المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8198 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
التربة المناسبة لزراعة الفجل
2024-11-24
مقبرة (انحور خعوي) مقدم رب الأرضين في مكان الصدق في جبانة في دير المدينة
2024-11-24
اقسام الأسارى
2024-11-24
الوزير نفررنبت في عهد رعمسيس الرابع
2024-11-24
أصناف الكفار وكيفية قتالهم
2024-11-24
الكاهن الأعظم «لآمون» (رعمسيس نخت) وأسرته
2024-11-24



قاعدة « عدم شرطيّة البلوغ في الأحكام الوضعيّة » (*)  
  
239   10:07 صباحاً   التاريخ: 19-9-2016
المؤلف : آية الله العظمى السيد محمد حسن البجنوردي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج4 ص173 -187.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / عدم شرطية البلوغ في الاحكام الوضعية /

ومن جملة القواعد الفقهيّة المشهورة قاعدة « عدم شرطيّة البلوغ في الأحكام الوضعيّة ».

وفيها جهات من الكلام‌ :

[ الجهة ] الأولى

في مدلولها‌ :

وهو أمور :

الأوّل : الإجماع ، فإنّه لا خلاف بينهم في أنّ إتلاف الصبي مال الغير كإتلاف البالغين موجب للضمان ، واشتغال ذمّته بمثل ما أتلف إن كان مثليّا ، وبقيمته إن كان قيميّا. وكذلك الحال في ضمان اليد ، فلو استولى الصبي على مال الغير وغصبه فتلف ذلك المال في يده ـ بل وإن كان التلف في يد غيره ، غاية الأمر استقرار الضمان على من وقع التلف في يده ـ يكون ضامنا وإن لم يكن بإتلافه ، بل كان بتلف سماوي.

وهذا الإجماع محقّق لكلّ من تتبّع في الفقه ، إذ لم ينقل الخلاف من أحد.

ولا يمكن أن يكون اعتمادهم في هذا الاتّفاق على عمومات أدلّة الضمان ، مثل قوله صلى الله عليه واله وسلم : « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه ».

وما هو المعروف : « من أتلف مال الغير فهو له ضامن » وغيرهما ممّا ذكرناها في قاعدة الإتلاف.

وذلك من جهة وقوع الخلاف بينهم في انصراف الأدلّة العامّة عن الصبي ، ولم يقع خلاف في أصل الضمان ، فهذا إجماع يمكن الاعتماد عليه. ولا يرد عليه ما أوردنا على الإجماعات التي ادّعيت في أغلب القواعد الفقهيّة المذكورة في هذا الكتاب.

الثاني : سيرة المتديّنين ، بل العقلاء قاطبة على أنّ الصبي إذا أتلف مال الغير أو غصبه ، فوقع عليه التلف ـ وإن كان التلف في غير يده ـ فهو له ضامن ، بل ربما يقولون بضمانه إن فوّته على المالك وإن لم يقع يده عليه ولا أتلفه ، كما لو حبس حرّا ففوّت عليه منافعه ، خصوصا إذا كان عاقلا ذا شعور وإدراك وفهم حادّ وكان أقلّ من زمان البلوغ بزمان يسير ، ولم يردع الشارع عن هذه السيرة بل أمضاها بإطلاقات الأدلّة العامّة ، كما سنتكلّم عنها وعمّا قيل بأنّها رادعة إن شاء الله تعالى.

الثالث : الروايات والأدلّة العامّة الواردة في أبواب الضمانات والنجاسات والطهارات ، وفي باب إحياء أراضي الموات ، وفي أبواب الديات والحيازات ، فإنّه في جميع الأدلّة عامّة أو مطلقة تشمل البالغ والصبيّ على نهج واحد.

