوبي البحرين عمان ومن مدنها صُحار ودَبا وكان بها سوق مشهورة في الجاهلية. وعُرف سكان هذه المنطقة من قديم بالملاحة واستخراج اللآلئ.
أما القسم الخامس من الجزيرة وهو اليمن؛ فيطلق على كل الجنوب، فيشمل حضرموت ومهرة والشحر، وقد يطلق على الزاوية الجنوبية الغربية من الجزيرة، وهو الإطلاق المشهور الآن, وتتألف اليمن من أقسام طبيعية ثلاثة: ساحل ضيق خصب هو تهامة اليمن وجبال موازية للساحل هي امتداد سلسلة جبال السراة ثم هضبة تفضي إلى نجد ورمال الربع الخالي، وبها كثير من الأودية والسهول والثمار والزروع بفضل أمطار الرياح الموسمية الغزيرة، وقد وصفها القرآن الكريم بأنها {جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ } [سبأ: 15]. وأتاح ذلك لسكانها أن يقيموا فيها دولًا وحضارة منذ أواخر الألف الثاني قبل الميلاد إلى أوائل القرن السادس الميلادي. ويسمى قسمها الشمالي المجاور للحجاز باسم عَسير، وكانت تنزله قبيلة بَجيلة في الجاهلية. ومن أشهر مدن اليمن زبيد وظفار وصنعاء وعدن ونجران، ومن أشهر وديانها تبالة وبيشة وكان به مأسدة. وتمتد شرقي اليمن حضرموت على ساحل بحر العرب؛ فإقليم مهرة، والشحر ومعناه في اللغة الجنوبية الساحل، وتنمو في جباله أشجار الكُنْدُر وهو اللبان الذي اشتهر به جنوبي بلاد العرب في الجاهلية.
ومناخ الجزيرة في جملته حار شديد الحرارة، وتكثر في نجد رياح السموم التي تهب صيفًا؛ فتشوي الوجوه شيًّا، وألطف رياحها الرياح الشرقية ويسمونها الصبا، وأكثر شعراؤهم من ذكرها. أما ريح الشمال فباردة وخاصة في الشرق؛ إذ تتحول إلى صقيع في كثير من الأحيان. والأمطار عامة قليلة؛ إلا في الجنوب حيث تهطل أمطار الرياح الموسمية في الصيف، وإلا في الشمال الغربي حيث تهطل أمطار الرياح الغربية شتاء. وكثيرًا ما يتحول المطر إلى سيول جارفة في اليمن وشمالي الحجاز، وقد وصف امرؤ القيس في معلقته سيلًا جارفًا حدث بالقرب من تيماء حيث كانت منازل بني أسد. وتقل الأمطار في الداخل ولقلتها سموها غيثًا وحيا "من الحياة" واستنزلها الشعراء على ديار معشوقاتهم وقبور موتاهم. ومتى احتبست الأمطار جفت الأرض وأجدبت وحل الهلاك والفناء على القطعان والرِّعاء. ولطول ما كان يحدث لهم من ذلك سموا الجدب سنة؛ فيقولون: أصابتنا سنة أتت على الأخضر واليابس. ومن أجل ذلك كثرت عندهم الرحلة في طلب العشب والكلأ، فترحل القبيلة بإبلها وأغنامها إلى مراع جديدة. وليس في الجزيرة بحيرات إلا ما يقال من أن هناك بحيرة مالحة في الربْع الخالي، وليس بها كذلك غابات ولا أنهار جارية.
وفي الجنوب والشرق وقرى الحجاز واليمامة تكثر الزروع والثمار وتتناثر بعض الفواكه، وقد اشتهرت اليمن وما والاها قديمًا بأشجار اللبان والطيب والبخور، كما اشتهرت حديثًا بأشجار البن، وتشتهر الطائف بالكروم، ولم يكونوا يعتمدون عليها وحدها في الخمر؛ بل كانوا يعتمدون أيضًا على مدن الشام، والنخلة أهم الأشجار في الجزيرة كلها. ويتردد على ألسنة شعراء نجد ذكر طائفة من الأزهار على رأسها العَرار والخُزَامى وطائفة من الأشجار على رأسها الغَضا والأثْل والأرْطى والسِّدر "الطَّلح" والحنظل والضَّال والسَّلم.
أما الحيوان؛ فقد صور شعراؤهم كثيرًا من أليفه مثل الخيل والإبل والأغنام ووحشيِّه مثل الأوعال والظباء والنعام والغزال والزراف وحمار الوحش وأتُنه وثور الوحش وبقره، ومثل الأسد والضبع والذئب والفهد والنمر. ودارت الطيور الجارحة على ألسنتهم مثل الحدأة والصقر والنسر والغراب، وقلما وصفوا منهلًا دون أن يذكروا القطا وهو يشبه الحمام. وذكروا كثيرًا الجراد، وتحدثوا عن النخل واشتهرت به هذيل التي كانت تعنى ببيوته وخلاياه. ومن زواحفهم الثعبان والعقرب والوَرَل والضب. وفي أمثالهم: "أعقد من ذنب الضب".
_________
(1) انظر في صفة الجزيرة العربية كتب الجغرافية العربية، وكتاب تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي "طبع بغداد" ج1ص 86 وما بعدها وكتاب تاريخ العرب "مطول" لفيليب حتى "الترجمة العربية" ج1 ص15 وما بعدها وكتاب "قلب جزيرة العرب" لفؤاد حمزة.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|