أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-22
324
التاريخ: 2024-07-04
663
التاريخ: 2024-02-27
1037
التاريخ: 2023-07-10
1031
|
بعد أن اختفى «رعمسيس الثالث» من مسرح الحياة آلت مقاليد الملك من بعده لابنه «رعمسيس الرابع»، الذي لم يرث من والده صفة الملك الحازم، فانتهز كهنة «آمون» العظام فرصة ضعف أخلاف «رعمسيس الثالث»، وأخذوا يستولون على السلطة في البلاد شيئًا فشيئًا إلى أن جمعوا مقاليد الملك في أيديهم، وكانت الخطوة الأولى في هذه السبيل أن تربع أفراد أسرة من الكهنة على كرسي رياسة «آمون» في «طيبة»، وهذه كانت المرة الأولى في تاريخ أرض الكنانة، التي نجد فيها هذه الوظيفة تنتقل بالوراثة من الأب إلى الابن.
ورئيس هذه الأسرة هو الكاهن الأول «لآمون» المسمى «رعمسيس نخت» في عهد الفرعون «رعمسيس الرابع»، وقد خلفه كما سنرى من بعد اثنان من أولاده على التوالي وهما «نسآمون» ثم «أمنحتب»، والأخير هو الذي جاء قبل الكاهن والملك «حريحور» مباشرة.
والآثار التي تركها لنا «رعمسيس نخت» تمدنا بمعلومات قيمة عن تاريخ حياته، ونخص بالذكر منها التمثالين اللذين عثر عليهما «لجران» في خبيئة «الكرنك». ويمتاز أحدهما بدقة صنعه، ورشاقة شكله؛ فقد مثل مرتديًا ثوبه الديني الرسمي الفضفاض ذا الثنايا، وعلى رأسه الشعر المستعار الغزير الخاص.
شكل 1: الكاهن الأعظم «لآمون» المسمى «رعمسيس نخت«.
بعصر الرعامسة، وقد مثل راكعًا وهو يقبض بين يديه على مائدة جلس عليها ثالوث «طيبة». أما التمثال الثاني فعلى الرغم من أنه أقل رشاقة في صنعه من السابق فإنه يعد من أهم قطع النحت الممتازة، التي وصلت إلينا من مدرسة فن النحت الطيبية، وقد أصبح هذا التمثال الكلاسيكي يعرف بتمثال كاهن القرد — والقرد هنا هو الإله «تحوت» الذي كان يمثل أحيانًا في صورة القرد — فقد مثل هذا الكاهن جالسًا القرفصاء، وعلى حجره بردية منشورة أمامه، وعلى رأسه شعر مستعار ويرتدي ملابس رسمية، وكأنه كان يفكر أو يتلو صلوات في سره بحالة ذهول من الورقة التي أمامه. ويُرى جاثمًا فوق كتفه قرد صغير كثيف الشعر ينظر إليه من على رأسه، ومعنى ذلك أن الإله «تحوت» هو الذي قد ظهر في هذا الوضع غير المعتاد، وقد كان من الصعب على المثَّال أن يوفق بين صورة الكاهن، وصورة هذا الحيوان بهيئة ليست زرية ولا قبيحة.
والواقع أن المثال خرج من تمثيل هذه الصورة على هذا الوضع بما يدل على براعته وقدرة افتنانه. ويلاحظ أن الكاهن في الصورة قد ثنى رقبته بعض الشيء، غير أن الإنسان يشعر أن الحيوان لم يضايقه بثقله، ومن جهة أخرى يرى أن القرد قد وارى نصفه خلف شعر الكاهن المستعار؛ أما محياه العابس الذي ارتسمت عليه سيما الازدراء فيحس منه الإنسان الأثر المقبض الذي يحدث من وضع وجه حيوان مستعار على وجه إنسان (راجع Maspero, Archeol. Egyptienne p. 232 (1907)).