فإنّ قوله صلى الله عليه واله وسلم : « من أحيا أرضا مواتا فهي له » (1) أو قوله : « من حاز شيئا من المباحات ملكه » (2) أو قوله صلى الله عليه واله وسلم : « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه » (3) وأمثال ذلك ممّا يدلّ على جنابة الواطى والموطوء وإن لم ينزل ، ولكن بعد غيبوبة الحشفة في أحد المأتيين (4). أو ما يدلّ على نجاسة بدن الذي لاقى النجس أو المتنجّس مع الرطوبة (5).

والحاصل : أنّ الفقيه المتتبّع إذا نظر في تلك الأدلّة مع كثرتها يتيقّن بشمولها لغير البالغين مثل البالغين ، خصوصا إذا كان غير البالغ واجدا لجميع شرائط التكليف ما عدى مقدار قليل من الزمان كيوم ، بل وإن كان كشهر باقيا إلى أن يصير بالغا بحسب العمر.

ولا شكّ أنّ دعوى انصراف تلك الأدلّة عن مثل هذا الصبي الذي لم يبق إلى بلوغه بحسب العمر إلاّ يوما ، لا يخلو عن مجازفة ، فإذا شمل مثل هذا الفرض يتمّ في سائر الموارد بعدم القول بالفصل ، ولا مخصّص ولا مقيّد في البين لهذه العمومات والإطلاقات بعد الفراغ عن عدم انصرافها إلى خصوص البالغين ، عدا ما يتخيّل من قول عليّ عليه السلام : « أما علمت رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتّى يحتلم ، وعن المجنون حتّى يفيق ، وعن النائم حتّى يستيقظ » (6).

وبيانه : أنّ قوله عليه السلام : « رفع القلم عن الصبيّ » معناه أنّ الصبيّ ليس عليه جعل من قبل الشارع ، وكذلك الحال في المجنون حتّى يفيق ، والنائم حتّى يستيقظ ، فأهملهم كما أهمل الحيوانات ، ولم يكتب عليهم شيئا ، لا وضعا ولا تكليفا ، فالمنفيّ في هذا الحديث الشريف هو قلم جعل الأحكام مطلقا ، سواء أكانت الأحكام وضعيّة أم تكليفيّة ، فهذا الحديث الشريف تخصّص به الأدلّة العامّة ، أو تقيّد به الإطلاقات الواردة في الأبواب المختلفة.

وفيه أوّلا : أنّ الظاهر من هذه العبارة ـ التي في مقام الامتنان والتسهيل ـ هو رفع المؤاخذة عن هذه الثلاثة ، لعدم التفاهم إلى المصالح والمفاسد ، أمّا المجنون لعدم عقله‌ قبل أن يفيق ، وأما الصبيّ لقلّة عقله غالبا ، وأمّا النائم لغفلته بواسطة نومه وعدم تنبّهه إلى المضارّ والمنافع.

والمؤاخذة من آثار مخالفة التكاليف الإلزاميّة أي ترك الواجب وفعل الحرام ، فيستكشف من نفي اللازم الذي هو المؤاخذة ، نفي الملزوم ـ أي الوجوب والحرمة ـ فيدلّ على عدم تنجّز التكاليف الإلزاميّة على النائم لغفلته ، وعدم توجيه التكليف الإلزامي إلى الصبيّ والمجنون لقلّة عقله في الأوّل ، وعدمه في الثاني ، ولا يدلّ على نفي الأحكام التكليفيّة غير الإلزاميّة ، فضلا عن نفي الأحكام الوضعيّة.

وهذا المعنى مناسب مع ما اشتهر بينهم من عدم اشتراط البلوغ في الأحكام الوضعيّة ، وأيضا ما اشتهر بينهم من مشروعيّة عبادات الصبيّ.

