أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-9-2021
1969
التاريخ: 11-10-2016
2252
التاريخ: 3-3-2022
1479
التاريخ: 15-3-2022
1530
|
تجرد النفس إنما هو التجرد في الذات دون الفعل لافتقارها فعلا إلى الجسم و الآلة ، فحدّها : أنها جوهر ملكوتي يستخدم البدن في حاجاته ، و هو حقيقة الإنسان و ذاته و الأعضاء و القوى آلاته التي يتوقف فعله عليها ، و له أسماء مختلفة بحسب اختلاف الاعتبارات ، فيسمى (روحا) لتوقف حياة البدن عليه و (عقلا) لإدراكه المعقولات و (قلبا) لتقلبه في الخواطر، و قد تستعمل هذه الألفاظ في معان أخرى تعرف بالقرائن.
و له قوى أربع : قوة عقلية ملكية ، و قوة غضبية سبعية ، و قوة شهوية بهيمية ، و قوة وهمية شيطانية.
و(الأولى) شأنها إدراك حقائق الأمور، و التمييز بين الخيرات و الشرور، و الأمر بالأفعال الجميلة ، و النهي عن الصفات الذميمة.
و(الثانية) موجبة لصدور أفعال السباع من الغضب و البغضاء و التوثب على الناس بأنواع الأذى.
و(الثالثة) لا يصدر عنها إلا أفعال البهائم من عبودية الفرج و البطن ، و الحرص على الجماع و الأكل.
و(الرابعة) شأنها استنباط وجوه المكر و الحيل ، و التوصل إلى الأغراض بالتلبيس و الخدع والفائدة في وجود القوة الشهوية بقاء البدن الذي هو آلة تحصيل كمال النفس ، وفي وجود الغضبية أن يكسر سورة الشهوية و الشيطانية ، و يقهرهما عند انغمارهما في الخداع و الشهوات ، و اصرارهما عليهما ، لأنهما لتمردهما لا تطيعان العاقلة بسهولة ، بخلاف الغضبية فإنهما تطيعانها و تتأدبان بتأديبها بسهولة.
و لذا قال أفلاطون في صفة السبعية و البهيمية : «أما هذه أي السبعية فهي بمنزلة الذهب في اللين و الانعطاف ، و أما تلك أي البهيمية فهي بمنزلة الحديد في الكثافة و الامتناع» وقال أيضا : «ما أصعب أن يصير الخائض في الشهوات فاضلا ، فمن لا تطيعه الواهمة و الشهوية في إيثار الوسط فليستعن بالقوة الغضبية المهيجة للغيرة ، و الحمية حتى يقهرهما» فلو لم يمتثلا مع الاستعانة فإن لم تحصل له ندامة بعد ارتكاب مقتضاهما دل على غلبتهما على العاقلة و مقهوريتها عنهما ، وحينئذ لا يرجى صلاحه ، و إلا فالإصلاح ممكن فليجتهد فيه و لا ييأس من روح اللّه ، فإن سبل الخيرات مفتوحة ، و أبواب الرحمة الإلهية غير مسدودة.
{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت : 69].
والفائدة في القوة الوهمية إدراك المعاني الجزئية ، و استنباط الحيل و الدقائق التي يتوصل بها إلى المقاصد الصحيحة.
وبيان ذلك أن الواهمة و الخيال و المتخيلة ثلاث قوى متباينة ، و مباينة للقوى للثلاث الأول ، و شأن الأولى إدراك المعاني الجزئية ، و شأن الثانية إدراك الصور، و شأن الثالثة التركيب و التفصيل بينهما , و كل من مدركاتها إما مطابق للواقع ، أو مخترع من عند أنفسها من غير تحقق له في نفس الأمر أيضا ، و إما من مقتضيات العقل و الشريعة ، و من الوسائل إلى المقاصد الصحيحة ، أو من دواعي الشيطان وما يقتضية الغضب و الشهوة ، و على الأول يكون وجودها خيرا و كمالا، و إن كان وجودها على الثاني شرا و فسادا , و الحال في جميع القوى كذلك.