وهذا التمثال الذي يعزوه «مسبرو» إلى أحد مصانع الحفر، التي كانت تحت إدارة كهنة «آمون» (انظر الشكل 1) لم يكن ذا أهمية من الوجهة الفنية وحسب، بل يقدم لنا كذلك عن أسرة «رعمسيس نخت» معلومات لم تصلنا من أي مصدر آخر. والواقع أننا نقرأ على ورقة البردي التي على حجر هذا الكاهن الأكبر والقابض عليها بيده ما يأتي: «من أجل روح الحاكم ومدير الأعمال الخاصة بكل آثار جلالة ورئيس كهنة كل آلهة «طيبة» وأمين أسرار الملك والشرف الأعظم على القصر الملكي (أي معبد مدينة «هابو») وأعظم الرائين للآلهة «رع» في «طيبة»، والكاهن الأول «لآمون رع» ملك الآلهة المسمى «رعمسيس نخت»، ابن القاضي، ومدير الضرائب، ورئيس كهنة كل آلهة «هرمو بوليس» وكاتم أسرار الملك، ومدير بيت رب الأرضين «مري باستت «.
ومن ثم نعلم أن مسقط رأس والد «رعمسيس نخت» هو بلدة «هرمو بوليس» (الأشمونين الحالية) وهذا يفسر لنا بوضوح السبب الذي جعل «رعمسيس نخت» يمثل مع القرد في هذا الوضع الفريد في بابه، وهو الذي أصبح الكاهن الأكبر للإله «آمون» في «الكرنك»، ومع ذلك فقد استمر في تقديس إله أجداده، فوضع نفسه تحت حماية الإله «تحوت» الذي كان يمثل في صورة قرد، ويعد أعظم معبودات بلدة الأشمونين في كل عصور التاريخ المصري القديم.
ومن الجائز أن «مري باستت» والد «رعمسيس نخت» كان من أصحاب الحظوة عند «رعمسيس الثالث»، وفي عهد «رعمسيس الرابع» أرسله في الحملة التي بعث بها في وادي «روآنا» في السنة الثانية من حكمه، وهو الذي نقش على صخور وادي حمامات اللوحات التي تحدثنا عنها فيما سبق.
ومما يلفت النظر في أمر هذا العظيم أن الفرعون لوثوقه فيه قد نصبه كاتم سره ومدير أملاكه في الأرضين؛ مما جعله على اتصال مستمر بالقصر، وقد نقش على قاعدة هذا التمثال المهدي: «ابنه الأكبر الذي يجعل اسمه حيًّا، الكاهن الأكبر «لآمون رع» ملك الآلهة «نسيآمون».» وهذا المتن الصغير له أهمية عظيمة؛ لا لأننا نعرف منه أنه كان يوجد كاهن أكبر «لآمون» يدعى «نسيآمون» وحسب؛ بل كذلك لأننا نفهم منه أن «نسيآمون» هذا قد ورث «رعمسيس نخت» في وظيفة الكاهن الأكبر «لآمون» في الكرنك مباشرة بعده.
وقد أنجب «رعمسيس نخت» ولدين آخرين أحدهما يدعى «أمنحتب»، وهو الذي أصبح فيما بعد الكاهن الأكبر لآمون، والآخر «مري باستت» وكان منخرطًا كذلك في سلك الكهانة في الكرنك بلقب الكاهن والد الإله، وتزوج ابنه «ستاو» الكاهن الأول لآلهة الكاب. وقد أخطأ كل من الأثريين «فرشنسكي» و«فيل» عندما قالا: إن «نفررنبت» وهو أحد أبناء «رعمسيس نخت» كان وزيرًا للفرعون «رعمسيس الرابع». ونسبة بنوة «نفررنبت» إلى «رعمسيس نخت» لا ترتكز على أي أساس. وقد تناول هذا الموضوع الأستاذ «لفبر» بالبحث، وأثبت أن «نفررنبت» لم يكن ابن «رعمسيس نخت» ولم يكن الأخير يومًا ما وزيرًا للفرعون «رعمسيس الرابع» ولا لغيره من الملوك، ولكن هذا لا يمنع أنه كان يوجد وزير بهذا الاسم كما ورد في «الإستراكون رقم 25244» المحفوظة بالمتحف المصري، غير أنه مع ذلك لم يحمل لقب الكاهن الأكبر للإله «آمون»؛ ولذلك فإنه ليس لدينا ما يدعو إلى الخلط بين هذا الوزير والكاهن سميه، وبخاصة أن هذه التسمية كانت شائعة في عهد الأسرة العشرين. (Histoire des Grands Pretres p. 200).