وثانيا : على فرض تسليم أنّه ليس المراد من رفع القلم خصوص نفي العقاب والمؤاخذة ـ بل المراد نفي قلم الجعل عليه ـ فلا بدّ وأن يكون المراد منه أنّ الأفعال التي تترتّب عليها الآثار لو صدرت عن البالغ العاقل المستيقظ ، لو صدرت عن الصبيّ أو المجنون أو النائم لا تترتّب عليها ، وذلك من جهة فقد البلوغ في الصبيّ ، والعقل في المجنون ، والانتباه في النائم.

فبناء على هذا المعنى لا يشمل الحديث الشريف الأفعال التي تترتّب عليها الآثار ، من دون فرق بين الالتفات وعدمه ، وكذلك الاختيار وعدمه. وتكون مثل هذه الأفعال خارجة عن مورد هذا الحديث تخصّصا ، فتكون أبواب الديات والجنايات والجنابة والأحداث مطلقا ، والإتلاف والضمان ـ من ناحية اليد ـ والنجاسة والطهارة خارجة عن مورد هذا الحديث الشريف تخصّصا.

وخلاصة الكلام : أنّه يظهر من هذا الحديث الشريف وذكر الصبيّ في سياق المجنون والنائم ، هو أنّه كما لا قصد في المجنون والنائم تكوينا قصد الصبي في حكم العدم تشريعا ، فكلّ أثر فعل كان مترتّبا على تعمّد ذلك الفعل وقصده ، بحيث لو صدر عنه‌ بلا التفات ليس ذلك الأثر له ، فإذا صدر عن الصبيّ لا يترتّب عليه ذلك الأثر وإن قصده وصدر عنه عمدا.

ويؤيّد هذا المعنى ما رواه في قرب الإسناد بسنده عن أبي البختري ، عن جعفر عليه السلام ، عن أبيه عليه السلام ، عن علي عليه السلام ، أنّه كان يقول في المجنون المعتوه الذي لا يفيق ، والصبيّ الذي لم يبلغ : « عمدهما خطأ تحمله العاقلة ، وقد رفع عنهما القلم » (7).  

فقوله عليه السلام : « وقد رفع عنهما القلم » بعد حكمه بأنّ عمده خطأ بمنزلة العلّة لهذا الحكم ، فيكون معنى رفع القلم عنه أنّ الأثر الذي كان يترتّب على الفعل الذي يصدر عن العاقل عن عمد وقصد لو كان بالغا لا يترتّب على مثل ذلك الفعل لو صدر عن الصبيّ غير البالغ ، فيكون قصده كلا قصد ، وعمده كالخطإ .

فالأفعال التي لا فرق في ترتّب الأثر عليها بين أن تكون صادرة عن قصد وعمد ـ مع الالتفات إليها أو عدم الالتفات إليها ـ ليس مشمولة لهذا الحديث الشريف.

وأمّا ما يقال : من أنّ الأحكام الوضعيّة اعتبارات من قبل الشارع ابتداء أو إمضاء من قبله لما اعتبره العرف والعقلاء ، والأمور الاعتباريّة سواء أكانت اعتبارات ابتدائيّة من قبله أو كانت إمضائية ، تكون اعتبارها بلحاظ الآثار المترتّبة عليها ، وإن قلنا بأنّها مستقلّة في الجعل ، وليست منتزعة عن الأحكام التكليفيّة كما هو المختار عندنا ، وإلاّ لو يكن لها أثر يكون اعتبارها لغوا لا يصدر عن عاقل فضلا عن الشارع الحكيم.

ففي الحقيقة اعتبار الأحكام الوضعيّة ـ أي : جعلها في عالم التشريع ـ لأجل ترتّب الأحكام التكليفيّة عليها ، والفرق بين هذا القول المشهور والمذهب المنصور مع ما ذهب إليه شيخنا الأعظم هو أنّ الحكم الوضعي عند المشهور ملزوم وموضوع‌ للأحكام التكليفيّة (8) ، وعند الشيخ من لوازمها ومنتزعة عنها (9) ، وإلاّ ففي كلا القولين الحكم الوضعي بدون الحكم التكليفي لا يمكن أن يوجد ، إمّا لعدم إمكان وجود الملزوم بدون اللازم كما هو المذهب المشهور المنصور ، أو لعدم إمكان وجود اللازم بدون الملزوم ، كما هو المنسوب إلى الشيخ الأعظم .