هذا و قيل : ما ورد في القرآن من النفس المطمئنة و اللوامة و الأمارة بالسوء ، إشارة إلى القوى الثلاث أعني العاقلة و السبعية و البهيمية ، و الحق أنها أوصاف ثلاثة للنفس بحسب اختلاف أحوالها ، فإذا غلبت قوتها العاقلة على الثلاث الأخر، و صارت منقادة لها مقهورة منها و زال اضطرابها الحاصل من مدافعتها سميت «مطمئنة» ، لسكونها حينئذ تحت الأوامر و النواهي ، و ميلها إلى ملائماتها التي تقتضي جبلتها ، و إذا لم تتم غلبتها و كان بينها تنازع و تدافع ، و كلما صارت مغلوبة عنها بارتكاب المعاصي حصلت للنفس لوم و ندامة سميت «لوامة».
وإذا صارت مغلوبة منها مذعنة لها من دون دفاع سميت «أمارة بالسوء» لأنه لما اضمحلت قوتها العاقلة و أذعنت للقوى الشيطانية من دون مدافعة ، فكأنما هي الآمرة بالسوء.
ثم مثل اجتماع هذه القوى في الإنسان كمثل اجتماع ملك ، أو حكيم و كلب و خنزير و شيطان في مربط واحد ، و كان بينها منازعة ، و أيها صار غالبا كان الحكم له ، و لم يظهر من الأفعال و الصفات إلا ما تقتضيه جبلته فكان إهاب الإنسان وعاء اجتمع فيه هذه الأربع ، فالملك أو الحكيم هو القوة العاقلة ، و الكلب هو القوة الغضبية ، فإن الكلب ليس كلبا و مذموما للونه و صورته بل لروح معنى الكلبية و السبعية أعني الضراوة و التكلب على الناس بالعقر و الجرح والقوة الغضبية موجبة لذلك ، فمن غلب فيه هذه القوة هو الكلب حقيقة ، و إن أطلق عليه اسم الإنسان مجازا ، و الخنزير هو القوة الشهوية ، والشيطان هو القوة الوهمية ، و التقريب فيهما كما ذكر، و النفس لا تزال محل تنازع هذه القوى و تدافعها إلى أن يغلب إحداها ، فالغضبية تدعوه إلى الظلم و الإيذاء ، و العداوة و البغضاء ، والبهيميية تدعوه إلى المنكر و الفواحش ، و الحرص على المآكل و المناكح ، و الشيطانية تهيّج غضب السبعية و شهوة البهيمية ، و تزيد فعلهما ، و تغري إحداهما بالأخرى و العقل شأنه أن يدفع غيظ السبعية بتسليط الشهوية عليها ويكسر سورة الشهوية بتسليط السبعية عليها ، و يرد كيد الشيطان و مكره بالكشف عن تلبيسه ببصيرته النافذة ، و نورانيته الباهرة ، فإن غلب على الكل يجعلها مقهورة تحت سياسته غير مقدمة على فعل إلا بإشارته جرى الكل على المنهج الوسط ، و ظهر العدل في مملكة البدن ، و إن لم يغلب عليها و عجز عن قهرها قهروه و استخدموه فلا يزال الكلب في العقر و الإيذاء ، و الخنزير في المنكر و الفحشاء ، و الشيطان في استنباط الحيل ، و تدقيق الفكر في وجوه المكر والخدع ، ليرضي الكلب و يشبع الخنزير، فلا يزال في عبادة كلب عقور أو خنزير هلوع أو شيطان عنود ، فتدركه الهلاكة الأبدية ، و الشقاوة السرمدية ، إن لم تغثه العناية الإلهية ، و الرحمة الأزلية.
وقد يمثل اجتماع هذه القوى في الإنسان براكب بهيمة طالب للصيد يكون معه كلب و عين من قطاع الطريق ، فالراكب هو العقل ، و البهيمة هي الشهوة ، و الكلب هو الغضب ، و العين هو القوة الوهمية التي هي من جواسيس الشيطان ، فإن كان الكل تحت سياسة الراكب فعل ما يصلح للكل و نال ما بصدده ، و إن كانت الغلبة و الحكم للبهيمة أو الكلب لهلك الراكب بذهابه معهما فيما لا يصلح له من التلال و الوهاد ، و اقتحامه في موارد الهلكات ، و إن كان الكل تحت نهي العين و أمره ، و افتتنوا بخدعه و مكره لأضلهم بتلبيسه عن سواء السبيل حتى يوصلهم إلى أيدي السارقين.