ومن جهة أخرى توجد وثيقة نعلم منها أن الكاهن الأعظم «رعمسيس نخت» كانت له ابنة تدعى «عزوت» (؟) وتحمل لقب رئيسة كهنة حظيات «آمون»، وهو لقب كانت تحمله أمها من قبلها. وقد تزوجت الأولى رجلًا يدعى «أمنمؤيت» وكان يحمل لقب الكاهن الثالث للإله «آمون»، وفي الوقت نفسه كان يلقب الكاهن أعظم الرائين للإله «رع» في «طيبة» والكاهن الأول للإلهة «موت»، وقد نقش على أحد جدران مقبرة هذا الكاهن منظر مثل فيه يتسلم مكافآت من الذهب والفضة في السنة السابعة والعشرين من حكم الفرعون «رعمسيس الثالث «.
والظاهر على أية حال أن «أمنمؤيت» هذا قد مات قبل والد زوجه، وقد عاش عدة سنين بعد أن تسلم مكافأته هذه؛ لأننا وجدنا منقوشًا على جدار آخر من قبره طغراء «رعمسيس الرابع»، وعلى مقربة من المنظر الذي فيه يتسلم «أمنمؤيت» هداياه نجد امرأته تقدم قربانًا لوالدها الحاكم والكاهن والد الإله ورئيس الأسرار في السماء وعلى الأرض وفي العالم السفلي، ومدير البيت العظيم لقصر «رعمسيس الثالث» في ضيعة «آمون» في غربي «طيبة»، والكاهن الأول «لآمون رع» ملك الإله «رعمسيس نخت «.
وتدل شواهد الأحوال على أن هذا المنظر يرجع عهده إلى عهد «رعمسيس الرابع» أيضًا (راجع Porter and Moss I, p. 144).
ومن المحتمل جدًّا أن «رعمسيس نخت» أصبح في هذا العهد كاهنًا أول، وعلى أية حال فإن فترة توليته وظيفة الكهانة العليا كانت في عهد «رعمسيس الرابع» وأخلافه. ومن الجائز أنه قد تقلد وظيفة الكاهن الأكبر «لآمون» دون أن يصعد إليها تدريجًا على حسب النظام المتبع، والظاهر أنه لم يتعدَّ في ترقيته في سلك الكهانة وظيفة الكاهن والد الإله مثل «منخبر رع سنب»، ومثل «بتاح موسى» اللذين تحدثنا عنهما فيما سبق (راجع مصر القديمة ج4، ج5).
وهذه المرتبة كانت على ما نعلم كافية لأن تضفي على حاملها صفة الكهانة. على أن رقيه إلى أعلى مرتبة يصل إليها كاهن لم تنحصر فقط في أنه أصبح رئيس كهنة «طيبة»، والكاهن أعظم الرائين للإله «رع-أتون» في «طيبة»، بل منح كذلك اللقب العظيم رئيس كهنة الوجه القبلي والوجه البحري، فكان مثله في ذلك كمثل رؤساء كهنة «آمون» الأقوياء في عهد الأسرة الثامنة عشرة، وبعض الكهنة العظام في الأسرة التاسعة عشرة.
وقد كان متمتعًا بكل الحظوة الملكية، فكان يحمل لقب الأمين الكبير، والواقع أنه كان كاتم أسرار الفرعون مثل والده «مري باستت «.