فلو سلّمنا أنّ معنى الحديث الشريف هو رفع خصوص الأحكام التكليفيّة ، لا الأعمّ منها ومن الوضعيّة ، لكن النتيجة في كلتا الصورتين واحدة ، إذ رفع الأحكام التكليفيّة ملازم مع رفع الأحكام الوضعيّة أيضا ، لما قلنا من عدم إمكان وجود اللازم بدون الملزوم ، بناء على أنّها منتزعات عن الأحكام التكليفيّة ، وعدم إمكان وجود الملزوم بدون اللازم ، بناء على المختار من أنّ الأحكام التكليفيّة من لوازم الأحكام الوضعيّة ، لأنّها بمنزلة الموضوع.

فجواز الاستمتاعات من لوازم الزوجية ، لا أنّ الزوجيّة منتزعة عن جواز الاستمتاعات ، وكذلك جواز التصرّفات ونفوذها من لوازم الملكيّة وآثارها ، لا أنّ الملكيّة منتزعة عن جواز التصرّفات.

والدليل على ذلك الأدلّة الواردة في الموارد المتفرّقة من الأحكام الوضعيّة ، مثلا : « الناس مسلّطون على أموالهم » (10) يدلّ على أنّ موضوع السلطنة وجواز التصرّفات هي الملكيّة وكون الشي‌ء مالا له ، وموضوع وجوب الإطاعة والتمكين هي الزوجيّة ، وموضوع عدم جواز الأكل والشرب هو كون المأكول والمشروب نجسا ، وهكذا الأمر في سائر الموارد ، وهذا ينبغي أن يعدّ من الواضحات.

فقد أجيب عنه بوجوه :

الأوّل : أنّ المراد من رفع القلم هو رفع المؤاخذة التي من لوازم مخالفة التكليف‌ الإلزامي بترك الواجب وإتيان الحرام ، وحيث أنّ رفع اللازم مستلزم لرفع الملزوم ، فالمرفوع هي التكاليف الإلزاميّة لا مطلق التكاليف ، فالأحكام الوضعيّة لا تبقى بلا أثر ـ كما توهّم ـ بل يستحبّ عليه إتيان الواجبات وترك المحرّمات ، بناء على شرعيّة عبادات الصبيّ.

الثاني : أنّ أثر الوضع هو وجوب تفريغ ذمّة الصبيّ على الوليّ ، إذ لا مانع من أن يكون فعل الصبيّ موضوعا للحكم التكليفي الإلزامي على شخص آخر ، وها هنا هو الولي ، بل هذا المعنى صريح قوله عليه السلام : « عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة » (11) فجناية الصبيّ إن كان عن عمد موضوع لوجوب الدية على العاقلة ، ولذلك لو أتلف الصبيّ مال شخص ، أو تلف بعد وقوع يده عليه ولو كان بتلف سماويّ يجب على الولي أداء مثله من مال ذلك الصبي إن كان مثليّا ، وقيمته إن كان قيميّا ، وهكذا الحال في باب جناياته ودياته التي اشتغلت ذمّته بها ، بل وكفّاراته التي تعلّقت به ، وسائر الضمانات التي تعلّقت به.

الثالث : وجوب ترتيب الأثر عليه بعد البلوغ ، وهذا كاف في عدم لغويّة ذلك الاعتبار.

فظهر ممّا ذكرنا أنّ الأدلّة الواردة في الأبواب المتفرّقة ـ التي تدلّ على أنّ بعض الأفعال موضوع أو سبب لثبوت حكم وضعي ـ عمومات أو مطلقات تشمل أفعال البالغين وغير البالغين.