وكذلك لو كانت القوى بأسرها تحت إشارة العقل و قهرها و غلب عليها وقعت لانقيادها له المسالمة و الممازجة بين الكل ، و صار الجميع كالواحد لأن المؤثر و المدبر حينئذ ليس إلا قوة واحدة تستعمل كلا منها في المواضع اللائقة و الأوقات المناسبة ، فيصدر عن كل منها ما خلق لأجله ، على ما ينبغي من القدر و الوقت و الكيفية ، فتصلح النفس و قواها.
{أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9].
ولو لم يغلب العقل حصل التدافع و التجاذب بينه و بين سائر القوى ، و يتزايد ذلك إلى أن يؤدي إلى انحلال الآلة و القوة لو يصير العقل مغلوبا فتهلك النفس و قواها ، {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 10].
(تتميم) لما تبين أن للنفس اربع قوى متخالفة ، و لها قوى أخر أيضا كما تبين في العلم الطبيعي. فيحسب غلبة بعض هذه القوى على بعض يحصل في النفس اختلاف عظيم ، و الاختلاف في النفوس إنما هو باختلاف صفاتها الحاصلة من غلبة بعض قواها المتخالفة , إذ هي في بدو فطرتها خالية عن جميع الأخلاق و الملكات ، و ليس لها فعلية ، بل هي محض القوة ، و لذا ليس لها قوام بذاتها و إنما تتقوم بالبدن ، ثم بتوسط قواها تكتسب العلوم و الأخلاق ، و ترتسم بالصور و الأعمال إلى أن تتقوم بها ، و تصل إلى ما خلقت لأجله.
ولما كانت قواها متخالفة متنازعة فما لم يغلب إحداها لم تدخل النفس في عالمه الذي يخصه فلا تزال من تنازعها معركة للآثار المختلفة و الأحكام المتباينة إلى أن يغلب إحداها فتظهر في النفس آثاره و يدخل في عالمه الخاص.
ولما كانت القوة العاقلة من سنخ الملائكة ، و الواهمة من حزب الأبالسة و الغضبية من أفق السباع ، و الشهوية من عالم البهائم ، فبحسب غلبة واحدة منها تكون النفس إما ملكا أو شيطانا أو كلبا أو خنزيرا ، فلو كانت الغلبة و السلطنة لقهرمان العقل ظهر في مملكة النفس أحكامه و آثاره ، و انتظمت أحوالها ، و لو كانت لغيره من القوى ظهر فيها آثاره فتهلك النفس و يحتل معاشها و معادها.
ثم المنشأ للتنازع و التجاذب و البقاء في نفس الإنسانية إنما هو قوتها العقلية لأن التدافع إنما بينها و بين سائر القوى، فليس في نفوس سائر الحيوانات لفقدانها العاقلة ننازع و تجاذب و إن اختلفت في غلبة ما فيها من القوى ، فإن الغلبة في الشياطين للواهمة ، و في السباع للغضب ، و في البهائم للشهوة ، و أما الملائكة فتنحصر قوتها بالعاقلة فليس فيها سائر القوى فلا يتحقق فيها تدافع و تنازع.
فالجامع لعوالم الكل هو الإنسان و هو المخصوص من بين المخلوقات بالصفات المتقابلة ، و لذلك صار مظهرا للأسماء المتقابلة الإلهية ، و قابلا للخلافة الربانية ، و قائما بعمارة عالمي الصورة و المعنى.