وكذلك كان مثله كمثل أعظم كهنة «آمون» الأول يحمل لقب مدير أعمال العمارة، وبتقلده هذه الوظيفة لم يكن يدير الأعمال الخاصة بالإله «آمون» في الكرنك وحسب، بل كان كذلك مثل أسلافه «حابو سنب» و«بتاح موسى» و«باكنخنسو» و«رومع روي» يدير كل أعمال العمارة في البلاد من مبانٍ ومقابر وتماثيل، مما كان الفرعون يأمر بإنجازها.
وقد كان المهندسون الكهنة في عهد الأسرتين الثامنة عشرة والعشرين، يقومون بإرسال البعوث إلى جبل السلسلة للبحث عن الأحجار اللازمة للمباني التي كانت تقام في المعابد وغيرها. ولكن «رعمسيس الرابع» فضل إرسال البعوث لاستغلال محاجر «وادي روان»، وهو المعروف الآن «بوادي الحمامات» حيث يوجد نوع من حجر «الشست» (حجر بخن الجميل) وقد أرسلت هذه الحملة للكشف كما ذكرنا من قبل في السنة الثانية من حكم هذا الفرعون، ولم يذهب الفرعون على رأسها كما يقول «لفبر» وغيره. وفي السنة التالية أرسل حملة حقيقية عظيمة بعض رجالها من جنود الحرب والبعض الآخر من العمال الفنيين، وقد بلغ عددها حوالي 8362 بما في ذلك الذين قضوا في أثناء الحملة، وقد بلغ عددهم 900 رجل. وقد كان على رأسها — بأمر الملك — الكاهن الأعظم «لآمون» مدير أعمال الفرعون «رعمسيس نخت»، وقد كان يساعده كما قلنا من قبل مجلس أركان حرب يديره قائد تحت إمرته فرقة من المشاة يقول عنها «بركش»: إنها كانت مستعدة لخوض المعركة (راجع Brugsch, Die Aegyptologie p. 231).
وهذه الحملة كانت مجهزة بكل الأدوات اللازمة لجيش مستعد للقيام بحملة، فكان فيها المشرفون ورجال الخزانة ورجال الإدارة والأدلاء والحكام والمعدات، أما المفتنون في المناجم وقطع الأحجار والرسم والنحت، فقد بلغ عددهم حوالي 130 رجلًا تحت إدارة اثنين من مهندسي المناجم، وهما: «أمنوسى» و«باكنخنسو «.
وقد ترك لنا أحد رجال هذه الحملة البارزين — وهو رئيس فرقة — لوحة كتبت باسمه في أسفل صخرة على حافة الطريق، وذكر فيها اسم «رعمسيس نخت» وسجل ذكرى حملته. وعلى الرغم من أن هذه اللوحة قد نقشت نقشًا خشنًا وأن المتن في بعض الأماكن يحتوي أخطاء فإنه في مجموعه ظاهر وهو: «السنة الثالثة، الشهر الأول من الفصل الثالث، اليوم السادس والعشرون … ذهب قائد العربة … «رعمسيس» (؟) ابن مدير البيت «مري زدت» لأخذ الأحجار من المكان الصحيح مع مدير الأعمال الكاهن الأول «لآمون رع» ملك الآلهة «رعمسيس نخت «.
وكان يتمتع هذا الكاهن الأعظم «لآمون» بنفوذ في «طيبة» ومصر، ولكن لا نجده يشغل أية وظيفة عامة غير وظيفة مهندس العمارة.
وقد حاول «فيل» أن يستنبط من «الإستراكون «التي في متحف القاهرة أنه كان وزيرًا؛ والواقع أن «رعمسيس نخت» لم يحمل هذا اللقب قط، كما أننا لم نجد هذا اللقب على أي أثر رسمي من الآثار التي تنسب إلى «رعمسيس نخت«.
وقبر هذا الكاهن الأكبر كان محفورًا في تل «ذراع أبو النجا» وهو الآن مخرب تمامًا، وقد وجدت منه بعض بقايا يظهر منها أنه كان قد اغتصبه وزير «رعمسيس» التاسع المسمى «نب ماعت رع نخت «.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|