فقوله : « من حاز شيئا من المباحات ملكه » أو قوله عليه السلام : « من أحيا أرضا مواتا فهي له » وكذلك سائر الأدلّة الكثيرة المتفرّقة في الأبواب المختلفة ـ لا اختصاص لها بالبالغين ، وحديث رفع القلم لا يخصّصها.

وأمّا الروايات الواردة في أنّ عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة فموافق للعمومات ، لا أنّها مخصّصة لها ، لأنّ مفادها أنّ الصبي إذا صدر عنه فعل عن عمد لا يترتّب عليه أثر العمد ، بل يترتّب عليه أثر الخطأ ، فكلّ فعل إذا صدر عن الصبي وكان لصدوره خطأ أثر يترتّب عليه.

وباب الجنايات والديات والجنابة من هذا القبيل ، فإذا وجدت أسباب هذه الأمور ـ وإن كان صدورها منه خطأ ـ تترتّب عليها تلك الأمور ، فالنتيجة ثبوت الأحكام الوضعيّة لغير البالغ أيضا مثل البالغين. وأمّا الروايات التي مفادها توقّف نفوذ أمره على البلوغ فأجنبيّ عن محلّ كلامنا.

[ الجهة ] الثانية

في بيان المراد من هذه القاعدة‌ :

فأقول : إنّ الفعل الذي يكون موضوعا لحكم وضعي ـ وقد يسمّى ذلك الفعل سببا لذلك الحكم ، ولكن التحقيق أنّ ذلك الفعل موضوع لذلك الحكم ، وليس سببيّة في البين ، لأنّ سبب الحكم هو الجعل الشرعي ، فالشارع هو السبب الموجد له ، وإنّما موضوع حكمه يكون ذلك الفعل ـ قد يصدر من البالغ وقد يصدر من غير البالغين ، وليس بلوغ الفاعل شرطا لتحقق ذلك الحكم.

مثلا حيازة المباحات ـ كالاحتطاب والاعتشاب ـ موضوع لملكيّة ذلك الحطب وذلك العشب للفاعل ، سواء صدر عن البالغ أو من غيره ، فليس بلوغ من احتطب أو اعتشب شرطا في تحقق ملكيّة ذلك الحطب أو ذلك العشب.

وقد تقدّم الدليل على عدم شرطيّة البلوغ لحصول الحكم الوضعي في الجهة‌ الأولى ، وهو قوله عليه السلام : « من حاز شيئا من المباحات فقد ملكه » وكذلك الأمر في سائر الأمثلة. والمقصود من ذكر هذه الجهة بيان مفهوم هذه القاعدة.

[ الجهة ] الثالثة

في بيان موارد تطبيق هذه القاعدة‌ :

فنقول :

منها : حصول الجنابة لغير البالغ بغيبوبة الحشفة في أحد فرجيه ، سواء أكان مع إنزال الواطي البالغ أو مع عدمه ، بل وكذلك تحصل الجنابة له مع غيبوبة حشفته في فرج الآخر ، سواء أكان الموطوء بالغا أو لم يكن.

ومنها : حدوث الحدث الأصغر لمن خرج عنه البول أو الغائط أو الريح أو نام ، سواء أكان بالغا أو لم يكن.

ومنها : حصول الضمان واشتغال ذمّة من أتلف مال الغير ، سواء أكان المتلف بالغا أو لم يكن ، ودليله هو عموم « من أتلف مال الغير فهو له ضامن » ـ وقد تقدّم شرح هذه القاعدة في بعض مجلّدات هذا الكتاب ـ من غير مخصّص لذلك العموم.

ومنها : حصول الضمان لمن تلف ماله في يده غير المأذونة ، سواء أكان صاحب تلك اليد بالغا أو لم يكن. ودليله عموم قوله صلى الله عليه واله وسلم : « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه » من دون وجود مخصّص لهذا العموم. وقد شرحنا هذا الحديث الشريف دلالة وسندا في قاعدة « وعلى اليد ».