والملائكة و إن كانوا مخصوصين بالجنة الروحانية و لوازمها من الإشراقات العلمية ، و توابعها من اللذات العقلية ، إلا أنه ليس لهم جهة جسمانية و لوازمها , و الأجسام الفلكية و ان كانت لها نفوس ناطقة على قواعد الحكمة إلا أنها خالية عن الطبائع المختلفة ، والكيفيات المتباينة ، و ليس لها في المدارج المتخالفة ، و المراتب المتفاوتة ، و لا تقلّب في أطوار النقص والكمال ، و لا تحول في جميع التقاليب و الأحوال ، بخلاف الإنسان فإنه محيط بجميع المراتب المختلفة ، و سائر في الأطوار المتباينة من الجمادية و النباتية و الحيوانية و الملكية ، و له الترقي عن جميع تلك المراتب بأن تتحقق له مرتبة مشاهدة الوحدة الصرفة فيتجاوز عن أفق الملائكة ، فهو النسخة الجامعة لحقائق الملك و الملكوت ، و المعجون المركب من عالمي الأمر و الخلق قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «إن اللّه خص الملك بالعقل دون الشهوة و الغضب ، و خص الحيوانات بهما دونه و شرّف الإنسان بإعطاء الجميع فإن انقادت شهوته و غضبه لعقله صار أفضل من الملائكة لوصوله إلى هذه المرتبة مع وجود المنازع و الملائكة ليس لهم مزاحم».
قد ظهر بما ذكر أن الإنسان ذو جنبة روحانية يناسب بها الأرواح الطيبة و الملائكة القادسة ، و ذو جنبة جسمانية يشابه بها السباع و الأنعام ، فبالجزء الجسماني أقيم في هذه العالم الحسي مدة قصيرة ، و بالجزء الروحاني ينتقل إلى العالم العلوي ، و يقيم فيه أبدا في مصاحبة الأرواح القدسية ، بشرط أن يتحرك بقواه نحو كمالاتها الخاصة ، حتى يغلب الجزء الروحاني على الجسماني ، و ينفض عن نفسه كدورات الطبيعة ، و تظهر فيه آثار الروحانيات من العلم بحقائق الأشياء و الأنس باللّه تعالى و الحب له و التحلي بفضائل الصفات , و حينئذ يقوم بغلبة روحانيته بين الملأ الأعلى يستمد منهم لطائف الحكمة ، و يستنير بالنور الإلهي و يزيد ذلك بحسب رفع العلائق الجسمية ، حتى إذا ارتفعت عنه حجب الغواسق الطبيعية بأسرها ، و أزيلت عنه استار العوائق الهيولانية برمتها ، خلى عن جميع الآلام و الحسرات ، و كان أبدا مسرورا بذاته ، مغتبطا بحاله ، مبتهجا بما يرد عليه من فيوضات النور الأول ، و لا يسرّ إلا بتلك اللذات ، و لا يغتبط إلا بها ، و لا يهش إلا بإظهار الحكمة الحقة بين أهلها ، و لا يرتاح إلا بمن ناسبه و أحب الاقتباس منه ، و لا يبالي بمفارقة الدنيا و ما فيها ، و يرى جسمه و ماله و جميع خيرات الدنيا وبالا و كلا عليه إلا ما هو ضروري يحتاج إليه بدنه الذي يفتقر إليه في تحصيل كماله ، و يحن أبدا إلى مصاحبة الذوات النورية ، و لا يفعل إلا ما أراد اللّه تعالى منه ، و لا يتعرض إلا لما يقربه إليه ، و لا يخالفه في متابعة الشهوات الردية ، و لا ينخدع بخدائع الطبيعة ، و لا يلتفت إلى شيء يعوقه عن سعادته ، و لا يحزن على فقد محبوب ، و لا فوت مطلوب و إذا صفى من الأمور الطبيعية بالكلية زالت عنه العوارض النفسانية ، و الخواطر الشيطانية بأسرها ، و فنى عنه إرادته المتعلقة بالأمور , و حينئذ يمتلي من المعارف الإلهية ، و الشوق الإلهي و البهجة الإلهية ، و الشعار الإلهي ، و تتقرر الحقائق في عقله كتقرر القضايا الأولية فيه ، بل يكون علمه بها أشد إشراقا و ظهورا من علمه بها , و إذا بلغ هذه الغاية فقد استعد للوصول إلى المرتبة القصوى ، و مجاورة الملأ الأعلى ، فيصل إلى ما لا عين رأت ، و لا أذن سمعت ، و لا خطر على قلب بشر، و يفوز بما أشير إليه في الكتاب الإلهي بقوله : { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة : 17] .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|