ومنها : ما لو فوّت على الحرّ منافعه ، بأن حبسه عن شغله ، ففاتت تلك المنافع التي‌ كان يحصلها لو لم يحبسه فهو له ضامن ، سواء أكان هذا الذي فوّت منافعه بالغا أو لم تكن.

ودليله إمّا قاعدة الإتلاف بناء على صدق الإتلاف عليه عرفا ، ولا شكّ في أنّه لو حبس مالك الأغنام والأغنام في برية فأكلها الذئب ، يصدق على الحابس عرفا أنّه أتلف الغنم.

وكذلك لو حبس مالك البستان ، ففسدت ثمراته لعدم من يصلحها ، أو يبست أشجارها لعدم من يسقيها ، فيصدق على الحابس أنّه أتلفها.

فكذلك لو حبس ذا صنعة أو منعه عن الاشتغال بشغله ، كما لو منع البنّاء من أن يبنى ، أو الصائغ من الصياغة ، يصدق عليه عرفا أنّه أتلف منافعه من عمله.

وفيه : الإتلاف إعدام شي‌ء موجود ، لا المنع عن إيجاده.

وإمّا قاعدة احترام مال المسلم وأنّ احترامه كاحترام دمه ، فإذا حبس ذا صنعة فوت عليه منافع إشغاله وأعماله التي كان يعملها لو لا منع الحابس عن الاشتغال بها.

ولا شكّ في أنّ تلك المنافع مال ، وماله محترم ، فمن فوّته يجب عليه تدركه وغرمه.

وفيه : أنّ المنافع وإن كانت مالا ولكن بعد وجوده لا قبل ، والحابس لم يتلف مالا موجودا ولا فوّته على صاحبه ، بل إنّما منع عن أن يوجد ، فلم يفوت مالا على صاحبه كي يكون ضامنا له بقاعدة الاحترام ولكنّه حيث يصحّ أن يواجر نفسه ـ والإجارة تمليك منفعة معلومة بعوض معلوم عند أكثر الفقهاء وإن عرف بتعاريف أخر ، ولا يمكن تمليك ما ليس بمالك له ـ فلا بدّ وأن يقال بأنّ أعماله قبل وجودها مال ، ولذلك تبادل بالمال ، فإذا فوّتها على المالك فقد فوّت مالا محترما عليه ، فيضمن بقاعدة الاحترام.

وإمّا قوله تعالى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] ولا شكّ أنّ من حبسه ومنعه عن عمله واستيفاء منافعه فقد اعتدى عليه ، فله أن يعتدى عليه بمقدار الضرر الذي أورده عليه ويغرمه.

والتحقيق في مسألة تفويت المنافع غير المستوفاة ، هو أنّه إن كانت تفويت المنافع بواسطة وقوع ذي المنفعة تحت يده ، كما لو حبس عبده أو دابّته ومنعهما عن إيجاد منافعهما ، فهذا يرجع إلى ضمان اليد.

والدليل عليه : قوله صلى الله عليه واله وسلم : « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه » وذلك من جهة أنّ اليد على الشي‌ء يد على منافعه ، فكما أنّه يجب إرجاع العين وردّه إلى صاحبه يجب عليه إرجاع المنافع غير المستوفاة أيضا ، لأنّها وقعت تحت يده بتبع وقوع العين تحت يده.

وهذا المعنى لا يمكن في حبس الحرّ ، لعدم إمكان وقوع الحرّ تحت يده ، وعدم صدق الموصول عليه في قوله صلى الله عليه واله وسلم : « ما أخذت » لأنّ الحرّ ليس شيئا مأخوذا بحيث يكون الأخذ سلطانا عليه ، ويكون له التصرّف فيه بالبيع والهبة وغير ذلك من التصرّفات ، فلا بدّ لإثبات الضمان فيه إلى التماس دليل آخر غير قوله صلى الله عليه واله وسلم : « وعلى اليد».

وقد ذكرنا ما قالوا من اندراجه تحت قاعدة الإتلاف ، وقاعدة الاحترام أو الاعتداء في الآية المباركة ، وقد عرفت ما فيها.

والمسألة من حيث الأقوال أيضا فيها اختلاف كثير ، ذكرها شيخنا الأعظم في مكاسبه ، وهو بنفسه له كرّ وفرّ. ونسب إلى المشهور القول بالضمان (11).

ولكن عرفت أنّ هذا فيما يقع تحت اليد لا إشكال فيه ، وإنّما الكلام فيما لا يقع تحتها ، كما قلنا في صورة حبس الحرّ وهو الذي يقال أنّه مورد لقاعدة التفويت. وقد ذكرنا ما يمكن أن يكون مدركا لقاعدة التفويت ، مع ما فيها من الخلل.

وأمّا ما يقال : إنّ مدركها الروايات ، فالروايات التي نحن اطّلعنا عليها ترجع إلى قاعدة الإتلاف ، وقد ذكرنا عدّة منها في مقام بيان مدرك قاعدة الإتلاف ، وعلى كلّ حال كون قاعدة التفويت في قبال قاعدة الإتلاف ـ وقاعدة الاحترام وقاعدة على اليد قاعدة أخرى ويكون لها مدرك مختصّ بها ـ في غاية الإشكال.

نعم لو قلنا بأنّ منع الحرّ عن استيفاء منافعه بواسطة منعه عن العمل ، أو بواسطة منعه عن استثمار أملاكه موجب للضمان مع عدم كونه مندرجا تحت قاعدة الإتلاف ، ولا تحت قاعدة الاحترام ، ولا تحت قاعدة على اليد ، كما هو المفروض ، فلا بدّ وأن نقول إنّ هناك قاعدة أخرى ، وهي قاعدة التفويت.

فضمان المنافع غير المستوفاة ، ـ بدون وقوعها تحت اليد ولو بتبع العين ، مدركه قاعدة التفويت ، ومدرك قاعدة التفويت ـ بعد الفراغ عن عدم كون المذكورات مدركا له ـ هو بناء العقلاء على ذلك ، مع عدم صدور ردع عن قبل الشارع ، وتقريبه : أنّ في أبواب الضمانات غالبا أمضى الشارع الطرق العرفيّة.

ولا شكّ في أنّ العرف والعقلاء يرون من حبس شخصا حرّا ومنعه عن الاشتغال باشغاله ـ خصوصا إذا كان إشغاله ذات فائدة كثيرة وقيمة كبيرة ـ ضامنا ، ويحكمون بتغريمه وأخذ ما خسره المحبوس عنه.

وهذا دليل قطعيّ على أنّ تفويت المنافع على شخص موجب للضمان ، وإن كانت تلك المنافع غير مستوفاة ، وحيث أنّ الشارع لم يردع عن هذه الطريقة العقلائيّة فعدم‌ الردع دليل على إمضائها.

ومنها : حيازة المباحات ، فإنّه لا فرق بين أن يكون من حاز بالغا أو غير بالغ في حصول الملكيّة له بالحيازة. ودليله على عموم الحكم قولهم : « من حاز شيئا من المباحات ملكه » (12) من دون مخصّص لهذا العموم.

ومنها : عموم حكم الشارع بتعلّق الدية بذمّة من أوجد سببها ، سواء أكان بالغا أو غير بالغ ، من دون مخصّص في البين.

ودليله الأخبار الكثيرة الواردة في موارد الديات ، كرواية أبي الصباح عن أبي عبد الله عليه السلام : « من أضرّ بشي‌ء من طريق المسلمين فهو له ضامن » (13).

وكرواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : « من أخرج ميزابا أو كنيفا ، أو أوتد وتدا ، أو أوثق دابّة ، أو حفر شيئا في طريق المسلمين ، فأصاب شيئا فعطب فهو له ضامن » (14) .  

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في أبواب الديات والجنايات.

ومعلوم أنّ الموصول عامّ يشمل غير البالغين كما يشمل البالغين ، ولا مخصّص في البين ، عدا ما توهّموه. وقد عرفت عدم صحّة ما ذكروه.

ومنها : عموم حصول ملكيّة كلّ من أحيا أرضا ميتة ، سواء أكان بالغا أو لم يكن.

والدليل عليه قوله عليه السلام : « من أحيا أرضا مواتا فهي له » .

والحمد لله أوّلا وآخرا ، وظاهرا وباطنا.

_____________

(*) « عوائد الأيام » ص 268 ، « عناوين الأصول » عنوان 84 ، « القواعد الفقهيّة » ج 1 ، ص 331.

(1) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 152 ، ح 673 ، (1) باب أحكام الأرضين ، ح 22 ، « وسائل الشيعة » ج 17 ، ص 327 ، أبواب إحياء الموات ، باب 1 ، ح 5 و6.

(2) « جواهر الكلام » ج 26 ، ص 291.

(3) تقدم راجع ص 54.

(4) « الكافي » ج 3 ، ص 46 ، باب ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة ، ح 1 و2 ، « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 118 ، ح 310 ، (6) باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ، ح 1 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 108 ، ح 358 ، (64) باب ان التقاء الختانين يوجب الغسل ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 469 ، أبواب الجنابة ، باب 6 ، ح 1 ـ 9.

(5) « الكافي » ج 3 ، ص 60 ، باب الكلب يصيب الثوب والجسد وغيره. ، ح 1 ،2 ، 3 ، « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 421 ، ح 1333 ، (22) باب تطهير البدن والثياب من النجاسات ، ح 6 ، « وكذلك ، ج 1 ، ص 260 ، ح 756 ، (12) باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح 43 ، « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1034 ، أبواب النجاسات ، باب 26 ، ح 1 و3.

 (6) « الخصال » ص 40 و175 ، باب الثلاثة ، ح 40 و233 ، « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 32 ، أبواب مقدّمة العبادات ، باب 4 ، ح 11.

(7) قرب الإسناد » ص 155 ، ح 569 ، أحاديث قهزقة.

(8) « فرائد الأصول » ج 2 ، ص 601.

(9) « فرائد الأصول » ج 2 ، ص 602 ـ 603.

(10) « الخلاف » ج 3 ، ص 176 ، في أحكام القرض ، مسألة : 290.

(11) « جواهر الكلام » ج 26 ، ص 291.

(11) « كتاب المكاسب » ص 105.

(12) « جواهر الكلام » ج 26 ، ص 291.

(13) « الكافي » ج 7 ، ص 350 ، باب ما يلزم من يحفر البئر فيقع فيها المار ، ح 3 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 155 ، ح 5346 ، باب ما جاء فيمن أحدث بئرا. ، ح 6 ، « تهذيب الأحكام » ج 10 ، ص 230 ، ح 905 ، (18) باب ضمان النفوس وغيرها ، ح 38 ، « وسائل الشيعة » ج 19 ، ص 180 ، أبواب موجبات الضمان ، باب 8 ، ح 2.

(14) « الكافي » ج 7 ، ص 350 ، باب ما يلزم من يحفر البئر فيقع فيها المار ، ح 8 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 154 ، ح 5343 ، باب ما جاء فيمن أحدث بئرا. ، ح 3 ، « تهذيب الأحكام » ج 10 ، ص 230 ، ح 908 ، (18) باب ضمان النفوس وغيرها ، ح 41 ، « وسائل الشيعة » ج 19 ، ص 182 ، أبواب موجبات الضمان ، باب 11 ، ح 1.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.